أخبار السودان

“فاتورة السلام”.. طريق مجهول لملايين الدولارات

الخرطوم: اسماء السهيلي

ثمة عتمة برزت في نافذة السلام السوداني والذي تحقق بعض منه بالتوقيع مع الفصيل الأكبر في المفاوضات الموسومة إعلامياً بــ”مفاوضات جوبا”، بيد أن فضاءاتالأسافير لاحت في أفقها انتقادات بسبب الصرف على وفود التفاوض، وطاف المواقع والوسائط خطاب لمجموعة فنادق بعاصمة دولة جنوب السودان لمطالبة بسداد متأخرات إقامة وفود مفاوضات السلام، و‏طالبت (10) فنادق وشقق فندقية في خطابها بتاريخ الخامس من يناير، والمعنون الى السلطة الانتقالية بدولة جنوب السودان والمستشار الأمني للرئيس سلفاكير، توت قلواك بتسديد مبلغ 10 ملايين دولار أمريكي قيمة الإقامة بجوبا.

الخطاب المشترك جاء مزيلاً بتوقيعات وأختام الفنادق العشرة، ووجهوا نداءً عاجلا لتسوية متأخرات الإقامة ‏بعد الإخطار النهائي الذي وجه في الأول من نوفمبر٢٠٢٠، وقال المطالبون أنهم بصدد سداد التزاماتهم تجاه موظفيهم والجهات الاخرى التي توفر خدماتها للفنادق المذكورة، وشددوا على ان هذا إخطار نهائي مهلته خمسة أيام فقط.

#خطاب مجهول
صحيفة( المواكب) تواصلت مع دكتور جمعة كندة، مستشار رئيس الوزراء للسلام، والذي شكك في أن يكون المقصود من الخطاب متأخرات وفود السودان، مشيرا إلى أنه ليس هناك ذكر للسودان في الخطاب، واشار كندة الى انه شاهد الخطاب الا أنه لم تكن فيه إشارة للسودان وقال كندة:”مافي سبب يقنعنيأن هذا الكلام معني به السودان، وإن الوفود السودانية خاصة في المجلس السيادي الانتقالي كانت تتكفل بنفقات وتكاليف إقامتها وكل ترتيباتها في جوبا بنفسها”.

وأشار كندة إلى ما وصفه بالتداخل في عمليتي السلام بالسودان وبدولة جنوب السودان، ولم يستبعد أن يكون المقصود من الخطاب تكلفة إقامة وفود مفاوضات السلام لدولة جنوب السودان بفنادق جوبا، منوها في رده إلى أنه كمستشار لرئيس الوزراء ليس معنيا بالأمور المالية.

#أمر طبيعي
رئيس كيان الوسط في مفاوضات السلام، التوم هجو، لم يستبعد أن تكون متأخرات الفنادق تعود إلى إقامة الوفود السودانية، مبيناً ان ذلك أمر طبيعي طالما أن دولة جنوب السودان ارتضت قيادة الوساطة بين الحكومة السودانية وحركات الكفاح المسلح.

و قال هجو لـ”المواكب”:”إن الوساطة في أي مكان دوما تتكفل بكافة التكاليف وإن هناك أطرافا دولية عديدة مانحة كانت داعمة لعملية التفاوض”. وأضاف: “حسب علمي دولة جنوب السودان هي المعنية بالخطاب وليس السودان”. مشيرا في ذات الوقت إلى أن مدينة جوبا كانت تستضيف عمليتي سلام وليست عملية سلام واحدة.

#مصادرخاصة
القيادي بالجبهة الثورية رئيس مسار الشمال، محمد سيد احمد سر الختم ( الجاكومي)، استنكر حديث البعض عن إرهاق وفود مفاوضات السلام لخزينة الدولة،مُستبعدا ان يكون خطاب فنادق جوبا معنيابه الوفود السودانية، موضحا أن المتأخرات المعنية تعود إلى متأخراتوفود مفاوضات سلام دولة جنوب السودان نفسها من مجموعة دكتور رياك مشار وغيرها.

