مقالات سياسية

“فقه ادخار القوة” أو “الكيزان يبيعون الجيش مجددا!”

د. أحمد عثمان عمر

(١)

من يرغب في فهم طبيعة الحرب العبثية الدائرة في السودان اليوم، لابد له ان يقرأها في ظل تطور ثورة ديسمبر المجيدة حتى لا يتم اخراجها عن سياقها ، والسماح للحركة الاسلامية بتحويلها الى معركة كرامة ، او السماح لمليشيا الجنجويد بتحويلها الى حرب من اجل التحول الديمقراطي وتنصيب سلطة مدنية، لان الادعاءين كاذبين ، يأتيان في اطار تبرير الحرب وتسويقها ، وكمحاولة فاشلة للهروب من المسئولية مستقبلًا.

والامر الواضح الذي لا مهرب منه، هو ان الحركة الاسلامية في ثوبها الانقاذي، كشفها الحراك الجماهيري في ثورة ديسمبر المجيدة سياسيا ، حين اسقط مشروعها السياسي ورفضه رفضا قاطعا ، وكشفها أمنيا ، حين هزم اجهزتها الامنية التي فشلت في قمع الحراك برغم العنف المفرط التي استخدمته ، ولكنها إستدركت نفسها قبل ان يكشفها عسكريا ، وقررت تنفيذ الخطة البديلة وهي إنقلاب القصر ، الذي نفذته لجنتها الأمنية في أبريل ٢٠١٩م، وفرضت عبره الجيش المختطف من قبل الحركة الاسلامية والجنجويد على المعادلة السياسية ، وارغمت التسوويين في (قحت) على ان يشاركوهما معا من مواقع التبعية والعمل كواجهة لهما في الفترة الإنتقالية المزعومة.

كان ذلك في إطار حماية التمكين وضمانا وفرته الوثيقة الدستورية المعيبة لإستمراره ، وكان شرط إستمراره إحتواء التناقضات الثانوية بين المليشيا والجيش المختطف ، حتى تستمر لهما اليد العليا على المدنيين الواجهة في (قحت) ، وحتى يحكم بمفرده في حالة تطلب الامر ذلك، مثلما حدث في انقلاب اكتوبر ٢٠٢١م، حينما طرد الجيش المختطف والمليشيا معا واجهة (قحت) المدنية، في إنقلاب صريح فشل في تعويم نفسه كما فشل المجتمع الدولي في تعويمه ، نتيجة لصمود الحراك السياسي الجماهيري الفاعل و المؤثر في المعادلة السياسية السودانية.

(٢)

