عشرة أيام خالدات في التاريخ العالمي (26مارس و5 أبريل 1985)

بكري الصائغ
مقدمة:
١-
بهدوء شديد، وبلا ضوضاء، مرت بالامس الاثنين ٢٦/ مارس الحالي ٢٠١٩، ذكري اول يوم في انتفاضة ٦ ابريل المجيدة عام ١٩٨٥، التي تكللت بالنجاح التام بعد احدي عشر يوم من اندلاعها، مرت الذكري دون تذكير، او حتي بسطر في الصحف المحلية.
٢-
في السطور رصد الاحداث التي وقعت خلال ال(١١) يوم في الخرطوم ، بدء من مظاهرات جامعة امدرمان الاسلامية، ونهاية بلجوء النميري في القاهرة.
(أ)-
بعد يوم من خطاب جعفر النميري الشهير في قاعة الصداقة، والذي شتم في الوزراء وكبار أمناء الاتحاد الاشتراكي، ووعدهم بعظائم الامور بعد عودته من امريكا للعلاج، انطلقت مظاهرة ضخمة قوامها طلاب جامعة امدرمان الاسلامية، الذين سيروا المظاهرة من الجامعة وحتي السوق المركزي في امدرمان، وهناك وجدت المظاهرة الدعم من المواطنين، وانضموا اليها، وفي مقدمة المظاهرة كانت وجوه (الشماسة) هي الاكثر بروز وحماسة.
(ب)-
عبرت المظاهرة كوبري امدمان ودخلت للسوق العربي في الخرطوم، وسرعان ما توسعت بصورة فجائية وزاد عددها، وتوجهت المظاهرة الي مطار الخرطوم للحاق بالنميري قبل ان يغادر المطار الي واشنطن، وفي هذا الصدد، هناك رواية تقول ان النميري واثناء سير العربة الي المطار وكان معه اللواء/عمر الطيب، ساله عن الهتافات التي انطلقت من بعد؟!!، فرد عليه عمرالطيب انها مظاهرة طلاب مشاغبين!!، في صبيحة يوم السادس والعشرون من مارس ١٩٨٥ كانت شوارع أربع مدن سودانية تمور وكأنها مرجلاً يغلي بعد وصلتها اخبار الخرطوم، فكانت المظاهرات في توقيت واحد في كل مدن الخرطوم ، الأبيض، ودمدني، وعطبرة. بيد أن أكثر التظاهرات التي أقضت مضاجع الحكومة يومها كانت تظاهرة اتحاد طلاب جامعة الخرطوم التي طافت منطقة وسط الخرطوم مما جعلها مظاهرة بها من جموع الطلاب والحرفيين والتجار كذلك. حين أتت الساعة الثانية عشر ظهراً كانت مدن العاصمة الثلاث قد خرجت هي الأخرى في مواكب هادرة وهي تهتف بسقوط النظام.
(ج)-
جاء في المواقع، ونشرت:
جهاز أمن الدولة يتدخل:
على الفور تم تشكيل غرفة عمليات من داخل جهاز أمن الدولة برئاسة اللواء عمر محمد الطيب الذي وجد نفسه فجأة في منصب الرجل الأول بالدولة بعد سفر الرئيس نميري لأمريكا. زائداً مهامه التي كانت في الأساس إدارة جهاز أمن الدولة. فكان وفق آلية جهاز أمن الدولة المتطورة من التحرك لقمع هذه التظاهرات والحد منها حتى لا تكون متعددة ومنتشرة بالقدر الذي يهدد النظام في استمراريته وهو ما كان حدوثاً في قابل الأيام. على الفور تم تحديد أسماء بعينها للاعتقال فكان من ضمنهم الدكتور الجزولي دفع الله نقيب الأطباء والأستاذ بكري عديل. تسارعت الأحداث عاصفة لتصل مرحلة التظاهرات غير المخطط لها في جميع أرجاء البلاد وهو ما أربك السلطات يومها وهي التي كانت تنوي الانتشار في مناطق محددة دون غيرها فكانت تظاهرات عفوية ينظمها المارة وجموع المواطنين دون تخطيط من أية جهة سياسية، وهو الشيء الذي جعلها تبدو وكأنها واحدة من مدهشات تلك الأيام.
