مفهوم تطوير التعليم لدى النظم العسكرية

د. الفاتح إبراهيم / واشنطن
خلال بحثي المكثف لكتابة المقال عن شاعرة الثورة الشابة وئام كمال الدين استمعت اليها في احدى المقابلات التلفزيونية على اليوتيوب تتحدث بفخر وإعزاز في إجابة على سؤال مقدمة البرنامج عن تعليمها اجابت أنها مهندسة خريجة كلية الهندسة في جامعة ام درمان الإسلامية .. هكذا أعاد حديثها الذاكرة الى بداية أحد الانقلابات العسكرية في السودان في مايو١٩٦٩ .. تفتقت عبقرية ولاة الأمر في الحكم العسكري المايوي في فورة حماسهم بالطبع لإعادة صياغة المجتمع السوداني ، إلى العدوان على احدى المؤسسات التعليمية وهي جامعة أمد رمان الإسلامية .. اتحدث هنا من زاوية تربوية تعليمية بحتة ترتكز على جهود تطوير التعليم الذي هو أهم استثمار يمكن ان توظفه دولة ما لتقدم ورفاهية شعبها .. لقد فطنت لذلك الدولة التي أعيش فيها الآن وهي الولايات المتحدة الامريكية .. ومما يجدر ذكره أنني سافرت الى أمريكا أصلا لغرض أساسي وحيد وهو مواصلة التعليم العالي .. ولعل هناك الكثير من من ترك الوطن بسبب اقتصادي بعد أن ضاقت به السبل لتجبره الظروف للهجرة القسرية وتلك قصة أخرى..
في هذه الدولة القارة – الولايات المتحدة – لجامعاتها واساتذتها سطوة وسلطة واستشارات تستمع لها وتستهدي بها مؤسسة الحكم والقادة السياسيون .. وما أن تكون هنالك أزمة ما أو قضية تستدعي العلاج حتى تتصدى لها أجهزة الاعلام المقروءة منها والمسموعة والمرئية بالنقاش والتحليل .. ومن الطبيعي أن تستعين هذه الوسائل الإعلامية الحرة المستقلة بالخبراء وفي مقدمتهم أساتذة الجامعات ومحللين سياسيين وخبراء عسكريين وعلماء من مختلف التخصصات لإلقاء الضوء على الازمة المعنية وإيجاد الحلول الناجعة لها حيث يدور النقاش بكل حرية وشفافية وتؤخذ آراؤهم وتوصياتهم لحل المشكلة محمل الجد ويتم تنفيذها .. ومما يجدر ذكره أنه في الولايات المتحدة على الأقل ٣٥٠٠ جامعة وكلية تُدرس فيها مختلف التخصصات من علوم وتكنولوجيا والعلوم الإنسانية منظومة متكاملة تعرف بنظام التعليم العالي الأمريكي ..
ولكن عندنا تقوم النظم العسكرية فيما تمارسه من اهدار إمكانيات الوطن بتخريب مؤسسات التعليم وتجفيف منابعها الاقتصادية والبشرية وهم – في حيرتهم – يظنون انهم يحسنون صنعا ..
ما زلت أذكر بيان إلغاء نظام الجامعة الإسلامية “وتطويرها الى كلية للدراسات العربية والاسلامية” تطوير جامعة إلى كلية وشتان ما بين الاثنين !!!!!!!
وقد سخرت الاقدار من تلك القرارات المايوية ذلك أن ثورة ابريل التي اقتلعت النظام المايوي بدأت من حرم الجامعة الاسلامية .. ولمن لا يعرف أن الجامعة الاسلامية التي تحمل عبء تأسيسها وتطويرها مديرها المرحوم البروفيسور كامل الباقر كانت مؤسسة وطنية رائدة في تطبيق نظام الدراسات متعددت التخصصات في التعليم العالي
“Interdisciplinary studies”
وقد خبرت هذا النوع من الدراسات بعد اكثر من عشر سنوات بعد تخرجي في المرحلة الجامعية عندما التحقت بجامعة اوهايو الامريكية في قسم الدراسات العليا حيث يجد نظام الدراسات المتعدد التخصصات كل العناية والاحترام في هذه الجامعة التي تعتبر من ارقى واقدم جامعات منطقة الوسط الغربي الامريكي ..
وخلاصة الامر ان هذه المؤسسة العريقة – الجامعة الإسلامية – التي يعود تاريخها الى العام ١٩١٢ استعادت عافيتها وواصلت رسالتها الوطنية القومية والإنسانية بعد زوال العقبات لتمد مجتمعها بخريجيها المتميزين أمثال شاعرة الثورة الشبابية وئام كمال الدين ..
أرجو أن لا يستغرب أحد من مفارقة “تطوير” جامعة الى كلية فقد حدث ذلك في سوداننا الحبيب ضمن مسلسل محن الأنظمة العسكرية التي عانت منها البلاد في الماضي ..ولكن الآن كما تقول الفرنجة “: يوجد عمدة جديد للمدينة “
“there is a new sheriff in town”
حيث تنتظم السودان الآن ثورة الوعي والتغيير تقف نقطة تحول في وجه الممارسات القديمة التي كبلت مقدرات البلاد زمنا طويلا ..