مقالات وآراء

الكيزان وتسييس الامتحانات

 

في بلد أصبحت، من حيث نظام الحكم والإدارة، جزرًا متقطعةً، وفي ظروفٍ طال فيها التشرد والعوز وانعدام الأمن الشخصي ملايين السكان، تصر حكومة الكيزان في بورتسودان على إقامة امتحانات الشهادة السودانية. لكن لا غرابة، فالكيزان، منذ أن وصلوا إلى السلطة في عام 1989، وطَّنوا أنفسهم على أن يتجاهلوا، وألا يحسُّوا، ولا يتعاطفوا مع الشعب، مهما أصابه. ظلوا هكذا على مدى ثلاثين عامًا، أضاف إليها الفريق عبد الفتاح البرهان خمس سنواتٍ أخرى.

ما يهم الكيزان هي أن يكسبوا. فهم فرقةٌ جُبلت على الكسب، دون النظر لأي اعتبارات أخرى، أيًّا كانت. فهم يريدون كسب أي حربٍ، رغم أنهم لم يكسبوا أي حربٍ خاضوها؛ لا حرب الجنوب، ولا حرب دارفور، ولا حرب جبال النوبة، ولا حرب جنوب النيل الأزرق، ولا حتى حرب أبريل هذه، التي لا تزال رحاها دائرة. إلى جانب ذلك، ظلوا مصرِّين على احتكار السلطة، وأن يكونوا الجهة الوحيدة الكاسبة سياسيًا. وأي دعوة سبق أن دعوها للحوار وللتوافق الوطني، كانت لا تنتهي إلا بانفرادهم بسلطة القرار، وجعل الآخرين مجرد ديكور.

لكن، هم يحرصون، أكثر من هذا وذاك، على الكسب المالي. لقد أخرجوا الناس من الأسواق واحتكروها لأنفسهم وفق خطَّةٍ مُحكمةٍ ممنهجة. بل فصلوا الموظفين الأكفاء من وظائفهم ليأخذوا مواقعهم لأعضاء تنظيمهم. كما احتكروا ثروات البلاد لأشخاصهم وتنظيمهم، وأخفوها عن أعين الشعب والدولة. فجعلوا البلاد، من حيث مستوى التنمية الاقتصادية، بسبب نهب الثروات على مدى 35 عامًا، مضحَكةً بين البلدان. باختصار، هذه فرقةٌ دينيةٌ ضالةٌ، تحولت إلى عصابةٍ ناهبة. فأضحى محركها الوحيد هو الكسب الشخصي والجهوي، سواءً في السلطة أو في المال، دون النظر لأي اعتبارات أخرى. من أجل ذلك، ظلت هذه العصابة الشرهة للتحكم في كلِّ عرضٍ زائلٍ، تقتل خارج نطاق القانون، بصورةٍ فرديةٍ وجماعية، وتُخفي قسريًّا، وتعذِّب، وتشرِّد، وتغتصب، وتنهب، وتبيع أراضي البلاد، وترتكب كل موبقة.

مواصلةً لهذا النهج، وضمن حملتها التضليلية الضخمة التي تهدف إلى القول إنهم لا يزالون ممسكين بزمام الأمور، رغم هروبهم من العاصمة القومية، واتخاذهم عاصمةٍ جديدة، في أقصى ساحل بحري في شمال شرقي البلاد، تجدهم يجهدون أنفسهم في تسويق الوهم للعامة بأن كل شيءٍ على ما يرام. وعلى سبيل المثال، تجد الفريق البرهان يعين واليًا لغرب دارفور، رغم أن الكل يعرف أن غرب دارفور واقعةٌ تحت سيطرة قوات الدعم السريع، بل إن حاكم الإقليم نفسه يعيش لاجئًا في بورتسودان. كما تقرأ في الأخبار، وهذا مما قرأته اليوم، أن: “لجنة أمن ولاية الخرطوم تقف على جملة من الإنجازات في المجالات الجنائية وضبط العصابات والحد من الظواهر السالبة”. هذا في حين أن حكومة الكيزان لا وجود لها في كامل ولاية الخرطوم، إلا في جيوب صغيرة منعزلة، أكبر جيب فيها هو جيب محلية كرري، الذي لا تتجاوز مساحته ثلاثين كيلومترًا مربعا. كما يعلم الجميع أنه لا توجد شرطة في كامل ولاية الخرطوم منذ بداية الحرب ليقوموا بضبط العصابات. بل، إن الذين ينهبون الثورات وأحياء أمدرمان القديمة هم جنود الجيش أنفسهم. والكل يعلم أنهم يبعيون المسروقات، جهارًا نهارًا، في سوق صابرين، في قلب محلية كرري.

