مقالات وآراء

فصل الدين عن الدولة

في نهاية التسعينيات في القاهرة التقيت صديق وزميل دراسة من جنوب السودان (كاثوليكي) وفي يوم كنت قريبا من مجمع الكنائيس العالمي في حي الزمالك يعمل فيه موظف وطلب مني الدخول وفي لحظة وجودي وهم يؤدون الصلاة رأيت الكثيرين منهم تنهمر دموعهم من فرط التأثر وهم يستمعون الى تراتيل يلقيها عليهم القس . بعد نهاية الصلاة سألت صديقي (سبت) عن هذا البكاء وهذه الدموع فكان رده:
كما يحدث للمسلمين في صلاة التراويح انهم يتأثرون بسماع القران من الامام فكذلك المسيحيين عند سماعهم التراتيل وانداح في الحديث وحكى لي عن معجزات العذراء وانها كانت تظهر كل ليلة كطيف يحلق في السماء وكان الناس يتوافدون الى الكنيسة وكانت تشفى المرضى ولكن لقد اختفت بسبب قلة الايمان وهو يحكي بهذا مؤمن بما يقول

تذكرت هذه الواقعة عندما كنت استمع لأحد (المجاهدين) المتعصبين وهو يحكي على قناة فضائية عن معجزات حدثت في حرب الجنوب وكانت الملائكة تظللهم وهم يخوضون الحرب وتذكرت اسحاق فضل الله وحكاياته المعروفة مثل هذه القصص يعتقد فيها الشخص تماما عندما تسيطر العواطف الدينية عليه ومثل هذه المعجزات وحكاويها لا تعرف النقاش ولا تخضع للمنطق ولا باستطاعتك استنكارها امامه

يا سيدي عواطفك الدينية الجياشة لا دخل للآخرين بها اؤمن بما تؤمن واعتقد فيما تعتقد . لكنها تصبح مصيبة عندما تأتي بها الى الحكم وتمارسها من داخل اروقة الدولة وتأتي في اجتماع منقول على قنوات فضائية وتتحدث عن المعجزات وانك رأيت الرسول عليه الصلاة والسلام وهو يمسك باحد رجال النظام الفاسدين ويوصي بان السودان على يديه سيرى الخير وتُهلّل الناس وتُكبّر فهذا استغلال للمشاعر الدينية للشعب. وكذلك عندما يقوم الرئيس او مسؤول بزيارة احد رجال الطرق الصوفية المعروفين ويعلن ذلك الشيخ دعمه للرئيس هذه ستدفع الالاف وربما الملايين من المريدين الى تبني موقف شيخهم لان عواطفهم الدينية لا تسمح لهم بنقده او مخالفته بالرغم من ان سلطته روحية فقط ومثل هذا الاستغلال للعاطفة الدينية تمارسه الاحزاب الطائفية وبالتالي تعارض فصل الدين عن الدولة بشدة لأنه ضد مصالحها ووجودها مرتبط باستغلال العاطفة الدينية للناس

والعاطفة الدينية لدى الشباب جعلتهم يعتقدون في تاريخ كاذب بان الخلافة الاسلامية نزعها الله من المسلمين بعد ان ابتعدوا عن الدين والتي لا وجود لها اصلا في التاريخ وان فترة الحكم الاسلامي الرشيد لم تدم اكتر من 31 عاما فترة الخلفاء الراشدين وفترة الخليفة عمر بن عبد العزيز وبعد ذلك كانت امبراطوريات شهدت مؤامرات ودسائس وحروب ولكنك لن تستطيع ان تقنع اي شاب بهذه الحقيقة لانه مبني على العواطف الدينية التي تجعلهم متعصبين.

الدول الغربية تقدمت وتطورت بعد فصل الدين عن الدولة وأصبح الدين يمارس في المعابد وفي الكنائس وعندما يأتون الى البرلمان يمارسون السياسة ويدرسون الواقع من غير عواطف دينية ولم يات احد متعصب الى البرلمان ويحدثهم عن ان الذي يحدث من فقر وتدهور اقتصادي بسبب ابتعادنا عن الله ويريد من ذلك ابعاد الرئيس وحزبه من جريمة الفساد هي التي تسببت في هذا التدهور وليس بسبب بعدنا عن الله .

ان لم نفصل الدين عن الدولة أي عن مؤسسات الدولة ونمارسه فقط في الجوامع والمعابد لن نتقدم اطلاقا

ياسر عبد الكريم
[email protected]

‫2 تعليقات

  1. السودان دولة إسلامية وسيظل إسلامي ويُحكَم بالدستور الإسلامي إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، شاء من شاء وأبى من أبى .

  2. مشكلتنا هي غياب الدولة ،،عدم وجود دولة،،بالمعني الحقيقي ،،من اساسو،،لا توجد دولة المؤسسات والقانون،،،لابد من فصل العسكر من السياسة ،،الحكم والاقتصاد.،،لكي نتقدم.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..