مقالات وآراء

الزكاة

 الطيب النقر

إنّ الدين الإسلامي الخالد الذي أقرّ التفاوت بين أخياف البشر في المعايش والأرزاق نتيجة للتفاوت في العلم والملكات ، والعزم والطاقات ، سعى جاهداً لتضييق الشقة بين من ترنو إليه المادة بطرف مريض الجفون ، وسنان النظر ، وبين من بعدت به الدار ، وشطّ به المزار عن خفْضِ العيش ورغده ، لم يترك الإسلام قبيلة الفقراء تشرب من كؤوس الذل على قذاتها ، وتتأقلم على حياة المشقة والعنت على علاتها ، بل تدخل هديه «بتشريعاته القانونية ، وتنظيماته العملية، ووصاياه الترغيبية والترهيبية ، لتقريب المسافة بين هؤلاء وأولئك ، فعمل على الحد من طغيان الأغنياء والرفع من مستوى الفقراء».
لقد دعا الدين الخاتم الذي أمسى هدفاً لسهام الراشقين ، وغرضاً لأثل الطاعنين ، لمعاضدة من أضرهم ريبُ الزمان ، واغتالتهم غوائل الدهر ، ٍفالزكاة التي لا تغيب عنّا مراميها تنشد أن يتوهج الإحساس بين طبقات المجتمع المسلم ، فلا شك «أن الطامة الكبرى التي تزلزل المجتمع وتهز كيانه هزاً أن يوجد الثراء الفاحش إلي جانب الفقر المدقع .. أن يوجد من يملك القناطير المقنطرة ، ومن لا يملك قوت يومه ، أن يوجد من يضع يده على بطنه يشكو زحمة التخمة ، وبجواره من يشكو عضة الجوع»، ولعل علالة المتعلل ، وحجة الشره الحريص أن الله عزّ وجلّ قد شيد موازين الدنيا على هذا الشكل ، وذرأ عباده على هذه الهيئة ، أغنياء يتهالكون على الجياد المطهمة ، والقصور المشيدة ، والصروح الممردة ، وفقراء حباهم القدر بمنن متواترة من الجدب والفاقة ، وحظوظ كاملة من البؤس والحرمان ، ضحالة التفكير وحدها هي التي تدفع هؤلاء إلى مثل هذا الاعتقاد ، فالزكاة الكتاب الخليق بالعناية تطهر النفس من داء الحسد والكراهية ، فالفقير المعدم الذي عضته أنياب الفقر ، ودهته دواهي المسبغة ، إذا أبصر طائفة الأغنياء ترتع في سهول الثراء الطائل ، ولا تلقي له بالاً ، فسوف يدب إليه داء ينخر في جسده حتى يفنيه، داء أخبرنا عن شره الوبيل الصادق الأمين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم حينما قال: «دبّ إليكم داء الأمم من قبلكم ، الحسد والبغضاء، والبغضاء هي الحالقة ، أما إني لا أقول تحلق الشعر ، ولكن تحلق الدين».رواه البيهقي ، لأجل ذلك لم يحارب دين الله الخاتم هذه «الآفات النفسية الاجتماعية الخطيرة بالوعظ والإرشاد المجرد بل عمل على اقتلاعها واستئصال جذورها من المجتمع بالزكاة التي تهدِّئ من دبيبه وسريانه في مواطن الأسرار ، وجعلته بدلاً من أن ينبض كراهية وغيظاً ونقمة ، يخفق حباً وإجلالاً وتقديراً للباذل الغني».
ومما لا يند عن ذهن ويغيب عن خاطر أن الزكاة التي فرضها الإسلام وبيّن حدودها هي البلسم الشافي ، والدواء الناجع ، لجل مشكلات المجتمع ، إذا أخرجها كل غني مقتدر من حُر ماله تامة غير مخدجة ، وصرفتها الدولة على النحو الذي أمرت به المحجة البيضاء ، حينها لن نبصر من أشفت أقدامهم على هوة الموت ، يرتادون تلك الدور التي صوّب إليها الضعفاء مناجيق الدعاء ، لن نرى من نهكتهم العلة ، وهدّهم المرض ، يجوبون الطرقات يسألون الناس إلحافًا مع تلك الفئات التي اعتادت أن تتبلغ من محسني المدينة ، لن نرى أنماط المشردين يقتتلون على جيفة ، أو يختصمون على فتات ، لن نشاهد المخازي التي تنعى الشرف ، وتندب الأخلاق ، فيحق لنا أن نجزع جزع الثكلى على ما يعز الصبر عليه ، فالفقر المدقع الذي أغرى الحرائر بالمعصية، تبدِّد الزكاة جموعه إذا أخرج من هودتهم المطامع ، وتمسكوا بأهداب الفانية زكاتهم ففي إخراجها إعانة الضعيف ، وإغاثة الملهوف ، وإطعام الجائع ، إن الغني الذي يغطي جسمه بالثوب الأملد ، ويرصع أصبعه بالجوهر النفيس ، يعيش هو وأقطاب الدولة في أبراج من العاج ، ولا يكترث السواد الأعظم منهم للأحقاد التي تفتت الأكباد ، لقد نسي هؤلاء أو تناسوا أجسامًا ضامرة ، وبطونًا خاوية ، وأجسادًا عارية ، يثورون عليهم ثورة العاقل الحصيف عند كل ليلة تُطفأ فيها الأنوار وتبتهل الأكف داعية العزيز الجبار ، سوف تكون هذه المناصب والأموال حتماً حُساف عليهم في يوم تذهل فيه كل مُرضعةِ عما أرضعت، وتضع كل ذات حمل حملها ، فالخير كل الخير أن يقرّب هؤلاء المسافة بينهم وبين الفقراء ، وذلك بجلب النفع إليهم ، ودفع الضير عنهم ، فتميل أنفسهم التي أضناها العوز والحرمان إليهم ، فالمهج والقلوب قد جُبِلت على حب من أحسن إليها ، وبغض من أساء إليها ، والفقراء إذا علموا أن صاحب الغنى والضِياع يصرف إليهم طائفة من ماله خصُّوه بالدعاء وأثنَوا عليه وأكثروا من ذكره في نواديهم ومجالسهم وسألوا الله القادر الوهَّاب أن يمنَّ عليه بنعمة الصحَّة والعافية والسداد.