على غرار هذه الأكاذيب تصر عصابة بورتسودان على إجراء امتحانات الشهادة السودانية، بصورةٍ جزئية في الأجزاء التي يسيطر عليه الجيش. وقد أورد موقع قناة سكاي نيوز عربية، أن التقديرات تشير إلى أن نحو 400 ألف طالب، يمثلون ثلثي أعداد الطلاب البالغة 600 ألف، لن يتمكنوا من الجلوس للامتحانات، لأنهم يقعون في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع. يُضاف إلى ذلك، أن المدارس التي كان يقيم فيها اللاجئون قد أُخليت بالقوة لكي يجري إعدادها لتكون مقَّراتٍ للامتحانات، وكأن الامتحانات أهم من إيواء الذين شردتهم الحرب.

هذا الإصرار على إقامة امتحانات الشهادة بهذه الصورة الجزئية المخلة يوغر نفوس من لا يستطيعون المجيء لأدائها، ويعمق الانقسام المجتمعي، بل وانقسام البلاد نفسها. ولا أستبعد أن يكون الإصرار على إقامة هذه الامتحانت جزء من حملة إيذاء حواضن الدعم السريع، بلا جريرة اقترفوها. يُضاف إلى ما تقدم، فإن ذهاب من يستطيعون الذهاب لأدائها يكلِّف الأسر التي يذهب أبناؤها وبناتها لأدئها كلفةً ماليةً فوق طاقتها. فهي أحوج ما تكون للمال لمواجهة مشاكل المعيشة التي تتصاعد كلفتها يوميًّا، وإبعاد شبح المجاعة التي أضحت تهدد الجميع. فالأسر تدبِّر مالاً لسفر وإسكان أبنائها وبناتها، في مقرَّات الامتحانات، في وقتٍ أصبحت فيه كلفة السفر والإسكان باهظةً للغاية. وقد أشارت بعض التقارير أن بعض الطلاب الذين حاولوا الالتحاق بالامتحانات قد تعرَّضوا، للاعتقال تحت ما يسمى قانون “الوجوه الغريبة”. وما من شكٍّ، أن السفر لمسافاتٍ طويلةٍ في مثل هذه الظروف، التي تضعضعت فيها سلطة الدولة وعمَّت فيها الفوضى، يشكِّل خطرًا كبيرًا على الطلاب والطالبات المسافرين.

مرةً أخرى، الكيزان تهمهم أغراضهم هم، غض النظر عما يصيب الآخرين من جراء إصرارهم على فعل ما يريدون فعله. فغرض هذه الامتحانات سياسيٌّ بحت، وهو القول أن الأمور تحت السيطرة وأن الدولة وأجهزتها لا تزال تعمل. وكل هذا هراءٌ كيزانيٌّ تعودناه لعشرات السنين. لقد تجاهلوا كل هذه الاعتبارات التي ذكرناها، وهي اعتبارات يمكن أن يراها كل شخصٍ عاقلٍ في مثل هذه الظروف، لكن الكيزان تعوَّدوا ألا يروا إلا ما يريدون.

ما معنى أن تمتحن الدولة ثلث الطلاب في القطر وتترك الثلثين؟ ثم أين هي الجامعات العاملة حاليًا، التي سوف تستوعب الناجحين من هؤلاء؟ ودعك من طلاب الثانويات المساكين الذي أُجبروا على القيام بهذه المخاطرة الكبيرة التي أرهقوا فيها كاهل أسرهم، ودعنا نسأل: كم من الذين تخرَّجوا من الجامعات عبر سنوات الإنقاذ أوجدت لهم سلطة الكيزان فرصًا للعمل؟ وهل الأَوْلى في مثل هذه الظروف بالغة السوء، التصدي لمشاكل التشرد والجوع وانعدام الأمن وتوفير الدواء، أم امتحان الطلاب بلا هدفٍ ذي مردودٍ واضحٍ من امتحانهم؟ ولا أستبعد إطلاقًا أن تكون وراء هذا الأمر أغراضٌ خفيةٌ أخرى، كجمع الرسوم، وخلق سوقٍ حامٍ للترحيل، وللسكن، وانعاش الأسواق بما يفيد المتنفذين، وغير ذلك. خلاصة القول، لن تنصلح هذه البلاد، يد الدهر، ما بقيت شؤونها في قبضة هذه العصابة الإجرامية.

