هل العسكرة (المؤسسة العسكرية السودانية) مُحَدِّد مُهِم من مُحدِّدات التغيير؟

حسين أحمد حسين
:مدخل
لعلَّ تجربة الإنقاذ الشاخصة أمامنا الآن، تجعل الواحد منا يقضى بكلِّ طُمأنينة بأنَّ فصل الجيش عن السياسة ? كما فصل الدين عن الدولة – هو الأصلح للمؤسسة العسكرية من الإنغناس فيها. ولو عرف العسكريون هذا الأمر قبلاً، لقاتلوا عليه بالسيوف. إذ لم يسبق أنْ أُهينت القوات المسلحة من قبل، مِثل ما أُهينتْ فى زمان الحكم هذا وإن تنطَّعَها المتنطِّعون بأنَّها خطٌ أحمر.
لم نسمع عبر التاريخ العريق للقوات المسلحة السودانية منذ إنشائها فى عام 1925، أنِ اعتدت مليشيات خاصة، أو فردٌ منها، على ضابط محترف من القوات المسلحة السودانية، إلاَّ فى عهد الإنقاذ البئيس. بل كلُّ العسكريين المحترفين فى القوات المسلحة السودانية قد تمَّ تسريحهم/استبدالهم بمليشيات ذات عقيدة حزبية أخوانوية على نحوٍ لم نره من قبل. الأمر الذى يجعل الوطن، كلَّ الوطن، فى حالة إنكشاف عسكرى لا تخطئه العين.
وقد رأينا بأُمِّ أعينِنا إسرائيل تعتدى على السودان أكثر من مرة، فى عمقِهِ وفى أطرافِهِ، والحكومة لم تحرك ساكناً (تحتفظ بالرد، أو ربما ردَّت بالنظر)، طالما أنَّ مصالحها الضيقة لم تُمس بأذى؛ أمَّا السودان، ففى ستين ألف داهية كما يقول لسان حال الإنقاذ.
ولم تسلم القوات المسلحة حتى من أذانا نحنُ أصحاب ما يُسمى بالوعى التقدمى؛
وياكم سلقناها بألْسِنةٍ حداد، ويا كم ألبسناها كلَّ خيباتنا حين عجزنا عن تفسير ظاهرة إنقضاضها على الديموقراطية.
وفى هذه السطور محاولة لتبرئة ساحة القوات المسلحة السودانية مِمَّا يُنسب إليها، وهى ليست بذاك العمق الذى تنتظرون، ولكن حسبى أنَّها حُبابةٌ على زاوية شوف مختلفة لباحثين جُدُد.
متن:
من قراءتى المتواضعة للواقع السياسى السودانى أنَّ التغيير يحتاج إلى عسكرة، ولو من باب توازن الرعب. فالعسكرة المكافئة لدرجة تَعَسكُر النظام أو القريبة منه (ولو لم تُطلقْ بارودة واحدة) مهمة لتحسين الموقف التفاوضى للمعارضة السياسية، وتشكل الضامن الرئيس للتغيير السلمى (وإنْ دعا داعى الفداء لم نخن). ودعونى أُدَلِّل على هذا الطرح من واقع حيثيات التشكُّل الإقتصادى الإجتماعى فى السودان (نرجو مراجعة هذه الحيثيات بالراكوبة الألكترونية لكى لا نُكرِّرَ أنفسَنا هنا).
فمن الإستنتاجات المهمة التى يفضحها التحليل الطبقى للمشهد السودانى، أنَّ كل الإنقلابات العسكرية فى السودان، وكل اللحظات التى إنحازتْ فيها القوات المسلحة للجماهير الثائرة، كانت وراءها الشريحة المهيمنة فى المجتمع. فحين يَضيقُ الشعبُ ذرعاً بالشريحة المهيمنة، تَهْرعُ هذه الشريحة للبحث عن عسكريين تنتخبهم إنتخاباً وتُسَلِّمُهم السلطة بغرض المحافظة على مركز الهيمنة (قاطعةً الطريق على إنحياز وشيك للمؤسسة العسكرية لشعبها)، ثمَّ تزدهر فى كنف النظام العسكرى الجديد، من جديد.
الآن، فقد ضاق الشعب بالشريحة المهيمنة ضيقاً عظيماً، غير أنَّ الشريحة المهيمنة هذه المرة أكملت عسكرة نفسها (فقد أدركت أهمية العسكرة باكراً على عكس الشرائح الضعيفة)، وسرَّحَتْ المؤسسة العسكرية، لِكَىْ لا يَحْلُمَنَّ الشعب السودانى ثانيةً بأىِّ إنحياز من المؤسسة العسكرية له. وبهذا الإجراء، فقد ضمِنَتْ الشريحة المهيمنة لنفسها عمراً مديداً فى السلطة. وحتى إنْ ضَغَطَ الشعبُ باتجاه التغيير، فستلجأ الشريحةُ المهيمنة فى إطار إجراء شكلى/أداتى إلى أخذ السلطة من نفسها بيد، لتُعطيها لنفسها بالبيد الأخرى، وتصبح بذلك مستمرة وفاعلة ومتجددة.