(د)-
أتى يوم الثلاثاء الثاني من أبريل ١٩٨٥م وهو اليوم الذي أعلن فيه إضراب ثلاث فئات عمالية هي الأكثر في تاريخ السودان، وهي نقابة المهن الصحية ونقابة عمال السكة الحديد والقضاء. وهو ما جعل هذا اليوم الثاني من أبريل يكتب نهاية حكم استمر ستة عشر عاماً والدليل على ذلك سارعت عدد من نقابات العمال والموظفين بإعلان الإضراب زائداً ما كان من أمر تلك الأحداث التي وصلت مرحلة أن حبس العالم أنفاسه في انتظار ما سيحدث لاحقاً وذلك عبر إذاعات كل من لندن ومونتي كارلو وراديو صوت أمريكا.
(هـ)-
في يوم الأربعاء الثالث من أبريل وعند الساعة العاشرة صباحاً تدفقت جموع المواطنين الذين كانوا في شوق لذهاب النظام نحو شوارع المدن وهو ما كان أمراً ذا ربكة لجهاز أمن الدولة الذي لم يجد بُداً من الانتظار عما ستسفر عنه الأحداث. فقوة جهاز أمن الدولة لم تكن بالقدر الكافي الذي يمكنها من التصدي لمظاهرات مثل هذه التي تفوق قدراته. كانت مسيرة هادرة عبرت بجلاء عن كل المكنون في الصدور تجاه حكومة لم تقم بواجبها نحو مواطنيها على الوجه الأكمل. فكانت جموع لمواطنين تبدأ من محطة السكة الحديد وهي تتجه نحو شارع القصر ومن جامعة الخرطوم على طول شارع الجامعة حتى مقر السلطة القضائية.
(و)-
برزت شخصيات داخل حراك أيام تظاهرات أبريل ١٩٨٥م كان لها الدور الأكبر في نجاح المسعى الحتمي لها وهو نجاح الثورة نحو مبتغاها. الأول هو العميد عز الدين هريدي والذي تحرك سريعاً نحو وحدة جبل أولياء العسكرية التي كان قائدا لها تلك المنطقة العسكرية التي كان من الممكن أن تتحرك لتجهض أي نجاح للانتفاضة، فكان تصرفه السريع بعد اجتماع قادة الوحدات العسكرية نحو منطقة جبل أولياء العسكرية وهو السبب الذي جعله خارج حسابات الشخصيات التي تم اختيارها لدخول المجلس العسكري الانتقالي. الشخصية الثانية هي شخصية الفريق شرطة إبراهيم أحمد عبد الكريم الذي كان يعمل حينها مدير لشرطة ولاية الخرطوم (المعتمدية) والذي أصدر توجيهاته بعدم التعرض للمواطنين المتظاهرين وذلك بعد حادثتي إطلاق نار من عناصر مجهولة على المتظاهرين كان من نتيجتها استشهاد اثنين من المواطنين بأحياء الديوم والصحافة.
(ز)-
القوات المسلحة تتدخل:
التزمت القوات المسلحة وطيلة أيام التظاهرات الحياد باعتبارها مؤسسة قومية التوجه. وهو ما جعلها تنأى عن المشاركة في عمليات قمع التظاهرات حتى أتى يوم الجمعة الموافق ٥ أبريل ١٩٨٥م فكان اجتماع قادة القوات المسلحة بالقيادة العامة مع الفريق عبد الرحمن حسن سوار الذهب القائد العام للجيش ووزير الدفاع لبحث كيفية تعامل قوات الشعب المسلحة مع الأوضاع السياسية المقبلة وهي أوضاع كانت معلومة حتى لصغار التلاميذ بالمدارس. كان اجتماع قادة الأسلحة بالانحياز للشعب في اجتماع استمر سبع ساعات كاملة للحسم فكانت الساعة الثالثة والنصف صباح يوم السبت السادس من أبريل هي لحظة إعلان انحياز الجيش للشعب.
(ح)-
عمر محمد الطيب والسعي لبقاء النظام:
في الوقت الذي كانت فيه قيادة الجيش تسعى للخروج برأي موجد حول الانتفاضة الشعبية، كان اللواء عمر محمد الطيب مدير جهاز أمن الدولة أكثر رجال الرئيس نميري تشبثاً ببقاء النظام. فكان يعلم حقيقة اجتماع قادة القوات المسلحة بالقائد العام.. وهو ما جعله في تشاور مع مساعديه في أمر خطوات من شأنها تطيل عمر النظام حتى عودة الرئيس من أمريكا. ظلت جموع الشعب تنتظر المأمول حدوثه وهو يوم السبت الموافق 6 أبريل 1982م. وعند الساعة التاسعة وسبع دقائق أعلن الفريق عبد الرحمن محمد حسن سوار الذهب انحياز القوات المسلحة للشعب ونهاية عهد الرئيس نميري ومنظومة مايو. لتسمى الأحداث وتداعياتها الأخيرة بانتفاضة أبريل.
