أخبار السودان

العسكريون والمدنيون .. شراكة يحاصرها الجفاء

بدأت العلاقة بين أقطاب الحكم في السودان تشهد تنازعاً مضطرداً في الفترة الماضية، وتمظهر ذلك في عدة مواقف؛ أولها الموقف من قضية شرق السودان، الذي يشهد اعتصامات وإضرابات مختلفة، وهنا ظهر التباين بين أقطاب السلطة الحاكمة” العسكريين والمدنيين”، حيث سرب كل طرف أخباراً تشير إلى انه يقف مع الشرق، وضد التعامل الأمني مع الاعتصامات التي يقودها الناظر، سيد محمد الأمين ترك، وازدات الفجوة بين المكونين بعد الكشف عن محاولة انقلابية فجر الثلاثاء فشلت في إزاحة الحاكمين من كابينة السلطة، وبعدها تبادلت الأطراف الاتهامات لدرجة يرى البعض أن فض الشراكة بينهم بات قاب قوسين أو أدنى.

هجوم البرهان وحميدتي
عقابيل فشل المحاولة الانقلابية التي جرت أحداثها الثلاثاء، شنت القوات المسلحة عبر لسان قائدها العام، الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، هجوماً عنيفاً على المدنيين، وقال إنه (لا أحد يستطيع إقصاء المكون العسكري من السلطة، وأنهم أوصياء على وحدة السودان “رغم أنف أي زول”، وقال لولا حكمة القوات المسلحة لما استقرت الأوضاع الأمنية، ودمغ البرهان أقلاماً صحفية بالكذب، وقال إنها تعمل على نسج الأكاذيب، وقال البرهان إن الذين نادوا الجماهير بالخروج للشارع كان هدفهم المحافظة على كراسي السلطة، وفي السياق ذاته قال القائد العام للدعم السريع، الفريق أول محمد حمدان (حميدتي) إن القوات المسلحة لا تحظى بالاحترام، وتتعرض للشتم بشكل مستمر، واعتبر حميدتي أنهم صمام أمان البلاد، وأنهم يعملون من أجل الحفاظ على وحدة السودان، وقال إن المواطن يعاني من شظف الحياة، واضطر شبابه للهجرة للخارج لتوفير لقمة العيش وقال إن الشعب السوداني صبر كثيراً.

غضبة المدنيين
بعد خطابي البرهان وحميدتي انتقد عدد من المدنيين الخطابين. القيادي بالحرية والتغيير طه عثمان إسحاق كان أول من رد على الخطابين، وانتقدهما بشدة، وقال إن خطاب البرهان وحميدتي أخطر من الانقلاب نفسه وبه محاولة لتحميل المدنيين مسؤولية ما تم، وتقديم خطاب عاطفي للقوات المسلحة لابتدار معركة مع شعبها، وأضاف إن كان هنالك أزمة بين الأطراف يجب التعامل معها بمسؤولية للوصول إلى حل لمصلحة البلاد، وهذا لا يتحقق بخطاب التهديد والوعيد، وفي السياق ذاته شن وزير الصناعة السابق، مدني عباس مدني، هجوماً عنيفاً على البرهان، وقال عبر صفحته بـ(الفيسبوك) إن خطاب البرهان وحميدتي أوضح دليل على أهمية هيكلة المؤسسة العسكرية والأمنية، وخضوعها لسلطة المدنيين، حتى يكون هنالك جيش موحد وعقيدة وطنية، ودمغ القيادة العسكرية بالفشل في تطهير المؤسسة العسكرية ممن سمَّاهم بالعناصر المغامرة، فيما قال حزب المؤتمر السوداني، في بيان صحفي، لا توجد جهة بعينها تعتبر وصية على الشعب، وهو وحده من يملك قراره .

