مقالات وآراء

 حمدوك .. المفاضلة بين الحلول الاسعافية ومشاريع النهوض الكبير

الأمور متداخلة و متشابكة بشكل كبير ، لتبدأ في الصناعات التحويلية حتى نوقف مسألة ان صادراتنا من حبوب و أنعام في شكل خام و لتوفير فرص عمالة ماهرة كما يقول السيد حمدوك ، فنحن محتاجين للدخول في مشاريع النهوض الكبير ، او الأهم منها على الأقل في  المرحلة الراهنة ، فلن تتحقق صناعة تحويلية من دون عمل طرق مزدوجة ورفع إنتاج الكهرباء لاستقرارها لنحصل على مستودعات مبردة مرتبطة بمسالخ اللحوم المكيفة و مستودعات مبردة هي ضرورة ولازمة لتخزين المنتجات الزراعية عند الفائض في زمن المواسم حتى لا تتلف فنحن بلد حار جدا ، سأفصل في مشاريع النهوض الكبير لاحقا في هذه المقال.

الآن سأبدأ بالحلول الاسعافية،  العاجلة، الآنية ، و التي لابد منها ، الآن و فورا ، والتي لا تحتمل أي أيدي مرتعشة لتنفيذها.

أولا تغيير العملة الوطنية هو أمر عاجل لا يحتمل أي تأخير و للأسباب التي سأوردها ،  نعم سيكلف الأمر ربما ثلاثمائة مليون دولار أو أكثر ولكن سيستقر سعر صرف الدولار كما هو مستقر في دول أفقر من السودان وبلا موارد تقريبا مثل موريتانيا وارتريا ، في السودان هو مرتفع بفعل فاعل ، فبتغيير العملة أنت ستوقف الدولة العميقة من العبث بسعر الصرف بعد ان تدخل كل الأموال الى النظام المصرفي حيث ستسهل مراقبتها ، من ناحية أخرى تغيير العملة بشعارات جديدة وألوان جديدة يضعها التشكيليون الوطنيون لتكون العملة الوطنية معبرة عن تضاريس و تاريخ وجغرافيا السودان هو أمر متماشيا مع روح هذه الثورة العظيمة ،  تغيير العملة الوطنية اليوم ، و مهما كلف ، فهو يضرب عدة عصافير بحجر واحد و يحقق عدة أهداف ، من حصر للسيولة بالبنوك و منع الاتجار بالدولار من قبل الدولة العميقة حيث ستسهل مراقبة حركة الأموال و أيضا منع الدولة العميقة التي تحتكر مليارات الجنيهات خارج النظام المصرفي ، مخزنة في مزارع وفي فلل محروسة بشركات أمنية على مدار الساعة  من التلاعب بأسعار السلع سواء كانت دقيق او جازولين او مواشي من خراف وابقار وجمال او محاصيل زراعية لإحداث الندرة فيها و خلق و افتعال الأزمات لإفشال المسار السياسي ويجب مراقبة حركة الأموال بدقة بعد خضوعها للنظام المصرفي. و في عملية تغيير العملة يجب عدم طباعة فئة الألف جنيه الجديدة أي المليون بالقديم كما كان مقترحا أيام النظام البائد فذلك نفسيا مضر بالمزاج العام وفيه ازدراء و تحقير للعملة الوطنية والاكتفاء فقط بفئة الخمسمائة جنيه وال المائة والخمسين والعشرة والخمسة و الجنيه ورقيا او عملة معدنية.

لاستقرار سعر الدولار يجب أيضا منع الأجانب و بالقانون من الشراء والبيع في سوق الدولار إما مباشرة او غير مباشرة عبر عملهم في سوق محاصيل الأبيض الرئيسي بغرض شراء السلع والمحاصيل من دخن و كركديه وقونقليز وصمغ عربي وتهريبها الى دول الجوار مما يفقدنا عملة صعبة مستحقة حيث ان الشراء يتم بالعملة السودانية عبر واجهات سودانية من ضعاف النفوس و معهم صينيين ومصريين وتشاديين ويمنيين وسوريين و بعدها تتم عملية التصدير بأسماء سودانية او التهريب المباشر ، في أي بلد في العالم تحدث مثل هذه الفوضى بالله عليكم ،  والدولار الصادر لا يعود.

