مقالات سياسية
الذكري الـ(٣٤) عام علي اعدام مجدي: طلب كوبا من الشاي رشفه ..وأعدم!!

الذكري ال(٣٤) عام علي اعدام مجدي: طلب كوبا من الشاي رشفه ..وأعدم!!
بعد غد الثلاثاء ١٩/ ديسمبر الحالي ، تمر الذكرى الرابعة والثلاثين علي إعدام الطالب مجدي ابن رجل الأعمال المعروف المرحوم محجوب محمد أحمد ، افتح اليوم مجددآ وكعادتي كل عام كلما حلت المناسبة ملف اعدامه ونشر تفاصيلها حبا في ان تبقي قصته الدامية دومآ في خاطرة الملايين، وتأكيدا وإصرارا علي ان هذا الملف مازال مفتوحا الي يوم القصاص والعقاب من القتلة السفلة الذين ما اعدموه الا حبآ في سلب ونهب تركة الراحل محجوب..ساقوم بنشر تفاصيل الحادثة في سطور مرقمة بدآ من يوم وصل الراحل مجدي من لندن، الي المحاكمة وتنفيذ حكم الاعدام، وتدخل السلطات الأمنية في اقامة عزاء في منزل الراحل. مـدخل (١):- كان هناك مبلغاً من المال لم يتقاسمه (الورثة) من أبناء وبنات الرجل العاصمي، الميكنيكي رجل الأعمال محجوب محمد أحمد، لأنهم ليسوا في حاجة إليه الآن على أقل تقدير، ولا أحد يعرف مكان المفتاح الخاص بخزانة والدهم، إلى ما قبل اسبوع من الفاجعة التي ألمت بالأسرة، وقد كان معظم الذين شاركوا أيام العزاء عام ١٩٨٧ خارج البلاد في مهاجرهم وأماكن عملهم بالغربة، والحياة تسير سيرها الطبيعي ولأنها لن تقف لموت أحد أو لحياته، الشيء الوحيد الذي تغير وأثّر على البلاد برمتها هو ان هناك حكماً ونظاماً جديدين وصلا إلى السلطة وسمّوا أنفسهم (ثورة الإنقاذ الوطني) ، وأن البلاد تعيش حظر تجوال مسحوبة بالاعتقالات بلا تهم!!، طالت قائمة الممنوعات بالنسبة للمواطنين، وكثرت الاعتقالات السياسية والكيدية للمعارضين، وظهرت على شاشات التليفزيون الحكومي أشكال وأسماء من البشر لم يرها أو يسمع بها أحد من قبل، لدرجة انها لفتت انظار الكثيرين ، كانوا يرتدون زي القوات المسلحة، ويتحدثون بلسانها، حتى كشفت الأيام، وعاديات الليالي، أنهم رجال (حزب الجبهة الإسلامية القومية) بزعامة الشيخ الدكتور حسن عبدالله الترابي وعسكريون و مدنيون من أتباعه ، والكل يحمل السلاح الناري وتصريح بالقتل، انطلقوا بعد يوم ٣٠/ يونيو ١٩٨٩ في شوارع الخرطوم، وبين جسورها الثلاث على النيل، والنيل الأزرق، النيل الأبيض من أجل بسط قبضتهم على المدينة الوادعة، وأهلها الطيبين، ومرافقها الإستراتيجية. تمت السيطرة على قيادة الجيش، والإذاعة العامة والتليفزيون الحكومي، ً وشيئا ً فشيئا انتشرت كوادرهم كالسرطان على كل مدن السودان، بحيلة بسيطة صدقها الناس، وبكل أسف صدقها الجيش السوداني، وهي انهم فعلوا ذلك باسم قيادة القوات المسلحة، لم يجدوا أي مقاومة شعبية لذلك احكموا قبضتهم على رقاب الناس، وتمت أكبر عملية طرد لمعظم موظفي الخدمة المدنية والقوات النظامية والمؤسسات العامة، وإحلال الكوادر الموالية لهم مكانه المفصولين ، وكانت أكبر عملية طرد شهدها الوطن بكل ذل ومهانة وتجويع عن قصد، وبعدها وضحت الرؤيا وإنهم أعضاء (الجبهة القومية الإسلامية ) التي يرعاها حسن الترابي هذه الشخصية التي كانت مثيرة للجدل داخلياً، وخارجياً ، وسرعان ما إنطلقوا أعضاء هذا التنظيم كالوحوش التي فلتت من محابسها يعيثون فسادا في كل أنحاء البلاد. (أدوات) من أحياء فقيرة، وأسماء مغمورة، جمعها هذا الداهية السياسي الترابي، أدوات وقطع شطرنج، لتنفيذ مخطط حزبه، بعد أن كفر الديمقراطية، وذهب هو مع المعتقلين السياسيين إلى سجن كوبر الشهير، في عملية تمويه وذر الرمد في عيون الناس، بهدف إنه إذا ما فشل حركتهم يكون هو منها براء!!، زعيم الحزب الشيوعي السوداني الراحل/ محمد إبراهيم نقد قال له بعد عدة أيام من قيام الحركة وهما بالمعتقل “كفاية يا شيخ حسن لقد جملتنا بما فيه الكفاية، شكر الله سعيك اذهب وأخرج إلى اصحابك لأنهم في إنتظارك”!!، ولو تتبعنا ما حدثً لاحقاً بعد خروج الترابي من كوبر لما أكفانا هذا المقال من ذكر الحقائق ، وحتى لا ننصرف عن هدفنا في موضوع قضية مجدي محجوب محمد أحمد، وغيره من بعض المظاليم. كل الحقائق ً تقريبا معروفة حتى خلافاتهم حول السلطة وإنشقاقهم الشهير رغم محاولات تجميل الوجه القبيح، قالوا يومها انهم اتوا من أجل إقامة الدين وارساء اسس والعدالة، بدأوا في إصدار قوانين لا تعرف دين ولا عدل، حيث صرح العميد حقوقي والمستشار القانوني لمجلس قيادة الإنقلاب أحمد محمود حسن ” ان القوانين الخاصة بمحاكم أمن الثورة هدفها تأمين الثورة من النواحي الإقتصادية والنفسية والإجتماعية ، لتحقيق الأرضية الصالحة للتنمية والإستقرار، والاستثمار والأمن الغذائي ، وأن قضايا الأمن والإستقرار لا تتم إلاّ في ظل تشريعات حاسمة تنفذ وتطبق عبر محاكم عادلة وسريعة الإنجاز“، وكان هناك أيضا تصريح أخر طريف تناقله الناس عن العقيد بحري ( وقتها ) صلاح الدين محمد أحمد كرار، عضو مجلس الثورة، ورئيس اللجنة الإقتصادية الذي قال ” لو لم نأت سريعاً، لوصل سعر الدولار إلى عشرين جنيها “.. وكان سعر الصرف وقتها حوالي إثنا عشر جنيها. في أكتوبر ١٩٨٩صرح جلال علي لطفي رئيس القضاء ورئيس المحكمة الدستورية وقتها ” المطلوب من محاكم أمن الثورة، هو اجتثاث الفساد الذي استشرى في البلاد، ومعاقبة المجرمين والفاسدين، وكل من يهدد أمن البلاد، واقتصادها “، وأشار إلى انه بحث مع القضاة بعض جوانب القانون فيما يختص بأحكام الإعدام، وعرضها على رئيس المحكمة العليا وفق قانون الإجراءات، أن يطبق قانون الإجراءات الجنائية في وجود المتهم بالسجن، إلى أن يؤيد الحكم أو يُعدّل!، بعدها إنطلقت الكوادر المسعورة من عقالها، خاصة العقائديين منهم الذين كانوا يسيطرون على أجهزة الأمن والاستخبارات العسكرية والشرطة يبحثون عن الضحايا وعن الغنائم من أموال الناس الغلابة وممتلكاتهم ، وبدأت المأساة الدامية تطل برأسها حيث ظهرت بيوت الأشباح التي كانت جاهزة لاستقبال الضحايا الابرياء ، وُأعدّت مراكز الإعتقال في مباني جهاز الأمن للترحيب بالقادمين من صنف وجنس، بل حتى بعض أقسام الشرطة كان لها دور كبير في ذلك ، وغطى نشاط محاكم أمن الثورة العاصمة المثلثة وكان يمثل الإتهام الكوادر النشطة في هذا الجرم العقائدي بإيحاء ودعم من السلطة القابضة على زمام الأمور في البلد الذين اجتهدوا في الوصول إلى أماكن المال، وكأن الاقتصاد مهم جدا بالنسبة للدولة تفتيش جيوب المواطنين. المدخل (٢):- طالعتنا جريدة ( السودان الحديث ) ، في العدد (٣٦) بتاريخ ١١/ أكتوبر ١٩٨٩ وفي صدر صفحاتها الأولى، مانشيتات حمراء على النحو التالي:القبض على أخطر تاجر للعملة ، بالعاصمة القومية . ضبط مبالغ كبيرة من مختلف العملات بحوزة المتهم ، المتهم يدير شبكة للاتجار فى العملة، د اخلياً وخارجياً . فحوى الخبر : ألقت الجهات المعنية القبض على أكبر تجار العملة بالعاصمة القومية، ويدعى محمد حسن علي ، الشهير بالريس ، بالقرب من مكاتب جريدة السياسة، بشارع البلدية . وقال العقيد سيف الدين ميرغني / رئيس لجنة متابعة قرارات اللجنة الإقتصادية أنه قد وجد بحوزة المتهم (٥١١) ريال سعودي، (١٤٠،٢٠٠) ألف جنيه مصري ، ألف ليرة لبنانية، مائة درهم أماراتي، (٢٣٠) ريال قطري، (٢٨٢) دولار أمريكي، خمسمائة دولار بشيك سياحي، وأن المتهم يعتبر من أخطر تجار العملة ، ويدير أكبر شبكة للاتجار بالعملة داخل وخارج البلاد وله عملاء بالداخل والخارج، تم فتح عدة بلاغات ضده ، المتهم كان معوّق ويتنقل بعربة خاصة بالمعاقين، وبعدها بدأ المسلسل الدامي، وكرّت مسبحة الخوف والإرهاب، الذي جعل الجيوب ترتجف قبل القلوب أحياناً، خوفاً على ما تملك، وكانت كل هذه المبالغ المصادرة لا تسوى ً شيئ مما نهب في تلك الأيام المظلمة وعلى مدى سنوات طويلة فيما بعد. المدخل (٣)- العيون تتلصص، والآذان تُرهف السمع، والتقارير تدبج وبسوء نية ضد الخصوم، والأيام تدور دورتها ببطء والهواء ثقيل على التنفس، وهناك في حي الخرطوم (٢) الراقي، والشهير بمنازلة الفخمة والأنيقة، في أحد تلك المنازل كان ( مجدي ) وسط أسرته، يعمل معهم للمحافظة على ثروة أبيه، وإدارة املاكهم الواسعة، لا يهتم بما يدور حوله من أحداث، إلاّ ما يشغل بال وهم المواطن العادي من أخبار عن الحكام الجدد، وحكاياتهم وأصلهم وأصولهم، ومن انهم أتباع ( الجبهة الإسلامية القومية ). وبدأت التعمية ، والتمويه مرة أخرى ، بدأت محكمة خاصة في محاكمة أحد كوادرهم النشطة وقتها الدكتور مجذوب الخليفة أحمد حاكم الأقليم الشمالي سابقاً إبان حكومة الصادق المهدي وحاكم الخرطوم في عهد الإنقاذ الوطني، حوكم