عشرة ايام هزت السودان: الاثنين/ ١٩ـ الأربعاء ٢٨/ يوليو ١٩٧١-

بكري الصائغ
١-
تجيء اليوم الاربعاء ١٩/ يوليو الجاري الذكري الـ(٥٢) عام علي انقلاب الرائد/ هاشم العطا، ولست هنا اليوم بصدد سرد كيف ولماذا قام الانقلاب ؟!! فطوال مدة الاثنين وخمسين عام الماضية تم كشف الكثير المثير من اسراره وخفاياه ونشرت الصحف المحلية والاجنبية عشرات الآلاف من الاخبار المصورة والتحقيقات المطول عنه، وكتبت الاقلام العديد من المواضيع بجانب مئات الأفلام الوثائقية التي بثتها المحطة الفضائية السودانية، اردت فقط بمناسبة قدوم ذكرى الانقلاب إن اجدد الذكري، وانعش ذاكرة من نساها عملآ بقوله تعالى {وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين}، واهدي هذا المقال- بصورة خاصة- إلى أبناء وبنات الجيل الجديد الذين معلوماتهم عن انقلاب ١٩يوليو تحت الصفر، بحكم انه انقلاب خرج من مادة التاريخ في المدارس والجامعات. ٢- (أ)- وقعت محاولة انقلاب هاشم الرائد العطا في الساعة الثانية ظهرا يوم الاثنين الموافق ١٩/ يوليو عام ١٩٧١، وكان واضحاً منذ البداية أن النظام الجديد كان نظاماً شيوعياً خالصاً، وفي بيان الانقلاب قال الرائد هاشم العطا أن الانقلاب يمثل العودة إلى مبادئ ثورة مايو ١٩٦٩ التي أوصلت نميري إلى السلطة، وأن نميري قد تخلى عن تلك المبادئ وقام بتأسيس جمهوريةٍ رئاسيةٍ دكتاتوريةٍ. وذكر أن مجلس قيادة الثورة الجديد سيكون ممثلاً للإرادة الشعبية وأنه سيتم إعطاء الحكم الذاتي للجنوب. وحسبما ورد في الوثائق البريطانية فقد تم استخدام وصف ودي للإشارة إلى “الاتحاد السوفييتي العظيم”. (ب)- بعد البيان تم علي الفور تشكيل (مجلس قيادة الثورة ) على النحو التالي: المقدم بابكر النور رئيساً، والرائد هاشم العطا نائباً للرئيس، وعضوية المقدم محمد احمد الشيخ الريّح، والرائد فاروق عثمان حمدالله، والرائد محمد محجوب عثمان، والرائد محمد أحمد الزين، والنقيب معاوية عبد الحي. (ج)- أصدر المجلس أوامر بإلغاء الآتي: أولا: الأوامر العسكرية الجمهورية. ثانيا: جهاز الأمن القومي. ثالثا: الاتحاد الاشتراكي السوداني. رابعا: الحرس الوطني. (د)- وتم تأسيس الأتي: أولا: الجبهة الديمقراطية الوطنية (مكان الاتحاد الاشتراكي). ثانيا: منظمات التحالف الديمقراطي (فيها نقابات العمال الموالية للشيوعيين). ٣- بعد يومين من الانقلاب هبطت طائرة صغيرة علي أرض مطار الخرطوم بإذن خاص من السلطات .. فقد كان المطار مغلقا رسميا كإجراء تحوطي لتأمين السلطة الانقلابية الجديدة بقيادة الرائد هاشم العطا ، خرج من الطائرة اربعة أشخاص مصريين قادمين من القاهرة : مدنيان في شخصيات (اليسار) المصري هما حمروش وحسن فؤاد .. عسكريان هما طاقم الطائرة، وقد جاء اليساريان موفدين من الرئيس السادات لينقلها الى قيادة الحركة الانقلابية التهنئة والتأييد ، تقدم استقبال الضيفين الرائد خالد الكد ، احد الكوادر الانقلابية، وخرج الجميع من المطار صوب «الفندق الكبير» وقد حمل كل من الطيارين حقيبة سوداء كبيرة. ٤- الحقيبتين الكبيرتان كانتا تحتويان «ابر» الدبابات «تي 55» السوفيتية الصنع التي استخدمت في حركة الانقلاب المضاد الذي أطاح في اليوم التالي بسلطة هاشم العطا قصيرة العمر وأعاد جعفر نميري الي الحكم. هذه الرواية جاءت من الرائد خالد الكد نفسه في عام ١٩٨٣م ، وبناءً علي روايته فإنه كان معترضا بشدة علي زيارة الوفد الوزاري المصري ارتيابه في الأمر ، لكن الرائد هاشم العطا رفض هذا الاعتراض بحجة ان الظرف غير ملائم لاستفزاز الرئيس السادات. ٥- وجاء يوم الخميس ٢٢ يوليو والحياة تسير سيرها الطبيعي وقد انهمرت البرقيات من كل مكان تؤيد وتبارك وتدعم النظام الجديد, وكانت الاذاعة منذ الصباح الباكر تطلب من الجماهير الخروج في موكب العاشرة لمساندة الوضع الجديد. ٦- وفجأة.. تدافعت الاحداث بسرعة وتلاحقت بصورة لا يكاد يصدقها العقل.. ففي الوقت الذي كان يتهيأ فيه قادة الثورة لمقابلة المسيرة ومخاطبتها ومقابلة رئيس مجلس قيادة الثورة الجديد ورفيقه القادمين من لندن.. إذا بالانباء تحمل خبراً كان له وقع الصاعقة على أعضاء المجلس الجديد.. فقد قامت طائرات ليبية باعتراض الطائرة البريطانية (Vc10) في رحلتها رقم (45) المتجهة الى الخرطوم وأجبرتها على الهبوط في مطار طرابلس واعتقال قائد الثورة الجديد ورفيقه….