اختلال هذه المعادلة التي تضمن للحركة الاسلامية اليد العليا والاستمرار في حماية مكتسبات التمكين ، هو ببساطة سبب الحرب. فالحرب بدأتها الحركة الاسلامية داخل الجيش ، واختطفت الجيش مجددا لتوظيفه كميليشيا خاصة بها، لكسر شوكة الجنحويد وإستعادة سلطتها وتفوقها الذي كفله لها الإتفاق الإطاري في حال بقية مليشيا الجنجويد تحت سيطرتها. وذلك يتضح من نصوص الإتفاق التي ابقت سيطرة الحركة الاسلامية على جميع اجهزة العنف وأكدت شرعنة الجنجويد ، وخلقت مجلس امن ودفاع مهيمن على السلطة المدنية تسيطر عليه الحركة الاسلامية. لكن قرار مليشيا الجنجويد بالخروج من بيت الطاعة للحركة الاسلامية ، قلب كل الموازين ، وأوشك على سلب هذه الحركة المعادية لشعبنا كل شئ وهدد بكشفها عسكريًا وتهديم كل ماحققته بعد سقوط واجهات نظام الإنقاذ قبل توظيف هذه المليشيا وشرعنتها واستخدامها كعصا ضد الحراك وإشراكها في كل الجرائم كفض الاعتصام ، لتحميلها كامل المسئولية حين يحين ميعاد التخلص منها. فالمليشيا بعد ان تمددت عسكريا و خلقت علاقات مخابراتية اقليمية ودولية، واصبحت جزءا من صراع دولي عبر الارتزاق في اليمن و تهريب الذهب مع مليشيا فاغنر والتورط في الحروب الاقليمية ، تلقت دعما كبيرا من حيث التنظيم و مؤسسية الفعل السياسي والاقتصادي ، وصارت تفكر لنفسها بعيدا عن الحركة الاسلامية. وهداها هذا التفكير ان كان محليا او مستجلبا ، الى استحالة تعويم انقلاب اكتوبر ٢٠٢١م، والى ان السبيل لبقائها واستمراريتها وغسل ادرانها ، هو دعم الاتفاق الاطاري المفروض دوليًا ، والقبول بالشراكة مع (قحت) ، ودعم هذا التحول الشكلي الذي يضمن لها الامساك الفعلي على مفاصل السلطة بدعم دولي. وهذا اذا حدث يعني هزيمة للحركة الاسلامية ، سوف تقود حتما لانكشافها عسكريا ، وبالمحصلة لتصفية ليس قبضتها على السلطة فقط ، بل لتصفية تنظيمها العسكري المختطف للجيش نفسه وانهاء حلمها باستمرار التمكين والعودة إلى السلطة مجددا. لذلك لم يكن امام الحركة الاسلامية بديل غير استباق الإتفاق النهائي وقطع الطريق امامه بضرب ذراعه العسكري ، ووضع جناحه المدني (قحت) امام الامر الواقع ، بحصر إتفاقه مع الجناح العسكري للحركة الاسلامية فقط وإجباره علي الإستسلام مجددا وتقديم مزيدا من التنازلات. وعليه هاجم تنظيم الاسلاميين معسكر الجنجويد و كانت إنطلاقة الحرب من المدينة الرياضية كما يعلم الجميع، بعد ان استيقنت الحركة الاسلامية عبر رصدها وعبر المعلومات الاستخباراتية التي زودتها بها مخابرات دول صديقة لها، من ان مليشيا الجنجويد قد حولت سلاحها من الكتف الايمن الى الكتف الايسر وباعتها في سوق النخاسة السياسية. و لسنا في حاجة للقول في أن المليشيا لم يكن لها مصلحة في بدء الحرب ، ليس لانها ملائكية ومترفعة ، بل لان الاتفاق النهائي كان سيحقق جميع اهدافها ويضعها في وضع المسيطر ، لذلك حشدت كل هذه القوات الضخمة لحماية ذلك الاتفاق، ولتأكيد سيطرتها ، ولم تكن كاملة الاستعداد لهذه الحرب الإستباقية التي إبتدرتها الحركة الإسلامية والدلائل كثيرة.

(٣)

اشعال هذه الحرب من قبل الحركة الاسلامية ، كانت عملية بيع للقوات المسلحة وتوريطا لها في حرب بدون استعداد. فالجيش لم يكن في حالة استعداد مائة بالمائة كما يشترط خوض الحروب، وقيادته ناهيك عن منسوبيه ، لم يتم تنويرها بالحرب ، بدلالة سقوط مفتش عام القوات المسلحة ومدير معهد الاستخبارات وغيرهما من كبار الضباط في الاسر. وهذه بالطبع ليست الخيانة الاولى للقوات المسلحة من قبل الحركة الاسلامية ، فهي قد خانتها باختطافها وإستخدام اسمها في إنقلابها عام ١٩٨٩م، وبإعدام ٢٨ من خيرة ضباطها في بداية التسعينات ، و بتشريد ضباطها الوطنيين ، و بإستغلالها في قطع الطريق امام ثورة ديسمبر المجيدة وتوريطها في العمل السياسي المباشر ضد أهداف الثورة، و بإستغلالها للانقلاب على شراكة الدم وتنفيذ انقلاب اكتوبر ٢٠٢١ م الفاشل ، وبتوريطها الان في حرب مدن لم تكن مستعدة لها. لكن الأنكأ والأمر من ذلك ، هو ما نشر بصحيفة الراكوبة الغراء حول إستراتيجيتها الجديدة المسماة (إدخار القوة)، والتي ستعمل الحركة الاسلامية عبرها على دفع الجيش والمدنيين لمواصلة الحرب بدلا عنها ، وتحتفظ هي بقوتها داخل الجيش وخارجه لفترة ما بعد الحرب ، وذلك عبر إحجام عناصرها في الجيش عن خوض الحرب في مقدمة الصفوف، وكذلك بعدم إقحام كتائبها المدنية في الحرب ، والاكتفاء بالدعم الاستخباري والمعلوماتي و النشاط التحريضي ، ليخوض لها الاخرين حربها. وبالرغم من ان ما نشر هو تسريب لإجتماع سري يصعب التحقق من مدى صحته ، الا ان الشواهد تؤكد رجحان صحته، ومنها دعوة منسوبي وانصار الحركة الاسلامية لتسليح الجماهير وتحويل الحرب الى حرب أهلية بذلك، استجداء الجيش للجان المقاومة للمشاركة في الحرب ، الهجوم المنظم على القيادة المختطفة للجيش الذي بدأ مؤخرا في سبيل التحريض وحرق الواجهات في حال فشلها وإستبدالها ، النقد المستمر لإستراتيجية ادارة المعركة مع مليشيا الجنجويد من قبل عسكريين بالمعاش محسوبين على هذه الحركة السرطانية. عدم رصد وجود عناصر من كتائب الظل في المعركة واتساع دائرة أسرى الجيش لدى المليشيا مؤخرا ، ودلائل اخرى متعددة تؤازر ذلك. وهذه بالطبع هي ام الخيانات، فبعد تدمير الجيش وتشريد منسوبيه المؤهلين وإستبدالهم بالإسلاميين منذ الدفعة ٣٩ ، و إقحامه في مواجهة مستمرة مع الشعب السوداني و إشراكه في جرائم الجنوب و دارفور بمستوى جعل قيادته مطلوبة لمحكمة الجنايات الدولية ، يأتي الان دور بيعه لمليشيا الجنجويد المجرمة بعد شرعنتها وتسمينها ، عبر توريطه في حرب معها دون استعداد، ومن ثم تركه لمصيره ، ومحاولة توريط الشعب معه في حرب اهلية لا تبقي ولا تزر.

