بكائية ..علي حافة الجرح المتجدد..

بكائية ..علي حافة الجرح المتجدد..
( 23 يوليو1971 )
محمد عبد الله برقاوي..
[email protected]
أربعون عاما انقضت..فيها ومعها جرت علي بطاح حياتنا عبر العيون جداول من المدامع وشقت القلوب مسافات كبيرة من الجراح..عبأت الافاق برائحة البارود وطعم الدماء
وأحدثت من الهزات ما أفقد الوطن أ خيارأ من ابنائه الذين رحلوا بالجسد وظلت أرواحهم ورودا في خارطة أرضنا وثنايا زماننا شأنها شأن الأثار والأنهار..
كلما مرت نسمة من أريجها وحركت ذكراهم .. يتململ فينا الشجن وترتجف الأنامل ..فتبكي عبر اليراع وتذرف أحرفا خجولة لا ترقي لقداسة الحزن المكنون..
ولكن ألم يبقى من حيلة فينا..الا القلم ..واضعف الايمان من الأسطر ..نشعل بها صرخات التأنيب حيال الوجوم الذي يقابل الخنوع لعجلة الحياة التي تلفنا في استدارتها السريعة لتبعدنا عن صورة الأمس ..الي الاستسلام فقط لمشهد اليوم بكل بشاعته..!
وهل ضعفت خطانا عن ملامسة الشارع ليدك زاحفها قلاع الكبت والظلم الطويل؟!
وهل يشبهنا احناء االهامات الي التراب الذي قد يعفر جباهنا احتقارا ويبصق علي وجوهنا ان هي لامست أحذية الجلاد بشفاه الخوف..أذ كيف تنسى كلمات الرفض وهي التي تغنت بها في الماضي نشيدا للفخار صنع المعجزات في كرري و24 وأكتوبر وابريل وتلك الحناجر التي لطالما كانت عالية ينحني لها السحاب بعطاء الخير..وتتعلم وتطرب لهتافها كل الأصداء وتردد معها..
ما خطبها اليوم ! هل بحّت؟!
23 يوليو 1971 لم يكن يوما عاديا في حياتنا ونحن شباب صغار تملؤنا العزة .. ونتشرب من أثداء العفة منعة الانفتاح نحو غد رأيناه ممتدا في الأبصار والبصائر الغضة ويتراقص كأمواج البحر علي امتداد الخيال
وسمقت معه أحلامنا رغم ذهابكم أملا قويا في عودتكم باصرار أجيالنا.. فهل هوت هي الأخرى كجدار الوهم.. ومضت مع ذلك السيل الجارف الذي خطف أجسادكم وابقي علي المهج سمادا لتنبت معه أشجار الوفاء ..؟!
وهاهو بعضها ذهب غاضبا جنوبا ..متلفعا بثلث وصية الميراث التي لم نصنها متحدين فانهزمنا مختصمين لدى محاكم الغريب بعد أن تكسرت فينا الرماح وشاخت حوافر الاحتراب وأقتسمنا عرقكم بنيانا في المتون وثمرا في الغصون وأجنة في البطون…
فهل سنقعد بعد تبديدها أعوادا يلفها الجدب وغرسات تغرق في سراب أحمر يقطر من أسى الفروع المقطوعة التى تناثرت أوراقها في رياح المطامع..وننسي وصاياكم على الوطن؟! لعلكم في قلق تتسألون!
ما اسعدكم يامن ذهبتم ولم تشهدوا لحظة الفصال التي شققنا فيها القلوب في غياب العقول .. وما اتعسنا حينما نلقاكم ونحن في أكفان السواد ..نحكي في خجل ونقرأ لكم حصيلة خيبتنا التي بصمنا عليها في صحائف غيابكم..
نعم أنتم رحلتم فداء و تجنبا لهذه اللحظة فهل قدرنا أن نعيشها أذلاء .. سؤال تستوجب علينا الأمانة أن نطرحه على أنفسنا ونبحث داخلها عن أجابته ..
وكان في ذهابكم قبل أنشطار الوطن.. كل النبل.. كلكم القاتل والمقتول ..من مات في الجزيرة أبا 1970..لابد انه قد سأل هناك الآن مع من دفع حياته في مجزرة 23 يوليو 71 وكل الذين مضوا وراءكم في مواكب الشهادة النبيلة وقوافل المجد التليد.. وزفة عرسان الخلود علي مدي تاريخ عشق السودان من الذين عطروا أديمه بعرف العروق في كل ملاحم الفداء ومنذ الأزل..
فانتم مصابون فينا فلما ذا لاتجمعكم مصائبكم علي صعيد عقوقنا من بعدكم!
فالجرم الذي ارتكبناه بعدكم بالفعل أو الصمت عليه سيجعلكم جميعا تتحرقون حنقا في عالمكم الآخروقد تتناسوا كل ما ارتكبه أيكم في حق الآخر قبلا في دنياكم.. فهو لا يرقي الي حجم مابترناه من جسد التاريخ ومزقناه من شرايين الجغرافيا.. وجعلناه شعثا في الديموغرافيا..وياللعار؟! ..
لذا فلابد قد تصالح فيكم السيف مع الدم في مرقدكم تتدارسون مصير الوطن الذي تركتموه كبيرا ومتماسكا و ها أنتم عند مليك مقتدر ..
فهل تناهى الي مسامعكم تقرير مصيره بعدكم؟
ويا ويلنا من جبال الخزى التي تثقلنا ونحن نأتيكم نجرجر أذيال فعلتنا.. حيث لا يجدي الندم ان لم نعيد لحمته في سفركم جسدا.. وحضوركم روحا..
فالسلام عليكم في عليائكم تنامون أحياء علي ظلال الجنان باذنه تعالى.. وأن لم نلملم نحن شتات ترابنا قبل لقاءنا بكم .. فمن حقكم علينا أن تحفنا اللعنة ..
فما معني انتمائنا لكم ولوطنكم ذاك أن سلمّنا ارضه لمن يشتري وافترشنا جمر الخوف كالأسماك الميتة بلا حراك.. في بقايا وطن جعلناه مسهدا علي حافة الجراح يتعذب وحد السكين لا زال يندي بدليل الفعلة !..
و يا قبّح الله وجوهنا أن نلتقيه واياكم بها..
فلسنا بالطبع ساعتها نستحق الصفح ولن نجرؤ حتي على مجرد طلب السماح..
بيد أن مصير الجميع في الرحمة والغفران من قبل ومن بعد عنده وحده..
انه المستعان .. وهو من وراء القصد
السلام يا برقاوي
تظل ماساتنا ملازمة الي ان نلقى الله وتصعد روحنا الي باريها
منذ تلك اللحظة المشؤمة اصابنا خلل في الوجدان والروح بها هزيان .. هل اصبنا بتنويم مغناطيسي في تلكم السنين العجاف التي مرر فيها ابالسة الانقاذ مخططهم
وقع الفاس في الراس واصاتبه مقتلاً
لا بواكي عليك يا سودان الا كما هو الصمت المزهول بالهشة في واقع يلامس طرف الميت برؤية صديق غاب وحضر قبل فراق الروح الي الجسد
نلك ماساتنا وعلي الاجيال القادمه عمل المستحيل