أخبار السودان

فيصل محمد صالح : لا … على الرغم من تأثير المذكرة.. فإنه الانشقاق غير وارد

فيصل محمد صالح

لن يتسبّب تحرك التيار الإصلاحي، داخل المؤتمر الوطني، في حدوث انشقاق داخل الحزب والنظام الحاكم في السودان. صحيح لن يستطيع أحد أن ينكر تأثير المذكرة التي تقدم بها التيار الإصلاحي، أو التحركات التي يقوم بها. فهي على الأقل تكشف أنه ليس تنظيما صلدا وموحدا، كما أنها من ناحية تعطي مشروعية للاحتجاجات الشعبية التي عمت البلاد في الفترة الأخيرة، ويمكن أن تتكرر مرة أخرى. غير أن الأمر لن يصل إلى حدوث انشقاق يُشار إليه، كما حدث في الرابع من رمضان عام 1999، حين انقلب الرئيس على شيخه الدكتور حسن الترابي، وأطاح به من رئاسة البرلمان، ومن زعامة الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني، واتجه الشيخ ليكوّن المؤتمر الشعبي.

الأمر مختلف هذه المرة، ولعدة أسباب، يمكن أن نوردها هنا.

أول الأسباب وأهمها أن المؤتمر الوطني، كحزب ومؤسسة، لم يعد بالقوة والمكانة التي كان عليها في الماضي، فهو في أضعف حالاته على الإطلاق، ولعله لم يكن بهذا الضعف في أي مراحل سابقة. وحتى داخل التركيبة الحاكمة المكونة من الرئيس وأقرب أصدقائه، ثم المؤسسة العسكرية والأمنية، وأخيرا المؤسسة الحزبية، فإن الأخيرة تبدو هي الأضعف نفوذا والأقل تأثيرا في مجريات الأحداث ومراكز صناعة القرار.

وعندما كان المحللون يقرأون صراعات مراكز القوى داخل النظام السوداني في الماضي، سواء بين الرئيس عمر البشير، ونائبه الأول علي عثمان محمد طه، في مرحلة، ثم بين علي عثمان والدكتور نافع علي نافع نائب رئيس الحزب، في مرحلة أخرى، كانت ساحة الصراع والنفوذ هي المؤسسة الحزبية، باعتبارها الضلع الأقوى في التركيبة الحاكمة، والمركز الرئيس لصنع القرار وصياغة وهيكلة الجهاز التنفيذي. انتهى هذا الأمر الآن وولى زمانه، فمركز صناعة القرار الوحيد الآن هو مقر إقامة الرئيس، وبناء على تقارير ودراسات الأجهزة الأمنية.

ضعف الحزب الحاكم وتضاءل نفوذه يضعف من تأثيرات أي تحركات داخله، سواء على صعيد النظام الحاكم، أو على الوضع السياسي العام.

ثاني الأسباب يكمن في ضعف نفوذ وتأثير الشخصيات الموقعة، بحكم أنهم في معظمهم تنفيذيون سابقون، وحدود مواقعهم في الحزب هي عضوية المكتب القيادي. الدكتور غازي صلاح الدين وزير سابق للخارجية والإعلام، ومستشار ومساعد سابق للرئيس كان ممسكا بملفات السلام وقضية دارفور، ومثله حسن عثمان رزق، الذي تولى عدة مناصب ولائية ثم صار وزيرا للشباب والرياضة لفترة، أما الدكتورة عائشة الغبشاوي فكانت وزيرة للصحة قبل سنوات.

بقية المجموعة التي وقعت على المذكرة من نواب البرلمان، ثم المجموعة العسكرية التي أدينت بتهمة الضلوع في مؤامرة انقلابية، ثم أطلق سراحها بعفو رئاسي، مثل العميد محمد إبراهيم (ود إبراهيم)، والعقيد فتح الرحيم، وأخيرا ممثلين لمجموعة «سائحون» وقع عنها الدكتور أسامة توفيق. لا يتولى أي من هؤلاء مناصب تنفيذية أو عسكرية وأمنية، ولا حتى مكاتب مهمة في قيادة الحزب، وهذا بالتأكيد يضعف من نفوذهم.