أمر الرئيس معمر القذافي اختطاف، طائرة الخطوط الجوية البريطانية التي كانت تقل كل من المقدم بابكر النور سوار الدهب، و الرائد فاروق عثمان حمد الله ، عند سفرهما من لندن في طريقهما إلى الخرطوم، كقيادات جديدة، للنظام الذي أطاح بحكومة النميري، في إنقلاب ١٩ يوليو عام ١٩٧١، ذلك الاختطاف ، الذي أدى إلى تسليم القذافي، كل من بابكر وفاروق إلى النميري، العائد إلى السلطة كالمسعور، بعد إجهاض الانقلاب، ليبعث بهم إلى ذروة الإعدام!! ٧- في يوم ٢٠ يوليو من نفس وقع الحدث التالي:(أرسلت القيادة العراقية برقية تأييد أيدت فيها رغبتها في دعم الحركة الإنقلابية في الخرطوم، وبناءاً على ذلك أقلعت طائرتان تحملان اسلحة واطقم دبابات بالإضافة إلى ان إحدى الطائرات كانت تحمل عضو القيادة القومية لحزب البعث محمد سليمان عبدالله التعايشي وطلبت السلطات العراقية السماح للطائرات بالهبوط في مطار الخرطوم الذي كان مغلقاً أمام الملاحة الجوية .. ووافقت الخرطوم على هبوط الطائرتين .. أقلعت الطائرات من بغداد في طريقها إلى الخرطوم، غير أن احدى الطائرات قد سقطت بالقرب من مدينة جدة .. بالمملكة العربية السعودية مما أرغم الطائرة الثانية إلى العودة إلى بغداد ..وعزا التقرير الذي أصدرته لجنة التحقيق العراقية سقوط الطائرة إلى سوء تقدير من كابتن الطائرة وليس لأسباب فنية. ٨- (أ)- بداية الأيام السوداء- الخميس ٢٢/ يوليو/ ١٩٧١-: نسبة الغموض الأحداث وقتها انطلقت الشائعات في كل مكان.. واصبح الموقف في الخرطوم غامضاً ويسوده خوف وقلق وارتباك.. وبدأت تتحرك بعض العناصر العسكرية الموالية لنميري المعتقل داخل الغرف الارضية للقصر الجمهوري.. وصلت بعض الدبابات ماركة (T55) من منطقة (الشجرة) حيث رئاسة سلاح المدرعات ، و أحاطت بالقصر من ناحية الجنوب وناحية الغرب ، في هذا الاثناء حدثت مجزرة وهو ما عرف فيما بعد باسم (مجزرة بيت الضيافة) والتي راح ضحيتها عدد كبير من الضباط (اختلفت الروايات بين 25 و39) ضابطاً ضابط صف.. ذلك بأن هناك بعض الأشخاص قتلوا في سلاح المدرعات وجئ بجثثهم للمشرحة فاختلطت بجثث بيت الضيافة. (ب)- بعد حصار المدرعات التابعة لنميري ومن بعدها مجزرة (بيت الضيافة) حدثت أشياء أقرب إلى الخيال.. فقد استطاع نميري بمساعدة احد الضباط الموالين له ان يخرج من معتقله ويقفز حائط القصر ويخرج الى الشارع ويتحول الموقف ٣٦٠ درجة في الاتجاه المعاكس.. وخلال ساعات قليلة استطاع نميري ان يستعيد السلطة مرة اخرى وبصورة اقوى واشرس واعنف. (ج)- في اليوم التالي الجمعة ٢٣ يوليو تم دفن شهداء (بيت الضيافة). ٩- (أ)- وفي ذات اليوم بدأت (محاكمات الشجرة)… وقد كان يشرف على المحاكمات العقيد احمد محمد الحسن بحضور نميري وابو القاسم وخالد حسن عباس (الذي كان شقيقه ضمن شهداء بيت الضيافة).. كانت المحاكمات ايجازية وسريعة وتتسم بالانفعال الزائد.. وبسرعة شديدة تقرر اعدام القادة العسكريين الثلاثة (بابكر النور وهاشم العطا وفاروق حمد الله.).(ب)-
قال العميد (م) عبد الرحمن حسن عبد الحفيظ في احدى افاداته:(“ان المحاكمات التي تمت في يوليو ١٩٧١م كانت تتصف بالتسرع الذي ما كان له ان يحدث.. فكثير من الاتهامات لم تكن ترتقي للاعدام المغفور له المقدم بابكر النور والرائد فاروق حمد الله.. فقد ارتبطت أسماؤهم بقيادة الانقلاب وهما خارج الوطن.. ولا يمكن ان تحاكمهم مثل من دبّر الانقلاب ونفذه”.). ١٠- الاعدامات-اولآ: اعدام الرائد/ هاشم العطا:
(أ)- في غرفة قرقول سلاح المدرعات قضى هاشم العطا الساعات الاولى من اعتقاله موثوق اليدين ، مستلقيا على ظهره ، كان رغم الارهاق هادئا في كل تصرفاته، ثابت الاعصاب، باسم كعادته، وعندما حانت منه التفاتة الى بعض الضباط المعتقلين ، بعد لحظات دخل الى الغرفة الملازم كمال سعيد صبرة، الذي بدأ يستفز هاشم العطا بصورة وقحة غير لائقة، نظر إليه هاشم في سخرية واستخفا، اغتاظ الملازم كمال من تجاهل هاشم له فبادر بسحق نظارة هاشم التي كانت ملقاة على الأرض الي جانبه وحطمها بحذائه.
