موازنة (فكي)..!!

اقترح علي أحد الظُرفاء وأنا أُحدِّثه عن معاناتي ومعي زملاء في العمل كُلفنا بوضع تصوَّر عام لخطة وموازنة المؤسسة التي نعمل بها للعام ۲۰۱۹ القادم، أن نقوم بتعيين (فكي) من أصحاب الكرامات لينضم إلى لجنة إعداد الموازنة حتى نستطيع من خلال قدراته الخارقة التنبؤ بما سيكون عليه سعر الدولار خلال اثنا عشر شهراً من الآن، وللحقيقة فإن ما يشوب البلاد من حالة فوضى وعجز لحكومة المؤتمر الوطني عن السيطرة في كافة الاتجاهات إلا في ما يفيد (تأمين) وجودها على سُدة الحكم غير الرشيد وغير المتوازن والمناوئ دوماً لكل متطلبات التنمية والاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي لهذه الأمة المغلوبة على أمرها، كل ذلك يجعلنا نقول و(بالفم المليان) أن أي موازنات أو مُخطَّطات أو برامج هي في الواقع مجرد تُرهات وضحك على الذقون إذا ما ظننا أننا قادرون على تحقيقها وإنجازها والبلاد تتعثَّر وتسقط في مستنقع عدم الاستقرار حتى على آخر حالة سوء نعيشها الآن، فكل يوم تذهب الأمور نحو الأسوأ والأخطر وكل الدلائل والمؤشرات تشير إلى أن لا أحد يستطيع أن يتنبأ بما سيُسفر عنه الغد القريب أو البعيد من كوارث سوى أصحاب الكرامات والمكشوف عنهم حجاب الغيب إن وُجدوا، فمُجريات الأحداث وسريان الأمور النظامية والإجرائية واللائحية على هواها وبلا مرشد ولا مُسيطر يجعل كل أشكال التحليل العلمي والخبروي والانطباعي غير قادرة على وضع مقايسات يمكن من خلالها وضع خطة أو موازنة لدولة أو مؤسسة أو حتى(طبلية) لبيع الطعمية تستطيع أن تتنبأ بما يمكن أن يحدث في الأسواق لمدة ٤۸ ساعة ناهيك عن عام بأكمله، لذلك وسداً لباب الكذب والالتفاف حول الحقائق لا سبيل للعمل الاقتصادي في سودان حكومة المؤتمر الوطني العاجزة عن ضبط أبسط التزاماتها تجاه التنمية الاقتصادية والحراك النقدي بالأسواق، أن يستقيم شكله ومضمونه إلا بخيارين أولهما البحث عن سبيل للانضمام للمجموعات الاقتصادية (التمكينية) التابعة للنظام السياسي الحاكم حتى تستطيع أن تنجو من الانهيار بالإعفاءات والتوصيات والمحسوبيات والاستثناءات الانتقائية، أما الخيار الثاني أن تتوكل على لله وتمارس نشاطها بلا خطة ولا موازنة عبر نظرية (رزق اليوم باليوم)، وأن تستعين قبل ذلك بتطوير مهاراتها في فنون التهرب الضريبي واستغلال الفرص المتاحة ولو تجاوزت بذلك الشرع والقانون، فالضرورات تبيح المحظورات استناداً إلى فتاوى بعض الشيوخ والعقلاء الذين أباحوا شراء النقد للمضطر واعتباره (خدمة تسهيلية) لمن لم يجد نقداً، مثل أن يبيع أحدهم شيكاً بمليون مقابل مبلغ نقدي مقداره ۹٥۰ ألفاً، والسؤال الذي يطرح نفسه هل تنفي (خدمة التسهيل) هذه شبهة الربا عن مثل هذه المعاملات؟، ما أورثته ثورة الإنقاذ من مصائب وجراحات انغرست في خاصرة البلاد والعباد، لم تقف انعكاساتها عند البُعد السياسي والاقتصادي والاجتماعي فقط، بل تجاوزت ذلك إلى التأثير السلبي في التزامات المجتمع العقائدية والأخلاقية والإنسانية.. اللهم إنا سألناك فرجاً قريباً.

الجريدة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..