معه ثلاثة متهمين آخرين هم : عبدالقيوم إبراهيم مدير مكتب المتابعة للإقليم الشمالي بالخرطوم، وشريف سعيد صالح مدير شركة الشمال، والدكتور حاج الطيب الطاهر مفوض عام الإغاثة، بتهمة بيع لبن إغاثة في أكياس خُصص إبان كوارث السيول والفيضانات عام ١٩٨٨. تم الإفراج عن المتهمين الأول والثاني بضمانة مالية . وفي جلسة المحكمة بتاريخ ١٢/ أكتوبر ١٩٨٩ والتي كان يرأسها العقيد أ . ح ./ محمد بشير سليمان ترقى فيما بعد ذلك وأصبح قائداً للكلية الحربية، ومديراً للتوجيه المعنوي للقوات المسلحة، نائب رئيس أركان القوات المسلحة، الناطق الرسمي بإسمها، (ورد اسمه في محاولات قامت بها حزب المؤتمر الشعبي ضد النظام وتم إعفاؤه)، تمت أيامها تبرئة المتهمين الأربعة في قضية بيع لبن الإغاثة، وقالت المحكمة أن الأتهام فشل في إثبات التهم الموجهة للمتهمين، رئيس لجنة التحقيق والاتهام كان المقدم شرطة /النور كومي الذي شغل بعدها منصب المحافظ بإحدى محافظات غرب السودان. كانت مسرحية سيئة الإخراج بدرجة تحت الصفر لإخفاء الهوية والقول أنهم طلاب عدل ، المضحك حتى البكاء أنه في تلك الأيام تم إعفاء اللواء/ بكري المك موسى حاكم الإقليم الشرقي من منصبه في منتصف أكتوبر١٩٨٩ لسوء التصرفات المالية لأنه قام بعملية صيانة لمنزله ومكتبه، وتم بعدها تعيين اللواء/ يوسف بشير سراج بعد إعادته للخدمة بدلاً من بكري موسي. مـدخل (٤):- قبل أن نأتي على ذكر تلك الليلة، والخرطوم تتنفسها بدايات الشتاء برياح خفيفة باردة نوعاً ما في نوفمبر ١٩٨٩ بعد أشهر قليلة من بدايات الإنقلاب ، والشوارع خفيفة الحركة مساءاً من الناس، والسيارات تتسابق خوفاً من أن يدركها وقت حظر التجوال . نقفز قليلاً على أحداث ذلك اليوم والذي شهد مذبح وبداية إنهيار الأخلاق والقيم العدلية في هذا الوطن، مواطنان سودانيان ساقهما حظهما العاثر إلى العودة للبلاد بعد طول إغتراب لأكثر من خمسة عشر عاما في المملكة العربية السعودية، جمعا حصاد السنين الذي دفعا ثمنه من الصحة وتقدم العمر الذي جاوز الخمسين عاماً لكل منهما، الأول لديه ثمانون ألف ريال سعودي، ولدى الثاني سبعون ألفا من نفس الريالات، ولكل منهما سيارة نصف نقل، عليها الأمتعة والهدايا للأهل والأصدقاء. اكملا إجراءات التخليص الجمركي بميناء بورتسودان، وواصلا الرحلة إلى الخرطوم، ثم أم درمان، ثم إلى منزليهما المتجاورين في ضاحية امبدة غرب أم درمان، وعند إحدى نقاط التفتيش الكثيرة في تلك الأيام، تم إنزال الأمتعة، وتم العثور على مبلغ مائة وخمسون ألفاً من الريالات السعودية، سال اللعاب، وجحظت الأعين الأمنية، وتدلّهت الشفاه الشرهه، تتلمظ قبل الإتهام وسرعان ما بدأت الإجراءات ضدهما في المحكمة الخاصة بأم درمان(دار حزب الأمة) وقتها ، وتم الحكم عليهما بالسجن عشر سنوات. توفي الأول داخل سجن كوبر بعد أن داهمته نوبة مرض السكري، وتم إطلاق سراح الثاني نسبة لكبر سنه، بعد زيارة العقيد الليبي معمر القذافي الشهيرة للسجن، ومسرحية هدم حائط السجن الشمالي . بعد مرور اربعة سنوات خرج الثاني خاوي الوفاض من متاع الدنيا، بعد سنين غربته بالسعودية، وهي سنوات طويلة، وبعد سجنه سنوات عدتها الأطول رغم قصرها داخل سجون وطنه وظل يبحث عن حصاد سنينه ، بالإطلاع على اوراق قضيته وجد حكماً بالسجن فقط ولم نجد حكماً بمصادرة المبلغ الذي لا يعرف مكانه إلا الله تعالي، عمل الرجل الثاني في إصلاح الساعات بأحد اسواق ضواحي مدينة أم درمان، بعد أن كان ملء السمع والبصر في غربته بقصر أحد الأمراء السعوديين ومثالاً للأمانة والثقة لديهم ، ولكن حكام السودان الجدد وقتها والذين أتوا كما قالوا لتطبيق شرع الله على عباده نهبوا حصاد سنين الغربية. مـدخل (٥):- عودة إلى تلك الليلة، من نوفمبر عام ١٩٨٩ وبدايتها في منزل المرحوم /مجدي محجوب محمد أحمد، ففي حوالي الساعة الرابعة والنصف عصراً وبعد تناوله طعام الغداء مع اسرته ونال قسطاً قليلاً من الراحة، ارتدى ملابس الرياضة، وحمل مضرب الأسكواش، ونزل من غرفته متجهاً إلى حديقة المنزل حيث سيارته استعداداً للذهاب إلى النادي العربي الذي يقع على مبعدة من منزلهم بعدة شوارع تجاه طريق المطار، لحقت به والدته وشقيقته وإحدى القريبات من نساء الأسرة، طالبات منه أن يوصلها إلى بيت عزاء إحدى القريبات بإمتداد العمارات، شارع(٢١)، على أن يعود لإرجاعهم عند مغيب الشمس، امتثل كعادته للأمر من والدته ، وقام بإجراء الواجب نحوهن، وسار لمقر النادي لممارسة هوايته المحببة في هذه اللعبة مع بعض الأصدقاء، وهو لا يدري أن شارع منزلهم ومنزلهم ايضا كان خاضعا لمراقبة مشددة من أجهزة الأمن منذ الصباح الباكر، وأن لعبة (الروليت) القاتلة التي يديرها النظام قد بأت أوكل امرها للعقيد/ صلاح الدين محمد أحمد كرار،عضو مجلس الثورة وبعضاً من مساعديه قد وقع اختيارهم علي الطالب/ مجدي. قضى مجدي فترة العصر لعباً وركضاً في الملعب مع شلة من الأصدقاء، وكان مرحاً كعادته ونشطاً ، وعند المغيب وقبله بقليل ودع اصدقائه بنفس الروح واتجه إلى سيارته ومن ثم إلى منزله ليغتسل من آثار اللعب وليؤدي فريضة المغرب ويسارع بعدها إلى والدته وقريباته شارع (٢١) العمارات لإرجاعهم إلى المنزل كما وعد ، سمع، وهو يستعد للخروج من باب المنزل الداخلي إلى الباب الرئيسي طرقاً ً عنيفا على الباب الداخلي، وصوت أقدام تركض في ممر الحديقة الأمامية، وفجأة فُتح الباب بعنف، وأقتحم المنزل عدد من الشبان يرتدون ملابس إعتيادية، ولكنهم يحملون اسلحة خفيفة في ايديهم، وصاح أحدهم “أنت مجدي محجوب؟” فأجابه بهدوء رغم وقع المفاجأة والدهشة ” نعم “،.فرد نفس الشخص الذي خاطبه أولاً ” نريد أن نفتش المنزل “!. وقبل أن يفتشوا كان لابد أن يظهروا أمر بالتفتيش من أي سلطة جاء قرار التفتيش؟!! ولكنهم تجاهلوه وبدأوا في التفتيش قلب البيت رأسا علي عقب، كل هذا تم وهو محاط بإحكام من قبل ثلاثة من هؤلاء الغرباء. التفت إلى أقربهم طالباً منه تفسير لما يحدث، فرد عليه قا ئلاً :إن هناك معلومات اكيدة تقول أنك تاجر عملة، إبتسم مجدي رغم سخافة الموقف، وخرج أحدهم من غرفته وهو يحمل مبلغاً من المال بالعملة المحلية كانت حوالى (ثمانين ألفاً من الجنيهات السودانية) وهو مبلغ محترم جد اًفي تلك الأيام، واتجه نحوه فاردا يده بحزمة المال وقال بغضب” ده شنو ده ؟!! ”، وأيضاً رغم سخافة السؤال وسائله أجاب بهدوء “أنها فلوس مصاريف المنزل”، وتطاير الشرر من الأعين، والغيظ المكتوم من الغرباء، وواصلت المجموعة تفتيشها للمنزل ، التي تجعل الأشياء عاليها سافلها، وبعد فترة علت صيحة إنتصار من فم أحدهم، وهو ينظر في جدار الصالة الداخلي وكان مصنوعاً من الخشب الجيد مما ينم عن ذوق وثراء أصحاب المنزل، صاح رجل الأمن بعد أن بدت فتحه صغيره، ظنها للوهلة الأولى أنها لباب خاص، وبالتدقيق النظري عرف انها فتحه لمساحة صغيرة في أسفل جدار الصالة، عاد مسرعاً لقائد القوة المكلفة بالتفتيش وهمس في أذنه وذهب معه ليريه مكان الفتحة، تبادلا نظرات تنبئ عن قرب انتصارهم على فريستهم ، تقدم نحومجدي وحتى قبل أن يسألوه قال هو أن وراء جدار الصالة الخشبي توجد الخزانة الخاصة بأوراق وأموال المرحوم والده ، وهي لم تفتح منذ وفاة والده قبل ثلاث سنوات، لأن الأموال التي بداخلها هي أموال ورثة، وانه في انتظار بقية إخوته من خارج البلاد، ليتم حصرها، فغر قائد القوة المكلفة فمه بعناء وغباء، رغم اقتناعه بحسن المنطق، ولكن تلك النظرات المتبادلة بين أفراده أعادته مرة أخرى إلى منطقه الحقيقي فصاح ” أين المفتاح؟ “.. رد مجدي ” المفتاح كان مفقودا وانا وجدته قبل أسبوع واحد ً تقريبا ”، أتجه مجي نحو طاولة في وسط الصالة ليخرج المفتاح من أحد الأدراج، وفجأة كعادة التيار الكهربائي وتذبذبه في تلك الأيام السوداء، إنقطع التيار عن المنزل والمنطقة ،وأخذت القوة المكلفة تتصايح طالبة فتح الأبواب والنوافذ، وإحضار شمعة، وإحضار مفتاح الخزانة، وكل هذا ومجدي يقف وسطهم بهدوئه المعهود، ولانه صاحب المنزل ويعرف أماكن الأشياء بداره، حتى في أحلك ساعات الظلام.