أخبار السودان

6.000 دولار.. سعر (الرأس)!!

أرهيت وغيرها من الذين يَحلمون بالهجرة، يمثلون مصدراً مُدراً للمال الذي لا يتوقّف مع موجات اللجوء والهجرة المُتصاعدة، وعن هذا العالم الغامض الذي يَحكمه كَسب المال فقط، جلسنا إلى مدير إدارة شرطة مباحث كسلا، العقيد/ عوض المفتاح نور الهدي، الذي يمسك بخيوط عديدة ومُتشابكة بحُكم موقعه.
ملف التهريب الذي قلّبنا صفحاته المُثيرة مع المفتاح، أسقط كل الفرضيات التي وضعناها في اعتبارنا قبل أن ندخل إلى تفاصيل هذا العالم… يقول المفتاح: إنّ سعر تهريب (الفرد) الواحد يصل إلى 6.000 دولار من دول الجوار إلى الخرطوم.. ويقطع بالقول، إنّها ليست عملية منظمة على النحو الذي كنا نتوقعه، فهي ليست شبكات محدودة ومعلومة، لأنّ عمليات التهريب باتت في الآونة الأخيرة تجارة تجذب إليها قطاعات واسعة من الشباب العاطل. وترفض الشرطة أن تُسمي هذه العمليات (إتجاراً بالبشر) وتُصر على وصفها بأنها عمليات تهريب، حتى وإن شملت هذه العمليات اختطافاً ورهناً، تظل هي عملية تهريب، تبرر الشرطة ذلك بأنّ جريمة الإتجار بالبشر تعني في غالبها بيع أعضاء البشر، وهذا ما تنفيه شرطة كسلا بشدة رغم الروايات السماعية الكثيفة التي تملأ شوارع المدينة.
تهريب أم إتجار؟!
لكن المعنيين بالمسائل الحقوقية والإنسانية يعتبرونها إتجاراً بالبشر، لأنّ المُهرب حالما قرّر وضع الشخص رهينة إلى حين استلام مبلغ يُحدِّده هو، فيعني ذلك أنه اشترى ثم باع.. أياً يكن، فالجريمة قائمة إن كانت إتجاراً أو تهريباً.. غير أنّ مجلس الوزراء السوداني في دراسة بعنوان (ظاهرة الإتجار بالبشر وتهريبهم) نشرت هذا العام، أشار صراحة إلى عمليات بيع الأعضاء وربط ذلك بالفقر والتدهور الاقتصادي، ما اعتبرته الدراسة تشويه سُمعة الدول، ولم تعتبر الدراسة أن جريمة الإتجار بالبشر جريمة حديثة، بل اعتبرتها امتداداً لتجارة الرقيق التي سَادَت العالم منذ القرن الخامس عشر الميلادي وحتى القرن التاسع عشر، مع وجود ما يفوق المائة مليون أفريقي تَمّ ترحيلهم وتهريبهم من أفريقيا إلى أوروبا.. لكن ذات الدراسة حمّلت صياغة بعض مواد قانون مكافحة الإتجار بالبشر لسنة 2014م، مسؤولية اللبس بين جريمتي (التهريب) و(الإتجار)، ووفقاً لدراسة مجلس الوزراء، فإنّ جملة بلاغات الإتجار بالبشر بلغت (46) بلاغاً خلال العامين 2014م و2015م، بلغ عدد الضحايا في هذه البلاغات (692).. وخلال الفترة من (2008م ? يونيو 2015م) بلغت جملة البلاغات (741).
تجارة جاذبة!!
وبالعودة إلى حَجم الجريمة بكسلا، في السابق كان الحَديث عن تَهريب وتجارة البشر يَرتبط بمجموعات سُكّانية بعينها، لكنّ مدير إدارة شرطة مباحث كسلا، يُؤكِّد أنّ هذا المجال من التجارة لم يعد قاصراً على مجموعات أو جنسيات بعينها ولا فئة عمرية بعينها، مضابط الشرطة رصدت مهرّبين وتجارا وسماسرة من عمر 18 ? 40 عاماً، بل حتى 60 عاماً، شباب وشيوخ يعملون في هذه التجارة، سودانيون وأجانب، رجال ونساء، وإن كان دور النساء عادةً وفقاً لمباحث كسلا، يقتصر على التحفظ على المُهربين داخل المنازل، ريثما يتم ترحيلهم أو ريثما يُسدِّد ذووهم المبالغ التي يطلبها المُهرِّب.
اتفاق ثم ابتزاز!!
حينما سألنا أرهيت عن كيف تم الاتفاق مع السمسار على السعر، قالت إنّ السعر المُتفق عليه قبل التحرك كان عبر صديقتها التي رتبت كل شيء، لكن يُمكن أن يصل السعر إلى الضعف وأكثر من الضعف أثناء الرحلة، ويلجأ السماسرة عادة إلى طرق الابتزاز، فالابتزاز يمثل أداة إضافية ترفع العائد الربحي من العملية. تحدث مضاعفة السعر في العادة عند منتصف الطريق أثناء عبور الصحاري، حتى لا يصبح أمام اللاجئ إلا الموافقة، وقد يتدرج الابتزاز إلى تهديد صريح، ولأجل هذا، ظلت أرهيت تنتظر لستة أيام في أحد المنازل التي يستخدمها المُهرِّبون داخل كسلا، وكانت الفتاة شَاهدةً على حادثة تهديد بالذبح، إذ كان السمسار لا يتوانى في تهديد أحد المُحتجزين بالذبح إذا لم يدفع المبلغ كاملاً، والمبلغ في الأصل زاد أضعافاً من الاتفاق الأول، لذلك يلجأ هؤلاء إلى الاتصال بذويهم لتحضير المَبلغ وتسليمه في نقطة ما، وحينما احتج أحدهم على أسلوب التهديد والابتزاز، ردّ عليه أحد السماسرة وهو ابن عمه كما تقول أرهيت: “أنا الذي أحضرتكم ومن حقي بيعكم أو حتى ذبحكم”!! وهنا في هذا المنزل، يتحوّل المشهد من اتفاق على تهريب إلى اختطاف ورهن وهو ما يُطلق عليه (إتجار)!!
دراسة حالة!!
السماسرة والتجار يدركون جيداً أن ذوي هؤلاء المُحتجزين سوف يضطرون إلى دفع المبلغ المطلوب، والتاجر قبل أن يدخل في اتفاقٍ بشأن أية عملية تهريب يكون قد درس جيداً الوضع الاقتصادي لذوي طالبي اللجوء وفي أية دولة يستقرون، إن كانوا في أستراليا، كندا أو النرويج وعلى هذا الأساس يصبح مطمئناً أن مبلغاً ضخماً سوف يصله لا محالة، ومن خلال بحثنا في هذا الملف توصلنا إلى حقيقة أخرى، أن ذوي هؤلاء الضحايا يدركون تماماً تفاصيل مثل هذه العمليات لأنهم مروا بذات الطريق، وعلى هذا الأساس، وقبل أن يتحوّل طَالب اللجوء إلى رهينة، يكون ذووه قد جهّزوا ورتّبوا أوضاعهم لدفع أية مبالغ يطلبها التاجر.. بل يخبرون أبناءهم أو إخوتهم، أنّ عليهم إلاّ التحرك والاتفاق، وبدورنا نحن مستعدون لدفع الأموال المطلوبة، لذلك ولغيره، تعتبر شرطة كسلا أن الضحية نفسه شريك في الجريمة.
