مقالات وآراء سياسية

لاءات الخرطوم الثلاث الجديدة

الرئيس موسيفيني، في كلمته المرتجلة أمام مفاوضي السلام في جوبا مؤخرا، مس الأوتار الحساسة في عصب السياسة السوداني. عزا الفشل المتراكم عبر السنين لخلل تشخيص المشكل، ولفصام الهوية السودانية واستخدام القبضة الأمنية لفرض العروبة والإسلام. رؤية موسيفيني تطابقت مع اطروحة الحلو الذي ربط نجاح مفاوضات السلام بمعالجة قضيتي الهوية وعلاقة الدين بالدولة. الحلو يتمسكْ بالعلمانية وضرورة فصل الدين عن الدولة، كمبدأ لبناء سودان يسع الجميع، تقوم الحقوق فيه على أساس المواطنة. وفي حال رفض العلمانية، والإصرار على قوانين (الشريعة) وثوابت الأيديولوجيا الإسلاموعروبية، يظل حق تقرير المصير موقف تفاوضي يتمسك به.
قبل سنوات دعا الدكتور منصور خالد قيادات الشباب السوداني لمحاربة العبودية. قال ان السودان لم يحارب العبودية بجدية، وأن من اسباب انضمامه الى الحركة الشعبية محاربة العبودية. أوصاهم بالنهوض لأخذ زمام المبادرة من كبار السن أمثاله. ودعاهم الى أن لا يختاروه أو أيا من ابناء جيله لقيادة المرحلة المقبلة.
ما تحرَّجْ منصور خالد عن تبيانه لشباب السودان وقتها (في فورة حكم الإنقاذ):
أن العبودية في السودان قديمة ومتجذرة. بدأت قبل ستمائة عام حين اعتنق عمارة دنقس الإسلام بهدف تفادي دفع الجزية حسب اتفاقية البقط الموقعة في العام 651 ميلادي بين عبد الله بن ابي السرح وبين مملكة المقرة السودانية المسيحية. (قضت تلك الاتفاقية أن تدفع مملكة المقرة سنويا ثلاثمائة وستين رقيقا الى كاتب الوحي ابن ابي السرح حاكم مصر وقتها). احتمي عمارة دنقس بنسبٍ أموي مصنوع، وبتحالفٍ مع العبدلاب، لينشئ أول كيان إسلامي في وسط السودان. أسقط الممالك المسيحية في المقرة وعلوة. وتصدر كمسلم تجارة الاسترقاق الرائجة في السلطنة الزرقاء.
بعدها بثلاثمائة عام أصدر البرلمان البريطاني قانون محاربة الرق، وابتعث غوردون باشا لوقف الممارسة في السودان. اعترض تجار الرقيق وأيدهم المهدي مستندا الى روح الإسلام. وهو ما تكرر لاحقاً حين رفض الزعماء الثلاثة علي الميرغني وعبد الرحمن المهدي ويوسف الهندي توجيهات الحاكم العام الإنكليزي بتحرير الرقيق من مشاريعهم الزراعية. استند الأئمة الى أن الكتاب والسنة يعطيانهم الحق في تملك العبيد.
تلك جذور العبودية المأساوية في السودان التي تدفع الآن أمثال الحلو وعبد الواحد نور الى اشتراط فصل الدين عن الدولة. فماذا ستفعل حكومة الفترة الانتقالية حيال ذلك؟ ومن يملك سلطة البتْ في قبول أو رفض مبدأ فصل الدين عن الدولة؟ العشم ألا يكون حميدتي الغارق الى أذنيه في نهب ذهب جبل عامر، أو مليشياته القاتلة المغتصبة الناهبة. فحميدتي، وأمثاله من حرامية الإنقاذ، يستخدمون فصل الدين عن الدولة كقميص عثمان. لشغل الناس وتبديد قواهم وحرفهم عن ملاحقة القتلة مرتكبي المجازر وناهبي قوت الشعب.
وبرُغمه يبقى فصل الدين عن الدولة مربط الفرس وضرورة المرحلة الكبرى. ضرورة لتفادي انفصال النيل الأزرق وجبال النوبة ودارفور وشرق السودان. ضرورة لإبقاء الأمل متقدا بإمكانية إعادة اللُحْمة مع دولة جنوب السودان. ضرورة لإزالة دمغة الإرهاب المعلقة في رقاب السودانيين.
والأهم ضرورة لقفل الطريق أمام فتاوى التكفير وجهاد الدواعش. فهؤلاء ينطلقون من نصوص قرآنية غنية بكل ما هو مناقضْ لمواثيق الأمم المتحدة وحقوق الانسان. ففي طيات القرآن الكثير من الويل والثبور لصنف النساء. الضرب غير المبرح، هجر المضاجع، ظلم الميراث، قوامة الرجال، ضلال الشهادة، نقص العقل والدين وسلسلة لا نهائية من عُقَدْ الملامسة ونقض الوضوء. والمذهل أن القرآن (الجامع وخاتم الرسالات) يخلو من آية واحدة تمنع العبودية والاسترقاق!!
فحذاري اقحام الإسلام في تشريع السودان الجديد. ستكون نعمات محمد خير رئيس القضاء أولى الضحايا، ثم يتوالى السقوط. بالتكفير حينا (ولاء البوشي)، واهدار دم (المغضوب عليهم) و(الضالين) حينا آخر. سيحدث ذلك رُغم تطمينات وزير الأوقاف مُفَرِّحْ ودعوته الكريمة للجالية اليهودية (من فئة المغضوب عليهم) للعودة للسودان.
الإسلام ليس وحده المعلول بفيروس العنصرية وداء احتقار النساء. سبقته، بل لقنته أصول المضمار اليهودية والمسيحية الرومانية. اليهودية دفعت الثمن غاليا محارقَ وإبادةْ جماعيةْ. وروما فصلت الدين عن الدولة بعد أن ثبتت اركان ما لقيصر لقيصر وما لله لله.
الأديان السماوية الثلاث، ظلت عبر التاريخ، تُرَوِّجْ لسلع (بلا شهادات منشأ موثقة). وبلا سوابق استدلالية من التاريخ، تثبت أن السلع التي يتم الترويج لها، في مكانٍ ما وفي زمانٍ ما، قد أفادت الناس، أو ثبت جدواها في تحسين حياة البشر. والإسلام إعادة تدوير لأساطير يهودية ونصرانية قتلها الباحثون في الغرب محصا وغربلة دون التثبت من تأريخيتها أو صدقيتها. كان ذلك إبراهيم الخليل أو موسى الكليم او عيسى المسيح. والنتائج كارثية. معارك في غير معترك قتلت الملايين من الاسكندر الأكبر الى الدواعش. على الأقل في الغرب ودولة إسرائيل تنبهوا لأهمية فصل الدين عن الدولة. فتوارت الكنيسة وهيكل سليمان وبدأت النهضة الصناعية فالتقنية.
أما السودان وثورة ديسمبر التي سارت بذكرها الركبان، فما زالت محلك سر.
ينتشر في الخرطوم هذه الأيام (فيديو كليب) لنقاشْ ساخنْ تم تصويره في حافلة مواصلات. طرفاه شباب وكنداكات صنعوا ثورة ديسمبر، وكوز اربعيني. فوجئ (الكوز) اثناء استقلاله الحافلة في الخرطوم، أنه لا مكان له ولا احترام في مواصلات السودان الجديد، وأن لعنات (كل كوز ندوسو دوس) دمغة اجتماعية ستلاحقه أينما سار، وأن تخويف الشباب بالشيوعيين بضاعة مزجاة لا يشتريها الجيل (الراكب راس). وصلت الجرأة ببعض الشباب حد رفض التخاطب باللغة العربية (انجليزي بس). وأعلنوا ثلاث لاءات جديدة: لا للأسلمة. لا للعروبة ولا لحشر الدين في التشريع والسياسة.
الأمل أن تضيئ هذه اللاءات المدخل الآمن لبناء السودان المعافى الجديد.

