… وكانت لنا أيام

د. الفاتح إبراهيم / واشنطن
في منتصف الستينيات في نهاية المرحلة الثانوية في مدينة الخرطوم كنا أشتاتا من الطلاب جمع بيننا حب الأدب والحوار في شئوون الثقافة .. نتج عن طبيعة المنهج المقرر والمنافسة الأكاديمية فيما بيننا في ذلك العام الذي جلسنا فيه لامتحان الشهادة السودانية، انقسامنا لفئتين مجموعة شكسبير وطه حسين والأخرى التي كنت انتمي إليها مجموعة العقاد وبرنادشو .. كنا نتبارى في استعراض شواهد النحو والبلاغة والتحاور في مقررات الأدب العربي والإنجليزي والجغرافيا والتاريخ والعلوم ..كان هذا الأسلوب يعيننا في استذكار الدروس من غير ملل وينمي التفاعل وتبادل الآراء ويشعل روح المنافسات الشريفة بيننا من جهة والطلاب الآخرين في الجهة الأخرى.. كانت الإمكانات متاحة والمستويات متقاربة والنفوس حرة تواقة للإنجاز مفعمة بالأمل والطموح .. كان المنهج الدراسي تقوده مؤسسات تربوية محترمة مثل معهد بخت الرضا تخطط للتعليم والتدريب على أحدث نظريات التعليم ثم تربطها بواقع البلاد ..وهكذا يكون الطالب عندما يدخل المرحلة الجامعية يكون مسلحا بكل حقول المعرفة يتقن اللغة الأولى لغة الام اللغة العربية وأيضا اللغة الإنجليزية كلغة ثانية تمكنه من تحصيل علوم الحضارة المعاصرة .. كل ذلك كان يتم في تلقائية ويسر وتواضع خال من الصياح والهستيريا والأناشيد الحماسية التي تسيد بفلان الملهم وحكومة مجلس “الصحابة الأطهار” التي جءت لإنقاذ البلاد والعباد من الفساد!!! ..
وهكذا “كانت لنا أيام” على رأي بازرعة وأبوعفان لهما الرحمة .. ثم ضاع ربيع الامس وانطوى في القلب حسرة كما اشارت اليه نوعا ما عبقرية ادريس جماع .. أما الوطني الصنديد هاشم صديق فقد عبر عن الفقد والقى التساؤلات التقريرية الاستنكارية عمن تسبب في تحويل الحلم الى كابوس وتدمير وتخريب الفردوس المفقود في رائعته “اجترار”:
كان زهو الفجر منقوشاً على صدر المحالج .. الطواقي الحمر تغزل أحضان “المناسج”
المناديل المزركشة الزهور .. الرسائل والعطور
اللقاءات البريئة
الهتافات الجريئة
الليالي الشاعرية في المنابر
شقشقات الوجد في صدر الدفاتر
كان صدق القلب في طرف اللسان
والصداقة “سيسبان”
* كانت الدنيا حديقة .. ومضيئة .. المواهى .. و المقاهي
“المسارح ” والجماهير” و”السواري” .. “قلده الأعياد” .. و “ترنيم الأماني”
الأغاني
“الرياضة” .. “المحينة” .. و “الرهيب رجل الثوانى”
هذا الجيل الذي يكابد الآن غباء الحكام وبالرغم من أنه لم يعش تلك الأزمنة الرخاء لكنه تلقاها صورا مبعثرة من الآباء والامهات والحبوبات .. لقد كانت الأنظمة الظالمة المتعاقبة التي جثمت على صدر الوطن وانسانه عقبة كؤود امام حلقة تواصل الأجيال واستمرار التجارب .. غير أن هذا الجيل المدهش المسلح بعلوم وتكنولوجيا العصر الذكية ووسائلها المتنقلة استطاع استخدام الوسائل الحديثة بذكاء لردم الفجوة ليشعل في جوانحه الثورة ويقدح شرارتها النائمة عناصرها المعرفية في جيناته الوراثية .. اطمأن قادة الفتنة والظلام انهم تمكنوا من تدمير كل ما هو جميل في البلاد وبنوا على انقاضه المسخ الهجين الذي ظنوا – في حيرتهم واوهامهم – انه البديل وانها نهاية التاريخ ولن يستطيع أيا من كان ان يطال هذا المشروع العتيد ويهدمه.. ولكن تاتي الرياح بما لا تتوقع السفن فقد تفاجأوا بهذا الجيل الواعي الشجاع الذي اثبت انه على قدر المسؤولية واوجز طموحاته في شعار مدوي حرية سلام وعدالة ..وهذه لعمري الدعامات التي يحتاجها الوطن لتشييد مشروع الوعي والاستنارة على انقاض أنظمة الغيبوبة والظلام ..