أحضر مفتاح الخزانة من مكانه، وعدد من الشموع، وعلبة ثقاب صغيرة. أشعل الشموع وثبتها على أطراف الصالة، وسرعان ما أضاءت المكان نوعاً ما وأدخل المفتاح في خزانة والده وبعد عدةمحاولات لم تفتح، إذ أن المفتاح علاه الصدأ كل هذه الثلاث سنوات لعدم الإستعمال وكانوا هم شهودًا على ذلك،وطلب من أحدهم أن يحضر ً زيتا من عربته التي بالخارج، وسارع هذا ( الأحدهم)، وأحضر علبة الزيت وصبّ مجدي قليلاً من الزيت على المفتاح .. وبعد عدة محاولات قليلة فتحت الخزنة، وتطلعوا ينظرون إليها بنهم، وشغف إنتصار، ولحظتها حتى مجدي لم يكن يعرف ما بداخلها، ولا أخوته ولا حتى والدته لأن الجميع متفقون على عدم فتحها لحين عودة بقية الأشقاء من الخارج ولكنها فتحت في تلك الليلة الباردة و الحالكة السواد علي الأسرة. مد قائد القوة يده داخل الخزانة بعد أن شددت الرقابة اللصيقة على مجدي وأخرج أور اقاً بها معاملات تجارية، نظر فيها قليلاً وألقاها بالداخل مسرعاً، وبدأ في إخراج الأموال التي بداخل الخزانة وتكويمها على الأرض ، وعلى ضوء الشموع الذي يتراقص ويلقي بظلال كئيبة على المكان بدأ أحد أفراد القوة في حصر لغنائم :-(١١٥) ألف دولار أمريكي، (٤) ألف ريال سعودي،(٢) ألف جنيه مصري، (١١) ألف بـُر أثيوبي، (٧٥٠) ألف جنيه سوداني، أمر قائد القوة بإحضار(جوال ) تم فيه حشر الأموال بداخله ، حمله أحدهم على ظهره، بينما قاد اثنان منهما بصورة مهينة من يد ، كان القائد في المقدمة واثنتان يسيران خلفه، القوة كانت مدججة بالسلاح ، أما مجدي ما كان يحمل إلا إيمانه بربه واستسلامه لقدره ومصيره، إنطلقت السيارات إلى شارع (1) بحي العمارات وهناك توقف الموكب (الظافر) أمام مركز الشرطة بذلك الشارع. مـدخل (٦):- اقتربت الساعة من التاسعة مساء ولم يحضر مجدي للمنزل وليست هذه من عاداته التاخير، وقلب الأم دليلها لابد أن هناك ً شيئاً ما قد حدث!! همست الأم اضطرب قلبها، وطلبت من الإبنة وإحدى القريبات ضرورة الرجوع إلى المنزل، ركبن عربة تاكسي من شارع (٢١) بحي العمارات مكان العزاء، وكان زوج إحدى بناتها وجارهم وصديقهم السيد عبدالغني غندور يقفان أمام باب المنزل الخارجي، يتهامسان ، نزلت الأم مسرعة تجاههما تسأل ماذا هناك وأين مجدي ؟!!، أخبرها أحدهما بألم أن رجال الأمن حضروا للمنزلوأخذوا مجدي معهم بعد أن فتشوا المنزل ووجدوا عنده دولارات. وكانت ليلة لم يطرف فيها جفن ولم تغمض فيها عين، خاصة بعد أن أذاع التليفزيون خبر القبض على مجدي في نفس الليلة، حاول البعض تهدئة الوالدة بأن القضية تتولاها الشرطة في مركزها بشارع (١) ، وإنها إجراءات بسيطة وستظهر براءته، لم يكن أهل البيت يعرفون أن الشرطة أصبحت جزءا في لعبة “الروليت”. مر عليه نهار الجمعة التالي لليلة القبض مباشرة، بعد أن أحضر له زوج شقيقته بعض الملابس، ليغير ملابسه وفي صباح السبت وحوالي الساعة العاشرة صباحاً سمحوا له بزيارة منزله تحت حراسة مشددة، ليغسل جسده المنهك ويتناول بعض الطعام ويطمئن والدته وإخوته، وتم إرجاعه بعد ذلك مباشرة وأودع بحراسة مركز الشرطة مره أخرى سريعاً وبعد إجراءات التحري تم تحويله إلى سجن كوبر الشهير. مـدخل (٧):- الأم وقلبها، وكأي أم منذ أن خلق الله الرحمة، صارت تتحرك في جميع الإتجاهات، وتطرق جميع الأبواب، حتى المستحيل منها من أجل إنقاذ إبنها مجدي، وكذلك تحرك الأخوة والأخوات والأصدقاء والمعارف، وفي نهاية نفس الأسبوع الخميس الإسبوع الثاني من نوفمبر ١٩٨٩حضرت إلى منزل الأسرة بالخرطوم (٢) سيارة بوكس من نوع تويوتا بها بعض رجال الأمن ونزل منها شخص يبدو انه مسئول يتبعه فرد آخر مسلّح وضغط على جرس الباب الداخلي وتجمع أفراد الأسرة حوله بسرعة البرق بسبب توتر أعصابهم، وبعد تحية مقتضبة أخبرهم أن يوم غد الجمعة الساعة الثانية عشر ستتم محاكمة مجدي بحديقة السيد/ علي الميرغني (وهي كائنة بشارع النيل، كانت قد تمت مصادرتها أيام الإنقلاب وهي تخص طائفة الختمية وزعيمها محمد عثمان الميرغني)، وكان قد تم تحويل مبانيها إلى قاعات لمحاكم ما يسمى بأمن الثورة . أخبره أحد افراد الأسرة، وهو يبدي الدهشة، بأن هذا الوقت هو وقت أداء صلاة الجمعة، وكيف سيتم الإتصال بمحامي للدفاع عن مجدي، وكعادته ابتسم هذا الشخص ونظر إليهم هازئاً وهي نظرات يجيدها هؤلاء القوم و ابتسامات صفراء كأنهم ولدوا بها. مـدخل (٨):- بدأت تحركات الأسرة للإتصال بالمحامي الذي سيدافع عنه، شكلاً، إذ أنه في مثل هذا النوع من المحاكم العسكرية ( محاكم أمن الثورة ) لا يحق لمحامي مخاطبة المحكمة مباشرة، بل عليه أن يتشاور مع المتهم ويلقنه الإجابات أو الأسئلة والمتهم هو الذي يخاطب المحكمة، الكل في ذلك المنزل الكائن في الخرطوم (٢) صاروا يركضون علهم يجدون مخرج لهذا الشيء الطارئ الذي لم يتوقعوا حدوثه. يوم المحاكمة يقترب، والأنفاس لاهثة .. وقبلها بعدة أيام، وعند انتشار خبر القبض على مجدي وصلت الأخبار إلى معظم ديار الهجرة والإغتراب ، خاصة السودانيين منهم والذين كانوا حريصين على تتبع أخبار الحكم الجديد في بلادهم وسياسته، ورغم أن رائحة إتجاههم السياسي بدأت في الإنتشار ووصلت إليهم ، وهناك في مدينة القاهرة كان يعيش ممدوح ،أحد أشقاء مجدي بعد أن نقل بعض أعماله التجارية إليها عقب وفاة والدهم، وكان يسكن معه في شقته صديقه المقرّّّّب، وصديق الأسرة المقدم أ . ح . القوات المسلحة عادل الذي تمت إحالته للصالح العام بعد الإنقلاب بعدة أيام مع الكثيرين غيرة من رفقاء السلاح لأنه لم يكن منهم . انتهز عادل الفرصة، وسافر للقاهرة بعد إحالته للصالح العام للتفاكر مع صديقه ممدوح في أمر مجدي الذي أذاع خبره التليفزيون الحكومي، أتى إلى الشقة بعض السودانيين الذين سمعوا الأخبار، في نفس الليلة تلقاها ممدوح بصمت وذهول سمعها منهم عادل بألم وامتعاض وسارع إلى التليفون وأتصل بالأسرة في الخرطوم (2) ليطمئن عليهم. على الجانب الآخر من الخط كانت مديحة إحدى الشقيقات ترد عليه، وفي محاولة منها لطمأنة اخبرها بأنه مريض بعض الشيئ، ولكن القلق صار ينهش في العقول وتم الإتفاق سريعاً بضرورة رجوع عادل فورا للخرطوم بصحبة الأخ الآخر مندور الذي كان يسكن في أحدى ضواحي القاهرة بعد إخباره بما جرى، على أن يبقى ممدوح بالقاهرة، لأنه كان رجل سوق وإقتصاد قوي، ويخشى عليه من لعبة (روليت) اللجنة الإقتصادية والتي يديرها رئيس لجنتها التابعة لمجلس الثورة الجديد العقيد أ.ح/ صلاح الدين كرارومساعدوه، وعلى رأسهم رئيس لجنة متابعة قرارات اللجنة الإقتصادية( العقيد أ.ح/ سيف الدين ميرغني. مدخل (٩):- في سباق مع الزمن، فجر السبت كانا وبملابس السفر في نقطة شرطة شارع (١) ، امتداد لعمارات، وذلك بعد هبوط الطائرة القادمة من القاهرة بمطار الخرطوم فجراً أحترم بعض رجال الشرطة رتبة ومكانة عادل العسكرية بعد أن أبرز لهم بطاقة ضابط قوات مسلحة بالمعاش وأخرجوا لهما مجدي من زنزانته .وقابل صديقه وأخيه مندور رابط الجأش كعادته، والاستفسار علما منه فحوى القصة بكاملها، وأن إجراءات التحري تقول بأنه متهم بالإتجار بالعملة ،طلب عادل من المتحري أن يسمح لهما بأخذه قليلاً إلى منزله ليطمئن والدته وإخوته وبقية أهله وسُمح لهما بذلك برفقة بعض الحراسة المشددة، أثناء زيارة مجدي للمنزل نزل قليل من الهدوء على أفراد الأسرة جميعاً خاصة والدته، ولكن يبدو أنه كان الهدوء الذي يسبق العاصفة كما يقولون، وبعد عدة أيام من إجراءات الشرطة علمت الاسرة إنه ليس علي مجدي ما يؤخذ عليه خاصة أن المبالغ المذكورة وجدت داخل منزله في خزانة المرحوم والده، وهي من ضمن ميراث العائلة. مدخل (١٠):- تم القبض ايضاً، بمسرحية نقلها التلفزيون الحكومي على الهواء مباشرة وفي مطار الخرطوم الدولي، على مساعد طيار بالخطوط الجوية السودانية هو جرجس القس بطرس ، وكان يحمل في حقيبته السفرية وفي إحدى رحلات هذه الخطوط المتجهة إلى القاهرة، مبالغ مالية تفاصيلها: ( ٢٢٢،١٧٥) ألف ريال سعودي، (٩٤، ٩٢٥) ألف دولار أمريكي، (٨٠٠) شيك سياحي، (٣،٤٠٠) ألف جنيه مصري. حضر فوراً لمطار الخرطوم الدولي العقيد أ.ح/ صلاح الدين كرار، ومساعدوه باللجنة الإقتصادية التابعة لمجلس الثورة، وظهر على شاشات التليفزيون وهو يرغي ويزبد ويتوعد بطرس حتى قبل التفكير في المحاكمة، بل أن بعض شهود عيان قالوا أنه صفع بطرس صفعة قوية، وتم عمل مونتاج للشريط ولم تظهر الصفعة!!، وكرار عائدا الي سيارته وهو يفرك يديه مسرورا بوقوع بطرس الصيد الثمين في شراك لعبة (الروليت) الإقتصادية !! .