مقالات سياسية

الجذور العميقة لانفصال الجنوب والأزمة الشاملة للسودان (2-4)

سليمان حامد الحاج

تعليقات في السياسة الداخلية

بمناسبة مرور سبع سنوات على اتفاقية السلام الشامل

حدث ذلك عند أول تشكيل للحكومة ودار صراع ضارٍ بينهما حول وزارتي الطاقة التابع لها البترول ووزارة المالية. وكذلك الحال مع منطقة أبيي التي لا زالت تشكل لغماً يفجر الصراع ويعيد البلاد إلى مربع الحرب وينطبق الحال على تصدير البترول ومروره داخل الأراضي لشمال السودان، وترسيم الحدود وغيرها من القضايا التي لا زالت عالقة حتى بعد انفصال الجنوب.

لم يكن الحزب يرجم بالغيب، وإنما تمثل الواقع السياسي بكل تجلياته التاريخية والراهنة وفق منظور علمي.

وهنالك العديد من الأمثلة التي وردت في بيان منذ ذلك الوقت دعماً لما نقول وأسانيد تؤكد قوة الحجة والمنطق. ضمن هذه الأمثلة على سبيل المثال ، جاءت الطائرة الروسية التي قيل أنها حملت أسلحة من الحركة الشعبية إلى حركات دارفور المسلحة في يونيو 2004م واتهام الحركة الشعبية لحكومة الإنقاذ بخرق وقف العدائيات بهجوم قوات عسكرية في منطقة موني( 12 ميلاً جنوب توريت) وتصاعدت المواجهة حتى بلغت رفع الحركة الشعبية شكوى إلى منظمة الإيقاد .

هذا الاتفاق الثنائي لا يضع في الاعتبار وضع السودان شديد التنوع والتعدد بحيث يصعب الحديث عن هوية وطنية عامة لا زالت تتصف بالهشاشة. وهذا يفرض بل يستوجب إشراك كل أهل السودان في الحل الديمقراطي الشامل لأزمة الوطن وليس حصره بأي حال من الأحوال في حزبين لا يمثلان الأغلبية الساحقة من شعب السودان. ولم يكن تقاسماً للسلطة والثروة إلا بوضع اليد والأمر الواقع بقوة السلاح المسنود بقوى إقليمية ودولية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، التي تابعت تنفيذ مخططها الإجرامي منذ المفاوضات وحتى إجراء الانتخابات وانفصال الجنوب.

ثانياً: –

أكدنا في ذلك البيان أن مهمة بناء السودان واستقراره بعد الحرب مهمة شاقة وعسيرة بل تكون مستحيلة في بلد في حجم قارة. ولا يمكن أن يقدم لها حزبان. لأن طريقة الحكم الثنائي ليست جديدة على السودان، ونبه لها الحزب الشيوعي منذ فجر الاستقلال بعد التجارب المريرة مع الحكومات الثنائية مثل ( حكومة السيدين) والحكومة الائتلافية التي كانت تقوم على شراكة بين حزبين لينقض تحالفهما عند أول منعرج سياسي في صراع على المصالح وكراسي الحكم . وتفضي النتيجة إلى تحالف آخر ثنائي أو ثلاثي آخر ليلتقيا في زاوية حادة من منحنيات الصراع السياسي سرعان ما ينهار أمام المشاكل المعقدة لبلد في حجم السودان مساحة وفقراً وبؤساً في التنمية والصناعة والخدمات وتخلف ونمو غير متوازن- إن وجد- في معظم مناطقه خاصة ذات الاقتصاد الطبيعي الذي يقطنه 65% من سكان البلاد.

فإذا كان هذا هو الحال مع أحزاب شمالية بينها العديد من القواسم المشتركة سياسياً وطبقياً وحتى دينياً، فما بالك في اتفاق بين حزب الجبهة القومية المتأسلمة والحركة الشعبية والذي لا جمع بين برنامجهما جامع ( على الأقل المنشور على الناس) إن ما جمع بينهما هو أمر واحد ، اتفاقية السلام الشامل بكل قصورها وتناقضاتها. وبينها منح الهيمنة على السلطة والثروة بنسبة 52% للجبهة القومية المتأسلمة. وهو عامل خطير ضمن مهددات الاتفاقية.

ثالثاً:

قلنا أيضاً في بياننا المشار إليه، هناك أيضاَ القوى المعارضة للاتفاقية في الشمال والجنوب وهي في الواقع ضد وحدة البلاد. وهي تؤجج نيران الانفصال. ففي الشمال هناك حزب معترف به من السلطة وله دار وصحيفة وليس بعيداً عن متنفذين في السلطة ، بل بتمويل من بعضها وهو يدعو بالصوت العالي من أجهزة إعلام الدولة إلى الانفصال بكل ما أوتي من جهل وعدم معرفة كما سيؤول إليه حال البلاد بعد الانفصال.

وبذات النبرة العالية هناك قوى جنوبية معارضة للوحدة داخل الحركة وخارجها . وعبرت هذه القوى عن نفسها في اللقاءات التي قام بها الشهيد د/جون قرنق في يونيو 2004م والتي شملت معظم أنحاء الجنوب. وأكد فيها عدد من القيادات البارزة في الحركة أن 90% عبروا عن أنهم يقفون مع الانفصال.

وفيما بعد صرح الرئيس سيلفاكير ميارديت ، بأن الأعمال والممارسات التي قامت بها السلطة طوال تحالفهما هي التي جعلت الوحدة غير جاذبة وأقنعته بالوقوف مع الانفصال.

ويذكر الجميع تلك المرارات التي بدأ المؤتمر الوطني غرسها منذ اللحظة الأولي عند التنفيذ العملي للاتفاقية . وهي على سبيل المثال:

(1) التلكؤ في تكوين مجلس الوزراء الذي نصت الاتفاقية على تكوينه في 9 أغسطس 2005م، أي بعد ثلاثين يوماً من توقيع الاتفاقية. إلا أنه لم يكون إلا بعد شهرين. وبعد أن تدخل كوفي عنان رئيس منظمة الأمم المتحدة في ذلك الوقت، ويعد أن جزر لازاراس سيمبويا المشرف على تنفيذ الاتفاقية بأنه سيرفع الكرت الأحمر إذا لم تكون الحكومة خلال شهرين.

(2) كذلك التأجيل المتعمد من قبل المؤتمر الوطني لتكوين المفوضية القومية للخدمة المدنية والمفوضية المفوضية القومية المستقلة لتقدير وتقويم تنفيذ اتفاقية السلام في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق . فما فأقم الوضع فيهما وأطلق يد الحزب الحاكم ليمارس أبشع الوسائل للتمكين بما فيها اقتلاع الولاة من مناصبهم وإشعال نار الحرب القائمة حتى الآن.

نواصل
سليمان حامد الحاج
الميدان

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..