ومن أكثر المؤثرين أيضا في سعر الصرف بل هي من أسباب ارتفاع سعر الدولار هو شركات الاتصالات ذات الأسهم الأجنبية ، هنا الاستثمار الأجنبي هو الاستنزاف الأجنبي ، مثل شركة زين للاتصالات التي تشتري الموز والسمسم والخروف الحمري وتخرب تجارته و تخرب سوق صادراته للسودان إذ تشتري بأسعار فلكية و تصدر المنتج و تبيعه بأي طريقة لتحويل أرباح أموالها خارج السودان و هذا لوحده ضرر اقتصادي إذ الأولى ان تكون شركة الاتصالات محلية بحتة وسودانية خالصة لمنع خروج واستنزاف الدولار ، ويجب سودنة هذه الشركة فورا او فرض ضرائب عليها لتبيع أصولها او جعل الشركة المحلية سوداني تقدم على تخفيض كبير في خدماتها لتخرجها من المنافسة و من السوق او فرض مقاطعة اجتماعية لخدماتها لإخراجها من البلاد ومراجعة مرسوم شرائها لحصتها الأصلية حيث راجت أخبار فساد كبير حينها.

وهكذا ، وبالنهاية ، ستكون محصلة الحلول الاسعافية هي في ضبط السيولة ومنع تجارة الدولار نهائيا و يمكن إصدار تشريعات قانونية تجرم الأمر برمته.

أما مشاريع النهوض  الكبير فهي بناء و عمل الطرق الحالية لتكون مزدوجة ، ليس من ثلاث مسارات في كل اتجاه كما هو الحال بدول أوربا و دول الخليج ، فهذا أمر مكلف ولا نقدر عليه حاليا ، بل يكفي لتكون من مسارين فقط في كل اتجاه كما هو الحال في دول سوريا ومصر والمغرب ، أي فقط بناء طرق موازية للطرق الحالية بنظام ال دي بوت وغيره و في هذا الرابط كنت قد كتبت تفصيل أكثر للفكرة https://www.sudaress.com/alrakoba/1021263

و تكون البداية بطريق بورتسودان الفاشر ، مرورا بالخرطوم والابيض وانتهاء بنيالا وبناء مطار واحد على الأقل بمواصفات دولية بالخرطوم و رفع إنتاجية الكهرباء من ثلاثة ألف ميجاوات سنويا الحالية الى 7 ألف ميجاوات ، كمرحلة أولى ، فلن تنجح فكرة تحويل المواد الخام وتصنيعها و من ثم تصديرها بدون رفع مستوى الكهرباء لنحصل على مستودعات مبردة و شاحنات مبردة تسير على طرق مزدوجة ونحن بلد حار فالحبوب والمواد الغذائية تحتاج لدرجة حرارة الغرفة من  15 ال 30 درجة مئوية وبعضها درجة حرارة الثلاجة 2 – 8درجة مئوية وبعضها مجمدا -20 تحت الصفر ، فزيادة إنتاج الكهرباء عبر بناء محطات حرارية جديدة وصيانة القديمة أمر لا مفر منه ، ومن مشاريع النهوض الكبير ، المدن السياحية الجديدة و يمكن ان تكون في اركويت بشرق السودان وجبل مرة وجبال النوبة فالطرق المزدوجة ستسهل السفر والانتقال في زمن وجيز و بدون حوادث طرق مروعة و مد هذه المدن بالكهرباء وبطرق قطارات حديثة وإنشاء حديقة كبيرة في كل منها وإنشاء منتجع به ترفيه والعاب أطفال مع فنادق و شقق فندقية ومطاعم ، الأمر لا يحتاج إلى عصا موسى و لا إلى معجزة لتحقيق كل هذه الأهداف بل الهام الناس ومشاركة الرأسمالية الوطنية.