 

مالك جعفر

[email protected]

‫3 تعليقات

  1. موسيفيني نفسه واحد دكتاتور خايب مكروه من شعبه وعدو للسودان وكان من وراء اغتيال قرن. كيف نسترشد بما يقوله هذا المعتوه وكأنه حكيم حقا.
    ليست هنالك مشكلة فرض عروبة أو إسلام في السودان، وهل عقار أم عبد الواحد أو الحلو، جبريل، ومناوي، الخ، غير مسلمين.
    المشكلة عدم وجود وطنيين مخلصين همهم تطوير ونماء البلاد وحكم ديمقراطي رشيد تكون مصالح البلاد والمواطن فيه هي العليا

  2. صراع الايدلوجيا (الوهمي) هذا ، الذي يروّج له امثال كاتب المقال اعلاه هو (الفيروس) الذي نخّر في جسد
    البلاد واورده واهله الى هذا الدرك .
    لقد انشغل هؤلاء الانصرافيون وشغلوا الناس بهذه التراهات البائسة والتي باتت من التاريخ في كل دول العالم حتي (الثالث) منها .
    مشكلة الكاتب و رفقاءه أنهم لازالوا يقفون عند محطة (طرد حزبهم ) من البرلمان و احداث (بيت الضيافة) بالرغم من مرور اكثر من نصف قرن على هذ الاحداث !!!
    و كاتب المقال الذي دأب في تكرار (اوهامه) هذه دون إضافة في كل مقالاته المتسلسلة لازال (رهيناً) لهذه الافكار البائسة والممجوجة .
    الا ان السيد مالك بحكم اقامته القصّية عن الاحداث وواقع الثورة وما تلاها لم يدرك بعد ان شباب الثورة الذي إتضّح انه لا ينتمي لاي من الاحزاب الهرمه قد تجاوزت صراعات واوهام الاحزاب الايدلوجية المتصارعة في (الفارغة) !!
    و العبودية يا سيد مالك جعفر ليست هي الإسترقاق بصورته القديمة ، بل هي ان يكون الانسان (اسير ) لأوهامه، منغلقا على افكاره ومعتقداته ، محتكراً للحقيقة لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه !!

  3. إن السبب الرئيسي في كل هذه المآلات، هو التنظيم الإرهابي للكيزان، الذي حكم، بالضلال والدجل والنفاق والخيانة والظلم والإجرام والفساد والإستبداد، البلاد سنين عدداً…..

    لقد إرتكبوا كل المحرمات والموبقات في حق الوطن ومواطنيه، ولقٍصور في عقولهم، ظنوا أن عرابهم المعتوه الإرهابي الزنديق، سليل بني لوط، عليه اللعنة في قبره ويوم نشره، قد أمّن لهم الخلود في السلطة، فطفقوا يطغون في البلاد ويكثرون فيها الفساد…لقد دمروا كل شئ، بما في ذلك الدين الإسلامي نفسه، وإختزلوه فقط في الصلاة، والتي يصلّونها لرياء الناس، لاغير…

    وعليه، فإن كل من ينادي بفصل الدين عن الدولة، لعلي ألف حق، بل إنني لمن المؤيدين لهذا الطرح، ولسبب بسيط، هو أن الكيزان كانوا يتاجرون بالدين، ولا شئ غير ذلك.

    إنني لعلي قناعة تامة، أن لو لم يُولد الترابي المنافق الملعون في السودان، لكانت البلاد بألف خير الآن.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..