[email protected]

‫8 تعليقات

  1. لعنة الله عليكم جميعا يا كيزان يا فقسقة يا أبالسة يا فاسدين. النفاق والفساد جزء لا يتجزأ من الحمض النووي لكل كويز منحط وعديم أخلاق وضمير. عجل الله بهلاككم وأسكنكم في سقر.

  2. ذكرتني ايام جعفر الحمار عندما أقنعه احد الدراويش بأن يكتفي بجباية الزكاة ويلغي الضرائب لأنها تكفي ولا حوجة للضرائب.
    لم يكتفي الحمار بإلغاء الضرائب بل زاد فجعل احتساب الزكاة على أساس التقويم القمري دون الشمسي.

    طبعاً زاد معدل التضخم وارتفعت الأسعار وبدأ الجنيه في الإرتفاع مقابل العملات الأجنبية.

    تبعاً لذلك فصل نميري مدير ديوان الزكاة الدرويش و أعلن اعادة الضرائب بل زاد نسبتها وأضاف اليها ضريبة جديدة😂
    الدرس المستفاد:
    من الجهل أن تعول على عبادة من العبادات فتظن ان فيها حل لمشكلة الدولة والمجتمع.

    فهمت الدرس يا كوز يا وهم؟

  3. ابوشنب يعطيك العافيه والله فعلآ كوز وهم نحن الشعب السوداني ما نرتاح الا بابادة اخر كوز من ارض السودان وبعد أن نتأكد من خلوها من الكيزان تمامآ نحتفل بأننا بعد دا سنكون علي طريق التقدم والازدهار والنماء قاتل الله الكيزان أينما كانوا فهم أكذب خلق الله، وأكثرهم نفاقا واستخفافا بعقول ألناس، ولكن لكم يوم يا اولاد الحرام.

    1. ان الزكاة دات المقادير ( الراسمالية) ليس اصل فى الاسلام الاصل فى الاسلام زكاة العفو ( ( انفاق مازاد عن الحاجة ) واية الزكاة ذات المقادير هى ( خذ من اموالهم صدقة الخ ) واية زكاة العفو هى ( يسالونك ماذا ينفقون قل العفو ) وزكاة العفو هى سنة النبى والاسلام يعود بالسنة ( الذين يحيون سنتى ) والقران اصول وفروع اية زكاة العفو من اصول القران واية زكاة المقادير من فروع القران لمزيد من التفاصيل يرحو الاطلاع على كتاب ( الرسالة الثانية من الاسلام ) على موقع الفكرة الجمهورية بالانتر نت alfikraogr

      1. هذا كلام محمود محمد طه الذي بين العلماء ان مذهبه خارج عن الملة الاسلامية و اعتبروه كفرا صريحا

  4. الحبوب الدكتور/ النقر.
     مساكم الله بالعافية.
     ما كنت اود ان اعلق علي موضوع لا افقه فيه كثيرا، ولكن اود ان اشارك بالجانب السلبي في موضوع الزكاة، وكم ابتلينا من القائمين علي امره.
    ١-
      فساد بمئات المليارات في ديوان زكاة أبو حمد
     المصدر- صحيفة “الراكوبة”- 14 مارس، 2024
    https://www.alrakoba.net/31909557/%D9%81%D8%B3%D8%A7%D8%AF-%D8%A8%D9%85%D8%A6%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%84%D9%8A%D8%A7%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D9%81%D9%8A-%D8%AF%D9%8A%D9%88%D8%A7%D9%86-%D8%B2%D9%83%D8%A7%D8%A9-%D8%A3%D8%A8%D9%88/
    ٢-
    المراجع العام: فساد مالي وإداري كبير في ديوان الزكاة.
     https://sudantribune.net/article233271/
    ٣-
     هل السودان فى حاجة إلى وجود ديوان الزكاة؟!! (١)