(ب)-
حاول النميري في مكتبه بمعسكر “الشجرة” ان يبدأ التحقيق مع هاشم العطا وجها لوجه، رفض هاشم رفضا باتا اجراء اي لقاء مع النميري، واعلن في اصرار شديد انه لن يدلي بأي اقوال الا في محاكمة علنية، قال هاشم العطا بكل وضوح انه يرفض مقابلة مع اي مسؤول في المعسكر (“لانكم ستشوهون اقوالي وتحرفوها”) . وأضاف:( “انا أتحمل كل المسؤولية وليست لديكم حجة في محاكمة الضباط والجنود والصف”.).(ج)-
اقتيد هاشم قسرا وهو مقيد الي مكتب النميري الذي كان في حالة هياج أثناء اللقاء بينهما وكان يتكلم بصوت عالي اشبه بالصراخ، قال احد كبار الضباط الذي حضر اللقاء، أن النميري ما ترك كلمة بذيئة في قاموس الشتائم الا وجهها الي هاشم العطا، كانت مفاجأة شديدة لم يتوقعها النميري عندما قاطعه هاشم العطا بحدة وقال له: (“لست نادما على ما قمت به، وإن كان لي ان اندم لانني اعتقلت ثلاثة أيام وعاملتك معاملة كريمة”.). هنا بلغت حالة الهياج حدآ جعلت النميري يقفز من مقعده في محاولة للاعتداء بالضرب، لكن في عجالة سريعة تم سحب هاشم العطا من المكتب الي غرفة اخري.(د)-
بدرت من هاشم العطا ضحكة تلقائية وهو في طريقه الى ساحة الاعدام، اغتاظ احد الجنود من الضحكة وعلق: (“وتضحك كمان؟!!”)، فضحك هاشم ضحكة عالية وقال له :(“يا ابني الميت مايبكي”)، اتجهوا بهاشم نحو (دروة المورس) لتنفيذ حكم الاعدام رميا بالرصاص، كانوا الجنود في حالة من الفزع والاضطراب، لم ينتظروا وصوله للدورة ، بل عاجلوه من الخلف بإطلاق (٨٠٠) طلقة على ظهره حتى انفصل نصفه الاعلى قبل ان يسقط على الارض، وظلوا يطلقون الرصاص علي جثمانه حتى بعد استشهاده ، واصلوا إطلاق الرصاص على جثته حتى افرغوا الاربعة صناديق من الجبخانة. ثانياً- إعدام الرائد/ بابكر النور:(أ)- في البداية تمت محاكمة بابكر النور برئاسة العميد تاج السر المقبول، اصدرت المحكمة العسكرية قرارها بالسجن اثني عشر عاما، ورفض النميري قرار المحكمة العسكرية، ارجع الأوراق الي المحكمة العسكرية ، أعيدت مرة أخرى المحاكمة وصدر قرار الحكم بالسجن(٣٠) عاما، رفض النميري قبول قرار المحكمة للمرة الثانية، وعندما وجه النميري اعادة المحاكمة للمرة الثالثة، رفض العميد تاج السر ان يترأس المحكمة، وكنوع من الاحتجاج ايضآ- رفضوا كل الضباط الكبار الذين كلفوا برئاسة المحكمة العسكرية الاستمرار في عملهم كقضاة على اعتبار ان نميري يريد قسرا فرض حكم الاعدام، علق احد الضباط بغضب عن حالة بابكر النور:(“دا كان عضو في مجلس “الضباط الاحرار” تحاكموه كدة؟!!)، اتصل النميري بالمقدم صلاح عبد العال تلفونيا وكلفه برئاسة المحكمة العسكرية، حضر صلاح وتسلم أوراق المحكمة، وفي نفس اليوم صدر قرار حكم الإعدام بابكر النور رميآ بالرصاص.
(ب)-
عندما اقتيد بابكر النور لتنفيذ حكم الاعدام ، كادت كلمات خطبته القوية في الجنود ان تعطل حكم الاعدام، حتى تدخل النميري وتوجه شخصيآ ومعه مجموعة من الضباط الى ساحة الاعدام كنوع من الارهاب الي الجنود المكلفين تنفيذ الحكم ، تراجع بابكر النور بخطواته قليلة الي الوراء كي لا يتم إطلاق الرصاص على ظهره، كان الشهيد قد ارسل قبل يوم واحد من إعدامه خطاب صغير في ورقة علبة سجائر الي أسرته يؤكد فيه ان نميري سيعدمه. كانت اخر كلماته انه هتف عاليا باسم السودان. ثالثاً- إعدام الرائد/ فاروق حمد نا الله:(أ)- هناك رواية أخرى موثقة في كثير من المواقع عن اعدام فاروق حمدنا الله:( عندما نزل فاروق حمدنا الله من الطائرة وهو معتقل في مطار الخرطوم قادما من ليبيا بحراسة مدججة من الحرس الليبي،قال للضباط والجنود السودانيين الذين حضروا لاستلامه:(“ازيكم يا شباب ، الغريبة انو الليبيين حاقدين علينا اكثر منكم”)!!.. ثم ضحك، نقلوه الى معسكر “الشجرة ” هناك خلال حديث نميري معه قال للنميري : (“يا نميري انت في ٢٥ مايو دورك كان صفر ، ما كان عندك دور نحن نظمنا ٢٥ مايو وجبناك عشان رتبتك وكان ممكن نجيب غيرك ، كنا حنجيب محمد الشريف الحبيب او مزمل غندور، لكن وزير دفاعك خالد حسن عباس الجالس جنبك دة قال يا جماعة مزمل غندور طموح و يسيطر علينا افضل نجيب نميري لانه بليد ونقدر نمشيه زي ما عايزين”.).