الضحية هذه المرة كان من السودانيين (الأقباط) والأموال تخص بعض أهله كما اثبتت التحقيقات، وكانوا يستعدون لنقل تجارتهم من السودان خوفاً من حالة الفوضى التي كانت تعم كل أرجاء البلاد، وخوفاً أيضاً من الشعارات التي رُفعت في ذلك الوقت. شعر أفراد الأسرة وصديقهم عادل بالقلق، بعد أن تم نقل مجدي بسرعة من مركز شرطة شارع (١) بالعمارات، إلى جهاز الأمن، وبعدها إنضم إليه مساعد الطيار جرجس ونقلا ايضاً من هناك إلى سجن كوبر العمومي ، الذي كان مشرع الأبواب أيامها لتلقف المزيد من السياسيين، والمشتبه فيهم إقتصادياً حسب قرارات اللجنة الإقتصادية، إضافة للمنتظرين فيه، والمحكومين في جرائم أخرى، أصبحت المقابلة بالنسبة لمجدي صعبة بالنسبة لأفراد الأسرة، ولكن عادل وبحكم وظيفته السابقة كان يجد الفرصة بعلاقات خاصة في إيصال بعض الإحتياجات العادية إليه. مـدخل (١١):- “الجمعة الساعة الثانية عشر ظهراً ستتم محاكمة مجدي في حديقة السيد علي الميرغني، بشارع النيل”، عبارة قالها رجل الأمن شفاهة لأفراد الأسرة المجتمعين أمام الباب الخارجي لمنزل الأسرة بالخرطوم (٢) وانصرف بعدها ساخراً ، ولكنها كانت عبارة ظلت تتردد في آذانهم وقلوبهم وعقولهم طيلة تلك الأيام اللاحقة ويسمعونها حتى في نومهم لفظاعتها، ومنذ صباحها الباكر، تجمع الأهل، والأصدقاء، والمعارف أمام سور المحكمة بشارع النيل واستطاع البعض الدخول إلى حديقة المكان، وجلسوا تحت أشجارها حتى منتصف النهار، ولم يحضر مجدي ولا اّّّّياً من حراسه، وانصرف بعض الأخوة مع بعض الأهل والأقارب لتأدية صلاة (الجمعة) في أحد المساجد المجاورة للمنطقة، وعند عودتهم رأوا الرائد ( وقتها ) إبراهيم شمس الدين عضو مجلس الثورة، وأصغر ألأعضاء سناً، وحتى رتبة عسكرية، يساعد بعض الجنود في تنظيم كراسي قاعة المحكمة، ويصدر تعليماته بالعدد المسموح لهم بدخول قاعة المحاكمة. مـدخل (١٢):- “الجمعة الساعة الثانية عشر ظهراً ستتم محاكمة مجدي في حديقة السيد علي الميرغني، بشارع النيل”، عبارة قالها رجل الأمن شفاهة لأفراد الأسرة المجتمعين أمام الباب الخارجي لمنزل الأسرة بالخرطوم (٢) وانصرف بعدها ساخراً ، ولكنها كانت عبارة ظلت تتردد في آذانهم وقلوبهم وعقولهم طيلة تلك الأيام اللاحقة ويسمعونها حتى في نومهم لفظاعتها، ومنذ صباحها الباكر، تجمع الأهل، والأصدقاء، والمعارف أمام سور المحكمة بشارع النيل واستطاع البعض الدخول إلى حديقة المكان، وجلسوا تحت أشجارها حتى منتصف النهار، ولم يحضر مجدي ولا اّّّّياً من حراسه، وانصرف بعض الأخوة مع بعض الأهل والأقارب لتأدية صلاة (الجمعة) في أحد المساجد المجاورة للمنطقة، وعند عودتهم رأوا الرائد ( وقتها ) إبراهيم شمس الدين عضو مجلس الثورة، وأصغر ألأعضاء سناً، وحتى رتبة عسكرية، يساعد بعض الجنود في تنظيم كراسي قاعة المحكمة، ويصدر تعليماته بالعدد المسموح لهم بدخول قاعة المحاكمة. حوالي العصر، وقف أمام البوابة الرئيسية للحديقة موكب مكون من ثلاث سيارات، الأولى سيارة من نوع (لاندكروزر) ، نزل منها الرائد/ ميرغني سليمان ، أحد ضباط سلاح الإشارة سابقاً ونُقل إلى أديس ابابا في عام ١٩٩٠ بعد المحاكمات، يعمل قنصلاً في السفارة السودانية ، وكان قائداً للتيم الحراسة وهم مدججين بالسلاح، والسيارة الثانية نزل منها مجدي ومتهم آخر يدعى علي بشير مريود ، كانا يرتديان الجلابيب السودانية المعروفة ويتبعهما بعض الحرس، أما السيارة الثالثة فكان بها طاقم حرس مدجج بالسلاح، انتظم الموكب داخل بوابة السور الرئيسية، وعبروا الحديقة إلى قاعة المحكمة مباشرة. مـدخل (١٣):- كانت والدة مجدي وإخوته وعادل بداخل القاعة التي اكتظت بجمهرة من الناس، رغم أن اليوم عطلة اسبوعية حضر جمع غفير من المواطنين حتى الأهل لا يعرفونهم، وكان في نظرات البعض ًتعاطفا لا تخطئه عين خاصة نظرات بعض الجنود، كانت المباني داخل الحديقة مقسمة إلى عدة أجزاء انعقدت محكمة مجدي في جزء منها، وفي الآخر محاكمة المتهم علي بشير المريود ، الذي وُجد بحوزته، كما قيل ونُشر في صحف تلك الأيام مبلغ ( ٣٧،٣٥٠) ألف دولار، كان مجدي داخل القاعة يتبادل الابتسامات مع والدته، وإخوته والأهل وبعض المعارف، ويبادلونك الابتسامات رغم أعصابهم كانت متوترة ومشدودة. مدخل (١٤):- دخلت هيئة المحكمة إلى القاعة يتقدمهم : رئيسها المقدم (وقتها) عثمان خليفة مهندس من القوات الجوية ( الأخير له قصة لاحقة، إذ تم طرده من القوات الجوية وجُرّد من رتبته العسكرية، وسجن لمدة ثلاث سنوات بسجن منطقة الجريف غرب، بتهمة إستلام المال المسروق، وقبض عليه مرة أخرى بعد إنتهاء محكوميته لاشتراكه في المحاولة الانقلابية ضد النظام، والتي أدعى النظام قيامها بزعامة شيخهم السابق حسن عبدالله الترابي) ، وقائد المطبعة العسكرية لواء بنفس المنطقة ، والرائد / حسن صالح بريمة بسلاح الطيران العقيد أ.ح.) ، أما ثالثهما النقيب مهندس يوسف آدم نورين, كانت الجمعة الأخيرة من شهر نوفمبر ١٩٨٩، بدأت إجراءات المحكمة العسكرية الخاصة رقم (١)، والمتهم فيها مجدي محجوب محمد أحمد ).. والتهمة .. الإتجار في العملة الأجنبية (رغم التوضيح السابق عن كيف وجدت هذه العملة لدى الأسرة، ومن أين أخذها رجال الأمن؟، تم منع محامي مجدي الاستاذ/ عبدالحليم الطاهر من مخاطبة المحكمة مباشرة، وهو أمر يتنافى مع طبيعة الأشياء، خصوصاً وأن الإتهام خطير، والعقوبة المتوقعة أخطر، ورغم أن المحكمة سمحت في محاكمات سابقة أن يخاطبها المحامون مباشرة الا ان محامي مجدي ) تم منعه، والمحاكمات السابقة هي :(1)محاكمة المتهم والوزير السابق ( عثمان عمر وكان وز ير اً للإسكان قبل للإنقلاب، وحُوكم بتهمة التصرف في أراضي الدولة بالبيع؟ !!!، (2) محاكمة الدكتور/مجذوب الخليفة أحمد ، وكان حاكماً للإقليم الشمالي، واتهم ببيع لبن خُصص للإقليم لتوزيعه على المواطنين كإغاثة إبان كوارث السيول والفيضانات. بدأت الإجراءات وقدم رجال الأمن قضيتهم ضد المتهم . قال أحدهم ويدعى حسن حمد، أن المعلومات أفادت مجدي لديه عملة أجنبية، ستتحرك (يتم نقلها) ، وقال آخر يدعى أزهري أن المعلومات تقول أن المتهم لديه عملات !.. لم يرد في أقوال الإتهام أو في علمهم الشخصي أن المتهم قام أو يقوم، في أي وقت من الأوقات، بأي نوع من أنواع هذا النشاط، ولا حتى في معلوماتهم، بمعنى أنه لم تقل المعلومات صراحة أن المتهم يتاجر في العملة. إذا كان هناك شكّاً في الأقوال والقاعدة القانونية تقول : ( يفسر الشك د ئماً لصالح المتهم .).. وعلى الإتهام إثبات التهمة ببينة أفضل .. بعد مناقشات بين المحامي والمتهم، (كصديق)! ؟، وشهود الاتهام .. والمحكمة .. أتضح أن ( مجدي ) لم يضبط وهو يتاجر في العملة، بل أ ُخذت من منزله ..! ومن داخل خزانة المرحوم والده !!.. وهو لم يجمعها من برندات الأسواق أو المتاجر المختلفة، كما يفعل غيره .. كما لم يسمح له بإستدعاء محامي (التركة ) ، والذي سيشهد بأن الأموال التي والساعة تقترب من الرابعة بعد الظهر (غروب الشمس ). كاد رئيس المحكمة أن يقرأ الحكم الجاهز قبل إعطاء المتهم فرصة هل أن هناك أسباباً تدعو لتخفيف الحكم، وهي الطريقة المتبعة ً قانونا بأن يسأل القاضي المتهم مثل هذا السؤال؟ ! وعندما أحس بهذا الخطأ القانوني، بعد أن همس له أحد الأعضاء بذلك، أمر برفع الجلسة لمدة (٥) دقائق .. للتداول في الحكم بين الأعضاء الثلاث؟ !! كانت (٥) دقائق حاسمة تمثل الفاصل بين العبث والحقيقة .. بين الحق والباطل ، مرت بطيئة كأنها دهر ، خيّم خلالها الصمت على الرؤوس وعادت هيئة المحكمة ومباشرة وفور جلوسهم قرأ رئيسها الحكم :- ” جاء في أسباب إدانة المحكمة للمتهم، أن شهود الإتهام أثبتوا أن المتهم يتاجر في العملة لأجنبية، وذلك لما توفر لديهم من معلومات، وأنه تعرف على مفاتيح الخزانة .. في الظلام، و بإقراره بحيازة هذا النقد الأجنبي، وبناء عليه حكمت المحكمة بإعدام المتهم مجدي محجوب محمد أحمد، شنقاً حتى الموت، ومصادرة المبالغ موضوع الإتهام، وإعادة مبلغ ال (٧٥٠) ألف جنيه سوداني لشاهد الدفاع عادل أحمد محمد الحاج .. ذهول .. وصمت مطبق، خيم على جميع من بالقاعة؟ ! وانهمرت الدموع .. دموع الرجال غالية .. وأم .. بدأ قلبها في التمزق وكبدها في التلاشي .. اخوة ألجمت المفاجأة ألسنتهم، ..و عادل.. أنفعل وقاد قتالاً شرساً (مشادة كلامية) حماية لصديقه..و مجدي. المتهم وكعادته كان يهدئ من ثورة الجميع، وطالباً منهم بحرارة، أن يدعو الله له ..وأن يلزموا الصبر..ويفوض أمره إلى الله.ي نفس التوقيت .. كانت المحكمة الخاصة رقم (2) قد انتهت من إجراءاتها، وحكمت على المتهم علي بشير المريود بالإعدام ًشنقا حتى الموت؟!! مـدخل (١٥):- خرج الجميع، خارج قاعة المحكمة على شارع النيل وحفيف الأشجار و أوراقها تتساقط على الشارع تحدث صوتا كأنه الدموع دموع الطبيعة،والنيل الأزرق هذا العملاق الأبدي يشاهد كل هذه الأحداث .