في قائمة الانتظار!!
مكثت أرهيت بذلك المنزل، في انتظار أن يتم تدبير المبلغ بواسطة شقيقها الذي لم يكن يعلم أن شقيقته وصلت من أريتريا إلى السودان عبر التهريب إلاّ بعد الاتصال به بواسطة المُهرِّبين.. ظلّت الفتاة في الانتظار في أحد منازل كسلا، تذكر أنّ اسم صاحبه (عمار).. أثناء ذلك الانتظار، قادت الأقدار المُهرِّبين لحُضُور حفل على مقربة من البيت الذي وُضعت فيه أرهيت ورفيقها كرهينتين، خلال هذا الوقت القصير، انكشف أمر ذاك البيت، السابعة مساءً داهمت الشرطة المنزل، لكن أرهيت كانت تظن أن مُهرِّبيها باعوها لآخرين، فلم تكن مُطمئنة حتى أن وصلت قسم الشرطة، تقول أرهيت مُبتسمة: “حينما رأيت قسم الشرطة اطمأنيت”.
تحرير رهائن!!
يقول مدير إدارة شرطة مباحث كسلا، إنّ الشرطة حرّرت أكثر من (200) رهينة منذ 2015 – 2016م، وطبقاً لذلك، أفادنا مدير شرطة ولاية كسلا اللواء يحيى الهادي، أن مستوى الجريمة انخفض في الولاية وانخفضت بلاغات تهريب البشر إلى 50%، وحينما سألناه عن الأسباب، قال: دوريات النجدة تغطي (12) موقعاً بالإضافة إلى ما تقوم به الشرطة من توعية مُجتمعية، ووفقاً للواء يحيى، فإنّ الشرطة استهدفت المُجتمع لأنّ الجريمة تتم وسطه وتتم عمليات التخفي داخل الأحياء، هذا عطفاً على إنشاء محكمة خَاصّة بقضايا التهريب.. لكن السؤال، هل انحسار البلاغات يعني بالضرورة انحسار الجريمة؟ يواصل العقيد عوض المفتاح حديثه، ويقول: 95% من البلاغات تحوّلت إلى المحاكم والـ 5% قيد التحري.
عَرضٌ مُغرٍ!!
يقول أحد سائقي سيارات الأجرة في مدينة كسلا، إنّ عرضاً وصله من أحد السماسرة الذين يعملون في تهريب البشر، إن قبله فسوف يكسب نحو (5.000) جنيه يومياً نظير عمليات ترحيل فقط، فكيف مع هذا الإغراء والأموال المتدفقة في ظل وجود بطالة وفقر وتدهور اقتصادي يُمكن أن تنحسر هذه التجارة، التي أقرّت مباحث كسلا برواجها وجاذبيتها للآلاف من الشباب والشيوخ والنساء؟.. عن خبايا هذا العالم، يقول مدير إدارة شرطة مباحث كسلا إنّ المُتعاملين في سوق تهريب البشر يطلقون على هذه التجارة اسم (كوسوفو)، ويطلقون على البضاعة (البشر) اسم (كرتونة).. اللافت أنّ التاجر أو السمسار الذي يعمل في تهريب البشر لديه منطقه الذي لا يرى من خلاله أنّه ارتكب جريمة، فهو لا يراها جريمة بقدر ما يعتبرها خدمةً يُقدِّمها التاجر مُقابل مال مُتفق عليه يدفع طالب اللجوء، فطالما أنّ الطرفين راضيان فأين الجريمة؟؟ هذا منطق التجار!!
لاجئون أطفال!!
انتقلت أرهيت سعيد بعد إجراءات الفحص الأمني والقانوني لتستقر في معسكرات الشجراب كواحدة من الآلاف الذين يقطنون المعسكر، حيث يضم معسكر الشجراب مركزاً للقُصر وهو المركز الخاص بالأطفال دون سن (18) عاماً، تعيش أرهيت مع (175) طفلاً وطفلة، يقول عبد العزيز إسماعيل مدير مركز القُصر بمعسكر الشجراب، إنّ المركز يستقبل نحو 144 طفلاً شهرياً تتراوح فئاتهم العمرية ما بين (10 – 17) عاماً، ويواصل عبد العزيز: 90% من الأطفال ليست لديهم أسباب موضوعية للجوء، ومن خلال جولتنا داخل مركز القُصر يتضح ذلك، وكأنّهم يعتبرونها مجرد رحلة، كان ذلك بائناً في الروح النشطة التي تعم المركز، لكن، كيف لطفلة أو طفل يتخذ قراراً بالهروب من منزله، بل من موطنه.
ليديا (17) عاماً التقيناها في مركز القُصر، قدمت من أريتريا ومكثت في المعسكر نحو (3) سنوات، كانت تعيش مع جدتها، لكن قرّرت الهروب بعدما أصبحت الجدة كبيرة في السن وفي حاجة إلى من يخدمها ليلاً ونهاراً، وهو الأمر الذي لم تتحمّله الصغيرة فقرّرت المغادرة، وعلى النقيض تماماً مما تعرّضت له زميلتها أرهيت، فكانت ليديا محظوظة كما تقول، فهي لم تتعرض لأية مخاطر في الطريق، تحركت من (كرن) حتى (قلسا) الحدودية بأمان، ثم وصلت ليديا إلى المعسكر لتنضم إلى المئات الذين يعيشون في مركز القُصر وهي تحلم بالسفر إلى النرويج لتلحق بأبيها.
إذا أعدنا النظر مرتين وثلاثاً حول الأرقام المهوولة من اللاجئين والتي تدخل إلى المعسكر بشكل يومي إن كان عبر النقاط الرسمية أو التهريب وقارناها مع أعداد اللاجئين الموجودين في المعسكر، فهناك فارق لافت جداً في الأرقام هناك مئات مفقودة، أين تذهب؟، يقول المدير المكلف لمعسكر الشجراب عبد المنعم عثمان، إنّ حالات الهروب من المعسكر تحدث بشكل يومي، فكيف يحدث الهروب أو التهريب من المعسكر رغم مظاهر التأمين الشديدة التي لازمتنا منذ دخولنا المعسكر حتى خروجنا منه؟!.