(ب)- حاول النميري ان يساومه يتبرأ من صلته بجماعة ١٩ يوليو فرفض ، وطلب منه النميري ان يدلي بما لديه من معلومات فرفض، وعندما اقتادوه الى منطقة الحزام الاخضر لاعدامه استفزه النقيب محمد ابراهيم وقال له ” يا(“…”) ،فرد عليه فاروق: (“انت كمان تقول لي يا “…” ؟!!شوف الرجال يموتوا كيف الليلة ، لما يجيبوك محل الموت اثبت زيهم”.). ، ثم التفت الى الجنود وقال لهم : (“الراجل ما ضربوه في ضهره وانا ما بديكم ضهري”)..ظل يتراجع في خطوات ثابتة للخلف فاتحا ازرار القميص كاشفا صدره للرصاص وهو يهتف بحياة الشعب السوداني وسلطة الجبهة الوطنية الديمقراطية. (ج)- تنفيذ حكم الإعدام في فاروق حمد الله وبابكر النور رمياً بالرصاص كان في الساعة السادسة والنصف من مساء الإثنين ٢٦ يوليو لعام ١٩٧١م. (د)- تحقيق صحفي نشر في جريدة “الوطن” مع الضابط (شاهد العصر) على إعدامات النميري لقيادات انقلاب هاشم العطا يروي الحكاية- (-10- 03 – 2013-): سؤال: حدثنا عن اللحظات الأخيرة لفاروق حمد الله وهو في طريقه لدروة الإعدام ؟!! الاجابة:دخلت على الرائد فاروق وقلت له سيد فاروق لو سمحت البس ملابسك، وقفلت الباب وانتظرته بالخارج، كنت الاحظ أن الملازم الشايقي يستعجلني باستمرار وبالتالي افتح الباب واستعجل فاروق، بدوري في المرة الأخيرة دخلت عليه ووجدته قد «ارتدى بدلته التي قدم بها من لندن، وقد كان يربط ربطة العنق «الكرفتة »، وقلت له “سيادتك الكرفتة!!” فقال “ما ضروري خليها”، قال لي وهو يبتسم: «”يا بني أنت مستعجل كده ليه؟ القصة إعدام ولا شنو؟!!”، فقلت له: “نعم”، فسأل مرة أخرى “إعدام؟!”…وأضاف.. “طيب الواحد لو ماشي يقابل ربه احسن يقابلو منتظم”. (هـ)- وقبل ساعات من إعدامه كتب وصية بمداد الشجاعة” جاء فيها: (” الساعة الآن التاسعة مساء الاحد…ولكني واثق من أن حكمهم الإعدام …ولم يعلنون بالحكم…سينفذ غدا في المحاكمة صورية فقط.عزيزتي خنساء..(لـك حبـي للأبـد، وحـبي لأبنائي خـالد و هـدى وهـند وهـالة وكمـالة.لا أعـرف مصيري ولكني إن مـت فسأموت شجاعا وإن عـشت شجاعا. أرجـو أن تكرس حيـاتـك لفلذات أكبادنا وربيـهـم كمـا شــئت وشئنا واحكي لـهم قصتنا. أرجـو أن تصفـحي لي لـو آلمــتك يومــا. وكما تعاهدنا فسأكون كعهدي للحظة الأخيرة…أمـي، بلـغيها حــبي وتحياتي للجميع أخـوان و الأهــل. مكتبتي تبقى لأبنائي ولخالد، تصرفي كما شئت وأن يعيشوا في عزة و وكرامة…الشنط تركتها بالطائرة ابحثوا عنها قولوا للجميع إني عشت أحبهم وسأموت على حبهم…أشيائي الخاصة لخالد وسلامي له. هدى وهند وهالة وكماله تحياتي وحبي لكم)…-أبوكم بابكر -السبت 24/7 الساعة- 10 و45 دقيقة.- رابعا: -اعدام عبدالخالق محجوب:(أ)- انتهت حياة عبد الخالق محجوب على حبل مشنقة سجن كوبر في الساعات الأولى من صباح الأربعاء ٢٨ يوليو ١٩٧١ م، رثاه عدد كبير من الشعراء العرب والسودانيين كما شكل اعدامه صدمة كبيرة للحركة الماركسية العربية والسودانية لم يعد الحزب الشيوعي السوداني لسابق نفوذه أبدا بعد إعدامه مع أغلب قيادات الحزب. وبموته انتهى فصل من الفكر في الحياة السياسية والاجتماعية السودانية، ورثاه الشاعر المنفي، مظفر النواب، في قصيدة، يقول في مقطع منها: «ولله جنود من عسل.. وعلى رأسك يا محجوب.. رأينا سلة خبز تأكل منه الطير.. وفي ساعات الصبح سيمثل اسمك فيك.. وضج الكون دما وعصافير خرساء.. مفاجأة الأعين.. وارتفعت أدخنة الكيف الدولي».
استاذنا الغالي بكري الصائغ …. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
من هذا التاريخ بدأ انهيار الجيش السوداني … الذي نعاني منه الأن أمام الجنجويد ….. بعد 19 يوليه 1971م … تم ترقية الجنود الذين قاموا بإعادة نميري إلى السلطة … إلى رتب ضباط .. وتم الاخلال بتراتب الجيش …. وطيلة فترة مايو بعد هذا التاريخ … يتم إدخال الطلاب إلى الكلية الحربية بالواسطة (التوصية من أحد الضباط لأحد اقربائه اقرباء اصدقائه) ودخلوا الكلية ومن هم نسبتهم في النجاح 50%.. ومن هذا انعدم دخول الأكفاء إلى الكلية الحربية .. وكذلك تخرج ضباط غير اكفاء…………….. وطبعاً فترة (عمر البشير) خلصت على كل شيء …. تم تدمير الجيش بالكامل…. واستبداله بالدفاع الشعبي .. والدعم السريع …… واليوم الجيش يعاني من هذه المعضلة .. ويتعرض لهزائم متكررة .. من الجنجويد
لك خالص تحياتي
الحبوب، أبوقرجة.
تحية طيبة.
الانهيار العسكري والاخلاقي للجيش السوداني بدأ تحديدا في يوم الإثنين ١٧/ نوفمبر ١٩٥٨عندما تسلم الفريق/ ابراهيم عبود السلطة باتفاق مع الاميرلاي/ عبدالله خليل أول سكرتير عام لحزب الأمة وبمباركة من عبد الرحمن المهدي. من هنا بدأ اسهم الجيش في الهبوط وساءت سمعته بعد ان خرجت للعلن المجازر التي ارتكبها في الجنوب خلال سنوات الخمسينات والستينات، وتلك المقولة الشهيرة التي قالها اللواء/ حسن بشير نصر وقتها وكان يشغل منصب وزير الدفاع “حرق الجنوب بالجاز”، ومن ذلك العام ١٩٨٥ والجيش يفقد احترامه خصوصا بعد ان وصل عدد ضحاياه الي نحو (٢) مليون و(٧٠٠) ألف قتيل أغلبهم مواطنين في دارفور والجنوب قبل الانفصال وجبال النوبة وكردفان، ابرياء عزل من السلاح كان الهدف من ابادتهم لأسباب عنصرية.