بصمته الرهيب والمحيّر، و مجدي هذا الصامد في أحلك الظروف وبعد ليلة إلقاء القبض عليه بمنزله، تم إلقاء القبض على مساعد الطيار، بالخطوط السودانية جرجس ونقل من مركز شرطة شارع (١) بحي العمارات إلى مبنى جهاز الأمن، وهناك ا ُجريت له تحقيقات من نوع فريد في نوعه ، فطوال الليل والنهار لم يسمح له بتناول كفايته من الأكل، أو النوم، أوالإستحمام ، رُحّل بعدها إلى سجن كوبر قبل المحاكمة بسبعة أيام، حيث أ ُدخل في قسم المعتقلين السياسيين وكان عددهم حوالى (٦٥٠) معتقلا سياسياً في الأقسام المختلفة، أصدر مدير السجن بالإنابة العميد سجون/ موسى الماحي أمر بأن يوضع جرجس مع مجموعة من المعتقلين السياسيين في القسم (ج) ، وكان منهم الصحفي/ محجوب عثمان الوزير السابق أيام الرئيس نميري، والأمير/ نقدالله من قيادات حزب الأمة، والمهندس/ عقيد (م) صلاح إبراهيم أحمد ، والدكتور/ المرحوم خالد الكِّد ، والأستاذ المحامي/ مصطفى عبدالقادر، والقاضي/ عبد القادر محمد أحمد، والدكتور/ سمعان تادرس ،والدكتور/ سعيد نصر الدين ، والمقدم/ (م) عمر عبد العزيز، وستة أفراد آخرين من الحرس الخاص للامام/ الصادق المهدي، والقسم (ج) هذا به غرفتان فقط!! المدخل (١٦):- أتى ( مجدي ) بصحبة حرس من السجون .. إلى هذا القسم، يقوده (وكيل عريف) سجون إسمه ( دومينكو ) ، كان مجدي في حالة ضعف نوعا ما، ولكنه متماسك وواثق من نفسه وسأل مجموعة الحاضرين : “من أنتم؟”، وطلب منهم أن يستحم ويغسل جسده المنهك رحب به الحاضرون الذين كانت قد وصلتهم أخبار القبض عليه وعرّفوه بأنفسهم، وهدأت ثائرته قليلاً بعد أن تعرّف على أحد المعتقلين وهو المهندس عقيد (م) صلاح إبراهيم أحمد وهما من منطقة واحدة في شمال السودان منطقة حلفا، نال مجدي إستحماما هادئاً، واسترخت عضلاته المتوترة، إلاّ أن وجهه كان ينبئ عن هدوء مثير، ووضاءة لا تخطئها عين، أحبوه جميعا لدماثة خلقه وطيبته، ومشاركته لنفير طعامهم الذي كان يؤتى به من منزل أحدهم بالتناوب، وكل يوم تعد أسرة أحد المعتقلين بالقسم (ج) وجبة دسمة، بدلاً عن طعام السجن (المعروف)، وضع فيما بعد في زنزانة أخرى مع المحكومين بهذا الحكم ، كان بها الدكتور/ مأمون يوسف أخصائي أمراض النساء، في قضية إضراب الأطباء الشهير ، وأضيف لهما علي بشير المريود الذي حوكم في نفس وقت وساعة محاكمة مجدي بالمحكمة الخاصة رقم (٢) ، ومساعد الطيار جرجس، والطالب اركانجلو ديقاو من أبناء الجنوب، والذي تم ضبطه بمطار الخرطوم، وكان يستعد للإلتحاق بجامعة (ماكريري ) بدولة يوغندا وهو يحمل معه مصاريف دراسته بالعملات الحرة بعد أن باع جزء من أبقار أهله بالجنوب، ومتهم آخر يدعى هانئ وليم شكور تم إستبدال حكم الإعدام ضده بمبلغ (٣٠) مليون جنيه سوداني لأن والدته ذكرت أنه وحيدها، وتم دفع المبلغ وأطلق سراحه لاحقاً، وكان يسمح لهم جميعاً بزيارة معتقل السياسيين في قسمهم نهاراً، وتبادل الأحاديث معهم. الأيام تمر ببطء، والكل في إنتظار نتيجة الاستئناف الذي تقدم به المحامي الأستاذ عبد الحليم الطاهر ، نيابة عن مجدي، تم تقديم الإستئناف لرئيس القضاء (وقتها جلال علي لطفي ، ورغم ذلك كان الكل يركض في جميع الإتجاهات، بحثا عن مخرج أو بصيص أمل أن بعض السفراء الأجانب استغربوا من قسوة هذا الحكم، وكان يقود محاولاتهم السفير المرحوم/ عبدالله السريّع سفير دولة الكويت، وسفير حتى السودانيين داخل بلادهم لما امتاز به من حسن الخُلق وطيب المعشروعلاقات شتى مع قطاعات عريضة من مجتمع الخرطوم. ما زالت الأيام تمر ببطء والدته تحركت مع مجموعة من الشقيقات، ونساء الأهل والمعارف علهن يحلن دون وصول حبل المشنقة إلى رقبة مجدي، قابلن رئيس القضاء بمنزله علّه يطلب منهم تقديم إسترحاماً أو ينير الطريق أمامهن بصورة قانونية، ولكنه قال لهن جملة واحدة،أصابت الكثيرات منهم بالإحباط :” اخوته هم الذين تقدموا بالبلاغ ضده “!!!!. انتهت المقابلة وطُردن من المنزل، وحاول معه محمد توفيق، وداؤود عبداللطيف رجل الأعمال المعروف.. ولكن كلها محاولات باءت بالفشل. المدخل (١٧):- حاولت (الأم ) عدة مرات مقابلة رئيس مجلس قيادة الانقلاب الفريق/ عمر البشير في منزله ، وفي أحداها المرات قابلها رجل متوسط العمر به شبه من البشير، قال لها إنه إبن عم الرئيس وطلب منها أن تحضر في صباح الغد مبكرةً، ليدخلها المنزل الرئاسي الجديد مع الرجل الذي يأتي باللبن يوم ، نفّذت نصيحة أتت في الصباح الباكر، ووجدت الرجل وقال لها إنه أخبر الرئيس الذي يطلب منها الحضور بعد ستة أيام لأنه مسافر إلى أين لا أدري؟!! ولا إجابة قاطعة منه ينهي معاناتها ولهفتها على إبنها،ستة أيام جد كثيرة خاصة ان حبل المشنقة صار يقترب ويتأرجح، طرقت أبواب أصدقاء زوجها أحمد سليمان المحامي المعروف (أحد مفكري الإسلاميين، بعد أن كان عضو مشهورًا باللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني ، وأحد أعمدته).. عزالدين السيد رجل الإقتصاد المعروف، عبد اللطيف دهب، سفير السودان الأسبق بالمملكة العربية السعودية .. ولكن لا شيء !! المدخل (١٨)- الساعات تتناقص وتركض نحو لحظة التنفيذ والأم جابت العاصمة طولاً وعرضاً حاولت كثيرا عسى أن يكون هناك بصيصاً من الأمل، وصلتها معلومة مفادها أن (رئيس مجلس الثورة ) سيكون في استاد الخرطوم عصرا ليشهد حفلاً لتخريج دفعة جديدة من ضباط القوات المسلحة، ذهبت وبناتها مع بعض النسوة من الأقارب انتظرت أمام بوابة الخروج الرئيسية للاستاد ، ولكن ، كعادة حكام العالم الثالث خرج موكب السيد الرئيس بسرعة لم تمكنها حتى من رؤيته، فضلاً عن الحديث معه، ولكنهن لحقن به وبسرعة إلى منزله بالقيادة العامة للقوات المسلحة ، أحد الحرس أمام بوابة المنزل الضخمة سمح لها هي فقط بالدخول ودخلت إلى صالة الإنتظار التي بها عدة كراسي للجلوس، تهاوت على أحدها من الألم والغبن والقهر، ولكنها لم تكن تشعر بالتعب أو الجوع ، كانت زوجة الرئيس (الأولى) تتبادل الحديث مع إحدى ضيفاتها، وتصف لها روعة الإحتفال في الاستاد الذي كانت قادمة منه مع زوجها، جاءت والدة الرئيس وجلست بالقرب منها .. أخبرتها الأم بقصتها، وأنها والدة مجدي أبدتً تعاطفا معها، و نهضت واتجهت إلى غرفة في نهاية الصالة تفصلها ستارة من القماش الخفيف لا تمنع الرؤية بعد التدقيق بالنظر بالنسبة للجالسين بالصالة، خلفها كان يقف السيد الرئيس مستعد للخروج .. وشاهدت الأم من مكانها طيف والدة الرئيس وهي تخاطب إبنها الرئيس، وقليلاً ً من الوقت عادت لتقول لها : أن الرئيس خرج، وهو غير موجود!!، نظرت الأم إليها بدهشه، لكنها صمتت ولم ترد عليها إلا بالقيام مسرعة تواصل محاولاتها ، ولم تستمع الأخرى إليها وهي تدعو الله ..دعاء حار من قلب أم بدأ فعلاً في الإحتراق. المدخل (١٩):- الساعات تتراكض نحو النهاية والأم لم تفقد الأمل هرولت (إن صح التعبير) نعم هرولت إلى سجن كوبرلتملئ عينها من مجدي وكان قلبها يحدثها – وقلب الأم د ئما دليلها – إن هؤلاء الناس ينوون شر بإبنها وإن الحكم ي سينفّذ !. لم تستطع مقابلته وطلب منها الضابط (المناوب ) بالسجن أن تحاول الإتصال بالسيد/ زين العابدين محمد أحمد عبدالقادر أحد رجالات (نميري الأقوياء، وأحد نجوم مجتمع الخرطوم وقتها، وبالفعل ذهبت هي وإبنتها وتعاطف الرجل معها بشدة، هو وزوجته، وركب معه في سيارته وعند بوابة منزل (الرئيس ) بالقيادة العامة، إعترضهما الحرس عرّفهم بنفسه ولكنهم أجابوه بغلظة واضحة : “الرئيس غير موجود ” أخبرهم بالقصة وأن والدة مجدي معه بالسيارة، ولم يتبق إلاّ ساعات لتنفيذ حكم الإعدام ولكنهم هذه المرة أشهروا مسدساتهم وهم يرددون : ” الرئيس غير موجود “!.. لحظتها بكى هذا الرجل القوي، من القهر وانسحب ، رجعت الأم إلى المنزل ومعها إبنتها، وكل الخرطوم في ذلك الوقت كانت بالمنزل، ولكن لعبة (الروليت) كانت قد بدأت في الدوران. صديق العائلة عادل تحرك في جميع الإتجاهات لم يترك باباً إلاّ وطرقه آملاً في نجاة صديقه ، كان يأتي يومياً في تمام الساعة السادسة والنصف صباحاً إلى سجن (كوبر) يحمل معه اللبن والجرائد والمجلات، وبعض ألعاب الكمبيوتر الصغيرة، يتبادلان الحديث، والمدهش أن مجدي كان يتصرف، ويتحدث بتلقائيته المعهودة، بينما كان عادل يجاهد ليبدو طبيعياً، وكان صوته يخرج عميقا ومرهقاً، كأنه قادم من أعماق سحيقه داخل نفسه، ويتجنب النظر في عيني صديقه حتى لا يرى ألمه الهائل، وفي المساء يحضر معه طعاماً، وبعض الملابس ويجلس معه لفترة وأخبره في أحدى هذه الزيارات أن الوالده لها محاولات مع الرئيس ،أمتعض مجدي وطلب منه أن ينقل إليها رفضه لذلك، والدائرة تدور