(من الأرشيف البرليني)
نجوم مضيئة في سماء برلين
Izzedin Hassan في تذكر عزالدين حسن ــ
التقيت مع الأخ عزالدين حسن لأول مرة في سبعينيات القرن الماضي، عند عودتي الثانية الى ألمانيا وللمرة الأولي الى برلين الغربية، ملتحقا بكلية الطب بجامعة برلين الحرة، للتخصص، بعد نهاية فترة تطوعي وانتدابي في السلاح الطبي في إقليم الاستوائية. غادرت جوبا والحرب الأهلية دائرة ولا أفق للسلام. لقد كانت تجربة خصبة ومثيرة على النطاق الحياتي والمهني، سوف اتعرض لها لاحقاً.
حضر وقتها عزالدين مع الأخ صلاح يوسف قادمين من بلغاريا بعد فترة دراسية هناك، لقد انضما مبكرا لليسار السوداني وعصفت بهما السياسة والصراعات الداخلية. وبدأ تعرفنا ايضاً سياسياً، لقد ضمتنا جلسة ثلاثية ــ قبل أن تتوسع الدائرة وتضم اتحاد الطلاب واتحاد العاملين ــ تفاكرنا فيها حول الوضع في السودان، وسبل العمل المشترك لمناهضة نظام النميري المأيوي، عن طريق الندوات والاتصال بمنظمات المجتمع المدني.
تقدم عزالدين للتسجيل في الجامعة التقنية، لدراسة هندسة الكهرباء، وكان عليه ان يجتاز السنة التمهيدية العصيبة، المفروضة على الطلاب الأجانب، وهي مربط الفرس أو عنق الزجاجة، قبل بداية الدراسة في الكلية. وكان عزالدين مؤهلا ليجتازها بسهولة، لقد كان “شاطرا” في مادة الرياضيات والفيزياء. كما تلقى العون المادي من الملحق الثقافي في سفارتنا ببون، حسن محمد عبد الله (المريخابي)، منحة مالية لمدة 18 شهرا، تجديدها مشروطا باجتياز الامتحانات، فالمربي الفاضل، كان يعلم بأن غالبية الطلاب ينتمون الى أسر فقيرة. وكان يحضر الى برلين يتفقد طلابه ويعمل على تشجيعهم.
عندما تأسست الحركة الشعبية لتحرير السودان كجناح سياسي عام 1983 بقيادة العقيد جون قرنق. نشط الأخ كوستلو قرنق رنق، ممثل الحركة في المانيا، لكسب أعضاء من الطلاب الشماليين للحركة الجنوبية الوليدة. انضم الأخ عزالدين مباشرة للحركة، واصبح أحد مؤسسي الفرع في المانيا. وكان هناك الأخ التاج فضل، أكثر حماسة وموازه للحركة، دون ان يشترك في عضويتها، فالصديق الراحل كان صحفيا قديرا، تمتزج مقالاته بسخرية لاذعة وشاعرا مرهفا، وبحكم طريقة حياته كان بعيدا عن الالتزام الصارم، ولكنه كان يتعاون في إصدار نشرتها العربية، أو بالأحرى تدقيقها. (انظر مقالي عنه “الوجد والألم”، في سودانايل وسودان للجميع). اندفع عزالدين بحماس وقوة بالتعريف بالحركة، خاصة بعد صدور ” المنفستو”، الذي يدعو لسودان جديد وصياغة منهج قادر على تحقيق وحدة الوطن. وكان يرى في شخصية قرنق، تتجسد آمال كل السودانيين، فبدأ بإقامة الندوات وتوزيع نشراتها بصورة واسعة، على حساب مواصلة الدراسة، بجانب التعقيدات والمتاعب الأولية للحصول على حق اللجوء.
بالرغم من نشاطه الجم، الذي يجمعه مع الكثيرين، الا أن عزالدين في نفسه شخصية انطوائية وخجولة، ولا يحرص على علاقات ممتدة أو متواصلة، حتى مع شخصيات مثل بيتر كوك، الذي عاش فترة طويلة في المانيا أو الزيارات المتكررة لبونا ملوال أو إدوارد لينو. وحتى المؤتمر السنوي في مدينة هيرمانزبورج في ولاية ساكسونيا السفلى، الذي كان يتم بدعوة من منبر السودان والكنيسة الإنجيلية الألمانية، والذي يناقش قضايا السودان وخاصة جنوب السودان، واستمر 25 عاما على التوالي، لم يشارك فيه الا مرة واحدة.
