مقالات وآراء

الأيفون يسبب البلاوي للكلاوي

جعفر عباس

من عادتي، كما هي عادة كل السودانيين في المهاجر، أن أحمل معي هدايا للأقارب وبعض الأصدقاء كلما زرت الوطن في إجازة، وهناك من يحدد الهدية التي يرغب فيها مقدما: أنا عايز بنطلون جينز وتي شيرت مكتوب عليه “آي لاف I Love نيويورك”… أنا عايزة بلوزة صفراء أكمامها بالترتر وأطرافها بالبنجر وزرايرها من المرمر.. ولكن الطلب الذي يفقع مرارتي ويسبب لي ارتفاعا في حامض اليوريك مما يؤدي إلى إصابتي بالقاوت (النقرس) في الدماغ هو: عايز موبايل/ آيفون ماركة كذا. ولكل من يطلب مني أي جهاز اتصال هاتفي لدي رد جاهز: أنا عايز سيارة رولز رويس وطائرة إيرباص خاصة بها سرير ومكتب وحوض سباحة وملعب تنس!! وسر عدم تعاطفي مع هذه الشريحة من الطلبات هو أنني اعرف ان من يطلبونها لديهم سلفا هواتف قادرة على استقبال وارسال المكالمات والرسائل، ولكنهم يريدون مجاراة “الموضة”، وأنا شخصيا لا أجاري الموضة حتى في الملابس، وكل ما يهمني من أمرها هو أن تكون “مقاسي” وألوانها غير صارخة، وبما أنني لا أفهم في الألوان ولا أميز بينها لعلة في عيوني فقد أعطيت توكيلا لزوجتي لتشتري ملابسي.

وانغ مراهق صيني في السادسة عشرة من العمر، وكان يحلم باقتناء جهاز آيفون وآيباد (الكمبيوتر اللوحي)، ولكنه ينتمي لأسرة فقيرة، ومع هذا نجح في الحصول عليهما، ودخل بهما على أمه فرحا، وكان قد غادر بيت العائلة لبضعة أيام بزعم زيارة أقارب في بلدة أخرى، ولكن الأم ألقت نظرة عليه وسألته عن سر شحوبه مصحوبا بالسؤال: من أين لك هذا؟ أبلغ وانغ أمه أنه باع كليته لأحد المستشفيات فأعطوه من المال ما أعانه على شراء الجهازين.. ودخلت الشرطة على الخط، واتضح أن عصابة من خمسة أشخاص أقنعت الصبي بأنه يستطيع كسب مال يحقق به أحلامه الآيفونية والآيبادية لو باع إحدى كليتيه، فلم يتردد وانغ ودخل المستشفى واتضح ان العصابة ومن بين أفرادها طبيب، باعت الكلية بما يعادل 40 ألف دولار، وأعطوه 1090$ فاشترى الآيفون والآيباد، والمأساة الكبرى هي أن وانغ الذي صار بكلية واحدة تم عرضه على الأطباء في سياق التحقيق من قبل الشرطة واتضح انه يعاني من قصور في وظيفة الكلية المتبقية.. ولو كان وانغ راشدا لصحت فيه: خلي الآيفون والآيباد ينفعوك ويفلتروا لك السموم التي في جسمك، ولكن وانغ قاصر وضحية.

من لا يتأقلم مع واقع حاله، ويقبل به، معرض ل”الوقوع” الذي قد لا يكون هناك نهوض بعده.. لا تلهث وراء شيء لا طاقة لك بثمنه، كيلا يكون الثمن كليتك او حتى شرفك.. وتذكروا حال وانغ الراهن وهو يخضع لغسل الكلية ولا أمل له في العثور على من يتبرع له بكلية سليمة، وإذا ابتذلت كرامتك أو عافيتك من أجل الآيفون أو الآيباد فستصبح مثل التفاحة المشرومة المرسومة عليهما.

جعفر عباس

تعليق واحد

  1. ابو الجعافر
    سلمت يمناك اخوي
    درس بليغ لهذه
    الفئة الضعيفة ..
    الصحة والشرف غالييين
    كل الإحترام

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..