جاء النميري بعد عبود وكمل الناقص!!
اما البرهان فهو اصلا لم يكن عنده قوات مسلحة، فاستعان بقوات “الدعم السريع” التي انقلبت عليه و قضت تماما علي المؤسسات العسكرية، ولم يبقي لها الا المعقل الأخير “بدرون القيادة العامة”!!
أخر كلماتهم قبل الاعدامات:
عبدالخالق محجوب.. الشفيع..جوزيف قرنق
أولا- عبدالخالق مـحجوب:
أثناء محاكمة عبدالخالق محجوب في معسكر (الشجرة) يوم الثلاثاء ٢٧ يوليو ١٩٧١، قام قاضي المحكمة العسكرية العقيد أحمد محمد حسن وكان يشغل وقتها منصب رئيس القضاء العسكري في القيادة العامة للقوات المسلحة بتوجيه سؤال إلى المتهم : (ماذا قدمت لشعبك؟!!)..أجابه عبدالخالق في هدوء شديد: (الوعي.. بقدر ما استطعت)… شهد كل من كانوا في القاعة وحضروا الجلسة الأولى من محاكمته، أنه قد أفحم هيئة المحكمة وكسب تلك الجولة الأولى من محاكمته التي من أبسط مبادئ العدالة.
(ب)-
سأل رئيس المحكمة المتهم عبد الخالق محجوب “هل تعارض في أن أكون رئيسا للمحكمة؟!!”
أجاب عبدالخالق محجوب:
“نعم لي اعتراض لا يتعرض لشخصك، ولكن هذه المحاكمة سياسية ورئيس المحكمة ذو اتجاه سياسي ينتمي للقوميين العرب، هذا الاتجاه الذي دفع البلاد في طريق شائك ولم يتفهم الأبعاد الوطنية والتقدمية للحزب الشيوعي… ولي اعتراض على العضوين الآخرين الذين لا أعرفهما، ولكن يستطيع رئيس المحكمة التأثير فيهما… إن اعتراضي لا ينصب على الأشخاص وإنما يتعلق بطبيعة المحاكمة والأحداث السياسية والصراع الذي وقع بين الاتجاه القومي العربي والاتجاه الشيوعي الديمقراطي”.
(ج)-
رفعت الجلسة لمدة نصف ساعة…وتحولت بعد ذلك الى جلسة سرية. وبعد أقل من ثلاث ساعات صدر الحكم بالاعدام وصادق النميري على الحكم.
تم تنفيذ حكم الإعدام فجر الأربعاء ٢٨ يوليو بسجن كوبر أي بعد يوم واحد من اعتقاله. ذهب عبد الخالق إلى المشنقة مرفوع الرأس شامخا يهتف بحياة السودان وحياة الحزب الشيوعي. أهدى ساعة يده إلى أحد العساكر كهدية منه. وطلب من مدير السجن الذي أشرف على عملية تنفيذ الحكم تسليم دبلته الفضية إلى أسرته ومعها وصية مكتوبة بخط يده. ولكن لم يتم توصل (الدبلة) أو الوصية المكتوبة، فقد صادرها أحمد ضباط جهاز الأمن -حسب شهادة إدارة سجن كوبر بعد ذلك-. وقد أفاد مأمور السجن وقتها عثمان عوض الله بأن عبد الخالق ذهب إلى المشنقة بخطى ثابتة وكان أنيق الثياب، لامع الحذاء، متعطرا، باسما كعريس – هكذا علق الضابط عثمان عوض الله مأمور سجن كوبر حينها.
(هـ)-
حيا عبدالخالق محجوب الشناق الخير مرسال وهو يعتلي سلم المشنقة باسما، وبذلك انطوت صفحة أحد أفذاذ المناضلين السودانيين وأبرز قيادات الحركة الوطنية السودانية. ويمكن الرجوع إلى شهادة الأستاذ محمد أحمد المحجوب في كتابه (الديمقراطية في الميزان) الذي قال فيه:
(باغتيال عبد الخالق محجوب انطوت صفحة من التسامح والسماحة في الحياة السياسية السودانية)… تم حرق شريط تسجيل المحاكمة والصور بيد جعفر نميري شخصيا بعد أن استلمها من عمر الحاج موسى حسب طلبه، وأفاد عمر الحاج موسى بذلك فيما بعد).
(و)-
وهو يُقتاد إلى المشنقة كان يهتف، وهذه رسالة للشيوعين ثم خلع الساعة وأعطاها للعسكري الذي يقف بجانبه، وقال له “شيلها أصلو حيشيلوها الحرامية ديل”، ثم قال له: “اسمع يا زول حبلك ده قوي، أصلي أنا تقيل”، ثم هتف عاش نضال الشعب السوداني وعاش نضال الحزب الشيوعي ثم اعتلى المقصلة، الثبات على الموقف والشجاعة جزء منه.
ثانياً- جـوزيف قرنق المحامي:
استمرت محاكمة جـوزيـف نحو (٤٥) دقـيـقـة صـدر بعـدها الـحكـم بالإعدام شنقا في سجن كوبر. تم ارسال قرار المحكمة إلى النميري فصادق عليها سريعآ بالموافقة، وعندما علم جوزيف بالخبر، علا صوته متسائلا في استغراب: (نميري ده جن ولا شنو؟!!.).. وعندما اقتادوه الـي غرفة المشنقة. كـتب لاسـرتـه رســالة صـغـيـرة قـال فـيها: (أرجــو ان تعــتـبروني احـد الركاب فـي طـائـرة تحطمت).