جاءت في تسعينيات القرن الماضي، موجة كبيرة من اللاجئين الجنوبيين الى برلين كان عزالدين الوحيد الذي اهتم بأمرهم. الذهاب معهم الى مكاتب اللجوء والانتظار المضني، وتوكيل المحامين والترجمة امام المحاكم، وقد حصل غالبتهم على حق اللجوء، وقدم بعضهم لمنظمات المجتمع المدني وبعض الأحزاب السياسية الألمانية، ليسلك طريقهم في الحياة الألمانية. أهتم عزالدين كثيرا بقضية التوثيق، التي لا نهتم بها كثيرا، فكان يجمع إصدارات الحركة وما ينشر عنها في الصحافة العربية والسودانية والاجنبية، وكانت سندا كبيرا له في الدفاع عن الحركة في ندواته العديدة. من اجمل اللحظات التي عاشها عزالدين، هو اللقاء المباشر مع قائد الحركة جون قرنق، اثناء زيارته الى المانيا ومخاطبة البرلمان الألماني في بون في بداية عام 1989. ولذلك كان وفاة قرنق المأسوية صدمة كبيرة له.
وكانت الصدمة الثانية انفصال جنوب السودان، فوحدة السودان كانت من الأهداف الأساسية لانخراطه في الحركة. مع توقيع اتفاقية السلام الشامل في عام 2005، بدأ التكالب على المناصب، وكان عزالدين وقتها مسؤولا عن فرع الحركة في برلين، بعد رحيل كوستلو الى هامبورج، وبدأ الصراع من الخلف لأزاحته من قيادة فرع المنظمة في برلين، من أولئك، الذين لا يملكون سوى الدسيسة والخداع والنرجسية، فعزالدين كان يعمل بتجرد وصمت وبعيدا عن الأضواء والمظاهر الفارغة. واذكر عندما التقيت مع إدوارد لينو في القاهرة، وكنت قد تعرفت عليه أثناء وجوده في المانيا وبرلين، وذكرت له، كيف تتنكر الثورة لأبنائها، وكان يعرف عزالدين جيدا وزوجته هلقا، وقلت له ان عزة النفس “وقوة الرأس”، تحميان عزالدين من طرق الأبواب او طلب الاِحسان. ولكن كان هناك من يملك من النبل ورد الجميل، الذي يقول، بأنه ما كان يمكن له ان يتجاوز السنة التمهيدية، التي فتحت له المجال للمسار الأكاديمي، دون مساعدة عز الدين. من الخصال النادرة والوفاء، ما قام به من رعاية زوجته أثناء مرضها الطويل، بالرغم من انفصالهما، وبالرغم من معاناته نفسه من المرض، الذي تحمله بصبر، حتى رحيلها، المحزن لنا جميعاً.
لا اريد هنا ترجمة كلمة التأبين التي قدمتها في دار سماريتا، وانما أضيف رسالتي لعزالدين قبل عشرين عاماً:
برلين 28 ــ أبريل 2005
جديرُ بالاِحترام
الأخ العزيز عزالدين
بعد التحية والاحترام
لقد فوجئت وأصابتني الدهشة عندما أعلنت في ختام محاضرتك الرائعة بمناسبة ذكرى ثورة أبريل المجيدة في النادي السوداني بتاريخ 15 أبريل 2005، خبر استقالتك كسكرتير عام للجنة التنفيذية للحركة الشعبية لتحرير السودان \ الجيش الشعبي لتحرير السودان في المانيا.
إنني لا أريد أن اتعرض لهذا الأمر، فالاستقالة خيار وقرار شخصي، ولها بلا شك أسبابها الذاتية، كما أن الأمر يتعلق بتنظيم، لست عضواً فيه.
بعد سماع خبر الاستقالة، عادت بي الذاكرة إلى سنوات خلت كانت لنا فيها نحن الاثنان سجالات عديدة على الساحة الألمانية.
