مقالات وآراء

إبتلاء بلهاء الفضاء

أبوذر بابكر

في كل حين وآن ، ومع مشرق شمس كل يوم جديد وعند غروبها ، تتجسد مقولة الإيطالي الحانق عن حق ، امبرتو ايكو ، في شأن من أصبح فضاء الأسافير اللامتناهي ، وأرض الوسائط الجديدة المستحدثة ، مطية سهلة القياد ومقعدا وثيرا ينشرون فيه ومنه وعبره ما يعن في أخيلتهم وما يعتمل في دواخلهم من كل شيئ وأي شيء ، وهم يحسبون أنهم يكتبون ويتكلمون ويبدعون.

قال امبرتو ايكو:
(إن أدوات مثل توينر وفيسبوك «تمنح حق الكلام لفيالق من الحمقى ، ممن كانوا يتكلمون في البارات فقط بعد تناول كأس من النبيذ ، دون أن يتسببوا بأي ضرر للمجتمع ، وكان يتم إسكاتهم فوراً . أما الآن فلهم الحق بالكلام مثلهم مثل من يحمل جائزة نوبل. إنه غزو البلهاء) .

-نهاية الإقتباس-

ونضيف على قول الإيطالي الحانق ، أن الضرر الآن اصبح وأضحى وأمسى كبيرا ، مع تفتح ظاهرة ما يسمونه الآن ب “اللايف” وهو نكبة وإبتلاء بلى بها خلق الله من أشخاص هم بمثل ما وصفهم به امبرتو ايكو ، وأكثر ، فكل واحد منهم يحسب أنه خطيب زمانه وصنهاجته، وهو لا يعرف ولا يقدر ولا يستطيع تركيب جملة واحدة بشكلها الصحيح ، ناهيك عن أن يصيغ مادة أو موضوعا شاملا وكاملا ، أو أن يوصل معنى أو فكرة ، إن هي إلا محض “ونسة” والسلام ، هذا إن اختار ذلك الشخص أن يتحدث بلغة فصيحة ، أما إن كان يستخدم دارجية القوم ، فتلك هي ثالثة الأثافي ، حيث الركاكة والفجاجة والسطحية وأهلها أجمعين ، وفي كل هذا لا لوم عليهم ولا عتاب ، إنما اللوم يقع على من اخترع وابتكر وفكر وابدع هذه الوسائط الجديدة ، وما درى بأنها ستكون وبالا على العالمين.

أما الأسوأ والأشد إيلاما أكثر من ذلك كله ، فهو تبرع بعضهم طوعا وإختيارا بنقل تلك السذاجة والخواء ، يستوي في ذلك ما هو مصورا منها وما هو مكتوب ، من حيث تم بثها ونشرها إبتداءا ، ليقوم ب “إعادة تدويرها” وإغراق أماكن وسوحا أخرى ، والأمثلة عديدة ، لا ذنب لها سوى أنها ايضا متاحة لكل من شاء وأراد أن ينشر ويعيد ، وبهذا يتضاعف الضرر ويتمدد الأذى وينتشر البلاء.
ولا نملك سوى أن ندعو ونقول ، اللهم لا نسألك حجب الفضاء ، ولكن نسألك اللطف فيه.

 

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..