مقالات سياسية

لماذا تأخر السودان في قطع علاقاته مع الإمارات رغم دعمها الصريح لقوات الدعم السريع؟

نبيل منصور

 

بعد أكثر من عام على اندلاع الحرب، وبعد توالي التقارير عن دعم دولة الإمارات لمليشيا الدعم السريع بالأسلحة والمعدات وغطاء سياسي غير مباشر، قررت الحكومة السودانية أخيرًا قطع العلاقات الدبلوماسية مع أبوظبي، إثر هجوم خطير استهدف مطار بورتسودان وبعض المنشآت الحيوية شرق البلاد.

لكن السؤال الأهم الذي يفرض نفسه هو : لماذا تأخر هذا القرار؟ ولماذا لم تُقدم الخرطوم على هذه الخطوة الحاسمة منذ الشهور الأولى للحرب، رغم وضوح الدعم الإماراتي للعدو الداخلي؟

الإجابة لا تتعلق فقط باعتبارات دبلوماسية أو قانونية، بل بكشف شبكة من المصالح والضغوط والتوازنات التي جعلت من هذا القرار خطوة مؤجلة ومكلفة.

 

أولًا : الاستثمارات الإماراتية كوسيلة نفوذ وهيمنة

تملك الإمارات حصة الأغلبية في بنك الخرطوم، أكبر بنك تجاري في البلاد، والذي يدير تطبيق “بنكك” المستخدم من قبل ملايين السودانيين، خاصة لصرف المرتبات وتحويل الأموال في ظل انهيار البنية المصرفية للحكومة.

وبينما يظهر البنك كواجهة سودانية، إلا أن القرار المالي والسيطرة البنكية الفعلية تمر عبر أبوظبي، مما يجعل أي قرار بمواجهة الإمارات يحمل خطرًا مباشرًا على شريان اقتصادي حيوي للمواطنين والدولة على السواء.

أضف إلى ذلك وجود عدد كبير من الحسابات البنكية والعقارات التي يملكها مسؤولون سودانيون سابقون وحاليون في الإمارات، وهو ما يجعل من التصعيد ضد أبوظبي تهديدًا مباشرًا لمصالحهم الخاصة.

 

ثانيًا : الذهب … جوهرة التبعية المضمونة

ربما تكون قضية الذهب السوداني من أبرز الملفات التي تفسر الإحجام عن قطع العلاقات. فحتى بعد اندلاع الحرب، لا يزال الذهب السوداني يُصدَّر للإمارات، إما عبر القنوات الرسمية أو عن طريق التهريب، وبعلم السلطة. بل إن هناك اشاعات عن عقد التزمت به الحكومة السودانية يقضي بتصدير كل إنتاج الذهب للإمارات لمدة عشر سنوات، في ترتيب أقرب ما يكون لعقد إذعان اقتصادي، يضمن للإمارات الاستفادة الدائمة من المورد الأكثر استراتيجية في السودان.

والأخطر من ذلك أن الإمارات تشتري الذهب غالبًا خارج النظام المصرفي وبأسعار أقل من السوق، مما يحرم الدولة من العملات الأجنبية ويُنعش السوق السوداء، ويؤدي لتغذية مليشيات الحرب. وفي هذا الصدد أجاب جبريل ابراهيم وزير المالية في أكثر من لقاء حول استمرار تصدير الذهب للإمارات بانه عمل قطاع خاص لا شان للحكومة به او عمل تجاري لا يمكن خلطه بالحرب !!!!.

 

ثالثًا : هشاشة الدولة وتوازنات المصالح الداخلية

بعض عناصر السلطة ترى أن الحفاظ على قنوات مفتوحة مع الإمارات، رغم عدائها الصريح، ضرورة لتجنب مزيد من العزلة، أو بسبب وجود رهانات على تسويات سياسية إقليمية. وهناك من يخشى من أن يؤدي التصعيد إلى وقف تحويلات المغتربين، أو مضايقة الجالية السودانية الكبيرة المقيمة هناك.

من جهة أخرى، فإن الانقسام داخل بنية السلطة نفسها – بين من يعتبر الإمارات حليفًا سابقًا لا يجب خسارته نهائيًا، ومن يراها دولة معادية – يجعل من اتخاذ قرار جذري مثل قطع العلاقات خطوة محفوفة بالمخاطر السياسية داخل الحكومة نفسها.

 

رابعًا : الإمارات ليست دولة عادية في الحسابات السودانية

ليست الإمارات مجرد “طرف خارجي” في الأزمة السودانية، بل أصبحت منذ سنوات لاعبًا داخليًا بصلاحيات غير معلنة، ويدًا مالية تُحرك الأسواق، وتدير العقود، وتؤثر على القرار السياسي من الخلف.