من صادرات الصناعة التحويلية للفول السوداني كمثال بعد تحويله الى زبدة فول سوداني و تحويله الى حلويات ومكسرات وزيوت و تصنيع الصمغ العربي قبل تصديره و تحويل السمسم الى زيوت و الى طحنية وازدهار صناعة الزيوت من كافة الحبوب الزيتية لنكون مصدرين لزيوت الطعام و القطن المصنع بملبوسات قطنية عبر مصانع النسيج والسكر أصلا صناعته لنا فيها ارث كبير ، من كل هذه الصادرات سنكون قادرين على استيراد ما يلزمنا من نفط لتوليد الكهرباء و يمكن التعاون مع دولة جنوب السودان يمدونا بالنفط ونمدهم بالحبوب من ذرة وقمح ، هناك فائدة أهم للصناعات التحويلية وهي خلق فرص عمل لعمالة متقدمة المستوى و مؤهلة وإدخال الجميع ، وبالذات في مناطق الهامش ، في الدورة الاقتصادية وبذا يحل الاقتصاد مشكلة السياسة في السودان وليس العكس كما كنا نفعل منذ الاستقلال و علينا أن نضع الحصان أمام العربة هذه المرة.

يتبقى القمح ، حيث استهلاكنا منه 2.5 مليون طن بالعام وننتج فقط 500 ألف طن سنويا ، أي خمس استهلاكنا ، أي والله ، و صاحبنا يعرض بعصاه ثلاثون عاما حسوما وبئر معطلة و قصر مشيد ، في حين سعة المطاحن الموجودة هي 7 مليون طن في العام وتبقى المفارقة ان مشروع الراجحي الذي اقترب من إنتاج 1.5 مليون طن سنويا كل تكلفته هي 250 مليون دولار فقط وهو مبلغ يمكن ان تجدوه مخبئا في أي من بيوت احد المسئولين السابقين. ناهيك عن أرصدتهم الخارجية من أموال البترول التي آن الأوان أن تعود إلى الخزينة والى بنكنا المركزي.

طارق عبد الهادي

[email protected]

‫2 تعليقات

  1. سلام د/ طارق رغم بعدك عن الاقتصاد في المجال العلمي والعملي فقد أبدعت في وصف الحرج واختيار العلاج المناسب له، وكل الأمور التي تناولتها لا تحتاج إلى كثير مال أو خبرات غير متوافرة في السودان حالياً، بل أن الحلول التي قدمتها في هذا الطرح يمكن البدء بها دون تكاليف مالية عالية مما يدل على أن المشكلة في السودان ليست مالية أو قلة رأس مال بل في قلة الوطنية وحب الوطن والعمل على نهضته باخلاص وهي مما ورثناه من الآباء والأجداد المؤسسين ولم نحافظ عليه ولم نواصل الميسر على دربهم في صناعة نهضة مستدامة، وكان أولها الفشل في تأسيس دولة القانون التي تحترم حقوق المواطن فقبلنا بالانقلابات العسكرية التي كانت سبباً مباشراً في دمار السودان ووصوله إلى هذه الحالة المذرية رغم الامكانات البشرية والطبيعية الكبيرة، وكيف كان حال السودان لو أن الشعب في منذ انقلاب عبود رفض الانقلاب وأصر على عودة الحياة الطبيعية والحكومة المدنية، هل كان يمكن أن يتجرأ النميري ومن جاء بعده من زمرة الفساد في القيام بانقلاب عسكري ولا أظن ذلك، ولكن الحمد الله ثورة ديسمبر قد تكون قد أقنعت العسكر بأنه لا يمكن من الآن وصاعداً حكم السودان عن طريق الانقلابات أو العسكر، وهذه هي الفرصة الثمينة لنا جميعاً للمشاركة الصادقة والمخلصة لخدمة هذا البلد الحبيب إلى قلوبنا بالحفاظ عليه عن طريق دعم قيام تنمية مستدامة لنرفع عن بلدنا ظلم العسكر الذي أشان سمعتنا وجعلنا شحادين في الاطار الاقليمي والدولي، ولكن يجب الانتباه جيداً لفلول النظام البائد وحسمهم ولو تطلب الأمر استخدام القوة معهم حتى يتم اسكات صوت أموالهم التي جنوها بالحرام ويتم الانطلاق بالبلاد إلى عالم الانتاج والعودة لعهد الجنيه السوداني يساوي 3 دولار بإذن الله

  2. ياخ انت ما عندك اي موضوع.. زين اتعرضت للبيع واشتروها مستثمرين اجانب.. من حقهم ياخدوا ارباحهم.. انتوا مالكم حارقين رزكم دايرين زول يحيب اموال بالملايين من الدولارات وما يربح.. يالكم من شعب بيض ياخ!!

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..