ثالثا- الشفيع أحمد الشيخ:
(أ)-
“نحن لم نرتكب أي خيانة ضد الوطن وشعبه، ووقفنا مع التقدم ومصالح الناس، وإذا رحنا، فالمهم أن يحافظ الناس من بعدنا على التنظيمات الجماهيرية التي اشتركنا في بنائها مع آلاف الناس.”.
(ب)-
تلقت المناضلة فاطمة إبراهيم، رفيقة الشفيع أحمد الشيخ وزوجته، خبر إعدامه بشجاعة ورباطة جأش، وهي في الإقامة القسرية، يوم ٢٦ يوليو ١٩٧١ وقد وجهت رسالة إلى النميري جاء فيها:
(” كان من الممكن أن يموت الشفيع في التاريخ نفسه بحمّى أو سكتة قلبية على سريره، ولكنه مات ميتة الأبطال يغبطه عليها المؤمنون بالله وشعبهم. لقد مات وهو يهتف بحياة شعبه وكفاح الطبقة العاملة، وهو محتفظ بكامل وعيه وثباته. وفي تجريد الشفيع من “وسام النيلين” منحه فرصة لاختتام حياته بما يتناسب مع الطريق الذي اختطه لنفسه، كما يتناسب مع تاريخه النظيف وكفاحه الصلب الغيور وتضحياته العظيمة من أجل الشعب السوداني عامة والطبقة العاملة السودانية خاصة. يكفيه فخراً ورفاقه أنهم تسلموا راية الكفاح من أجل الاستقلال بمحتواه السليم والتقدمي، وتعرضوا من أجل ذلك للسجن والمطاردة. يكفيه فخراً أنه ورفاقه الأوائل رفعوا شعار الاشتراكية العلمية الأصيلة وناضلوا من أجل توحيد الشعب والدفاع عن مصالحه، ونظموا الطبقة العاملة والفئات الشعبية في منظمات ديمقراطية. يكفيه فخراً أنه من قادة الطبقة العاملة المخلصين وابن بار لها. عرفه الشعب السوداني جسوراً وقائداً متواضعاً، ناضل حتى اللحظة الأخيرة من أجل حياة حرة وكريمة للشعب السوداني”.).
الشيوعيون مصابون بالشيزوفرينيا السياسية
يحتفلون بانقلاب فاشل ويعارضون اخر فقط لانهم ليسو منفذيه
اين الاستقامة الاخلاقية
عل يوجد شيوعي يؤمن بالتحول الديمقراطي
الشئ الاخر ظلوا يحدثونا عن بطولة عبدالخالق محجوب في مواجهة الموت وهاهو في الصورة المبذولة هنا يقف ندمان خائفا مطاطئ الراس منكسرا امام النميري في مشهد خائب ومذل
غايتو الشيوعيين ديل يصنعون من الفسيخ شربات
الحقيقة ان انقلابهم الفاشل في ١٩ يوليو وعارهم المقيم في قصر الضيافة اراح الشعب السوداني من عبث اليسار وكررها الاخوان خذوك النعل بالنعل في انقلابهم المسمي بالانقاذ ليرافقوا صنوهم الاخر الي مزبلة التاريخ غير مأسوفا عليهم اجمعين
الا لعنة الله على الظالمين
١-
الحبوب، بحر.
حياكم الله واسعد اياكم.
يبدو يا حبيب انك لم تطالع المقال بهدوء وروية، جاء في بداية المقال “اردت فقط بمناسبة قدوم ذكرى الانقلاب إن اجدد الذكري، وانعش ذاكرة من نساها عملآ بقوله تعالى {وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين}، واهدي هذا المقال- بصورة خاصة- إلى أبناء وبنات الجيل الجديد الذين معلوماتهم عن انقلاب ١٩يوليو تحت الصفر، بحكم انه انقلاب خرج من مادة التاريخ في المدارس والجامعات.”- إنتهي-
وهذا يعني انه مقال تاريخي وليس سياسي، جددت فيه ذكري حدث تاريخي هام وقع قبل (٥٢) عام.
٢-
من مكتبتي بصحيفة “الراكوبة”:
أخر كلماتهم قبل الاعدامات: هاشم العطا..بابكر النور..حمدناالله.
https://www.alrakoba.net/628232/%D8%A3%D8%AE%D8%B1-%D9%83%D9%84%D9%85%D8%A7%D8%AA%D9%87%D9%85-%D9%82%D8%A8%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B9%D8%AF%D8%A7%D9%85%D8%A7%D8%AA-%D9%87%D8%A7%D8%B4%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B7%D8%A7-%D8%A8/
التحية والشكر يا استاذ بكري الصائغ، تذكير بوقائع هامة في تاريخا المعاصر القريب ..
هذا مقتطف من شهادة الصحفي ادريس حسن وهو شاهد عيان لمحاكمة عبد الخالق محجوب:
“وفى حوالى الساعة الخامسة مساءا أعلن رئيس المحكمة نهاية المحاكمة . وقال أن المحكمة سترفع قرارها الى القائد العام الذى كان مرابطا هناك بصورة دائمة ، حيث اتخذ مقره فى مكتب قائد سلاح المدرعات العميد أحمد عبدالحليم.
طلبت من المقدم عبدالمنعم حسن الذى كان يعمل بفرع القضاء العسكرى أن أنتظر معه حتى يتم التصديق على الحكم . وطال انتظارى حتى بلغت الساعة منتصف الليل . وكان المقدم عبدالمنعم كثير الخروج من مكتبه . وفى احدى المرات عاد وطلب منى أن أذهب معه الى حيث مقر جعفر نميرى لأرى ماذا يفعل . لقد كان المقدم عبد المنعم متأثرا بأثرا شديدا بما يحدث مما دفعه الى كتابة عريضة ينتقد فيها ما تم من اجراءات . وقد فصل من الخدمة بسبب تلك العريضة.