أضف لذلك أن معظمهم أصحاب مواقف ناقدة للحزب والحكومة منذ فترة، ولم يشكل موقفهم الأخير أي مفاجأة، فهم مصنفون كـ«عصاة ومتمردين» مسبقا، وبالتالي لم يشكل موقفهم جديدا سوى أنهم تجمعوا معا، ولم يستطيعوا أن يضموا غليهم أي أسماء لامعة جديدة. ولم يكتسب تحركهم معنى أكبر ما لم ينضم لهم بعض التنفيذيين الحاليين، أو القيادات العليا للحزب والنافذين في الأجهزة الأمنية والعسكرية.

ثالث الأسباب الاعتقاد بأن الدكتور غازي صلاح الدين، قائد المجموعة الإصلاحية، لا يحب المواجهات، وأنه قد ينسحب في بعض اللحظات العصية، ويفضل الانزواء والبعد عن المعارك. فعلها مرة حين استقال من منصبه كمستشار للرئيس لشؤون السلام، وكتب مقالات ناقدة لتعامل الحكومة مع قضية دارفور، لكنه لم يمضِ أكثر من ذلك، وعاد لتولي المنصب نفسه بمسمى جديد. ثم خاض مؤخرا معركة داخل الحركة الإسلامية، الحاضن الآيديولوجي للمؤتمر الوطني، واجتمع حوله أنصار ومؤيدون، لكنه انسحب من المعركة في اللحظات الأخيرة، ورفض ترشيح نفسه للأمانة العامة للحركة.

يعرف عن الرجل أنه، وعلى الرغم من ماضيه الذي يغلب عليه التزمت والميل للتشدد، صار في الفترة الأخيرة أكثر انفتاحا وميلا للحوار مع كل القوى، داخل المؤتمر الوطني، وخارجه، وأكثر تواصلا مع الفعاليات الثقافية والاجتماعية في البلاد، كما أنه صاحب مقدرات فكرية وثقافية عالية، تظهر من خلال كتاباته الكثيرة. لكن على الرغم من ذلك، فإن هناك شكوكا في رغبته بقيادة حراك سياسي مباشر واستعداده للصدام بدرجات أعلى مع رفاقه في النظام الحاكم.

في مثل هذه الظروف، يصعب على المرء الاعتقاد بأن قواعد المؤتمر الوطني، التي بدت غائبة تماما عن الساحة خلال الأحداث الأخيرة، أو لعلها مستبعدة، قد تكون طرفا في هذا الصراع، أو عاملا أساسيا فيه، في وقت صار الحزب كله غائبا ومهمشا، وانصرفت معظم القيادات للصراع على المواقع التنفيذية في المركز والولايات.

* صحافي سوداني حائز جائزة «بيتر ماكلر العالمية» لـ«مراسلون بلا حدود» على كتابته عن انتهاكات حقوق الإنسان في بلاده
الشرق الاوسط

تعليق واحد

  1. تحليل منطقي وسليم فالمؤتمر الوطني اليوم لا يمثل الا المتسلقين وأصحاب المصالح وهم العدو الأول للسودان وشعبه لكننا نتشارك مع المجموعة الإصلاحية في الخوف من الفوضى التي قد تعقب سقوط هذا النظام البغيض مما قد يوقعنا في مستنقع التشرذم

  2. أستاذ فيصل أكيد هنالك خطأ غير مقصود انه وزيرة الصحة كانت احسان الغبشاوي وليست عائشة وفي النهاية شقيقات وكوزات وساهمن بشكل كبير في ما وصلنا اليه الان .. في تقديري المذكرة وموقعيها لا تعنينا كشعب يتضور جوعاً وتتقطع اوصال وطنه عضوا عضوا ،،، أين كانوا لربع قرن مضى؟؟!! ولما القفز من السفينة الان؟؟!!