     https://sudanile.com/%D9%85%D9%86-%D8%AF%D8%A7%D8%B1%D9%81%D9%88%D8%B1-%D8%AC%D8%A7%D9%86%D8%A7-%D8%B2%D8%A7%D8%A6%D8%B1-%D9%85%D9%88%D9%83%D8%A8-%D8%A5%D9%82%D9%84%D9%8A%D9%85-%D8%AF%D8%A7%D8%B1%D9%81%D9%88%D8%B1-%D8%A7/
    ٤-
      فساد مالي في ديوان الزكاة ومواطن
     يشرع في الانتحار على أبوابه .. بالمستندات.
    https://sudaneseonline.com/board/64/msg/1282281219.html
    ٥-
    المراجع العام: رائحة الفساد تزكم الأنوف حول  
    مرتبات لموتى وفي ديوان الزكاة والحج والضرائب.
     https://www.dabangasudan.org/ar/all-news/article/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%A7%D8%AC%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%85-%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D8%AD%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%B3%D8%A7%D8%AF-%D8%AA%D8%B2%D9%83%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%86%D9%88
    ٦-
     عناوين أخبار دون
     الدخول في التفاصيل:
    (أ)-النيابة تبدأ التحري في أضخم
    عملية فساد في ديوان الزكاة.
     (ب)-
     فساد في ديوان الزكاة بصرف مبالغ لمنظمة مجذوب
    الخليفة وتلاعب في أموال الدعم الاجتماعي للأسر الفقيرة.
     (ج)-
     “زيرو فساد”:
    أحمد هارون أوقف إجراءات
    تحلل لموظف في ديوان الزكاة.
     (د)-
     تقارير الزكاة في السودان..
    هل تخبئ سرقة أم تجارة في البشر؟!!
     (هـ)-
    الكشف عن أضخم عملية
    فساد سيارات بديوان الزكاة.
    (ح)-
     ديوان الزكاة بـ “الضعين” يقبل استقاله الموظف المرتشي.
     (ط)-
      الفساد في الزكاة وفي التمويل الأصغر:
     البرلمان يهاجم ديوان الزكاة ويطالب
     المركزي بإرجاع 12 مليار.
     https://www.sudaress.com/hurriyat/39975
     (ي)-
     استشراء الفساد في ديوان
    الزكاة وهيئة الحج والعمرة.
     (ك)-
    خبر وتعليق إلى متى رموز الفساد
     في السودان ترتع في مال الأمة؟!!
    ٧-
     المؤتمر الوطني … فساد في الحج
     والزكاة.. باقي ليكم الصلاة بس..!!
     (ما يهمنا هنا، أن تلك الفتوى تزامنت مع تقرير المراجع العام، الذي جزم بوجود فساد في إدارة الحج والعمرة، في حالة لا تحدث إلا في السودان. وأنها جاءت بعدما قطع التقرير بحدوث اعتداءات كبيرة على المال العام في ديوان الزكاة، في حادثة لن تجدها إلا في هذا الوطن المسكون بالوجع، ذلك أن حُكامه يزعمون – بعين قوية – أنهم جاءوا لربط الأرض بقيم السماء، وأنهم إنما أجهزوا على الديمقراطية، من أجل تمكين شرع الله في الأرض. هؤلاء – يا سادتي – كانوا يرفعون شعار “شريعة.. شريعة ولا نموت، الإسلام قبل القوت”. وأنا هنا لست في حاجة إلى الحديث عن موقع القوت وموقع الإسلام في تراتبية أتباع الترابي، بعد أن تبدلت الشعارات الخُلّب إلى ممارسة جوفاء وفاسدة..!.).
     المصدر- “سودان فاكس”-2015-11-06-