فض الشراكة .. الممكن والمستحيل
ثمة من يقطع بأن العلاقة أو الشراكة بين العسكريين والمدنييين في طريقها للانفضاض، سيما بعد الاتهامات المتبادلة بين الطرفين في السويعات الماضية، بيد أن البعض يرى أن الشراكة بينهم يصعب فضها، خاصة أنها مراقبة دولياً، وأن أي طرف لا يمكن أن يستغنى عن الآخر، هذه الفرضية لا يذهب إليها المحلل السياسي، د.صلاح الدومة، الذي قال إن المكون العسكري سيعمل على تنفيذ أستحقاقات الوثيقة الدستورية بصورة أقل مما مضى، وقال لـ(السوداني) إن الشراكة بين الطرفين يصعب فضها؛ لجهة أن أي طرف محتاج للآخر، وقال إنالمجلس العسكري لا يستطيع تنفيذ رغباته، وأن أي تحركات للعسكريين سيقابلها رفض دولي، ولا يستطيع المكون المدني تنفيذ أجندته لضعفهم الباين، ولكن لديهم سند دولي، غير أن المحلل السياسي د.الرشيد محمد إبراهيم يقول: “من واقع الاتهامات المتبادلة بين الطرفين والاستثمار في قضية الانقلاب والتصريحات التي أطلقها البرهان وحميدتي ضد المدنيين، والاتهامات التي أطلقها حمدوك وخالد عمر يوسف ضد العسكرييين، تشير بوضوح إلى أن مستقبل الشراكة بين المكونين بات في مهب الريح، وأن مسألة فضها أصبحت أمراً واقعياً أو مسألة وقت ليس إلا”. ومضى في حديثه لـ(السوداني): “المسافة بين الطرفين صارت كبيرة، والأزمات التي يعيشها السودان حالياً بدلاً من توحدهم ساهمت في توسيع الفجوة بينهم”، ومضى بالقول: “واضح أن هناك خلافاً حول مفهوم الأمن الوطني بين الطرفين، جزء منهم يعتقد أن الأمن القومي هو التلفتات الأمنية، وآخر يرى أن الأمن القومي هو الاقتصاد ومعاش الناس والعلاقات الخارجية”، مشيراً إلى أن الاختلاف حول مفهوم الأمن القومي ساهم بشكل كبير في توسيع هوة العلاقات بين العسكريين والمدنيين.

لماذا غضب الجنرالات؟
يتساءل كثيرون عن سر غضبة البرهان وحميدتي عقب فشل انقلاب الثلاثاء، وهجومهم على المدنيين، وهنا يقول المحلل السياسي، صلاح الدومة، إن غضب العسكريين مردة لفشل سيطرتهم على الحكم عبر مسرحية الانقلاب المزعوم، وأن يثيروا العنتريات عبر التصريحات العاطفية التي تخاطب جماهيرهم، وأضاف: “المكون العسكري يشعر بالخطر بسبب رفض المجتمع الدولي لأي تحركات عسكرية بالسودان؛ لذلك يثير غباراً كثيفاً لدغدغة مشاعر منسوبي المؤسسة العسكرية، ولخلق معركة وهمية، والانتصار فيها توهماً”، وأضاف الدومة بالقول: “المكون العسكري لديه أمانٍ للسيطرة على السلطة، ولكن المجتمع الدولي لا يقبل ذلك؛ لذا هم يرسمون المسرحيات، وحينما يفشلون يمارسون البطولات الزائفة”، بينما يرى دكتور الرشيد محمد إبراهيم أن أسباب غضبة الجنرالات تتمثل في زيادة حدة الخلاف مع المدنيين، وظهور أي طرف كأنه عدو للطرف الآخر، وقال إن الخلافات بينهم موجودة ولكنها مثل جبل الجليد، وأضاف: “الأحداث الأخيرة فجرت جبل جليد الخلافات، وبدأت تظهر للعلن بشكل أكثر وضوحاً”، وقال إن الريبة والشك المتبادلة بين الطرفين دفعت كل طرف للهجوم على الآخر والظهور في حالة غضب بعد كل أزمة .

في موقف الصامت
الحركات المسلحة التي تعد القطب الثالث في معادلة الحكم ظلت في وضع “الصامت” طوال فترة الأزمة بين المكونين العسكري والمدني، ولم تظهر الحركات المسلحة انحيازاً لأي طرف، وعقب المحاولة الانقلابية الفاشلة اكتفت الجبهة الثورية ببيان مقتضب حملت فيه فلول النظام السابق مسؤولية المحاولة الانقلابية، ثمة من يرجع صمت الحركات المسلحة في مسرح الأحداث الحالية إلى وجود خلافات داخلها جعلتها تقف موقف المتفرج؛ بسبب صراعها الداخلي، ، بينما يرى آخرون أن الحركات المسلحة لا تريد أن تخسر الأقطاب المتنازعة، وتسعى للوقوف على مسافة واحدة من الطرفين، وإن بدت أٌقرب للمكون العسكري في الفترة الماضية.
السوداني

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..