  3. تحليل منطقي جداً … غير مستغرب من فصيل أحد افضل من أجنبتهم بلاط الصحافة السودانية .. ـ أزيد عليه بأن الدكتور غازي أكثر ذكاءاً من زمرة نافع وربما حتى على عثمان ولعل وجوده خارج الجهاز التنفيذي أتاح له فرصة لمعرفة أتجاءاهات الراي العام من خلال المواقع الإسفيرية وبالذات الشباب .. حاول أن يتقرب للشباب السوداني بنفاق سياسي جديد … ومثله أيضا حسين خوجلي .. والكثير من الصحفيين الذين يحاولون مسك العصا من المنتصف ودس السم في طيات سطورهم … لعل أؤلئك فات عليهم أن الشباب الحالي أكثر زكاءا منهم ولن يستطعيوا التأثير عليه

  4. كأى سلطة دكتاتوريه غاشمه .. انتهت بتسليم البلاد الى الرئيس الدائم الجنرال الابدى ليفعل ما يشاء ولا يسأل عما يفعل .. واجهزة الحزب مجرد كومبارس .. واجهزة الدولة مجرد خدامين لبلاط السلطان والاسرة المالكه .. الانقلاب على هذا المعتوه واجب دينى ووطنى واخلاقى ..

  5. التحليل منطقي …لكننى أضيف إليه ما يلي ….غازى صلاح الدين لم يكن وديعا في ممارساته السياسية…عرف الرجل بإعتباره واحدأ من الإرهابيين الذى شاركوا في (غزوة) ما سمى بالجبهة الوطنية…التى أشتهرت حينها بغزوة (المرتزقة) إبان حقبة السفاح (جعفر نميرى…لا تغشته رحمة ربك)…وهى حملة إرهابية شارك فيها جل رجال هذا النظام…وعلى سبيل المثال(الغازى العتبانى…مهدى إبراهيم…السنوسي…أحمد عبد الرحمن)….إنغمسوا بإنتشاء في العمالة…وتحالفوا مع الأجنبي (منقستو هيلا مريم…والعقيد زنقة زنقة معمر القذافي)…هذا تاريخ لا ينسى ولا ينبغي تجاهله…!!!
    كما أن هناك نقطة أخرى لا يمكن أن تفوت على حصافة (فيصل)…لكن تأدبه فيما أزعم أجبره على تجاوزها…وهى أن (الغازى العتبانى) لا يمتلك العمق أو الجذر الإجتماعى الذى يؤهله لكى يكون بؤرة إستقطاب شعبي أو فئوى يشار إليه بالبنان…ومن ثم المقدرة على التأثير العميق…أمثال الغازى العتبانى….لهم حدود من الصعب تجاوزها…في العمل السياسي….وقد أثبت تاريخ الممارسة السياسية في السودان ذلك…(طبعاً داشى غلط لكنو حاصل!!!) والرجل بحصافته يدرك ذلك…بل ويتصرف على أساس من هذا الفهم شئنا أم أبينا!!!
    على كل حال النظام كله في مهب الريح….صرف النظر البديل أنا…أنت أو هو……النظام (طاير …طاير)إنتظمت المعارضة أم لم تنتظم….. ماكينة البلد بحاجة إلى زيوت…شحوم…موية بطارية….و(إسبيرات جديدة لنج….مش تجاري ولا أصلي من التشاليح وبتاعين الراتب والفتة)…ودى موجودة في القوى الشبابية الناهضة والتى قدمت وما تزال تقدم الشهيد تلو الشهيد…وهى صاحبة القدح المعلى في كتابة نشيد إنشاد المرحلة القادمة.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..