ورفض الجاكومي خلال حديثه لـ(المواكب) ما يتردد من أحاديث عن إرهاق فواتير وفود عملية السلام لخزينة الدولة، مشيرا إلى أن قادة تلك الوفود لديهم مصادر تمويلهم الخاصة كما كانت من قبل أن ينخرطوا في عملية السلام وأنها لديها جيوش مسلحة تصرف عليها ولن يعوزها الصرف على(٥٠)أو ( ٢٠) فرد فقط أتوا معها إلى العاصمة ومعظمهم أسر لايُصعب الصرف عليها.

ومضى للقول:”إن جيوش هذه الحركات مازالت خارج العاصمة”. ضاربا المثل بقدوم مايقارب(١٧٠)عربة من قوات تابعة للقائد مني أركو مناوي خلال اليومين الماضيين إلى منطقة سرف عمرة للانضمام لعملية السلام.
وكذب الجاكومي ما تردد خلال الأسابيع الماضية عن مفاجئة وفود السلام بمطالبات بإخلاء الفنادق، مبيناً أن مفوضية السلام قامت بمخاطبة الوفود منذ انزالهم بتاريخ مغادرتهم للفنادق، وبالتالي كانوا على استعداد لترتيب اوضاعهم بعد انقضاء الفترة المحددة، مشيرا إلى أنهم في كيان الشمال قد رفضوا السكن على حساب الدولة أو استغلال عرباتها.

ونوه إلىأن رئيس المجلس السيادي الانتقالي الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان قد أبدى إشفاقه على هذه الوفود خلال اجتماع معهم وتساءل كيف كانوا يتدبرون أمورهم قبل السلام.

# المفوضية بلا أموال!!
رئيس مفوضية السلام الدكتور سليمان الدبيبلو علق لـ”المواكب”، حول الأموال المرصودة للصرف على عملية السلام ومشروعاتها، بيد انه اشار ضمنياً إلى خلو خزينة المفوضية حتى الآن، و عدم وجود أموال مرصودة حتى الآن لإنزال اتفاق السلام على الارض، وأن المفوضية مازالت بصدد اكمال هياكلها.

وقال الدبيلو: “حتى الآن لا توجد أموال مرصودة لإنفاذ اتفاقيات السلام على الأرض ولم نضع الخطة العامة لإنفاذ هذه البرامج ، وتكلفتها ونحتاج إلى شهر آخر للفراغ من مثل هذه الخطة”. وتابع بالقول: “مازلنا نعمل في تأسيس هياكل المفوضية”.

وأشار إلى عدم رصد أموال حتى الآن لتنفيذ مشاريع اتفاقيات السلام، مؤكداً رصد مبلغ تقديري في موازنة العام الجديد لتنفيذ اتفاقيات السلام رافضاً الكشف عنه، ولفت إلىأن الدعم الدولي لهذه الاتفاقيات متوقف على إعداد وتقديم الخطط والمشاريع.

وقد أجرت “المواكب” اتصالات بمصادر عديدةفي وزارة المالية نفت تسلم الوزارة لأي مخاطبة من دولة جنوب السودان ذات علاقة بمضمون خطاب فنادق جوبا العشرة، ولاتزال الصحيفة تحاول استجلاء أرقام أوجه الصرف حتى الآن على عملية السلام في ظل أوضاع اقتصادية خانقة.

#موارد ضخمة

وكشفت وزير المالية دكتور هبة محمد علي، اكتوبر الماضي أن تنفيذ اتفاق السلام بين الحكومة في الخرطوم والحركات المسلحة قد يُكلف نحو 7.5 مليارات دولار.

وأفادت بأنتنفيذ السلام مسؤولية تضامنية ولديه متطلبات سياسية وأمنية ومجتمعية واقتصاديةتحتاج إلى موارد ضخمة تقيّم بما لا يقل عن 7.5 مليارات دولار يجب توفيرها خلال العشر سنوات المقبلة.