(ط)-
تاريخ ما أهمله التاريخ قصتى مع «جعفر نميرى»
الرابط:
https://www.almasryalyoum.com/news/details/961126
مصطفي الفقي: (أدهشنى كثيرًا أنه فى ظل تلك الأجواء التى يطالب فيها «السودان» بـ«جعفر نميرى»، إذا بى أكتشف أن السفير السودانى فى «القاهرة» ومستشاره الصحفى يزوران الرئيس السودانى المطلوب، ويتناولان الغداء على مائدته كل يوم تقريبًا، وتلك صفة سودانية رائعة، فهم يفصلون تمامًا بين الخلافات السياسية وبين العلاقات الشخصية، حتى إن «نميرى» نفسه وهو فى الحكم كان يلتقى بخصومه فى احتفالات التخرج فى مدرستهم الثانوية، وكان من بينهم «إبراهيم نقد»، زعيم الحزب الشيوعى السودانى، وقبل نهاية كل لقاء بنصف الساعة يطلب منه حرس الرئيس «نميرى» الانصراف والاختفاء مرة ثانية، لأنه مطلوب من نظام الحكم القائم! وفى ظنى أن تلك تركيبة تستعصى على الفهم أحيانًا، ولكنها التقاليد السودانية الموروثة، التى تعبر عن درجة عالية من التحضر السياسى واحترام حق الاختلاف وخيارات الآخر.).
(ي)-
النميري يختار القاهرة مكان للجوء:
ان قصة لجوء الرئيس السابق جعفر النميري في القاهرة عام ١٩٨٥ يعرفها القاصي والداني، وملم بها باحداثها الدقيقة كل سوداني، وكيف ان النميري حال نزوله من علي سلم طائرته الرئاسية في ارض مطار القاهرة، لاحظ عدم وجود بساط احمر كما درجت العادة عند حضور ووداع رئيس دولة ما، ولاحظ ايضآ بقلق شديد عدم وجود حرس الشرف، قابله عند باب سلم الطائرة الرئيس المصري السابق حسني الذي سار معه حتي صالة كبار الزوار، هناك شرح له مبارك ان الوضع في السودان قد تغير بعد ان نجحت الانتفاضة الشعبية وانحازت القوات المسلحة الي جانب الشعب، شرح مبارك لنميري كل التفاصيل التي كانت عنده عن الانتفاضة وانه لم يعد رئيسآ علي بلده، هاج النميري وماج وانتابته حالة من الهستيريا واصر علي مواصلة السفر الي السودان، رفض كابتن الطائرة الرئاسية الاذعان لتوجيهات النميري بالاقلاع خوفآ من نسف الطائرة بحسب تهديدات مسبقة صدرت من المشير سوار الذهب، وفي نوبة هياج البشير قام بصفع كابتن الطائرة وسط كل الحاضرين في الصالة، سارع بعضهم بابعاد الطيار المسكين الي خارج الصالة، عندها تقطعت كل سبل النميري للوصول الي الخرطوم، وقبل اقتراح الرئيس مبارك ان يبقي لاجئآ في القاهرة، بقي النميري في مصر حتي يوم ٢٣ مايو ١٩٩٠ بعد قضاء اربعة عشر عاماً قضاها بعدما اختارها منفى اختيارياً.
(ك)-
مااشبه الليلة ببارحة عام ١٩٨٥:
اغتيالات كثيرة وقعت اثناء المظاهرات
والقتلة اندسوا وسط المتظاهرين بمسدسات
كاتمة للصوت..
***- مخطئ من يظن ان الاغتيالات التي وقعت اخيرآ في الخرطوم طالت بعض المتظاهرين من قبل رجال أمن اندسوا وسطهم واغتالوهم ، هي حوادث جديدة علي السودانيين، ففي اواخر شهر مارس وحتي الخامس من ابريل ١٩٨٥ نشطت الاجهزة الامنية وقتها في عمليات اغتيال متظاهرين بتوجيهات مباشرة من اللواء/ عمر محمد الطيب – النائب الاول لرئيس الجمهورية ومدير جهاز الأمن القومي وقتها، لتوجد احصائية رسمية بعدد القتلي، ولكن صحف ما بعد انتفاضة ابريل ١٩٨٥، نشرت اعداد القتلي برصاص القناص ورجال الأمن الذين ادسوا وسط المتظاهرات فاق عددهم ال(٤٠) قتيل خلال العشرة ايام من ٢٦/مارس وحتي ٥ ابريل.
(ل)-
شكرآ لبعض المواقع التي نقلت منها بعض المعلومات.