لعل عنوان خطابي هذا، يعيدك إلى عنوان خطاب الأخ العزيز جعفر سعد “جديرون بالاحترام”، الذي أرسله منذ حوالي ثمانية عشر عاماً إلى الأخ كستلو رنق قرنق، الذي كان وقتها الممثل والناطق الرسمي باسم الحركة الشعبية في ألمانيا وكنت أنت ساعده الأيمن كسكرتير عام للحركة. وكانت خلفية الخطاب المشادة الكلامية الحامية والألفاظ القاسية التي صدرت منك في حقي، ويدعو فيه جعفر إلى الموضوعية في النقاش والاحترام المتبادل، وكان الموضوع يتعلق بمذبحة الضعين.
لم تكن كلماتك مصدرها الاِساءة لشخصي بقدر ما كان الحماس والدفاع عن الحركة الوليدة وما أثارته الكارثة المحزنة التي تمت في الضعين.
وشأننا نحن معشر السودانيين أحياناً، ننفعل كثيراً عندما نناقش قضايانا السودانية، فالسياسة أصبحت شغلنا الشاغل، دون أن نحمل لبعضنا ضغينة أو حقد، بل بالعكس تزداد أواصر المحبة والألفة وتعود المياه النقية العذبة الى مجاريها.
لم أكن غافلا عما جرى في مذبحة الضعين، التي راح ضحيتها عدد من أبناء الدينكا بواسطة الزريقات من عرب البقارة المسلمين، وهى انتهاك صريح لحق الحياة وحقوق الاِنسان، لمواطنين عزل من السلاح ولا يملكون إمكانية الدفاع عن النفس، ولكنني كنت أعتقد، بأن معالجة تلك الأزمة ونشرها من جانبكم على المجتمع الألماني، ليست سليمة للأسباب التالية:
أولاً ــ كانت القضية ساخنة ولم تعرف بعد أبعادها الحقيقية.
ثانياً ــ ربط المذبحة البشعة بقضية الاسترقاق والرق في السودان.
ثالثاً ــ الصدامات القبلية لم تبدأ بمذبحة الضعين، بل لها تاريخ طويل في المجتمع السوداني.
رابعاً ــ استغلال القضية سياسياً لدعم الحركة خارجياً.
صحيح إن التحري الذي قام به الأستاذان الفاضلان بجامعة الخرطوم، سليمان بلدو وعشاري أحمد محمود وكذلك الموقف المخجل بل “الفضيحة” المتمثل في رفض الجمعية التأسيسية (1986 ــ 1989 ) تكوين لجنة لتقصي الحقائق في أحداث الضعين، كانا سنداً قوياً لكم في طرح القضية. بالرغم من احترامي الكبير للأستاذين الفاضلين وهما من الرموز الأكاديمية البارزة في جامعة الخرطوم العريقة، إلا أنني أعتقد بأن العمل الأكاديمي يتطلب التروي وجمع المعلومات وربط خيوط القضية ورصد التجاوزات ومساءلة الطرفين، ثم يعقب ذلك الرأي الموثق والمدعم بالحقائق بدلاً من الاندفاع السريع واتخاذ الموقف السياسي اليومي مثل ما حدث. ” ليس تعالياً على العمل السياسي فكلانا يؤرقه مستقبل السودان”.
وأذكر عندما التقينا بعد الخطاب السعدي، قلت لك يا أخ عزالدين: بعد الصفاء يأتي أحياناً العكر ثم يعود الصفاء من جديد، هذه هو الاِنسان وهذه هي النفس البشرية، إنني لن أقطع شعرة معاوية في الغربة، فجاء ردك المباشر والسمح ” المشكلة أنه أصبحت بيننا شعرتان فقطعهما أصعب”. لقد سطرت ذلك في مجلة السودان العدد 5 \ 1989، في مقال لي بعنوان ” قرأت العدد الأول من نبته”، عرضاً وناقداً لعدد المجلة، التي كان يصدرها شاعرنا صلاح يوسف بالتعاون مع الأخوة راشد الحاج، عبد المنعم توفيق وسيف بادي، وذلك من أجل التوثيق لتاريخنا البرليني.