‫9 تعليقات

  1. ياخ انت حزبك الجمهوري الضال مسيس الدين الاسلامي ذات نفسه ما عايز الاخرين يسيسوا امتحانات احسن يسيسوها ويفيدوا الطلاب يلحقوا سنتهم الدراسية ومستقبلهم ولا احسم ما يسيسوها ليضروهم ويغقدوا مستقبلهم ان شاء الله طرفي الحرب يسيوا الامتحانات ويعملوا هدنة ليمتحن جميع الطلاب امتحاناتهم ويدوروا حربهم حريقة فيك وفيهم خلي عندك شوية طايوق في نافوخك الفاضي ده قال دكتور قال

    1. انت لست حقاني انت حق غيرك وتتكلم بأسم غيرك انا لست جمهوريا ولكن الجمهورية أسسها المفكر الصوفي سيدنا محمود محمد طه وهو رجل غزير العلم الذي غدر به الغدار زعيم ملة بني حاسد الترابي عندما حرض عليه الاهبل النميري وتسبب في قتله وطرحت جثته من الطائرة في البحر الأحمر

    2. الأخ حقاني أنه الفجور في الخصومة السياسية و الحقيقة النور حمد و مرتضى الغالي لديهم حقد دفين تجاه الجيش بسبب إعدام نميري لمحمود محمد طه و يتمنون زوال الجيش حتي لو احترق السودان و شعبه

    3. لا يهمنا الحزب الجمهوري في شيء وليس هو الموضوع وعلينا نقاش محور المقال بدون محاولة تشتيت الكورة وبالمناسبة الدكتور النور حمد جمهوري ولكنه ليس عضو في الحزب الجمهوري

  2. خبر متداول في صحيفة الراكوبة مفاده مرتزقة عربان الشتات الإفريقي منعوا طلاب وطالبات من دارفور للذهاب لأداء امتحانات الشهادة السودانية… هل لديك شجاعة الاعتذار و نقرأ مقال تعتذر فيه عن اتهامك بتسييس الامتحانات؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

    1. الجيش يقول انه صاحب الشرعية و انه السلطة المعترف بها و هذا يعني أن على الجيش حماية المدنيين في كل بقاع السودان .

      الجهلة لا يدركون ان ادعاء الشرعية تترتب عليه مسؤوليات عدة و أهمها حماية المواطنين و المرافق العامة و بسط الأمن و الا فان أية عصابة يمكن أن تدعي الشرعية طالما أنها من دون أعباء و مسؤوليات

      لا أدري هل عزوف الدعم السريع عن اعلان حكومة سببه العجز عن ذلك أو عدم الرغبة في تحمل مسؤوليات أكبر من قدرتهم .

      عموما لمصلحة السودان حسنا فعلوا لأننا لا نريد التشرذم أكثر مما نحن عليه الان

  3. خذوها مني علي جميع الولايات التي لم يتمكن الطلاب فيها من إداء امتحانات الشهادة،إصدار شهادات نجاح لجميع طلاب ولاياتها الممتحنين بنسب تتراواج من ال60% وحتي 90% حسب متوسط أداء الطالب في الثلاث سنوات الأخيره ولا نامت اعين الكيزان.
    راينا من قبل ان اغلب كوادر الكيزان في المدارس والجامعات لا يجلسون للإمتحانات ومع ذلك تستخرج لهم شهاداتهم بعد منحهم ما يعرف بدرجات وامتحانات المجاهدين ولذلك يجب ان لا يعتد الشعب كثيرا بمؤسسات الكيزان التعليميه ولا يحفل بشهاداتهم المضروبه وعلينا إنحاج اي طالب حرمته الحرب وعنصرية الكيزان من الجلوس للإمتحانات وبعدها اما ان يقبل الناس بشهادات ابناء الكيزان وشهادات ابنائنا المحرومين واما يرفضوها جملة وتفصيلا والمساواة في الظلم عدل.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..