وبالمقابل كلُّ هبَّات الشعب السودانى لم تجد من ينحاز إليها من العسكريين ولمدة ربع قرن (باستثناء لحظات الإنحياز الخاطفة لشهداء رمضان البواسل فى بواكير هذا النظام الغادر)، فأصبحت ثورة الشعب نَزِقةً، وخديجةَ النتائج، وغير فاعلة، وسَهْلٌ القضاء عليها. وهنا يتكرَّسُ السؤال: هل العسكرة (المؤسسة العسكرية السودانية) من مُحَدِّدات التغيير فى السودان؟
وإذا كانت الإجابة بنعم، كما هو الحال فى تجربة السودان نفسها، وفى تونس ومصر وليبيا وسوريا، ومعظم دول الجوار (آخرها بوركينافاسو)، فهناك خياران: إمَّا أن نبحث عن قوات مسلحة (وهى مسرحة للصالح العام كما فى حالة السودان الآن) تنحاز إلينا، وننحاز إليها رُغمَ قدحنا لها لمدة ستة عقود (القوات المسلحة الوحيدة التى ينالها التقريح من فئات شعبها فى العالم، هى القوات المسلحة السودانية، خاصةً من الفئات العقائدية. فالأخوانوية كسرتْ عظمَ ظهرِها، والتقدميون حطُّوا من قدرها)، ونبحث لها عن سلاح، وتلك مهمة السودانيين العاملين بالخارج/بنك المغتربين السودانيين فى حكومة المنفى؛ وإمَّا أن ننحاز نحن وتنحاز إلينا الفصائل المسلحة من المعارضة (فالكل يحمل السلاح).
ومن الواضح أنَّ الأجابة ليست بلا، وبالتالى فإنَّ التغيير يتطلَّب عدم الوقوع فى فِخاخ تنظيم الأخوان المسلمين العالمى، عن طريق الوسيط القطرى والجنوب ? أفريقى، القاضى بإلْهاء المعارضة المسلحة (بعد أن هَشَّمَ المؤسسة العسكرية السودانية) بالحوار ? وليس بالتفاوض ? الدائرى المفرغ الحلقات، وجعلها ذاهلة عن الإنحياز للمعارضة المدنية لأطول فترة ممكنة مهما كان الثمن (فهو أقلُّ كُلفةً من قِتالها).
إذاً خِشيةُ النظامِ كلُّها من عسكرة المعارضة (فانظر ماذا فعل توقيع نداء السودان من اضطرابٍ فى كيان السلطة التى أزعم أنها تحكم الشعب السودانى سايكولوجياً: آلة إعلامية، إستعراض عسكرى، ضربة باطشة تستخدم لها الذين تُسميهم إستصغاراً واحتقاراً بالأمن السلبى)، وعلينا عسكرتها إن كان التغيير وِجهتَنا. وعلينا مراقبة ورصد الشريحة ذات الهيمنة مالياً وعسكرياً (فى الداخل والخرج) ورصد خطابها وحبائلها بشكلٍ دقيق (فهى لا تفكِّر بعقليتها السودانية المعروفة بالنسبة لنا، والسَّهْل التنبؤ بحدسها، وإنَّما تتغذى بتجربةِ تنظيمها العالمى وبتجربةٍ صهيو – صفوية)، ليسهل الأنقضاضُ عليها وشلُّها بالوسائل المشروعة فى الوقت المناسب.
وهنا لابد من كلمة إنصاف للمؤسسة العسكرية السودانية يُمليها علينا التحليل الطبقى للظاهرة السودانية، وبالتالى رفع العتب وكفَّ الأذى عنها مرةً واحدةً وإلى الأبد، والنظر بشكل جِدِّى فى أمر إصلاحها؛ لطالما أنَّها محدِّدٌ مهِمٌّ من محدِّدات التغيير.
لقد جاء بعاليه أنَّ كل الإنقلابات العسكرية واللحظات التى إنحازت فيها المؤسسة العسكرية للجماهير فى حالات الثورة، كانت بإيعاز من الشرائح الرأسمالية خاصة الشريحة ذات الهيمنة والمتحالفين معها منذ أكثر من 60 سنة.