أنك تعلم، بأنني كنت ولا أزال في خلاف مع الحركة منذ تأسيسها عام 1983 ــ لست غافلاً او متجاهلاً أو مجحفاً في حق الجنوبيين ومطالبهم العادلة والعديدة والغبن الذي أصابهم من جميع الحكومات المتعاقبة، سواء كانت برلمانية او عسكرية شمولية. وأنما كنت على قناعة بأن الحرب التي انطلقت شرارتها في توريت عام 1955 لن تودي إلى السلام الشامل والحل العادل، بالرغم من توفر الأجندة اليسارية والاشتراكية (سابقا) للحركة. كما أنني لا أزال، رغم كل التبريرات التي كنت تسوقها دوماً شارحاً ومدافعاً عن موقف الحركة، مثل عدم اشتراك الحركة بعد ثورة أبريل 1985 وسقوط نظام مايو الدكتاتوري، ونعتها لحكومة المشير سوار الذهب، بأنها مايو “ثانية”، على قناعة بأن انضمام الحركة للحقل السياسي السلمي وقتها ومشاركتها في الحكم، ربما كان قد أدى إلى تغيير مسار الحركة الوطنية السودانية ولم يفاجئنا انقلاب الجبهة القومية الاِسلامية، الذي أطاح بالديمقراطية والحكم النيابي.
كذلك اخذ على الحركة عدم مساندة مطلب التجمع الوطني الديمقراطي بالاشتراك في مفاوضات الاِيغاد ــ التي أدت في النهاية تحت الضغط الخارجي إلى اتفاقية السلام، التي تحتوي على بعض البنود الغامضة والتي كان يمكن أن نتحاشاها بالأجماع والوفاق القومي، فالحركة، رغم تبريراتك، كانت متفقة مع حكومة الاِنقاذ لأبعاد التجمع عن المفاوضات. لا شك أن هذا تكتيك سياسي حزبي “لتكبير الكوم” والفوز بنصيب الأسد، كل هذا مفهوم كمصلحة حزبية ضيقة ولكنه غير مقبول من وجهة نظر قومية شاملة. ولكن ما لمسته في نقاش جانبي مع بعض شباب الحركة أثناء مفاوضات اللجنة السداسية بين التجمع من جانب والحكومة والحركة من الجانب الأخر في إطار قضية وضع الدستور في القاهرة قبل عدة أيام، وأنا مشارك في اجتماع مجلس الأمناء للمنظمة العربية لحقوق الاِنسان ــ بين المأزق الذي تعيشه الحركة وبين الوفاء للتجمع الوطني الديمقراطي ولرفاق السلاح من غرب السودان، الذين ساندوا الحركة في الماضي وبين الانخراط في الحكم منفردة مع حكومة الاِنقاذ ـ فالحركة كانت تنتهج أسلوباً تكتيكياً ذكياً مستفيدة من الخلاف الشمالي الشمالي ومستغلة شهوة الإنقاذ العارمة للتمسك بالحكم بأي ثمن ــ ليصير خيار الانفصال المثبت اتفاقياً واقعاً حقيقياً، رغم قناعتي بأن قائد الحركة قرنق صادق في خيار الوحدة ولكن تيار الانفصال داخل الحركة وخارجها لا يمكن الاستهانة به، كما يتصور كثيرون.
وكانت هناك أيضاً فترة خصبة من التعاون المثمر بيننا بعد ان قامت الجبهة الاِسلامية القومية باستلام السلطة عن طريق الانقلاب العسكري وفرض الحكم الشمولي، كنا نعمل سوياً من أجل استرداد الديمقراطية والتعددية السياسية ولا أزال أذكر العشرات من السودانيين الهاربين من عسف الاِنقاذ وهو يطرقون بيتك من أجل المساعدة، وكانت زوجتك الفاضلة هلقا الطيبة الخلق، رغم أعباء مهنة التدريس، من تحضير وتصحيح، تقوم بخدمة هذه الأفواج بروح مثالية نادرة، وأنت بدورك في حركة مثل النحلة بين بوليس الأجانب والمحامين ومكاتب المشورة، مرافقا لهم للحصول على حق اللجوء، لا تفرق بين الشمالي أو الجنوبي وفيهم الآن من يعيش أمناً مطمئناً ومنهم من حصل على شهادته العلمية، وانت تعمل بدون كلل أو ملل وعلى حساب صحتك ومسارك الأكاديمي. ولعلني في هذا السياق أذكر موقفك الثابت والواضح والرافض للقاء (اتفاق) فرانكفورت عام1991، الذي شارك فيه الأخ كوستلو، والذي نجحت فيه حكومة الاِنقاذ في شق الحركة وكان المفاوض الخرطومي كما قيل وقتها مدججا بالدولارات.
