مِن أين جاءت التّعاسة..؟

خط الاستواء
كم في هذه الدُنيا من رجل “فقري”، وكم للشقاء من أبواب مشرعات على حظائر نسوة الحي.. قيل في المأثور: استعيذوا بالله من شِرار النساء، وكونوا من خيارهن على حَذَر..!
قال رجل لأبنائه: لقد أحسنت إليكم وأنتم صِغاراً، وأنتم كباراً، وقبلَ أن تُولَدوا.
قالوأ: يا أبانا، تولّيتنا بالرعاية عندما كنّا زُغب الحواصل، وعِندما شَببنا عنِ الطوقِ بصّرتنا بالطَريق، فكيف أحسنت إلينا قبلَ أن نُولَدَ؟. قال: اخترت لكم أُمّاً تُفاخرون بها، أمٌّاً جمّرها الفقر، وشذّبها الغِنى.. أي في معنى أنها ” شالت مِن جاي وجاي”، وتحصّنت بهذا وذاك من قدرة المرأة الهائلة، في أن تتحوّل إلى طاغية.
هاتيك النُسوة بنات البيوت، معلمّات المدارس، عقيلات المُحالين للصّالح العام، هُنَّ حوائط الصّد ضد تصدُّع البناء الكبير. النُّسوة اللّائي يتحزّمن، ضد الجور، ستّات الشاي وبائعات الكسرة، من يخرجن في الهزيع، ومع غَبَشْ الفجر، يكابدن نار الكانون.. هاتيك القادمات من لظى الحرب، الواقعات بين يدي متحجّري القلوب الذين يؤجرون الكراسي ويصادرون الكبابي، ويأخذون جعلاً من طِفل الدّرداقة.
لم يغادر الرِّجال المُتكأ. كم بينهم من ساربٍ نحو الهضبة، وكم من هارب إلى المغارب والشآم، وكم مِن صاعِد نحو أولئك النسوة من وراء البِحار، بحثاً عن الرِّقة والعذوبة والدفء. كم من النساء في بلدي، مثل هيف الوِديان، وكم في المدائن حاشرين، وكم فيها مِن رِجالٍ يحتملون “الورْورَة”..!
في عروس الرمال يقولون إنّ فُلاناً جاء من البَحَر، و”كسرْ رُكْبة”، تكردفَ في أنثى، وعندما وجد فيها الدِفء تزوجها وأنجب منها، وانطلقت القافلة.. الأُنثى هي سماحة المقيل وهدأة الغفوة. هي “العوين”، التي تعين زوجها هي من تباهي الظلّ وتقول: “أنا نحلِبْ وهو يصُر، هو يكبُرْ- يحتطِب- وأنا نَجُرْ، ونتحامى على الفُقُرْ”.
قال صلاح، أخو فاطنة أحمد إبراهيم: “بنتُ بِلادي كنخيل النيل في العطاءِ، في العِنادِ كصخورِ إرْبا، في الجمالِ كجبالِ الإماتونج، تطمئنُ التّعبانَ، الجائعُ والعطشانَ،، وكالتّبلدي تُكرِمُ الضِّيفان”.
وكان أستاذ الأجيال، محي الدين فارس يقول: أهم شيء في المرأة أن يتعاظم لديها الحِس الإنساني،، أي أن تسمو لّطائفها على الكثائف،، وهذا ما أسمته غادة السمّان بـ “توافُق الكهارِب” بين شاربٍ وضفيرة.. كانت حبوباتنا منابع حِكمة وكنفُ رعاية وهدهدة، ومخزوناً للقِيّم.. إن قلت لأُمّهاتنا أنّ “فُلانة سَمحة”، قلن لك: “الله يسمِّح الطّبِعْ”.
وقيلَ في باب الخيارات الضيِّقة: “بيت الجّدري ولا بيت النّقَري”.. وقال الشيخ فرح ود تكتوك في وصف بنات حواء: العوين فيهِنْ رَميمْ، فِهِنْ دَهَبْ مَخْزون قَديمْ.. فِيهِنْ عَقارِبْ سَاكناتْ الهَشيم… من أين جاء علوق الشدّة إذن؟. مِن أين جاءت التّعاسة؟. أمِن ضَنكِ العيْش، أم من تكاثُر الزّعازِع وقلّة الأوتاد؟. من البيئة والتنشئة أم مِن ساس يسوسُ؟. مِنْ دقّ الشلّوفة والخِتان، أم مِن جينات الوراثة، أم مِن برطعة الرِّجال في عديد النساء، عندما يُقال أنَّ فلان عِرِّس وطلِّق، وعرِّس وطلَّق، وعرَّس تاني..!؟.