هل يمكن وقف تقسيم السودان الى دويلات؟ بل، هل يمكن لحركة مدنية أن تنهى حرب أهلية؟

تقسيم البلاد لا يمكن تجنبه الا بوجود حركة مدنية قوية موحدة توقف هذه الحرب. إذن السؤال الملح هل يمكن لحركة مدنية أن تنهي حرب أهلية؟ هل هناك تجارب تاريخية تشير الى نجاح حركة مدنية ما في وقف حرب ضروس والوصول إلى سلام؟
الإجابة: نعم، حدث تاريخيا أن نجحت حركات مدنية في إنهاء حروب. لكن تحت ظل ظروف وشروط معينة، فقدان أي منها يعنى الفشل الزريع وستأخذ الحرب مسارها المحتوم. إذا لم تتحقق هذه الشروط او تحقق جزء يسير منها سيتحقق نجاح مؤقت يتمثل في وقف اطلاق النار وإنهاء العدائيات لحين بل أحيان يوقع إتفاق سلام بشهود أمميين ولكن سرعان ما تنفجر الحرب من جديد.
ما يهمنا هنا هو وجود الإمكانية لنجاح حركة مدنية في أنهاء الحرب وقد حدث بالفعل. وهنالك قصص النجاح والفشل في كل مكان في العالم من اوروبا الى افريقيا.
بالنسبة لحالة السودان أعتقد إنه من الممكن أن تنجح حركة مدنية في إنهاء حرب أهلية بصورة مستدامة، إذا تحققت تلك الشروط، كما سأحاول أن ابين في ختام هذا المقال.
ولكن قبل أن أمضى أود أن أؤكد إن ما يحدث في السودان هو إنقلاب عسكري لم يتحقق فيه إنتصار حاسم وهو لذلك السبب في طور التحول الى حرب أهلية شاملة بسبب سلوك الطرفين المتحاربين والتعبئة العامة/او بالاحرى بسبب التعمية العامة التي يستميت الطرفان في تنفيذها لجعل القتال الجاري حرب أهلية شاملة تنقل الصراع من مصاف انقسام سلطة حاكمة تقليدي الى حرب بين الأهالي، اي حرب بين مكونات المجتمع السوداني الثقافية والإثنية.
دعنا نتحدث عن قصص النجاح والفشل للحركات المدنية في إنهاء حرب أهلية في بلدان افريقية ونحاول أن نستنبط شروط/أسباب النجاح والفشل. ذلك لأنها أكثر شبها بنا. هذه البلدان هي: ليبيريا، سيراليون، وساحل العاج.
قادت مسيرة السلام وإنهاء الحرب الليبيرية الثانية (1999-2003) منظمة نسوية هي (Women for Liberia Mass Action for Peace) الترجمة السائدة (نساء ليبيريا [ل] كتلة العمل من أجل السلام) والتي أسست في أبريل 2003. المجموعة النسائية المذكورة مكونة من نساء من خلفيات إثنية ودينية وطبقية مختلفة (بالمناسبة 12.2% من سكان ليبيريا مسلمين كما أن فيها القليل من الهنود السيخ والهندوس واقلية صغيرة من البهائيين). المجموعة نجحت نجاحا كبيرا في التوصل الى اتفاقية سلام شاملة.
وسائل عمل المجموعة اشتملت على اتصالات ووساطات هادئة مع طرفي الحرب، تنظيم حملات توعية في مجتمعاتها، واتصالات دولية من أجل قوة حفظ سلام وفوق ذلك صلوات يومية جماعية من أجل السلام وإنهاء الحرب كل من نساء المجموعة على طريقة دينه.
نجحت النساء وتم إنهاء الحرب وبدأت فترة انتقالية (صحي صحي).
بعد تسعة أعوام، تحديدا في عام 2011، انتبه العالم المتحضر لجهود أولئك النسوة وتم تكريمهم في شخص السيدة ليما غبوي زعيمة الحركة بمنحها جائزة نوبل للسلام. الدرس المستفاد هنا أن النساء – حال وحدتهن- طاقة مهولة يحترمها المجتمع المحلي والإقليمي والدولي. ولست في حاجة للتذكير بدورهن في إنتفاضة ديسمبر.
أما قصة سيراليون في إنهاء الحرب فهي نجاح في البداية وفشل في النهاية لسبب واضح سنذكره أدناه. المجموعة التي قادت جهود السلام مجموعة مكونة من الأئمة المسلمين و قسيسين ورهبان مسيحيين عرفت بأسم (Interfaith Contact Group) يمكن ترجمتها بتحفظ مجموعة الاتصال من أجل التسامح الديني (ICG). المجموعة مكونة من المجلس الأعلى الإسلامي في سيراليون ومجلس كنائس سيراليون. نجحت المجموعة في البداية وكان طرفا الحرب مستجيبين لها. نجحت المجموعة ولعبت الدور الرئيسي في عقد اتفاق لومي في 7 يوليو 1999 بعد عشرة أعوام من الحرب.