لقد علمتنا التجربة السياسية بأن الاِنشقاقات الحزبية أو النقابية تقود غالبا للفشل. كما أن إيمانك بوحدة السودان لم يتزعزع في أية لحظة، رغم ما اكتنفك من إحباط ويأس أحيانا ولعلني اتصور الآن بعد أن وقفت الحرب وبدأ توزيع الغنائم، أن يظهر على السطح من كان متخفياً أيام “الحارة” ووقت البذل والعطاء، ليركب الموجة ويتسلق السلم متطلعاً إلى الوظيفة في السفارة أو الوزارة أو حالماً ببناء العمارة وهو لا يعلم بأن اتفاقية السلام ليست أخر الدواء وأن الطريق لا يزال صعباً وشائكاً وإن تبعات ما بعد الحرب لا تقل عنها أثناء الحرب.
لقد تحولت الحركة أو في طريقها إلى أن تتحول إلى حزب سياسي، وهنا يأتي العمل المؤسسي والحزب الوليد يحتاج الى كوادر عديدة، مثلا في مجال التوثيق والتحليل السياسي والفكري والمتابعة الدقيقة للتطورات القادمة، واعتقد أن هذا المجال الذي يمكن أن تواصل فيه عملك ودعمك للحركة التي لا تزال تؤمن بمسارها ومبادئها والجري وراء المناصب ليس من طبيعتك ولست من ناس “شوفوني”.
أننا نعيش في أزمة عميقة منذ خمسين عاما، بالرغم مما تتمتع به بلادنا من ثروات ومساحات واسعة، وارض خصبة فلعلنا نعي جميعاً دروس الماضي ونتجاوز الأزمات التي تعوق الاستفادة من مصادر قوتنا ونحلم بسودان موحد، ديمقراطي، ليبرالي، تصان فيه كرامة وحقوق الاِنسان السوداني ويعيش فيه أهله الطيبون في سلام دائم وعادل وشامل.
وختاماً، فلنتذكر ونترحم على صديق الطرفين الراحل الأديب التاج فضل، الذي كانت تربطك به علاقة أخوية وثيقة عبر السنين، والذي غادرنا يوم الأربعاء 23 مارس 2005، في ظروف مأسوية مؤلمة. كما كنا نلتقي ثلاثتنا مع زوجاتنا (الخواجيات)، لقاءً دورياً متبادلاً في منازلنا بعيدا عن ضجيج وصخب شتاين بلاتس، وفي جو عائلي هادي، نتجاذب أطراف الحديث، خليط من الأدب والسياسة، تعطره سخرية التاج المحببة والتي خبرناها من قلمه المميز الرصين وهو الآن في رحاب الله يرقد في أمان بعيداً عن مآسي الدنيا وقسوتها.
ونتمنى لنا جميعا الصحة والعافية وأن نواصل العمل الذي بدأناه منذ سنوات في الغربة، بعد أن ابيض الشعر وأشيب الفودان، وأن تبقى كما عهدناك ــ دائما ناكراً للذات، حلو المعشر، عفيف اللسان وطيب السريرة، ودمت يا صديقي ” اللدود”، كما كنت انعتك بذلك متفكها”.
أخوك حامد \ برلين 28 أبريل 2005.
بعد رحيل قرنق وانفصال جنوب السودان وفقدان زوجته والصراع حول قيادة فرع الحركة في برلين، انزوى عزالدين عن الأنظار وعاش رقيق الحال وفي وحدة قاسية ومصارعا المرض، الذي استفحل في جسده، بشجاعة نادرة، ليذهب في أول مارس 2015 الى رحاب ورحمة الخالق، راضيا عن نفسه ومرضياً عليه، بعد أن خسر معركته الأخيرة مع المرض اللعين.
سوف يبقى عزالدين أحد النجوم، التي تضيء سماء برلين.
حامد فضل الله \ برلين 20 مايو 2020
[email protected]
الأخ د.حامد
جزيت وكفيت و الرحمة و المغفرة لمن فقدنا و عاشزنا في برلين حقبة السبعينيات ودوام الصحة و العافية
للجميع و الود لكم.