إثراء الذكاء الصناعي بالعامية السودانية

منير التريكي
لزمن طويل ظللنا نسير وفق المزاج الثقافي واللساني اللبناني والمصري في الترجمة والتعريب.لعوامل عديدة يقومون مشكورين بترجمة المفردات من اللغات الأخرى للغة العربية. كما يقومون بإجتراح المصطلحات العلمية وغيرها.
وقد وفق هؤلاء جزاهم الله خيراً في معظم هذه المفردات. لكن بعض الكلمات اصطبغت بنطقهم للغة العربية باللسان اللبناني واللسان المصري.
المفارقة تكمن في أن اللغة السودانيه القدية هي الأصل. هنالك دراسة من جامعة أوكسفورد تشير إلى ان كل أجناس العالم لهم جينات سودانية. و هذا يعني ان السودان هو أصل البشرية. (وهو أيضاً أصل الإنسانية) . هذا طبيعي لأن أول ما يفعله المخلوق هو محاولة التواصل مع غيره. يفعل ذلك للتعايش والتكاثر و البقاء والإبداع وتوثيق هذا الإبداع .
التوثيق بدأه أسلافنا بالنقش علي الصخور. ثم تطور الي الكتابة علي جدران المعابد والرسم علي آنية الفخار حتي وصل في العصر الحديث الي التصوير الفتوغرافي الثابت والمتحرك(السينمائي). هذا التوثيق قام به أجدادنا في السودان كأفضل ما يكون. لقد اخلصوا العمل وأتقنوه ونقلوا لنا أحوالهم بالرسم واللغات القديمة.
لا تزال معبدهم وإهراماتهم شواهد علي إبداعاتهم في مختلف المجالات. قد نجحوا في مهمتهم النبيلة بصورة مدهشة. هم قد بدأوا التواصل والإبداع منذ زمن آلاف الأعوام و أعتقد ان نظير حضارتهم العريقة هي حضارة العراق القديم في بلاد ما بين النهرين .
هذا طبيعي بقاسم مشترك هو وجود نهرين ايضا في السودان . اللهجة السودانية هي الاكثر وضوحاً بين اللهجات العربية. يقاربنا في ذلك شعبين. الأول هم النوبة في جنوب مصر وهو أمر مفهوم. النوبيون في منطقة اسوان الكبري هم جزء من السودان القديم. نطقهم شاهد علي ذلك.
رغم مرور آلاف الأعوام لم تنجح حضارة شمال الوادي في (مصرنتهم). الشعب الثاني المقارب لنا في لهجته هم اليمنيون.
الحضارة اليمنية عريقة وضاربة في القدم. لكني أعتقد ان وضوح منطقهم وطلاقة ألسنتهم يعود لتواصلهم منذ زمن بعيد مع أهل السودان القدامى. اليمن ظل من زمن بعيد بوابة بين افريقيا وآسيا إلى جزيرة العرب وهذه أرض ستباركها (لاحقاً) مهابط الوحي .
هذا العبور من أفريقيا واليها كان هجرات بشرية تحمل معرفة وسلع. تتواصل مع شعوب أخرى وتُعَبِّر بلسان سوداني قديم جدا. وردت عدة مفردات في القرآن الكريم من لغة تاسيتي أرض الاقواس (بلاد السودان القديم).
هذا يوضح عراقة اللهجة السودانية و سبقها. لكن هناك تم تجاهلها من قبل أهلها في العصر الحديث .هذه اللغة اعطتنا هذا النطق السوداني الفريد والموسيقي والواضح. حتى عند تحدثنا باللغات الأخرى لنا تميزنا بال Accent Sudanese. عملت لسبع اعوام في قرين ماركت إسكوير. هو سوق سياحي في كيب تاون بجنوب أفريقيا أثناء عملي قابلت أكثر من مائة من جنسيات العالم. تحدثت مع معظمهم. لغتي الإنقليزية كلغة ثانية كانت في بداياتها.رغم ذلك أبدى كثير ممن تحدثت معهم إعجاباً بالنطق المتميز العادل مع حروف اللغة الإنقليزية. اللهجة السودانية محببة وواضحة ومبينة ولا يفلت منها حرف ولا تحتاج الي إضافة أحرف تساعد على النطق( كحرف الشين والهاء) التي يضيفها إخوتنا الخليجين والمصريون. ذلك يعود لأن أصلها بدأ هنا في أرض السودان القديم. يحثك بثقة اهل شمال السودان يقولون سيدنا إدريس (شيث) عليه السلام عاش هنا . الآن قد تيسرت وسائل التواصل والتوثيق والانتشار. الآن نحن نتمتع بتقنية حديثة ومتطورة و متاحة حتى للأطفال. مع دخول الذكاء الصناعي العديد من المجالات اعتقد ان الوقت مناسب جداً لرفع ونشر اللهجة السودانية لتستعيد مكانها الطبيعي في الريادة. فهي لغة سهلة وواضحة ومريحة مع الكثير من الألسن. والأهم هي أم اللغة العربية لغة القرآن الكريم. الزهد والتواضع اللذان يتمتعان بهما معظم أهل السودان أمران محمودان لكن عبر التسامح الشديد قد يتسرب الكثير من الإبداع السوداني. والأسوأ قد يتحول الأصل الي فرع أو فروع عديدة مُنْبَتّه. هذه الفروع المتفرقة قد تذوب في غيرها من الثقافات. هذا قد يحدث بفعل قوة الوسائط وتقاعسنا عن إجتراح المبادارت التي تحافظ على تراثنا العريق. تراثنا العريق ومن ضمنه لغاتنا هو تراث ثري يجب أن نقوم بتجميعه وغربلته وتوثيقه وترجمته. يجب رفعه في الفضاء الرقمي والحفاظ عليه للأجيال القادمة . التساهل يغري الإبداع بالتسرب إلى حيث يجد الأضواء والإحتفاء . كنت قد بدأت في طرح مبادرة لرفع للهجة السودانية في محرك قوقل الذي يرحب بكل اللغات واللهجات. لكن خطأ صغير أدى لمسح مفكرتي الرقمية وبها عشرات الموضوعات والافكار. الآن الفكرة مهداة لكل من يريد المساهمة في رفع اللهجة السودانية في قوقل وغيره. هذا أمر ضروري لتغذية الذكاء الصناعي بمفرداتنا السودانية العريقة. تزويده وبالكلمات وفق الذائقة السودانية بناءً علي الأصل العريق لهذه اللغة. الآن نستخدم سيجارة وسيجار و البعض سيغار. بينما السيجار هو اللفافة الكوبية الكبيرة التي يدخنها الاثرياء ويقلدهم مستجدو النعمة المتشبهون بهم. وهذ بسبب الترجمات اللبنانية التي ارادتها كذلك. هنالك أيضاً الكثير من أسماء الفواكه والخضروات والبهارات. كثيراً ما تقابلنا كلمة جروب بدلاً من قروب كما ان كلمة إنقليزي أقرب من إنجليزي المستخدمة رسمياً وعلمياً وأدبياً. ألا تتفقون معي أن قوقل التي ينطقها السودانيون هي الأقرب للكلمة الأصل بدلاً من غوغل وجوجول؟
شكرا على هذا الاقتراح والمبادرة الجريئة المفيدة . ونرسلها عبرك وعبر الراكوبة لكل من معهد الدراسات آلافريقية والاسيوية بجامعة الخرطوم ومعهد كتابة اللغات الأفريقية بالحرف العربى بجامعة افريقيا العالمية ، ومركز حضارة السودان وقامته السامغة البروفسور جعفر ميرغني.