بعد إتفاقية السلام مباشرة تدفق عدد هائل من المدنيين والعسكريين الى المدن بحثا عن الطعام فقد كانت هنالك مجاعة مضنية وحدثت فوضى عظيمة. ولكن انهيار الاتفاقية كان لسبب آخر أكثر تجذرا. سبب الإنهيار أن طرفي الحرب وحلفائهم متورطين في التعدين غير الشرعي للماس الذي عرف ب(ماس الدم). التقارير تقول أن أحد طرفي الحرب (RUF) تحصلت خلال عشرة أعوام من الحرب على 25 مليون دولار الى 125 مليون دولار من بيع الماس في السنة وفي بعض التقارير 200 مليون دولار أمريكي في السنة، لذا انهارت اتفاقية لومي لأن مصلحة الأطراف تمثلت في استمرار الحرب وفشلت المحاولات الصادقة للأئمة والرهبان في إنقاذ سيراليون من براثن الحرب.
الدرس المستفاد هنا أن تحالف وحيد لا يستطيع ان يمضي كثيرا مهما كان النفوذ الاخلاقي للقائمين به.
أما عن حرب ساحل العاج الأولى فكادت أن تكون قصة نجاح لكن ايضا سبب فشلها أثرياء الحرب والمستفيدين من إستمرارها. محاولة السلام جاءت من فريق كرة القدم القومي لساحل العاج بقيادة كابتن (ديدييه دروغبا). بعد تأهل الفريق لكأس العالم 2005. بعد التأهيل مباشرة في الاستاد وبالتحديد في غرفة تبديل ملابس اللاعبين انحنى الفريق القومي بجميع لاعبيه على الركب متوسلا لطرفي الحرب الإنهاء الفوري للصراع والجلوس من أجل السلام.
في عام 2007 طلب الفريق القومي لساحل العاج أن تقام مباراته للتأهيل لبطولة الأمم الأفريقية في مدينة (بواكي)، ثاني أكبر مدينة في البلاد، وكانت المدينة تحت سيطرة قوات المعارضة في الشمال. المدهش حقا أنه تم تأمين المباراة من قبل مقاتلين من الطرفين المتحاربين وقد شهدها 25000 مشجع في سلام.
المكانة السامية للفريق القومي لساحل العاج في ضمير الشعب والفخر القومي نجح في إنهاء الحرب عام 2007. ولكن لم يصمد السلام لتورط واحدة من الجماعات المتحاربة في التجارة غير الشرعية في الكاكاو وجماعات اخرى في تجارة السلاح وليس لها مصلحة في السلام طالما تحقق الارباح.
الدرس المستفاد، هنا مرة اخرى، أنه مهما صدقت النوايا، ومهما كان النفوذ الأخلاقي لطرف ما من المجتمع يعمل على إنهاء الحرب، لابد من تنوع وتعدد الأطراف التي تسعى لإنهاء الحرب وبالتالي تعدد ينابيع هذا النفوذ الأخلاقي وانتشارها في كل ركن من اركان المجتمع. اذ أن القضية ليست فقط وقف الحرب بل ضمان عدم تكرارها. ونعم، مرة اخرى، إن في إمكان حركة مدنية أن توقف الحرب.
في زعمي نحن كسودانيين في وضع أحسن حالا من ليبيريا، سيراليون، وساحل العاج. لدينا حركة مدنية واسعة واحزاب عريقة، لدينا حركة نسوية قوية، لدينا رجال دين ورجال طرق صوفية، لدينا تنظيمات مهنيين وفنانين ومبدعين وصحافيين وكتاب، بل لدينا فريق كرة قدم قومي – ما شاء الله – يحقق إنتصارات هنا وهناك هذه الأيام.
شروط النجاح:
الشرط الأول لنجاح حركة مدنية في إيقاف حرب أهلية هو وحدة الارادة. يتولد من وحدة الإرادة لحركة مدنية متنوعة المكونات ومتعددة المنابر (احزاب، مجموعات نسوية، أئمة ووعاظ وقسس، فنانين ومبدعيين، صحافيين وكتاب ..الخ) يتولد من وحدة الارادة الضغط بالرأي العام لايقاف الحرب وهذا يتطلب وحدة حركة مدنية قوية في مقدورها جذب رأى عام قوى وغالب ليقف ضد الحرب ويدفع للسلام.