وذهبت الى مقر الرئيس نميرى ووقفت بالقرب من النافذة لأرى عجبا ، النميرى ينهال ضربا على أحد الضباط ويسبه بالفاظ بذيئة وهو فى حالة من الهياج . أخرج الضابط وأحضروا آخر وتكرر نفس المشهد معه . ولم تتوقف هذه العملية الا عندما همس أحد الضباط فى أذن نميرى الذى رفع سماعة التلفون وكانت محادثة من القاهرة . عرفت هذا من ردود نميرى على محدثه . وانتهت المحادثة التى لم تستغرق وقتا طويلا . وعلمت بمزيد من تفاصيل مادار عندما دخل على نميرى العميد أحمد عبدالحليم . وقد بدا نميري بعدها سعيدا جدا بمضمون المحادثة ، بل منفجرا من الضحك ، وقال أن السادات أخبره بأن الجماعة الرووس طلبوا منه أن يتوسط لدي لكى نبقى على حياة عبدالخالق محجوب ولكن السادات حثه بأن يسرع ويخلص عليه . وقد وصف نميرى السادات بأنه داهية وخطير.
وفى الثانية صباحا حضر الى مقر المدرعات المرحوم موسى المبارك والتقى نميرى لبعض الوقت وعند خروجه كان بادى التأثر وأخبرنى أن حكم الاعدام قد نفذ فى عبد الخالق محجوب.”
ادريس حسن كاتب صحافي سوداني توفي عام 2018
“شاهدتهم يحاكمون عبد الخالق محجوب” الرابط:
https://saymar.org/2020/08/109135.html
الحبوب، ناظم هنداوي.
مساكم الله بالعافية والافراح.
توقفت عند فقرة جاءت في تعليقك التاريخي الجميل وكتبت:
“وقد بدا نميري بعدها سعيدا جدا بمضمون المحادثة مع انور السادات ، بل منفجرا من الضحك ، وقال أن السادات أخبره بأن الجماعة الرووس طلبوا منه أن يتوسط لدي لكى نبقى على حياة عبدالخالق محجوب ولكن السادات حثه بأن يسرع ويخلص عليه . وقد وصف نميرى السادات بأنه داهية وخطير.”.-
يا حبيب، بما ان الشيء بالشي يذكر مع ما كتبت، ارجع بك الي مقال كتبته من قبل تحت عنوان “وانتقم الله من النميري والسادات والقذافي لضحايا ١٩ يوليو ١٩٧١”، ونشر في صحيفة “الراكوبة” بتاريخ يوم الجمعة ١٩/ يوليو ٢٠١٣، بما انه مقال طويل ساقوم بانزال الرابط الخاص به.
وانتقم الله من النميري والسادات
والقذافي لضحايا ١٩ يوليو ١٩٧١.. https://www.alrakoba.net/366692/%D9%88%D8%A7%D9%86%D8%AA%D9%82%D9%85-%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%85%D9%8A%D8%B1%D9%8A-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%A7%D8%AF%D8%A7%D8%AA-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B0/
نواصل السرد عن خفايا العشرة
أيام العصيبة التي هزت السودان:
عندما فشل انقلاب الرائد/ هاشم العطا في يوم الخميس ٢٢/ يوليو ١٩٧١، وتم اعتقاله ومعه الرائد/ بابكر النور، والرائد/ فاروق حمدالله، وزج بهم في قاعة صغيرة بمعسكر “الشجرة” مكبلين بالاصفاد وتحت حراسة عسكرية شديدة ، كان وقتها جعفر النميري في حالة مزرية بعد هروبه من “بيت الضيافة”، كان هندامه متسخ وغير مرتب، طالت لحيته وعليه الغبار، كان في حالة غير طبيعية، كثير الصراخ الداوي المسموع في كل ارجاء المعسكر، يوزع بذاءاته وشتائمه بلا توقف علي الضباط المعتقلين، هذه الحالة النفسية التي كانت عند النميري وقتها في معسكر “الشجرة” ما استطاع احد من من كانوا بجواره (الرائد/ ابوالقاسم محمد ابراهيم،اللواء/ خالد حسن عباس، الرائد/ زين العابدين محمد احمد) ان يعمل علي تهدأته انفعالات النميري التي فاتت حد المعقول.
بعد هروب النميري من “بيت الضيافة” في يوم ٢٢/ يوليو -وهو اليوم الذي خرجت فيه المظاهرات وتهتف “عائد عائد يا نميري”-، استغل النميري سيارة كان يقودها الفنان الراحل/ سيد خليفة اوصلته الى معسكر “الشجرة”، وكان النميري في حالة يرثي لها و”مبهدل” وفي ثياب عسكرية ممزقة، كان مذهول الي حد الدروشة غير مصدق انه نجا من التصفيات الجسدية التي تمت هناك ورأى بام عينيه جريمة التصفية، كان طوال مدة بقائه في مكتب بمعسكر “الشجرة” يذي بكلام غير مفهوم بصوت عالي سمعه كل من كانوا خارج المكتب، كان يسب ويلعن الجميع دون ان يفهم احد من هم المقصودين بهذا الكم الهائل من السباب، النميري في مكتبه ما كان يثق في الضباط والجنود الذين قاموا بحراسته وكان يبدلهم بين الحين والاخر، وما سمح لا احد الدخول عليه الا اصدقاءه القدامي ابوالقاسم محمد ابراهيم، وخالد حسن عباس، وقاضي العسكرية العقيد أحمد محمد حسن، والصحفية المصرية مريم روبين، التي كتبت فيما بعد الكثير عن ما وقع في معسكر الشجرة.
مما زاد الامر اشد سوء، ان النميري لم يخجل في الظهورعلانية في حوش معسكر “الشجرة” وعلي مرأي من الضباط والجنود وهو مخمور، لم يكن متزن في تصرفاته وكلامه، علامات كثيرة دلت على أنه كان غير متزن نفسياً، منها استعماله العنف والضرب المبرح ضد بعض الضباط والجنود المعتقلين المكبلين بالحديد ومنع الجميع الاقتراب منه أثناء قيامه بالاعتداء وممارسة ساديته.