والساعات تتناقص نحو المصير ألمحتوم، كأي يوم سبت عادي، أشرقت شمس ذلك اليوم على الخرطوم، في منتصف ديسمبر ١٩٨٩مظهرت صحف (الثورة) ، كالعادة تُمجِّد رجالها، وتلعن الأحزاب ورجال الحكم السابق، ولكن لفت نظرالناس أن هناك عناويناً بارزة في كل الصحف ذلك الصباح تقول :ً تم أمس تنفيذ حكم الإعدام على تاجر عملة ومخدرات، .” الخبر بصورته تلك، كان يُقرأ على أن تاجر العملة هو نفسه تاجر المخدرات ورغم أن المقصود تاجر العملة العملة هو مجدي ..! أما المخدرات فكانت تخص مو اطناً مصرياً، اُتهم مع بعض السودانيين، لكن الأدلة أثبتت انه صاحبها كما يقولون، وكان الخبر أيضا لقراءة رد الفعل لدى الشارع السياسي، وخاصة لدى العسكريين منهم، الذين في الخدمة أو الذين تم طردهم منها تحت مُسمى ( الصالح العام ) ، وخاصة رد فعل (خبر) قتل مجدي. المدخل (٢٠):- أكتمل شروق الشمس، والمعتقلين السياسيين يتجولون في فناء السجن، بحثاً عن الدفء في بداية هذا اليوم البارد، وبالقرب منهم بقية المحكومين، والمنتظرين لأحكام ومجدي ومجموعة الإعدام أي أنه كان حيّاً يرزق. تقاطر أهله أمام بوابة السجن فور قراءتهم لخبر صحف ذلك اليوم، وجاء عادل مسرعا وهمس أحد المعتقلين السياسيين لجاره بالأخبار لم يصدقها لأنه أشار بيده ناحية مجدي الذي كان وقتها يقترب منهم وبادلهم التحية ويجلس معهم، ولم يخبروه، مدير السجن العمومي اللواء/ سجون حجازي عابدون عندما قرأ الخبر هرول إلى بوابة السجن الرئيسية، حيث تجمع أهل مجدي تتقدمهم والدته وأخوته، وأخبرهم أن الخبر غير صحيح وطلب منهم الدخول فدخلوا إلى مكتبه، حيث أحضر لهم مجدي، ولم تنطق الشفاه ولكن الدموع كانت تنساب بحرقة، ملهبة حتى للقلوب، وطمأنهم مجدي أنه بخير وطلب عودتهم للمنزل، كما طلب من صديقه عادل أن يحضر له بعض الأشياء الخاصة عند عودته مساء بطعام الغداء، وخرجوا .. لكن نظرات الأم كانت تقول أن هناك شيئا! المدخل (٢١):- انتظر عادل قليلاً مع صديقه لحين إكتمال انصراف أفراد الأسرة للمنزل، عندما نهض ليودعه على أمل اللقاء به في ظهر ذلك اليوم كالعادة ، همس له مدير السجن بأن يأتي إليه لوحده الساعة الحادية عشر قبل الظهر، حينها كان مجدي متجها بصحبة حرسه إلى زنزانته، بينما كان عادل يجاهد الأّ تقع عيناه عليه، واضطرب وجيب قلبه ولكنه تماسك خارجاً لايدري إلى أين؟!… عاد مسرعا إلى مكتب مدير السجن، وطلب منه أن يخبره بالحقيقة مباشرة، وإنه أو مجدى سيتحملان هذه الحقيقة مهما كانت النتائج ، وكان الحزن يكسو وجه المدير، الذي أخبره بصوت متأثر، بأن الإستئناف المقدم من المحامي تم رفضه، وقرأ عليه قرار رئيس القضاء الذي كان فحواه : ” أن المتهم من الذين يشتغلون بالتهريب، وأنه من أسرة تمتهن التهريب وتخريب الإقتصاد، ويطالب بتوقيع أقسى العقوبة، والتشديد فيها وإنه يؤيد الإعدام .” وبالقرب من هذا القرار كان هناك توقيع رئيس مجلس الثورة، الشهير (أوافق)!!.. وأخبره ايضاً، أن تنفيذ الحكم سيتم الليلة، بعد أن أحضر (الملف) إبراهيم شمس الدين، عضو مجلس الثورة الذي أحضره بنفسه إلى إدارة السجن، حيث سيتم التنفيذ والإعدام، ولأنه مقاتل، وخاض غمار الحروب، خاصة في جنوب البلاد ورأى فيها ما رأى، تلقى عادل الأمر بثبات الفرسان عند المحن، وطلب من المدير أن يسمح له بمقابلة مجدي أستجاب لطلبه أندهش مجدي عندما رأى صديقه بالمكتب وهو لم يفارقه إلاّ منذ قليل، ورأى في نظرات صديقه لمعاناً وبريقاً، يبدو الضوء الخافت قادماً من على البعد، وبادره قائلاً : ” عادل .. ماذا هناك؟ !!”. لم يتمالك (عادل ) نفسه أخبره بفحوى قرار السيد رئيس القضاء وتأييده من رئيس مجلس الثورة وهو الإعدام، وسيتم التنفيذ الليلة. المدخل (٢٢):- لم يصدق نفسيهما عندما رأيا (مجدي ) يبتسم وهو يمازح صديقه قا ئلاً : ” هل تصدق يا عادل انني حلمت بأبي اليوم ..” . وصار يهدئه، مو اصلاً أن الأمر لله وحده .. وأجهش (عادل ) ومدير السجن بالبكاء هذه المرة ولكن بصوت مكتوم، كدوي المدافع، ومراجل الصدور عندما يعتريها الغضب والشعور بالغبن والمهانة . أمر المدير بفك قيوده، وأجلسه قرب صديقه، وجلس ليدون على بعض الأوراق إجراءات الإستعداد لإعدام مجدي .. ومجدي هاد ئاً يوصي صديقه :- ” بداية أوصي الجميع بالصبر، لأنها إرادة الله . لا تعملوا لي مأتماً .. ووالدتي بعد الوفاة تذهب إلى القاهرة، تبتعد عن البلد لفترة، لعل الزمن يداوي جراحها . آرجو أن يأتي فوراً محمد ومندور وكذلك الأخ مجدي مأمون حسب الرسول . وحساباتي المالية عندك، أرجو أن تتركها معك، إذا ظهرت لي ديون من أي شخص، أرجو أن تسددها بنفسك لألقى الله بريئا منها، وإذا تبقى منها شيئ وزعه على الفقراء من الأهل .. والناس .. كان هاد ئاً وهو يتكلم ، و عادل في حالة لا يعلمها إلاّ الله ولكنه يحاول التماسك. المدخل (٢٣):- في حوالى الساعة الواحدة بعد الظهر تم إجراء الكشف الطبي عليه، وتم أخذ وزنه وطوله وهو كان رائعاً كالعهد به، شامخا بتاريخ أسرته ووالده وكان في منتهى الثبات . كان الوحيد الذي تابع معه هذا الإجراءات هو عادل هذا الوفيِّ حتى في لحظات الموت الذي يخيم بشبحه الرهيب على المكان، وايضا كان يراقب الأحداث بصمت، لأن زمن الخوف والرهبة أنتهى، وأصبح الأمر واقعاً وهم اولئك الجلادون، حتى غريزة الخوف داخل النفوس وعندما تموت مثل هذه الغريزة (الإنسانية ) داخل النفوس ! تبدأ لحظات المواجهة مع التحدي، ورغم الألم، ومرارة الإنتظار، لابد أن تشتعل جذوة الأمل في الحق والحقيقة .. والانتصار. المدخل (٢٤):- انتهت ”مراسم ” الإستعداد، لإعدام ( مجدي ) ، وسار بهدوء يتبعه حرسه، وتشيعه نظرات مدير السجن، (عادل) وبقية الموظفين الذين كانت دموعهم تسبق إجراءاتهم إلى زنزانته، وفي الطريق إليها عبر القسم (ج) ، حيث كانت أنظار كل المعتقلين السياسيين تتابعه، وبعضهم أجهش بالبكاء، وانسابت دموع البعض .. بهدؤ وهم يهدئون زملائهم، ابتسم لهم مجدي، وأقترب من أحدهم، وهو محامي مشهور طالباً منه بأدبه الجم ، أن يرسل إليه كوبا من الشاي ..أرسله إليه في زنزانته مع حارس عابر في الممر والعبرات تكاد تخنقه من الحزن على هذا الشاب الوضئ الخلوق المهذب والهادئ حتى في أحلك الظروف، وفي المساء أ ُضيئت الأنوار الكاشفة، بعد المغرب مباشرة، داخل السجن وخارجه، وانعدم الهمس والكلام بين الناس بداخله، حتى موظفي السجن كانوا يقومون بأعمالهم، وهي أشياء تعودوها بالممارسة ، وكانوا يقومون بذلك في صمت، ونظرات زائغة، كأنها شعور بالذنب والظلم. المدخل (٢٥):- إتصل عادل بممدوح في القاهرة، وأخبره بتسارع الأحداث والمستجدات . هرول الشقيق وسط زحام القاهرة المعروف إلى منزل الرئيس الأسبق نميري ، طالباً تدخله، إتصل الأخير بالرئيس المصري حسني مبارك ، الذي بادر فور تلقيه النبأ بالإتصال بقائد (الثورة ) الجديد في السودان، الذي أفاده أن ضرورة إستمرار الثورة تقتضي قرارات حاسمة !.. عادت كل هذه الإتصالات لممدوح بفقدان الأمل، وأخبر عادل في الخرطوم بذلك، كانت الساعة تقترب من التاسعة مساءً في ذلك اليوم، وعادل مرابط داخل مباني السجن، أتاه ضابط سجون وأخبره أن التنفيذ بعد قليل وأنه سيذهب إلى مجدي في زنزانته ليقرأ معه بعض آيات من القرآن الكريم…. نعم لقد أحب هذا الشاب كل من رآه. خرج عادل وجهز تصاريح المرور اللازمة لمرور جثمان مجدي إلى أهله عبر نقاط التفتيش العسكرية، لوجود حالة الطوارئ وحظر التجوال أيامها، وفعلاً، جهّز أوراقاً لأكثر من ثلاثين عربة كانت تخص الأهل والأصدقاء والمعارف، المتجمعين خارج أسوار السجن، وعند عودته في منتصف تلك الليلة قابله ملازم سجن خارجاً من غرفة الإعدام وهو يبكي بألم، وقال :” ياسيد عادل أخوكم مات راجل”. المدخل (٢٦):- أستلم أحد الأقارب حاجيات مجدي النظارة، وبعض الملابس، بينما تطايرت أوراق تصاريح المرور من يد عادل الذي كان مذهولاً وقتها، حتى جمعها أحد الجنود من الأرض ووضعها في يده .