بكل وضوح نفتقد ذلك الأن رغم وجود كل المكونات. لا توجد إرادة لتوحيد هذه الحركة المدنية عندنا الآن: موارد الحركة المدنية وإمكانياتها مشتتة ومبعثرة. كل تحالف يعمل لوحده بنفوذ محدود وسط اتهامات وتشكيك من التحالفات الاخرى مما يقلل نفوذ التحالفات جميعها. كل تحالف بشروطه ( عاجبك، عاجبك! ما عاجبك فحط!). لا أمل في إنهاء الحرب دون الإرادة لتوحيد الحركة المدنية.
الشرط الثاني: الحوار نفسه والإتفاق والتسامح والقبول بين أطراف الحركة المدنية المختلفة يعزز الحوار والتوافق في المجتمع ككل، بل يصل الى اركان قصية وعصية، يصلها نفوذ هذه او تلك من مكونات الحركة المدنية ولا يصلها نفوذ المكونات الاخرى. هذا شرط أساسي لخفض الأصوات المنادية بإستمرار الحرب وعزلها في جيوب صغيرة وتقليص جمهورها.
الشرط الثالث: عدم التورط مع أطراف النزاع في اتفاقات منفردة (تجو سوا تقعدو سوا. مافي طرف يجي براهو). ربما الخطأ القاتل الذي ارتكبته (تقدم) هو محاولة التوسط (بالقطاعي) لإنهاء الحرب رغم حسن النية الذي لا شك فيه في خطوة د. حمدوك ورفاقه. يجب أن يكون واضحا لطرفي الحرب ( انتم مقاتلين، كنتم حلفاء، ونحن مدنيين).
الشرط الرابع: الانتباه العالمي والضغط على المجتمع الدولي، وهذا ليس مستنبط فقط من التجارب المذكورة اعلاه، رغم أنها فعلت الكثير في تلك الجبهة، بل ايضا مستنبط من إتفاقية (الجمعة المقدسة) او اتفاق بلفاست بين بريطانيا وجمهورية ايرلندا واحزاب ايرلندا الشمالية. ذاك الاتفاق الذي أنهى 30 عاما من الحرب وضمنت التعايش السلمي وتقاسم السلطة بين البروتستانت والأقلية الكاثوليكية. بل أكثر من ذلك مستنبط من تجربة جنوب أفريقيا.
الدرس هنا أن المسألة ليست فقط الانتباه للمأساة والمجاعة وجرائم الحرب، بل ضغط متواصل يبدأ من الجمعيات المدنية والحركات المدنية ذات السمعة والنفوذ في بلادها. ويؤثر ذلك بالتالي على الأحزاب والوزارات وإدارات تلك الدول ومن ثم المنظمات الدولية.
على الرغم من الحبر الكثيف الذي سكب في إعطاء الفضل لرؤساء دول و موظفين أمميين وزعماء أحزاب امثال بيل كلينتون، توني بلير، بيرتي أهرين، وجورج ميتشل..الخ في إنهاء الحرب وتوقيع اتفاق الجمعة العظيمة، الا أنه لا تأثير لهؤلاء الرجال دون حركة مدنية متحدة في إنهاء جنون الحرب وانقسام المجتمع. هؤلاء الرجال قبل انتخابهم او تعيينهم وبعده لا يعيشون في أبراج معزولة، فهم يتناولون الغداء والعشاء مع الناس وينخرطون في مناقشات ومغالطات ويسمعون ويقرأون ويذهبون إلى التجمعات والأندية. تأثير الحركات المدنية اقوى من الف كتاب ومقال والف الف مرة من تأثير مستشار متخصص أو أكاديمي. فقط انظر لتأثر حركة الحقوق المدنية في ايرلندا الشمالية بحركة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة الأمريكية وتغيير إتجاه حركات كانت تنتهج الكفاح المسلح إلى العمل المدني والدبلوماسي.
ونحن كسودانيين في المنافي لنا مجتمعات راسخة تحسن الحوار فيما بينها ربما أكثر من ساسة الداخل، وهم كفيلون بذلك. يندهش كثير من الغربيين عندما يسمعوا بثلاث انتفاضات في بلد أفريقي ضد الدكتاتورية العسكرية في غضون حوالي نصف قرن. لكن الآن صارت معلومة عامة بفضل مأساة الحرب الجارية.
الشرط الخامس: اطلاق مبادرة القواعد في كل الأحزاب والمنظمات المدنية لتحقيق هذه الشروط. الحوار الحر من الكوابح والضوابط واللوائح ينتج أفضل الآراء والمبادرات. دع القواعد الشعبية تطلق مبادراتها.