ويتضمن اتفاق جوبا (8) بروتوكولات تحتاج إلى أموال ضخمة للصرف عليها تتعلق بقضايا ملكية الأرض والعدالة الانتقالية والتعويضات وتطوير قطاع الزراعة والرعي وتقاسم الثروة وتقاسم السلطة وعودة اللاجئين والمشردين، إضافة للبروتوكول الأمني والخاص بدمج مقاتلي الحركات في الجيش الحكومي ليصبح جيشاً يمثل كل مكونات الشعب السوداني، ووفقاً للوثيقة الموقعة، تعهدت الحكومة السودانية بتمويل مشاريع تنموية كبرى في المناطق المتضررة بسبب الحرب الأهلية،وتعهدت الحكومة بدفع 300 مليون دولار لإعادة إعمار دارفور، ثم إجمالي مبلغ 1.3 مليار دولار يتم دفعها على مدار 10 سنوات.

وأوضحت وزيرة الماليةأن أكبر دوافع الصراع في السودان التهميش الاقتصادي والتنموي المُمنهج خاصة في الريف وعدم توزيع ثروات البلاد بطريقة عادلة، وأضافت:”ذلك دفع أبناء الوطن لحمل السلاح في دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق وشرق السودان وسابقاً في الجنوب”.

#مخاوف الفشل
رغم أن السلام يعتبر قضية استراتيجية تعني الاستقرار وتوفير الأمن والشروع في مشروعات التنمية المستدامة وإنهاء حالة الحرب، بيد أن تكلفة السلام تُعد أعلى وتتطلب أموالا ضخمة لأجل التأسيس لبُنى تحتية في مشروعات ذات أثر مباشر على حياة المجتمعات التي عانت الحرب تحديداً.

مصادر “المواكب”، أفادت بأن وفود الحركات والكيانات الموقعة على عملية السلام والتي حضرت إلى الخرطوم خلال الربع الأخير من العام الماضي تم توزيعها على فنادق وشقق فندقية في عدد من أحياء العاصمة، بيد أن البعض من ذويهم استغل الأمر وحضر للإقامة معهم مما ضاعف من التكلفة المالية بجانب سوء استخدام المرافق الفندقية من البعض.

مصادر “المواكب”، كشفت أن جهات بالحكومة الانتقالية عمدت على عدم الإيفاء بالأموال المتعلقة بنثرية الإعاشة والترحيل لبعض الوفود خاصة الذين تم إنزالهم في شقق فندقية في ضاحية سوبا، وأن الالتزام المالي اقتصر على رؤساء الوفود مع توفير السيارات للحركة لهم، كما أن جهات حكومية قد نزعت سيارات وأمرت وفود بمغادرة السكن الفندقي مما اضطر رئيس حركة تحرير السودان مني أركو مناوي للقول إن ماجرى أمر مُهين من قبل الحكومة مع شركاء العملية السلمية ويعيد سلوك النظام البائد في عهد الثورة.

وعلمت مصادر “المواكب”، بأن قيادات الجبهة الثورية قد استقر الكثيرين منهم في شقق فندقية خاصة فيأحياء الطائف والرياض والعمارات، وقطع بعضهم بعدم التزام الحكومة حتى الآن بتوفير الأموال المُعلنة لتوفيق أوضاع السلام وتنفيذ بنوده علىأرض الواقع خاصة في ولايات دارفور والمنطقتين، مُبدين مخاوف الفشل والسير في طريق مجهول للإيفاء بدفع ملايين الدولارات سواء كانت تعهدات المانحين والضامنين أو التزامات الحكومة السودانية.

#تخصيص صندوق
كما راج في عدد من المواقع والأسافير قد تحدث بعض من أطراف العملية السلمية بأن التمويل وعدم وضوح مصادره قد يحول من تنفيذ اتفاقية جوبا، وحول هذا الملف علق عضو اللجنة الاقتصادية لـ(الحرية والتغيير)؛ الناطق الرسمي لحزب البعث العربي عادل خلف الله، لـ( المواكب)، بالقول إنه ومن خلال المناقشة الأولى للموازنة لم يظهر تخصيص كبند للسلام، ولكن تم تخصيص صندوق.