هنا أيضاً لابد من تذكيركم بما جاء بالمتواضع من مساهماتنا السابقة هنا بالراكوبة، بأنَّ شرائح رأس المال لا تحب العيش فى المناخات الديموقراطية (ما نالته بالديكتاتورية، لم تنلْه بالديموقراطية) التى تميل للتوازن بين كل شركاء العملية الإنتاجية وهو أمرٌ غير مٌحبَّبٍ بالنسبة لها (ما غنِىَ غَنِىٌّ إلاَّ على حسابِ فقير)، وبالتالى فإنَّ فترات الديموقراطية فى السودان هى فترات لتحديد موقع الهيمنة أكثر منه إقتناعاً بها (وذلك يُفسِّر قصرَها)، ومن ثمَّ الإنقضاض من جديد على الديموقراطية المُغيَّبِ حارسَها عمداً؛ ذلك حزب العمال والقوى الحديثة السودانية.
والمؤسسة العسكرية حين تنقض على الديموقراطية أو يُطلب منها الإنحياز لحركة الجماهير (وكلُّ ذلك يتم بإيعاز الشرائح الرأسمالية، تعييناً الشريحة المهيمنة، وحلفائها من البورجوازية الصغيرة المتحدثة باسم العمال والقوى الحية فى المجتمع بعد القراءة الدقيقة للمشهد السودانى)، تعتبر تلك رغبة كل الشعب؛ خاصةً فى ظِلِ غيابٍ كاملٍ لحزبٍ للعمال والقوى الحديثة السودانية. ولو كان هذا الحزب موجوداً لوقفت المؤسسة العسكرية على الحياد دون أدنى شك؛ وذلك لطبيعتها القومية، ولوقوع معظم فئاتها فى فئة العمال والقوى الحديثة نفسها.
إذاً الذى يُلام بالدرجة الأولى على تدخل المؤسسة العسكرية فى الشأن المدنى السودانى هو شرائح رأس المال ومن تحالف معها من أحزاب البورجوازية الصغيرة؛ وهذا الحلف هو نفسُهُ المسئول عن غياب حزب العمال والقوى الحديثة فى المشهد السياسى السودانى كما أثبتنا فى مداخلات أُخرى، الغياب الذى أعشى المؤسسات العسكرية والمدنية معاً عن رؤية الأهداف والرغبات الحقيقية لأكثر من 85% من سكان السودان (الديموقراطية/التوازن فى العملية الإنتاجية)، وعن سبل تكريسها واستدامتها فى الواقع السودانى. فَمَنْ يلومُ مَنْ يا تُرى؟!
خاتمة:
نرجو أن يكون تأسيس حزب للعمال والقوى الحديثة السودانى حافزاً لِإعادة بناء وإصلاح المؤسسة العسكرية السودانية (التى مسختها شرائح رأس المال، واغتالتْ شخصيتها أحزاب البورجوازية الصغيرة) على أساس قومى متكامل ومتين، وعلى أساس عقيدة جديدة قائمة على الحياد والتعاطى المتساوى مع كل شركاء العملية الإنتاجية، أى تُنشَّأ حارسةً للديموقراطية ومؤسساتها.
وبإسم العمال والقوى الحديثة السودانية، نُنَاشد كلَّ أحزاب الشرائح الرأسمالية، وأحزاب الوسط بخاصة بما تمتلكه من وعىٍ وعقلٍ طَلْعَة، أن تكُفَّ أذاها عن المؤسسة العسكرية السودانية حتى نستعيد هذا الوطن المسروق. وللمؤسسة العسكرية السودانية، ولمن أراد من ضباطها العِظام السعى للسلطة، فعليه أن يتميدن حتى ينالها أسوةً بالمدنيين الآخرين. ولابد من مراجعة المنهج الذى يَعِدُّ هذه المؤسسة، مراجعة دقيقة باتجاه تحقيق هذه الأهداف.
[email][email protected][/email]
لا هو محدد من محددات النفير الشعبي لكن الموضوع انو اخوكم عبدالرحيم ده هو مالو ليهو سته سنه ينخم في الشعب قلنا الريالة كمل لكن راس الزول ده كلو نخاخة ساكت
كشفت فحللت ثم شخصت العلة وكتبت روشتة الدواء ،فنتمنى من الجسد السودانى المعلول ان يأخذ بارشاداتك فيكافح المرض( الانقاذ) بنفس ادواته حتى يمكنه التخلص منها للابد.
نعم ياستاذ التغيير يحتاج الى عسكرة ولذلك حمل الهامش السلاح حتى لا يكرر التاريخ نفسه كما حدث فى اكتوبر وابريل حيث التسليم والتسلم اصبح مصير اى تغيير منذ ( الاستغلال)!!!!