المطلوب هو رفض هذه الحرب العبثية المفروضة على شعبنا من قبل الحركة الاسلامية جملة وتفصيلا ، والعمل على إيقافها وعدم دعم أيا من طرفيها، توطئة لإخراجهما معا من المعادلة السياسية ، ومحاسبتهما معا على الجرائم التي تم ارتكابها ، مع عدم الاعتراف بأي نتائج للحرب تؤسس لإستفادة أيا منهما من تداعياتها.

فالشعار ما يزال “العسكر للثكنات والجنجويد ينحل”.
وقوموا إلى ثورتكم يرحمكم الله!!!

‫4 تعليقات

  1. اي ان قوي الثورة في الأربعة سنين الماضية كانت تلف وتدور في الفاضي وتغني بمكرفون الحركة الإسلامية الأغنية الشعبية “دور بينا البلد ده”.. ده كلام ياناس.. ولما انتو مجتمعين ما قدرتوا عليهم الخلاكم تختلفوا شنَو.

  2. لايزال هذا الموهوم سادرا في غيه وعائشا مع اوهامه وينتظر ان يصدق الناس ترهاته رغم ان هذه الحرب كشفت ان لا وجود لتلك التسوية المتخيلة بين الجيش وقوى الحرية والتغيير التي صدع بها الحزب الشيوعي رؤسنا فهاهو الجيش
    يتهم القوى المدنية المكونة لقحت بأنها موالية للدعم السريع ويتهمها بالعماله لوقوفها علي الحياد وواضح موقف قحت بأنها مع الدعوة لايقاف الحرب ونزيف الدم وانها كانت تسعي لنزع فتيل الازمة استباقا لما يحدث الان
    ولكن اصحاب الاجندة من الفلول والكيزان ويتبعهم الجذريون وجدوا في تبني الدعم السريع للاتفاق الاطارى
    فرصة للنيل من قحت بادعائهم انها من اوعزت لحميدتي بافتعال الحرب رغم ان كل الشواهد تثبت العكس وهاهو احد الجذريين يقحم قحت ويقول ان الدعم السريع وجد في الشراكة مع قحت ما يتيح له الامساك الفعلي علي السلطة
    يازميل خاطب الناس بما يعقل اذا كان الاطارى ينص علي ابتعاد العسكر بشقيهما الجيش والدعم السريع عن الحياة السياسية فعن أى سلطة تتحدث ؟!