لا للحرب..
نعم لوحدة الحركة المدنية السودانية من أجل السلام وإنهاء الحرب..
يا استاذ بكرى نحن وضعنا فى السودان مختلف .لماذا .لأننا شعب متخلف.واقول ليك كلام هذة الحرب لن تقف خالص لان طرفى الحرب عاوزين يبدأ الشعب السودانى.ومايطلع لى واحد راس مربع يفتى ويقول كلامك خطأ.هذا الحرب ليس سياسية .إنما كل الطرفين عاوزين الحكم لماذا لسرقة ماتبقى من ثروات السودان ودى هى الحقيقة سواء وافقت ام غير.والدليل لما حميدتى كان بسرق الذهب بالاطنان أين كان البرهان او بالصح الجيش بتفرج ولا كان بتقسم مع بعض والله الواحد كره كب شى البلدشعب فقير لدرجة وجاين يعمل لينا حروب .ياخى بلد لة٦٩ سنة مستقل وبالله واحد يقول لى هل فى سنة حصل لنا فيها تقدم نحن كل سنة فى تدهور.واكد لكم ان مافى امل خالص للإصلاح الا ربنا يبدلنا بقوم اخرين
الاستاذ العزيز أبو سنان،
والله العظيم انني اقدر غضبك واحترم حرقة قلبك. وكلامك فيهو الحقيقة. وكله معروف من جبل عامر للإنقلاب المشترك بين حميدتي والبرهان وفض الإعتصام. لا يمكن كتابة كل شيء في مقال واحد، اخي ابو سنان. لكن لدي أمل في اهل السودان ولا اتمنى أن يبدل الله سبحانه وتعالى اهلي بقوم آخرين. لكني أتأسّى بقوله رب القدرة (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) [الرعد:11]. هذاأملي.
مع صادق التقدير،
أخوك محمد
اتمنى ان نكون اكثر عقلا وتعقلا ونسير في اتجاه تقسيم السودان على حدوده التاريخية الممكونة لشعور السوان الانجليزي
أصلا السودان لم يكن دولة واحدة الابعد عام ١٩١٦حيث ضمت دارفور وهي لم تكن ولن تكون جزءا من السودان وكذا جبال النوبة وجنوبي النيل الأزرق.
الان السودان يعاني من تفشي حقد الغرابة وعنصرية حامضة داكنة اللون خشنة الملمس من مكونات دارفور بلا استثناء والشيء المحير ماذا يريد الدارفوريين من الاصرار على بقاء في دولة يرفض معظم مواطنيها ان يقبلوا بالتعايش مع شعوب تكن لهم حقدا وعداء سافرا
أخي فصل الشمال…،
المسألة ما دارفور براها. كل البلد دارفور. الحكاية ما ح تقيف على كدا: ح يكون عندنا دولة جبال النوبة ودولة جبل مرة، واحتمال دولة البجا وربما يطالب اخوانا الرشايدة بحق تقرير المصير. وما بعيد يكون عندنا دولة الإنقسنا او دولة النيل الازرق. ياخي أخير نلم المشكلة دي من هسه وبعد عشرين خمسين سنة كدا نقترح على اخوانا الجنوبيين سوق سودانية مشتركة زي الاوروبيين وبراحة براحة كدا يمكن نقنعهم يعملوا معانا حاجة كدا نسميها (SU) زي الاتحاد الأوروبي. يا زول على الله ما بعبد. قول امين!
اولاً شكراً على هذا المقال ، فهو كتابة نادرة في موضوعيتها وجديتها بين كل الهرج و المرج الذي تمتليء به الصحافة والمواقع الإسفيرية…. مقالك اغفل عامل مهم في الحالة السودانية وهي ان كلا طرفي الحرب هم وكلاء لقوى خارجية بصورة من الصور وهذا يعقد عملية إقناعهم او إجبارهم داخليا على وضع السلاح جانبا ويعظم الدور الدولي في إنهاء هذه الحرب
شكرا ليك اخي الدنقلاوي،
بصورة عامة اي حرب في الدنيا دا في أطراف خارجية بتدخل فيها. دي والله قاعدة زي قوانين الفيزياء. بس عاين حولنا اليمن، ليبيا، شاد، وعاين لاوكرانيا في اوروبا. الكلام على ناس البلد المعني. يعني في تقديري المتواضع التدخل الخارجي حاصل حاصل وناس البلد هم الوحيدين البخلوهو يدخل وهم الوحيدين اليقدروا يقول ليهم (اطلب الله وادينا عرض اكتافك). بعدين يا اخوي الدنقلاوي مافي مقال واحد ولا كتاب واحد بيقدر يقول كل شيء. ا