وتابع: “تحدثنا معأطراف العملية السلمية بأن تكون الموازنة واحدة تفاديا للتجنيب”. مشيراً إلىتوجيه انتقادات إلىوزارة المالية على خطوة التجنيب هذه،وفيما بعد خصص بند للبناء والسلام، وأيضا توجدموارد مخصصة له حسب الاتفاق، وهي 850 مليون دولار، وقد أكدتوزارة المالية علىذلك، كاشفاً أنه خلال الشهر المقبل يضاف لها كاحتياطي نحو 150 مليون دولار، وهذا يعنيأن الميزانية قد تصل إلى نحو ملياردولار لتنفيذ اتفاق السلام كخطوة أولى وفقاً للإجراءات التي تم الاتفاق حولها.

#مجتمعات الحرب
ويرى الخبير والمحلل الاقتصادي الدكتور محمد الناير أن تكلفة السلام قد تساوي أو تفوق تكلفة الصرف على الحرب، و”قطعاً هي تكلفة مكلفة جداً وتحتاج لأموال كبيرة لأجل تنفيذ بنود اتفاق السلام المتعلقة بعودة النازحين والتوطين وتقديم الخدمات الضرورية لهم، بالإضافة إلىالتعويضات المقررة دفعها، بجانب إحداث تنمية لمعالجة القضايا التي كانت سبباً في مخلفات الحرب مثل اللجؤ والنزوح”.

وأكد الناير لـ”المواكب” أنه رغم التحديات والتكلفة المالية الضخمة بشأن تحقيق السلام بيد أنه يظل أفضل من المضي في طريق الحرب وذلك لاعتبارات متعددة على رأسها أن فاتورة الحرب تدمر البنى التحتية لكافة الخدمات وتعطل الحياة بشكل تام مما يؤثر سلباً على تحقيق الاستقرار الاقتصادي وقبل ذلك فقدان المورد البشري بهلاك الأرواح.وأوضح أن أوجه الصرف على الحرب بعد تحقيق السلام تذهب نحو البناء والتنمية وإنشاء مشروعات جديدة تستوعب مستجدات مابعد السلام خاصة المتعلقة بتحسين أوضاع الناس، مضيفاً: “مهما كانت تكلفة الصرف على السلام تظل هي الأفضل من استمرار الحرب”.

ونوه الناير إلىأن بعض البلدان قد لاتستطيع دفع فاتورة السلام من الموارد المحلية مثل السودان، مشيراً إلىأنه في هذه الحالة لابد من خيار الدعم الدولي والاقليمي للاسهام في تحمل تكلفة إنزال السلام إلىأرض الواقع، مبيناً أنه في كثير من الأحيان قد تدفع الدول الكبرى لتحقيق السلام لأنها تكون هي ذاتها سبباً في تأجيج النزاعات والحروب هناأو هناك بسبب تحقيق أجندة محددة وربما صراعات في أكثر من دولة قامت بسبب عدم تماسك الجبهة الداخلية مما يقود إلى استفادة دول أخرى من استثمارات غير منظورة مثل بيع السلاح أو نهب الموارد، أو الاستفادة من عمليات البناء والتعمير من خلال شركاتها.

وقال الناير لــ”المواكب”، إنه يعتقد أن الكثير من بلدان العالم والإقليم لاترغب في ان يستفيد السودان من مواهبه وتعدد موارده وقدراته الطبيعية الكبيرة في مختلف المجالات، محذراً من أن يكون المهر على السلام لتحقيق مكاسب خاصة أو محاصصات وتوزيع لـ”الكيكة”- على حد تعبيره.

ودعا الخبير الاقتصادي الدكتور محمد الناير إلى ضرورة التزام الحكومة بتنفيذ مشروعات إعادة النازحين واللاجئين وإقامة المشروعات ذات الجدوى الفعالة التي تحقق الاستقرار والنمو الاقتصادي خاصة في المجتمعات التي تضررت من الحروبات، لافتاً لأن تلك المجتمعات دوماً تكون غنية بالموارد التي تشكل بداية الدورة الإنتاجية للاقتصاد الكلي للسودان مما يتطلب بالضرورة إدخالها في المنظومة الاقتصادية باكراً.

المواكب

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..