مقالات وآراء سياسية

استراحة الجمعة : الجار ..الجنب

د. ناهد قرناص

وفدت ساكنة جديدة الى ذلك الحي البعيد ..اشترت بيتاً طرفياً وشرعت في هدمه ومن ثم بنائه من جديد ..سرعان ما ارتفعت الطوابق بعضها فوق بعض ..وازدانت حديقة البيت الجديد بأجمل الزهور واعلى الأشجار ..البيت الجديد صار مبعث قلق للحي ..ذلك ان صاحبته تهوى الطرب والغناء ..وكل يوم والتاني عندها حفلة بمناسبة ومن غير مناسبة ..مرة جلسة بالعود ..مرة حفلة تخريج ..مرة وداع لي زول مسافر اسبوعين وراجع ..الحفلات الصاخبة ..اقضت مضاجع أهل الحي الذي تعود النوم باكرا …ولم يعتاد أصوات الفنانين التي تتداخل مع آذان الفجر كل يوم .

اجتمع رجال الحي في المسجد بعد صلاة العشاء في احدى الليالي.. أكثر الساخطين على صاحبة المنزل كان امام المسجد الذي ابتدر حديثه بتخوفه من اغواء الشباب الذين صاروا ينسحبون من أهلهم كلما سمعوا ضرب المعازف في بيت تلك السيدة الغريبة ..تعالت الأصوات ..حاج فتح الرحمن اقترح هدم البيت (نمشي يا جماعة كلنا نأجر لينا كراكة كدا ..بس من الصباح ..تقوم تلقى نفسها هي وبناتها في السهلة ..بلا مسخرة فاضية )..ضحك استاذ عمر ساخرا وهو القانوني الضليع (عايز تدخلنا في مشاكل قانونية يا حاج فتح الرحمن ..كيف تتعدى على ملكية الغير وكمان تهدمها ؟ انت عايز الحلة كلها تبيت في الحراسة ؟)..صاح على ود الامين ( يا جماعة الزولة دي قادرة ..مشينا فتحنا بلاغ ازعاج ..وقلنا خلاص أضانا تبرد ..تاني يوم ركبت الساوند وجابت بوليس يحرس الحفلة ..وكمان الغناية تقول (الزعلان كلموا ..يقع الخزان)..نسوي شنو نحن ..حينها تنحنح سليمان التاجر الذي كان صامتاً طوال الوقت (يا جماعة ..نحن ما نمشي ليها نقعد معاها ونتفاهم ) .. صاح شيخ ابراهيم امام المسجد (نتفاهم ؟ زولة بدت بالعداوة والمسخرة ..والاستهتار ..نمشي نقعد معاها ؟ ليه ؟ انت يا حاج سليمان شكلها اتفقت معاك تشتري منك الحلاوة والبارد ..انا اليوم داك لمحت بتها الصغيرة واقفة مع ولدك في الدكان وتشيل في علب البارد والحلاوة ) ..انتفض سليمان وهو يحلف يميناً مغلظاً ..ان لا علم له بالمعاملة بين ابنه والأسرة المغضوب عليها ..ووعد ان هذا الامر لا علاقة له بفكرته بالمهادنة ونشر ثقافة السلام ..انما هو يدعو الى تقبل الامر الواقع والتعامل معه على هذا الأساس.

بعد ذلك الاجتماع العاصف ..قرر مجلس الحي تشكيل لجنة لدراسة الامر والخروج بحل متفق عليه يرضي جميع الاطراف ..اللجنة لم تقصر في عقد الاجتماعات الواحد تلو الآخر ..صدرت قرارات عديدة من تلك الاجتماعات ..وانبثقت لجان أخرى للمتابعة ..في خلال ذلك الوقت ..كانت الجارة المغضوب عليها ..قد اشترت البيت المجاور ..وتوسعت حديقتها ..خفت حدة العداوة ..وصارت نساء الحي يتبادلن الزيارات معها ..اقتصر الامر على النساء في البداية ..لكن الرجال اضطروا الى دخول منزلها حين تقدم خالد ابن سليمان التاجر لخطبة ابنتها الصغرى ..تلك كانت المرة الاولى ..التي اعقبتها مرات عديدة ..حتى صار أمرا لا يثير الدهشة ان تجد شيخ فتح الرحمن وهو يرفع يده بالتحية للسيدة (نسيبة) خالد سليمان ..او ترى حاجة سامية وهي تدلف الى بيت الجارة (العزيزة) للمشاركة في (عواسة الحلو مر ) لأن بيتها كبير ويسع من (الحبايب الف) ..الوحيد الذي ظل محافظا على مبدأه كان شيخ ابراهيم ..الذي ظل يقطب جبينه كلما رآها هي او احد افراد أسرتها ..ويحوقل ويستعيذ بالله من الشيطان الرجيم كلما مر أمام منزلهم …لكن سرت اشاعة غريبة في الآونة الاخيرة ..بدأ الناس يتهامسون في الحي ..بأن خالد سليمان زوج الابنة الصغرى ..استقبل شيخ ابراهيم في شقته الذي استجاب لدعوة العشاء التي قدمها له سليمان التاجر شخصياً…وبس خلاص.

د. ناهد قرناص

الجريدة

‫9 تعليقات

  1. ياخ نحن عندنا كتاب طيبين صالحين مثلك يا أستاذه, ده شئ يطمن. ما تخليك من السياسه, تحتاجك ساحة الأدب والقصه, يا سلام.

  2. سخف وعبط ملعون ابو الكتابة الإلكترونية التى جعلت من امثالك يعملو نفسهم كتاب….. وناقد وقاصين و زفت.. امشى خليك فى معالجة البقر دكتور ه قالت هههه

  3. مصير شيخ ابراهيم هو بلا شك مصير الرافضين لخطوة البرهان..الأدب السوداني منذ الطيب صالح أدب رمزي لأن القهر جعل الخوف من التصريح المباشر يصل لدرجة الفوبيا

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..