وهذه الحقيقة تجعل من أي مواجهة معها تحديًا وجوديًا لبعض النخب السياسية والعسكرية، التي ترى في أبوظبي الضامن الأخير لمصالحها، أو على الأقل الملاذ الآمن إن سقط النظام الحالي.

 

خامسًا : التبعات الدبلوماسية الإقليمية والدولية لقطع العلاقات

قطع العلاقات مع دولة بحجم وتأثير الإمارات لا يُعد مجرد قرار سيادي داخلي، بل هو خطوة محاطة بتعقيدات دبلوماسية عميقة، خاصة في ظل تركيبة النظامين العربي والدولي.

الإمارات ليست دولة معزولة، بل هي عضو نافذ في مجلس التعاون الخليجي، وأي دولة تقرر قطع علاقاتها مع عضو من هذا المجلس، فإن المجلس – وفقًا لأعرافه غير المكتوبة – يقوم بتجميد علاقاته مع الدولة التي بادرت بالقطع، أو على الأقل بتجميد التعاون السياسي والاقتصادي معها إلى حين حل الإشكال الثنائي. وهذا يعني أن السودان قد يجد نفسه معزولًا ليس فقط من قبل الإمارات، بل من كامل منظومة الخليج التي يعتمد عليها اقتصاديًا في استيراد الوقود، الدعم الإنساني، والتحويلات المالية من المغتربين.

إضافة لذلك، فإن الإمارات ترتبط بعلاقات استراتيجية قوية مع القوى الغربية الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا. وتلعب في بعض الملفات دور “الوسيط” أو “الضامن”، وبالتالي فإن قطع العلاقات معها قد يُحرج السودان أمام شركاء محتملين في المستقبل، أو يضعف موقفه التفاوضي في ملفات أخرى مثل رفع العقوبات أو إعادة الإعمار.

كما أن بعض الدول العربية مثل السعودية ومصر، التي تحاول الحفاظ على توازنات مع الإمارات، قد تنأى بنفسها عن السودان دبلوماسيًا إذا ما اتخذ خطوة عدائية تجاه أبوظبي، أو تتخذ مواقف رمادية تضعف من قدرة السودان على بناء جبهة إقليمية قوية داعمة له في مواجهة قوات الدعم السريع.

 

سادسًا : مناورة قضائية أم تهرب من المواجهة؟

الذهاب إلى محكمة العدل الدولية بدلًا من محكمة الجنايات الدولية، المختصة فعلًا بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، أثار الكثير من الريبة. فقد أشار قانونيون كُثر منذ البداية إلى غياب الاختصاص القضائي، ونصحوا بسحب الدعوى. ومع ذلك، مضت الحكومة فيها، لتُرفض لاحقًا شكليًا، ما فتح باب الاتهامات بأنها لم تكن تسعى فعليًا لإدانة الإمارات، بل لاستخدام القضية كأداة دعائية وسياسية، تضمن لها كسبًا شعبيًا مؤقتًا دون الدخول في مواجهة قانونية حقيقية مع أبوظبي.

 

ختامًا :

جاء قرار قطع العلاقات مع الإمارات متأخرًا، لكنه يكشف في تأخره حجم النفوذ الإماراتي في مفاصل الاقتصاد والسياسة السودانية. لقد انتظر السودان كثيرًا حتى يتلقى ضربة مباشرة ومهينة في العمق السيادي، ليتحرر من وهم الحياد الإماراتي أو الرغبة في التسوية.

هذا القرار لا يجب أن يُفهم كردة فعل فقط، بل كبداية لمراجعة شاملة لعقود التبعية والهيمنة، بدءًا من الذهب مرورًا بالبنوك وحتى نفوذ الإمارات على بعض مراكز القرار السوداني.

فما لم تُفتح هذه الملفات بشفافية وشجاعة، فإن أي قطيعة دبلوماسية ستظل ناقصة، وستظل أبوظبي قادرة على التأثير في المشهد من الخلف، حتى وهي خارج السفارة.

 

[email protected]

‫2 تعليقات

  1. فما لم تُفتح هذه الملفات بشفافية وشجاعة، فإن أي قطيعة دبلوماسية ستظل ناقصة!!!!!
    من يشكك في القيادة و رجال الانغاز الاشداء فهو عدو!! و لا تقعدوا تخوفونا بالامارات ! اقطعوا يعني اقطعوا!أيه . تلبسني بلبوسي و ركبت نظارة رؤية جيش ×شعب×(١) إذن لن تفارقك العبقرية و سودانا فوق

    1. فوق وين فوق شايفين مسيرات …. سياسه نطح التيوس دى بتكسر راسك و بس

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..