اقتصاد اللف والدوران

إذا كانت الحكومة تعتقد ان هذا الشعب أمي وجاهل ويصدق أي كلام تقوله، فإن وسائل الاتصال والتواصل لم تترك أحداً حتى وان لم يرَ مدرسة في حياته غير مثقف بأبجديات السياسة والاقتصاد التي تجعله قادراً على فهم سياسة (اللف و الدوران) التي يمارسها من يسمون وزراء وخبراء الاقتصاد في السودان، فالجميع يدرك تماماً أن الحكومة وصلت مرحلة لا يمكن معها أن تغير الحال إلى الأفضل على الإطلاق، فهي رغم كل السوء الذي يعيشه السودان وشعبه لا ترى فيه غير نعمة تجعله أفضل من سوريا والصومال واليمن وليبيا، وتريده أن يبقى كما هو لتستمتع هي بساسية (اللف والدواران) التي تجعل اقتصاد هذه الدولة العظيمة في يد فئة محدودة. نقلت الصحف ان وزير التعاون الدولي إدريس سليمان قال إن السودان يحتاج إلى 22 مليار دولار و600 مليار جنيه سوداني خلال 3 سنوات ليتوجه نحو النمو السريع، وحمل الحظر الاقتصادي الأمريكي مسؤولية نشوء الاقتصاد الموازي، وان هذه العوامل هي التي خلفت تشوهات في الاقتصاد السوداني قبل رفع الحظر وبعده، وأن الاقتصاد الموازي استغل كل هذه القنوات التي كانت مغلقة وغير سالكة للمصارف والعمل والتجارة الخارجية والاستثمارات، وأن ميزانية هذا العام جاءت لمحاربة المجموعات المحتكرة للدولار والقمح والسكر والأدوية والأسمنت لأن الميزانية (عصرت) عليهم، وأن هؤلاء (حيلفوا ويدورا ونحن حنلف وندور وعندنا الوسائل اللي حنلف وندور بيها) وسيكون هناك صراع للميزانية مع هذه المجموعات ولن نترك لها البلد. تخيلوا هذا حديث لوزير التعاون الدولي!، يبرر لعجز الحكومة عن ضبط الاقتصاد وتحقيق النمو بعذر أقبح من الذنب نفسه، وهو باختصار يقول لنا إنه لا أمل في إصلاح الاقتصاد وانهم لا يمكون هذا المبلغ، وعليه على الشعب أن يستحمل (لف ودوران الحكومة مع سوقها الموازي) إلى متى؟! لا أحد يعلم، مع انه إذا تبرع كل شخص من الحكومة بربع ثروته سيصل المبلغ أضعافاً مضاعفة. ما قاله السيد وزير التعاون لا أساس له من الصحة، فالسودان لا يحتاج إلى مليم لينمو اقتصادياً، فقط يحتاج إلى أن يترجلوا جميعاً عن وإدارة السودان، كما أن الحظر الاقتصادي لم يساهم في نشوء سوق موازٍ، فهذا السوق أنشأته الحكومة بالفساد السياسي والمالي والإداري، وميزانية هذا العام لم تأتِ لمحاربة المحتكرين لأنها لم تتخذ أية إجراءات حقيقية لفك الاحتكار ولم (تعصر) على المحتكرين، بل منحتهم فرصاً أكبر للاحتكار واعتمدت على الجبايات من المواطنين، أما حكاية أن الحكومة لها وسائل (لف ودوران) فهذا ليس غريباً، وهذا الكلام يثبت إنها ستستمر في سياسة الفوضى، وهذه هي أزمة السودان الحقيقية. عموماً كل هذا الشعب جاهله ومتعلمه ومجنونه ومتخلفه يعلم جيداً أن السودان لا ينقصه غير حسن الإدارة والاستقامة ليخرج من أزماته الحالية وينطلق نحو النمو في عام واحد فقط، بل خلال أشهر قليلة، أما سياسة اللف والدوران التي تتبعها الحكومة فلا يمكن لها أبداً أن تعالج اقتصاداً أو تحقق النمو حتى ولو منحت 22 مليار دولار و600 مليار جنيه سوداني مائة مرة، فالحكمة ليست في المبالغ وإنما فيمن يوجهها ويديرها، وما أُهْدِرَ من مال خلال 28 سنة أكثر من هذا الرقم عشرات المرات.
التيار