ألأخ حسين
نفتقد ألآيدلوجيات في ألسياسة ألسودانية…, ألإتحادي وألأمة وألجبهة ألإسلامية إن كانت أحزاب فهي برجوازية طفيلية عقائدية إنتهازية في أقصي أليمين.
ألوسط وأليسار خالي إلا من ألحزب ألشيوعي …,في بلد تفوق نسبة ألأمية فيه 70%
كل ألشعب تقريبا عمال, مزارعين ورعاة…لأتوجد أحزاب في أقصي أقصي أليسار أو ألوسط تحميهم وتدافع عن حقوقهم…وآآآعجبي
ألشعب في أمس ألحاجة لاحزاب تمثله، تنزع وتثبت له حقوقه ألمدنية…وليس بأن تكفره وتنهبه بإسم ألدين.
ألشيوخ ومن يمثلون ألدين عندنا هم من يكنزون ألذهب وألملايين، ومريديهم لايملكون قوت يومهم…
معظم أسماء أحزابنا (ألدكاكين) تنتهي بالإسلاميه وهي…،
ليس أسم ألحزب هو ألمهم ….، ألوضع خطير جدا جدا…محتاج لدراسه…
ألعلم… ألعلم… ألعلم… هو ألحل…. إحترامي
ياسلام عليك ياحسين. والله اعدت لنا ذكرى الأيام الطيب عندما كان الناس يتحدثون بصدق وعقل وموضوعية. مش زي ايام ألإنتكاس هذي الي اصبح اهلها ينعقو ويصرخو ويزعقو بلا معنا. نرجو ان يكثر الواقع الأليم ا والشعب العظيم هذا من امثالك.
لو افترضنا ان انقلاب عبود والبشير جاءا بإعاز من الطبقة الرأسماليه المهمينه فما مبررك لانقلاب مايو؟
رفع العتب واللوم كلية عن الجيش في تقويض الديمقراطيات لايحكمه منطق ولاتجربه والدليل انقلاب مايو الذي جاء دون تحريض من الراسماليه المهمينه بل جاء بافكار يساريه تتعارض مع افكار الراسماليه المهيمنه
وتبريرك بان الانقلابات تأتي بإعاز من جسم خارج الجيش إنما هو ادانة أخري لهذا الجيش الفاقد لشخصيته وارءاه .. اذا صحت تبريراتك .. بالدارجي يبقي جيش دلوكه او عساكر دلاقين .. فمن يحركه شخص اخر فهو فاقد للشخصيه … ومن يريد التغيير لايمكن ان يعتمد علي دلاقين ..
هناك خلل كبير في هذا الجيش والخلل ان من يدخل هذه المؤسسه غالبا لايدخلها لاهداف وطنيه ولكن لمصلحة شخصيه
وكثير منهم يحلم بانقلاب لما لا اذا كان واحد عره زي البشير قلبها؟ او طيش حتتوب بقي رئيس؟
امسك اي ضابط جيش حاتلقاه شغال تجارة فحم وطلح وشاف .. ماعرفناهم ديل حماة وطن ولا حماة حفرة دخان
بعد انقلاب البشير كتبت صحيفة اسرائيليه .. تصحو مبكرا تحكم السودان ..
دي عقلية جيش السودان ومن ينتمون اليه بدون رتوش ومجاملات وتبريرات بعيده عن الواقع .. ادخل الجيش امكن تحكم واقلاها تبني ليك عماره من تجارة الطلح
جيش الخنا الماصي مالنا ودمنا بلا يخمك ويفكنا
الصورة :
سعادتك ماتبكى قروشك ردوم فى البنك وما اسرائيل دى بندقها ليك ونسكها بالسواطير علشان تحرم تانى ماتجى خلاص اسكت كملت المناديل
هذه الصورة توضح بجلاء ان هذا الرجل الارعن الاخرق لايحترم نفسه ويفتقر الى الاتيكيت والذوق السليم فاذا كنت مريض بنزلة برد وانفك يسيل منها الزكام فالاولى ان تلزم بيتك حتى لاتنتقل العدوى للاخرين خاصة اذا كنت ذاهب الى موقع احتفال او اى تجمع بشرى الله لاكسبك يا ابوريالة .
قبل ان تمجد العسكر دونك صورة وزير دفاعهم .. قرف .. فاذا القرف ﻻ ينتج إﻻ قرفا .. تف
عزيزي حسين أحمد حسين
أولاً أحييك على المقال
ما فهمته من خلال طرحك لحزب العمال والقوى الحديثة كصمام أمان لمستقبل السودان، إنه أقرب لحزب إقتصادي إجتماعي أكثر من كونه سياسي!!
نرجو التوضيح من خلال مقالاتك القادمة
ولك بعد حمد الله من الشكر أجزله