القارئ للاحداث الان يرى ان الثورة بالرغم من كل ما توجه من صعوبات تتواصل وبعض من الفلول تتأمر وبعض من القوى الإقليمية والدولية تتخاذل ولكن كما هو واضح وجلي للعيان فإن ثورة الوعي هذه والتي نبعت كوردة حمراء من جرح غائر اسمه نظام “الانقاذ” لن تنهزم .. لقد اشرأبات واستطال عنقها من بين رماد الفشل كطائر الفينيق الأسطوري الذي لا يرضى إلا بالنصر ولا يقبل الموت حتى ينهض من بين براثنه عملاقا يعيد بناء ما هدمته أنظمة الجور والخذلان .. وإذا ما اشفق البعض من الازعاج والهتاف المدوي فالبشرى لهم ان طبيعة خيار الثورة ان تكون صيغة وسيناريو لديناميكية وحركة الحياة ولن تكون أبدا بيئة خاملة ساكنة كهدأة الأموات في القبور ..
لم يكن لكم ايام يادكتور , بل كنتم تعيشون فى ظل ايام الاستعمار , وهى علاقة عكسية منسوبة الى المسافة الزمنية بين خروج المستعمر و أست(غ)لال البلاد , و لا يخرج الأمر برمته عن علم الاجتماع السياسى الذى أختلفت معطياته بين الزمنين حتى أهدر دم كوفى عنان تماما كأهدار عرض الملكة اليزابيث بواسطة عضو المهدية ( البارز) يونس ود الدكيم – حسب الخيالات السودانية الأصيلة السمحة.
أصطلاحا يجدر القول أننا الان فى أوج الدورة السودانية التالية بعد المهدية , نحن فقط نواجه أصالتنا و عراقتنا غباشتنا ووراعتنا السمحة على مستوى زمنى مختلف , ولا يعدو ذاك سوى التطلع فى المرآة ومدى وضوح غباشتنا حسب المسافة التى تفصلنا من ملامحنا (السمحة).
ونعم , الثورة وعىّ , الا أن النهج الثقافى لحملة مشاعله لم يتغير على كل المستويات , لذا لا يمكن التعويل على الحراك السودانى ما لم ينتبه حملة مشاعله الى ( ملامحهم الاخاذة الغبشاء السمحة) وأن كنت أجزم بأنهم سيركضون نحو غابرها !!
أعتقد أن نشر ثقافة العصيدة بملاح _ أم بقبق _ قد تكون بداية جيدة , فالجدلات الصوفية مع العمامة قد تعيق الرؤيا !!
مشكور الاخ رقراق تعليقك فيهو بعد النظر لى ورى و لى قدام . و أقول لى كاتب المقال كل الحاصل ده بسبب نومتكم فى الستينات لانكم لم تضعوا أساس متين للدوله و فى ذاك الزمان سكن الموت الجنوب و طرد حزب من البرلمان و كفر كثير من المفكرين و تمت من قبل حزب الامه تحالفات تحت الطاوله كما تفعل المافيا و ده كله و شباب الزمن داك متمتع بالجنيه البيعمل خمسه دولار و البيره ام جمل و خلافه .شباب اليوم هم الابطال البيصلحوا العوجه دى .