اصطفت سيارات الأهل والأصدقاء والمعارف، بعد منتصف الليل بقليل، خارج أسوار السجن، وجاء(عادل ) وأشقاء مجدي يحملون جثمانه من الداخل عبر البوابة الرئيسية، ووضعوه في سيارة صديقه مرتضى حسونه واتجهت السيارات عبر جسر القوات المسلحة متجهة جنوبا إلى منزل الأسرة بالخرطوم (٢)، سمحت نقاط التفتيش وقتها بمرورهم السريع، لأن على جانبي الطرق كانت تتحرك سيارات أخرى تراقب وتتابع هذا الموكب بداخلها الزبير محمد صالح، وفيصل أبو صالح وكان وزيرا للداخلية، و صلاح الدين كرار، وإبراهيم شمس الدين أعضاء مجلس الثورة الحاكم ، ولكن لعبة (الروليت) ما زالت مستمرة ولابد لها من أهداف أخرى، وصل الموكب إلى المنزل حيث كانت كل الأنوار مضاءة والزحام رهيب ولا يوجد موضع لقدم أو مكان لسيارة، كل الأهل هناك في الخرطوم (٢) وأصدقاء الأسرة ، والأقارب جاءوامن منطقة (سُرّة) وبعض قرى حلفا القديمة، وحلفا الجديدة، وسفراء وقناصل بعض الدول يتقدمهم صديق الأسرة سفير دولة الكويت المرحوم /عبدالله السريُع ، وبعض رجال المال والأعمال والإقتصاد من أصدقاء والده المرحوم محجوب وبعض الدبلوماسيين من أصدقاء المرحوم جمال محمد أحمد، ذلك الدبلوماسي والأديب الرائع الذائع الصيت، في حياته وبعد مماته، وكل أبناء وبنات الأهل ، وكل كهولهم .. بإختصار كل من كان يعرف تلك الليلة بالخرطوم وما يدور فيها، خاصة سكان الأحياء القريبة من الخرطوم (2) ، والذين تحدُوا حظر التجوال، وهي شهامة عُُرف بها أهل هذا البلد، وفعلاً، وكما قال الأديب الطيب صالح ” من أين أتى هؤلاء القوم؟ “.. هل يعرف الحكام العسكرمثل هذه الروح السودانية التي أزهقها واحدة منها هذه الليلة؟!.. كانت مخابراته ورجالها، حركاتهم وتحركاتهم بالعربات وعلي الأقدام ظاهرة للعيان في كل الشوارع المجاورة لمنزل العزاء، وأجهزتهم الصوتية واللاسلكية يتردد صوت وشوشتها أحيانا، لأن كل المنطقة في ذلك الوقت .. وكل الناس، كانوا في حالة من الصمت الرهيب لا يسمع خلالها إلأّ بعض هنات وآهات حرُى، يكاد زفيرها يحرق حتى الأشجار المجاورة، لأن القهر يحجر حتى الدموع في العيون ويمنعها من التساقط .. ولذلك ورغم مرور كل هذه السنوات مازال الجرح ند يّاً طرياً في قلوب الكثيرين والكثيرين جدا. تم إدخال الجثمان إلى غرفته، وحاولت والدته إلقاء نظره أخيره على وجهه هي وبناتها، ولكن تم منعهن بحزم من بعض كبار رجال الأسرة، لأن للشخص بعد إعدامه منظر لا يمكن أن يمحى من الذاكرة، وذلك بتغير شكله الطبيعي خاصة منطقة العنق، وهنُ وكل الأهل لم يروا مجدي في حياته إلأّ جميلاً في شكله وقبل ذلك في أخلاقه، جلس كل الناس الحاضرين، حول المنزل وداخل الأسوار وفي ممرات طوابقه، يعلوهم حزن هائل ومخيف، في إنتظار إنبلاج الفجر وظهور الضياء لكي يتحرك موكب التشييع إلى مقبرة (فاروق ) ، حيث المدافن العامة، حيث والده واعمامه، وبقية المتوفين من العائلة، ليرقد بجوارهم وتحت التراب، ليحكي لهم ما يدور على سطح الأرض .. أرض السودان .. ونظام حكمه الجديد، تحرك الموكب في حوالي الساعة السابعة والنصف صباحاً، والزحام الرهيب يغطي الطرقات، والشارع الرئيسي في سوق الخرطوم (٢) ،والمتجه جنوباً، توقفت حركة السير فيه ونزل بعض المواطنين من المواصلات العامة وانضموا للموكب بدافع سوداني (فطري) ، هو الشهامة والشعور بأن هناك ظلماً أحاق بصاحب الجثمان، وانتشر رجال الأمن يراقبون الموقف وإبراهيم شمس الدين بسيارته الكريسيدا البيضاء، يقودها من على البعد ويد على المقود، والأخرى قابضة على جهازه اللاسلكي يعطي الأوامر،وانتشرت سيارات الشرطة حول المقبرة، وخارج أسوارها. المدخل (٢٧):- ولأول مرة تقدم الموكب فتيات الأسرة ونسائها عندما صمت بعض الرجال، هتفن ضد الظلم، لإعانات هؤلاء الجلادين من رجال النظام وعلى رأسهم إبراهيم شمس الدين ورئيس القضاء وأنطلقت حناجر الجميع وكان بركاناً و إبراهيم شمس الدين كان هناك في الناحية الغربية لسور المقبرة من الخارج يراقب الموقف حتى إنتهت مراسم الدفن، وطلب البعض الهدوء عند العودة للمنزل، حتى لا يتشفى ذلك (الرابض) خلف السور في جمهرة الناس ويأمر بإطلاق النار حتى داخل المقبرة، وهم الذين فعلوا ما فعلوه بمجدي دون أن تطرف لهم عين، أو تأخذهم شفقة . استجابت الجموع على مضض لهذا النداء وعادوا صامتين . وبقي مجدي جوار أبيه محجوب.. ولكنه هذه المرة كان هادئا فعلاً ذلك الهدوء المثير والأبدي. المدخل (٢٨):- كانت أيام العزاء لهذا الشاب ملحمة وطنية . يعتري الغضب النفوس بصمت، ويظهر في العيون المحمرُة من الإنفعال والسهر . ورغم ثراء الأسرة ومحاولاتها إكرام ضيوفها المعزُين من طعام وشراب، كعادة السودانيين في مآتمهم، إلاّ أن أحد لم يذق طعما لشراب أو يجد لذة في أكل .. الكل في حالة ذهول . وطيف مجدي يحوم حولهم بابتسامته الدائمة ويغمرهم بدفء أخلاقه الحميدة وأيامها، حتى بعض العسكريين من الأصدقاء والمعارف لم يترددوا ولو للحظة من حضور مراسم الدفن وأيام العزاء وكانت أعين الأجهزة الأمنية تراقبهم، لكنهم لم يجبنوا ولم يستطع الأهل أو عادل أن ينفذوا وصية المرحوم بشأن العزاء، لأن سيل القادمين إليهم كان بالكثرة التي لا يستطيعون منعها، كان هؤلاء تحملهم عواطفهم وتعاطفهم وهي وحدها تقود السودانيين عندما يشعرون بأن هناك ظلما قد حاق بأحدهم. – شكرا للمواقع التي اقتبست منها أجزاء كثيرة لإنجاح المقال-
المنتقم:
هو اسم من أسماء الله الحسنى التسعة والتسعين.
جاء ذكر الانتقام في القرآن الكريم عدة مرات:
١/-
مِن قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَأَنزَلَ الْفُرْقَانَ ۗ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ ﴿٤ آل عمران﴾
٢/-
… اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ ۚ وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو … ﴿٩٥ المائدة﴾.
٣-
فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ ﴿٤٧ ابراهيم﴾.
٤-
وَمَن يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّضِلٍّ ۗ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انتِقَامٍ ﴿٣٧ الزمر﴾.
٥-
فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ ﴿١٣٦ الأعراف﴾.
٦-
فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُّبِينٍ ﴿٧٩ الحجر﴾.
٧-
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَىٰ قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا ۖ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴿٤٧ الروم﴾.
٨-
فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ ۖ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴿٢٥ الزخرف﴾.
٩-
فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ ﴿٥٥ الزخرف﴾
١٠-
قال الله تعالى في كتابه الكريم { إنا من المجرمين منتقمون}
وقوله { إن الله عزيز ذو انتقام }.
دائما ما كان انتقام الله تعالى من الطغاة والفجرة والفاسدين واللصوص شديدة ومؤلمة ، يأخذ الظالم ولو بعد حين، جرت العادة عنده انه يمهل ولا يهمل ولا ينسى عبده المظلومين ووعدهم بالقصاص من الظالمين ، انه يمهلهم حتي يظنوا أن الله راضي عنهم وانهم بعيدين عن العقاب، بعدها دائمآ تأتي النهاية الاليمة، والمتأمل في سيرهم في القرآن الكريم يجد في مصارعهم نهايتهم عبرة وعظة، ويخزيهم في الحياة الدنيا وفي الآخرة.
جعل الله عقوبة الظلم والبغي والفساد معجلة في الدنيا قبل الآخرة لشناعة الظلم وكثرة أضراره ، وعلى الباغي تدور الدوائر فيبوء بالخزي ويتجرع مرارة الذل والهزيمة وينقلب خاسئاً وهو حسير لم يبلغ ما أراد ولن يظفر بما رجا، أقرب الأشياء صرعة الظلوم وأنفذ السهام دعوة المظلوم.
لقد انتقم الله تعالي من البشير في صحته وعافيته، وها هو ملقى في مكان ما غير معروف للعامة لا يعرفه الا القليلين من المسؤولين، اصبح اسمه الجديد الرئيس المخلوع، يعاني من حياة الوحدة، منبوذ كالكلب الأجرب حتي من كانوا أقرب الناس منه.
انتقم الله شر انتقام من عمر البشير شر انتقام، هو الان بلا أسرة لا زوجة ولا اطفال، ولا مال ولا جاه، لاسلطة، ولا لقب رئيس جمهورية او مشير،
كل ماعنده من متاع الدنيا سرير طبي ولا شيء غيره، ها هو ملقي في إحدى غرف مستشفى السلاح الطبي منبوذ من الكل حتي أصدقائه المقربين الذين كانوا مقربين منه فروا منه وابتعدوا… وفوق كل هذا ما زال مطلوب مثوله امام محكمة الجنايات الدولية.
انتقم الله تعالي من علي عثمان محمد طه، صاحب فكرة انقلاب ٣٠/ يونيو، الذي اصبح مطارد ومطلوب القبض حيا او ميتا، حرق الله وجهه قبل حرقه في الأخرة.
لقي اللواء/ الزبير محمد صالح مصرعه غرقآ.
ولحقه في الموت الزؤام/ ابراهيم شمس الدين حرقا.
أذل الله نافع وجعله يعيش حياة الاختباء خوفا من الاعتقال، اختفت اخباره بعد كان هو اقوي النظام السابق وصاحب البيوت المشؤومة.
اما صلاح قوش فحاله يصعب علي الكافر، صار لاجئ في مصر بعد أن رفضت حكومة واشنطن السماح له ولأسرته بدخول امريكا.
انتقام الله من الطيب محمد خير”سيخة” فقد كان قاسيا للحد البعيد، إذ
جعله يعيش حياة الدروشة او كما نقول بالسوداني: (فكت منه!!).