بعد أيام قليلة من الاعدامات التي طالت قادة انقلاب ١٩ يوليو ومعهم المدنيين الثلاثة (عبدالخالق محجوب، الشفيع احمد الشيخ، جوزيف قرنق)، وعودة الحياة الي طبيعتها في الخرطوم، بدأت الحقائق عن ما حدث في معسكر “الشجرة” تخرج للعلن بادق تفاصيلها، واغرب مافي الامر، ان الذين كشفوا المستور وقالوا كل الحقائق عن حالة النميري، هم الضباط الذين كانوا تناوبوا الحراسة الشخصية لنميري ليل نهار، وهم الذين لم يخفوا الصراحة في كلامهم عن سكر النميري!!
وبما السودانيين لم يالفوا كتمان الاسرار داخل صدورهم ، لهذا لم يكن غريبا ان تخرج (سكرة النميري) الي خارج السودان، ونشرت بعض الصحف العربية تحليلات صحفية كثيرة اكدت فيها ان اغلب حالات الاعدامات في معسكر “الشجرة” وسجن كوبر، قد تمت بناء علي اصرار النميري اصرار شديد وهو مخمور على تنفيذها حتي ان رفضت المحكمة العسكرية!!
قام الصحفي/ ضياء الدين بلال اجراء لقاء صحفي مع النميري بعد سنوات من عزله وعودته الي الخرطوم، وقام الصحفي بتوجيه سؤال للنميري:
قيل إنك حينما كنت تحاكم ضباط 19 يوليو كنت مخموراً هل هذا صحيح؟!!
الإجابة:
“لقد كنت مقبوضاً في القصر كذا يوم.. خرجت من القصر الى الشجرة لتنظيم القوات طيب منو الخواجة الجاب لي الشراب.. ولا أرسلت لي انتو.. هل تشرب؟!!…لم يكن هنالك وقت للشراب..هذه فرية وكذبة كبرى لا أساس لها من الصحة..!!.”.
ونواصل الرصد مع أحداث ما وقع
بعد فشل انقلاب ١٩/ يوليو ١٩٧١:
تقول الصحفية المصرية مريم روبين والتي كانت شاهدة عيان علي مجازر “الشجرة” في تحقيق صحفي اجرته معها الصحفية رفيدة يسـن:
“في ذلك اليوم سمعت النميري وهو يتحدث في الهاتف وأنا كنت بجانبه، كان الشفيع واقفاً في الخارج أثناء المحاكمة، وظل النميري يقول في المكالمة:
“يا فندم أنا ما أقدر أرفض لك طلب ولكن الحكم اتنفذ وقضي الأمر”.
قالت الصحفية، بعد أن أغلق النميري الهاتف وانهى المكالمة، قال لي: “عارفة مين اللي بيكلمني؟!!” واكمل حديثه ، “إنه الرئيس أنور السادات يطلب ألا يعدم الشفيع، وقلت له قضي الأمر”…وكان الشفيع ما زال في الخارج لم يعدم بعد ، لكن النميري لم يستجب لطلب السادات بالعفو عن الشفيع، وأكد للسادات بالقول “يشهد الله إنه تم إعدامه”!!، وقال السادات للنميري إن القيادة السوفيتية اتصلت به وطلبت منه أن يتصل بالنميري لإيقاف إعدام الشفيع، لكن مثلما سمعتم الآن أكدت له أن تنفيذ الإعدام تم منذ دقائق، وأصر النميري أن يعدم الشفيع رغم كل هذه الضغوط”.
سؤال للصحفية المصرية رفيدة يسـن : ألم يقلق النميري من نقلك للمعلومة وأنت صحفية مصرية؟!!
جواب: لم أكن الوحيدة، لقد كان معي موسى صبري رئيس تحرير أخبار اليوم في الجلسة، كان الغضب متحكماً في النميري وممكن بعد ذلك النميري يقول للسادات كل حاجة بعد أن ينفذ رغبته في تنفيذ حكم الإعدام.
سؤال: بما خرجتِ من هذه التجربة؟!!
جواب: رغم خوفي وهول المحاكمة إلا أني لم أشعر بخطر، لكنها كانت أربعين يوماً في السودان وعدت إلى القاهرة متعبة ومرهقة وظللت لفترة طويلة لا أنام وأصابتني حالة فزع وحالتي النفسية ظلت لفترة سيئة للغاية. – إنتهي-
علق احد القراء بموقع “البركل” فكتب:
يشهد الله أن هذه الصحفية تكذب وتتحرى الكذب ، فأبوالقاسم قد بدأ في تعذيب الشفيع منذ اللحظة الأولى لاعتقاله وذلك عندما كان يسأله عن مكان اختفاء عبد الخالق حيث قام بطعنه بالسونكي في يده اليمين ، وعندما لم يجد عنده ردا يشفي غليله طلب من مجموعة الضباط الواقفين أن يضربوه (بالشلوت).
الشاهد أن هذه الصحفية لم تكن تستطيع رؤية الشفيع بالصورة التي وصفتها لأنه عندما تم أخذه للمشنقة كان يجر جرا فقد كان نصف ميت ونميري عندما كذب كان مضطرا لذلك لأن حكم الإعدام قد تم تنفيذه مسبقا وبالضرب المبرح وليس بالمشنقة، أما روايتها عن الضغوط التي مارسها السادات على النميري للعفو عن الشفيع فهي محل شك كبير لأن السادات كان قد اتصل بالنميري أثناء المحاكمات الجائرة بالشجرة وقال له إن الروس قد طلبوا منه الاتصال به كي يعفو عن عبد الخالق وبدلا أن تشفع لعبد الخالق قال له إقطع رأس الأفعى ويقال هنا أن النميري قد ضحك كثيرا وقال للمقربين منه “أن هذا الرجل ويقصد السادات داهية ومصيبة”.