  3. علي عثمان طه “فقه ادخار القوة”
    أجاز اجتماع مشترك بين على كرتي ومكتب العمل الخاص (العمل العسكري) وأمراء كل المكاتب العسكرية وعدد من أعضاء مجلس الشورى يوم الجمعة الماضية ١٩ مايو رسالة من “علي عثمان” باعتبارها تمثل التوجه الجديد للاسلاميين في هذه الفترة.
    وتسمي الرسالة التوجه الجديد ب(فقه ادخار القوة) ، ويقوم على ان يقتصر دور الاسلاميين في العمليات العسكرية بالأساس في الدعم الاستخباري بالمعلومات والدعم السياسي والاعلامي والدبلوماسي، وأن يتركوا القتال للجيش وحده، وحتى في الجيش يجب أن يسعى الاسلاميون إلى التأخر ما استطاعو وأن يتقدم بقية الضباط والجنود على غيرهم في المعارك بإستثناء قيادة الطائرات الحربية التي يقودها منتسبينا .
    وبرر “علي عثمان” هذا التاكتيك الجديد بأنه للمحافظة على قوة الحركة الإسلامية في أجهزة الدولة سواء أجهزتها الرسمية أو الشعبية (كتائب الظل والامن الشعبي) بعد أن تحقق الهدف الأول مضيفاً في رسالته أن الحرب حين تنتهي وأياً كانت النتيجة لابد أن يكون المرور عبر الأجهزة العسكرية الرسمية من مما يحتم بالضرورة وجود عناصرنا خصوصاً من الرتب العليا والوسيطة . وأضاف ان البرهان ومجموعته القيادية رغم انهم لا يزالوا يأتمرون بتوجيهات الحركة الإسلامية إلا انهم لا يؤمن جانبهم فإذا تكاثفت عليهم الضغوط الإقليمية والدولية مع النكسات العسكرية فالأرجح انهم سيعقدون صفقة تبقي عليهم وتزيح الاخوان الملتزمين من مفاصل أجهزة الدولة لذا فالصحيح إدخار الاخوان لكي يكونوا ممثلي هذه الاجهزة فلا يتجاوزهم اي حل .
    وفي إشارة مريبة أوردت رسالة على عثمان انه يجب استثمار انفعال قيادة الدعم السريع ضد مجموعة الواجهات (برهان ، كباشي ، ياسر العطا ، محمد عثمان الحسين) بحيث تقدم لهم بدائل عند الضرورة لا تتجاوز الإخوان !! .
    وأضافت الرسالة انه حتى في الأحياء يجب أن يقتصر دور الاخوان في إزكاء روح الجهاد للدفاع عن الأعراض وفي الدعم المعنوي والاستخباري والأمني على أن تترك العمليات المباشرة للمتحمسين من الشباب بعد تسليحهم وذلك لنفس السبب وهو ادخار القوة لما بعد نهاية الحرب .
    وقالت المصادر للراكوبة ان الفريق (معاش) عمر زين العابدين الذي حضر اجتماع الجمعة اعترض على فقه “علي عثمان” الجديد قائلا بأننا (الاسلاميين) سبق وعدنا قيادات الواجهة بأننا سندعمهم بكتائب من الاسلاميين في العمليات وقد برزت الحاجة لكتائبنا عندما اكتشف الجميع نقص أفراد المشاة الضروريين لكسب المعركة ، وقد سمعت بنفسي انتقادات حادة من “البرهان” و”محمد عثمان الحسين” تجاه هذا الأمر.
    فإذا احجمنا الآن من إشراك عناصرنا من القناصين وحتى من الضباط والأفراد فغالبًا ما يلاحظ ذلك الكل وهذا مع ما يتصور بأننا الذين اخترنا المعركة وتوقيتها سيقلب الرأي العام في الجيش ضدنا وربما يدفع الواجهات دفعًا للتعامل مع العدو (الدعم السريع). فرد عليه “علي كرتي” بأن هؤلاء (الواجهات) لا يمكن الثقة في مواقفهم وأفضل لنا أن نحافظ على قوانا المضمونة كما يقول “شيخ علي” من أن نراهن على رضا او سخط هؤلاء ، وأضاف كرتي ان هذا الفقه يضمن استنزاف العدو في معركة طويلة وفي المقابل يدخر قوانا ، مما يتيح لنا الدعوة لمواصلة الحرب لأقصى مدى ممكن بدون اي اضطراب او تناقض في مصالحنا .
    ومن أبرز الذين ايدوا موقف ضد فقه “علي عثمان” اللواء معاش بكراوي واللواء نصرالدين والفريق معاش عمر زين العابدين . فيما أيده اللواء احمدان احمد والفريق هشام حسين وعلي كرتي .
    وانتهى الاجتماع باجازة توجه “علي عثمان” الجديد (فقه ادخار القوة) .
    وأوضحت المصادر ان الخلاف حول التكتيك وليس اختراق الاجتماع هو الذي أدى الى تسريب وقائعه .

  4. فقة ادخار القوة لعضوية الكيزان، وفقه حمل للسلاح للمواطنين !!
    رسالة الي أبناء الشعب السوداني الصابر الكاتم الغيظ و الواعي:
    “إذا رأيت السجمان وكضباشي ورفاقهم الذين واجبهم حمايتك، وعلماء الضلال وابناءهم، وغلمان جهاز أمن التنظيم مسلحين في الشارع..!!
    إذا رأيت ابناء نافع وانس عمر، واذا رأيت عوض احمد ابكر الجاز واحمد هارون وإبن كباشي المدان بترويج المدخرات إذا رأيت هؤلاء تحملون كلاشتهم والار بجي جي فى الشوارع يقاتلون .. فأذهب وتسلح”

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..