     ملحوظة:
     ما زلت علي رأيي في حقك الكامل الكتابة والنشر اسوة بالاخرين.

    1. يا استاذ مجرد سؤال : ألا يوجد فساد في الادارات الحكومية التي نظامها مبني على النظام الغربي الحديث ؟
      ألا يوجد فساد في الجيش المبني على الاسلوب الاوربي او البريطاني حتى في الملابس ؟
      ألا يوجد فساد في الأسلحة التي تم استيرادها من دول غير اسلامية حيث كان بعضها عبارة عن خردة و رسميا هي اسلحة حديثة !!!؟

      فساد الأشخاص لا يعني فساد المنهج و ألا فان كل انظمة الخدمة المدنية و حتى نظام انتخاب البشير هي في الاساس انظمة اوربية مثل التي في المانيا او بريطانيا و لكن الفساد في التطبيق
      انتخابتنا فيها خج !
      التوظيف عندنا ظاهريا حسب اللوائح التي تتطلبها الشفافية و في الحقيقة و من تحت الطاولة يكون قد تم سلفا اختيار من سيشغلون الوظائف الحكومية المتاحة حتى قبل الاهلان عنها في الصحف و المواقع الرسمية !

  5. الاسلام برسالته الاولى( الزكاة ذات المقادير ) لا يصلح لانسانية القرن العشرين بل برسالته الثانية ( زكاة العفو ) اى مازاد عن الحاجة هو الذى يصلح لانسانية القرن العشرين اى ان الرسالة الاولى فى مضمار المال ( راسمالية ) والرسالة الثانية فى مضمار المال ( اشتراكية ) راجع كتاب الاسلام برسالته الاولى لا يصلح لانسانية القرن العشرين للاستاذ محمود محمد طه بموقع الفكرة المهورية بالانترنت alfikra.org

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..