التيار

تعليق واحد

  1. هم الاثيوبين نفسهم عندما يقدمون اللجوء السياسي يقولون ضباط سودانين وفيهم من مارس الرزيله ومنهم من دفع واتخارج ومنهم من لا شيء يباع للرشايدة ويجزر وتباع الكلي في منظمات حقوقية أجرت مؤخرا وأرسلت ناس في شكل هجرة سريه واحكمة القبضه علي فيديوهات كبيرة وخطيرة ومنهم ضباط كبار هم سبب التهريب الي أوربا والملف تحت لجنه أوربية في. تحقيق وكمين محاكم كبيره نفس محكمة العدل الدولية تطال الضباط للاتجار بالبشر

  2. هم الاثيوبين نفسهم عندما يقدمون اللجوء السياسي يقولون ضباط سودانين وفيهم من مارس الرزيله ومنهم من دفع واتخارج ومنهم من لا شيء يباع للرشايدة ويجزر وتباع الكلي في منظمات حقوقية أجرت مؤخرا وأرسلت ناس في شكل هجرة سريه واحكمة القبضه علي فيديوهات كبيرة وخطيرة ومنهم ضباط كبار هم سبب التهريب الي أوربا والملف تحت لجنه أوربية في. تحقيق وكمين محاكم كبيره نفس محكمة العدل الدولية تطال الضباط للاتجار بالبشر

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..