اما صلاح كرار والملقب ب(صلاح دولار) فحاله قد تغير تماما بعد أعدام الراحل/ مجدي، نزل غضب الله عليه ودخل في دوامة من المشاكل مع رفقاء السلاح الذين كانوا معه في المجلس العسكري العالي لثورة الانقاذ، إذ أصيب بأزمة نفسية حادة بسبب تجاهل حزب المؤتمر الوطني له وعدم منحه منصب قيادي يليق به بعد ان كان واحد من أبرز جنرالات المجلس ، وبعدها تم عزله من منصب سفير السودان بالبحرين بعد أن تجرأ وانتقد البشير وكتب شكواه في الصحف.
ماذا نشرت الصحف عن كرار؟!!
الكيزان حرامية وانا واحد منهم من
أقوال الحرامى صلاح الدين كرار
المصدر- “سودانيز اون لاين”- 08-23-2017-
دفع عضو مجلس ثورة الإنقاذ الوطني السابق صلاح الدين كرار باعترافات نادرة على قروب الموقع الإخباري بخدمة التراسل الفوري ( واتساب) . وأرسل كرار رسائل خطيرة إلى زملائه السابقين الذين لازالوا على كرسي السلطة وقال إن الله سيسألهم عن كل مريض لايجد العلاج وكل طفل اضطرته الظروف التي صنعوها في 28 عاما من الحكم الفاسد ليعمل وهو لم يبلغ سن الدراسة وكل من يقتات من براميل القمامة في وقت يأكل أهل الحكم من افخم المطاعم ويركبون الفارهات وموائد الحفلات الرسمية. وأضاف أن الرئاسة تكب بقاياها في براميل الزبالة ليأكلها المساكين وشدد أن الله سيسالهم عن كل أب انحرفت ابنته أو زوجته وهو يعلم لكنه عاجز عن سؤالها لأنه لم يوفر لها الضرورات. وهتف كرار قائلا ( فلتسقط حكومة لا تعرف ترتيب الاسبقيات وتغور في ستين داهية حكومة تحمي الفساد والفاسدين ولا يخسف الله الأرض بما يسمى بالحركة الإسلامية التي أصبحت لا تعرف إلا الشعارات الجوفاء مثل الهجرة الى الله. وأشار إلى أن هتاف الشيوعين يوم تشييع فاطمة- ديل الحرامية – نعم الكيزان حرامية وانا واحد منهم .
عميد ركن بحرى (م)
صلاح الدين كرار
بكري حسن صالح حاله مزري مثل حال عبدالرحيم حسين، الاول طريح الفراش بمستشفى السلاح الطبي، والآخر اختفى خوفا من تسليمه محكمة الجنايات الدولية.
أين اختفت أموال
المرحوم مجدي محجوب؟!!
طوال سنوات حكم الرئيس المخلوع الثلاثين العجاف، منعت الاجهزة الامنية بشدة الصحف السودانية والمراسلين الاجانب في الخرطوم من نشر اي اخبار او مقالات تتعلق بموضوع اعتقال واعدام الراحل/ مجدي محجوب في ديسمبر عام ١٩٨٩، كل الصحف كانت تحت الرقابة الشديدة ومنعت بتوجيهات عليا فتح ملف اعدام مجدي، لان هذا- بحسب وجهه من كانوا في السلطة وقتها- سيقود الي سؤال اين اختفت الأموال التي صودرت من خزانة عائلة المرحوم محجوب محمد احمد؟!! ومن هم الذين استفادوا من المال المصادر قسرا من الاسرة؟!!
وتبعا لهذا الحظر المفروض علي ملف مجدي، لم تجد الصحف من حل اخر خوفا من توقيفها الا عدم نشر اي موضوع او اخبار عن اسرة الراحل محجوب محمد احمد، سمح للصحف أن تنشر الفساد من النوع الصغير، وان تكتب اسماء (الاسماك الصغيرة الفاسدة)!!.. أن تنشر وتبث قصص السرقات والاختلاس التي تمت من اللصوص الذين لا ينتمون للمؤتمر الوطني!!، اما عن عشرات الآلاف من قصص سرقات وحالات اختلاسات كبيرة قروض بلا ضمانات قاموا بها كبار جنرالات الانقاذ ولصوص المؤتمر الوطني وشيوخ الجبهة الإسلامية فلا مكان لها من النشر!!
اليوم تمر الذي ال(٣٤) عام علي حادثة اعتقال واعدام الراحل مجدي، وأطرح السؤال القديم الذي يتجدد كلما جاءت مناسبة ذكرى إعدام الطالب/ مجدي:
١-
اين اختفي المال المصادر؟!!
٢-
هل دخلت الأموال جيوب جنرالات المجلس العسكري؟!!
ام ان الذين استفادوا منها هم اعضاء (اللجنة الاقتصادية) التي كان يرأسها الرائد صلاح كرار… واشتروا بها شقق في القاهرة؟!!
٣-
بعد اتمام عملية مصادرة المبالغ الكبيرة من خزينة عائلة الراحل محجوب، لماذا لم تقم لجنة المصادرة بتسليم الاسرة اي مستند او ايصال بالمبالغ المصادرة؟!!، الا يعتبر هذا التصرف نوعآ من (الهمباتة) والسرقة العلنية تمت بموافقة جهات عليا؟!
٤-
لماذا رفض عمر البشير طوال سنوات حكمه عن رد الاعتبار لاسرة الراحل محجوب بعد ان اتضحت الحقيقة حول المحكمة المهزلة والقاضي سئ السمعة؟!!
٥-
لماذا – تحديد صلاح كرار- هو دون الاخرين من جنرالات ذلك الزمن محل لعنات النوبيين ليل نهار، ويتهمونه علناً جهاراً نهاراً انه اصل المصائب والمحن التي لحقت بعائلة الراحل محجوب؟!!..وانه هو- لا احد غيره- الذي قتل مجدي لا لشيء الا لنهب اموال الاسرة، وتهديد الاخرين الذين عندهم أموال لم يبلغوا عنها لدى الجهات المسؤولة بالعقوبات التي قد تصل للإعدام?!!
٦-
هل صحيح، ان تلك المقولة المعروفة التي قالها الدكتور علي الحاج للبشير ذات مرة (خلوها مستورة!!)، كان الغرض منها تذكير البشير ان يكف عن اتهامات الاخرين بالفساد، وانه (البشير) نفسه غارق حتي أذنيه في فساد كبير -منها فساد حصته من فلوس الضحايا مجدي وبطرس أركانجلو- وانه (علي الحاج) شاهد عيان علي هذا الفساد؟!!
٧-
– لماذا لم يقل وزير المالية الحقيقة وقتها عام ١٩٨٩، ان كانت الاموال المصادرة قد دخلت خزينة الوزارة؟!!
٨-
ايضا لماذا لم نسمع ولا قرأنا وقتها بان مدير بنك السودان قد اكد دخول المبالغ المصادرة قد تسلمها من لجنة المصادرة ́؟!!…فهل نفهم من سكوتهم (وزير المالية ومدير بنك السودان) انه كانت هناك اوامر مشددة من الجنرالات في المجلس العسكري بعدم النشر او التصريح باي بيانات بالاموال المصادرة؟!!
من مكتبتي في صحيفة “الراكوبة”-
تحديدآ في هذا اليوم ١٩ ديسمبر:
وقعت ثلاثة مناسبات كبيرة… https://www.alrakoba.net/31497212/%D8%AA%D8%AD%D8%AF%D9%8A%D8%AF%D8%A2-%D9%81%D9%8A-%D9%87%D8%B0%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D9%8A%D9%88%D9%85-%D9%A1%D9%A9-%D8%AF%D9%8A%D8%B3%D9%85%D8%A8%D8%B1-%D9%88%D9%82%D8%B9%D8%AA-%D8%AB%D9%84%D8%A7%D8%AB/
استاذنا بكري الصائغ.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قصة مجدي .. مدبرة وشخص حاقد على العائلة وعلى مجدي .. من نظرية الدونية … فهو يرى نفسه أنه أقل شأن من عائلة مجدي … علشان كدا دبر هذا الموقف …
رحمة الله الشهيد مجدي …. ونترحم على والده ووالدته ….. كنت أتمنى حين قيام ثورة ديسمبر .. أن يتم إنصاف مجدي وأهله …. ونرى القتلة على حبال المشانق … ولكن لم يحدث … لكن الثورة مستمرة ودم مجدي لن يضيع هدراً .. … وتمنيت من الله أن تعيش والدته وترى قتلة مجدي في المشانق..
ليس لدي أكثر من ذلك أن أقوله …. وصدقني في محاكمة القتلة ستظهر حقائق كثيرة … وزي ما بقولوا بلاوي ..
لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم. المأساة التي حاقت بالشهيد مجدي محجوب وبقية اخوته ممن جرى اعدامهم غيلة تعكس بالفعل مأساة وطن بأكمله قفز الى سدة الحكم فيه بليل حالك السواد اقذر مجموعة من القتلة واللصوص وتجار الدين والسياسة وبصورة لا تخطر على بال. لقد اغتالوا انفس بريئة ومؤمنة ولذلك لا غرابة ان اوغلوا في دماء الابرياء بعد ذلك في جنوب السودان ثم دارفور وجبال النوبة والانقسنا وشرق السودان وشمال السودان وفي الآخر عمت الدماء التي اسالوها كل السودان. الا لعنة الله على الكيزان وعلى كل من شارك في اعدام مجدي محجوب وجرس واركانجلو. وغيرهم من شهداء بلادي الذي قتلهم تجار الدين السفلة. ومن العجيب والغريب ان يخرج المجرم اللص صلاح كرار كل فترة والثانية لكي يتحدث عن السودان الذي دمروه ومزقوه بل وصلت به البجاحة ان ادعى في احد المرات انه لو اتيحت له الفرصة مرة اخرى لكي يكون وزير مالية لملآ خزينة الدولة بالمال. انه الجنون المطلق والاجرام على اصوله. وشكرا لك استاذنا بكري على هذا السرد والتوثيق الرائع. لابد للاجيال القادمة ان تعرف ما حدث من هؤلاء القتلة عليهم لعنة الله ايمنا حلوا.
رحم الله مجدي وغفر له وعوضه شبابه في فردوس النعيم المقيم والمجد الذي لايزول وجعله من الجالسين على مقاعد الصدق عند مليك مقتدر. اللهم أرحمه وأجعله في زمرة الفوز العظيم. وعزاءنا جميعآ في جميع ضحايا عصابة الإنقاذ وفيمن قتلوا على أيدي القتلة والسفاحين من عصابات الكيزان ، أن الله تعالى قال لرسوله الكريم صلى الله عليه وسلّم (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ (30) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ) وعزاءنا أن النبي الكريم يحى عليه السلام قد ذبح إرضاءآ لبغي! وعزاءنا أن بعد الممات بعث ونشور وحساب وخلود المجرمين في عذاب الحريق كلما نضجت جلودهم أُبدِلوا جلودآ غيرها خالدين في العذاب. أسأل الله ينتقم من الكيزان ومن والاهم دمروا البلاد وجعلوها هشيمآ تسومه بغاث الطير وأذلاء البشر وأرجاس الدويلات. اللهم أفنهم عدادآ وأذهب بريحهم وءذقهم ويلات العذاب الأدنى ثم أذقهم نكال عذابك الأكبر يوم الحساب.