
عندما تكون الاشياء الواضحة في اية واقع سياسي غامضة جدا في نظر من نفترض فيهم المقدرة علي الفهم واتخاذ القرارات، يصاب اغلبنا بالاحباط والارتباك ويصاب اخرون بالجنون ويحلق من لخيالهم اجنحة الي عوالم اخري كعالم فرانز كافكا في روايته الرائعة المسخ. فلقد استيقظ غريغور سامسا من حلم مزعج ليلحق بقطار الخامسة صباحا. لكنه لم يستطع مغادرة سريره ، فقد تحول الي حشرة كبيرة تستلقي علي ظهرها وتحرك ارجلها في فضاء الغرفة.
لقد استطاع ان يحرك راسه الصغير ويشاهد بطنه البنية. وتستمر القصة في محاولات امه لفتح الباب لايقاظه وغضب والده وخجله من ابنه الذي تحول الي صرصار ومحاولات اخته لاطعامه اطعمة البشر وحزنها واحباطها لتفضيله الجن المتعفن الخاثر علي الطازج . لقد اندمج غريغور الصرصار الذي كان انسانا فصار يعشق الماكولات المتعفنة ويفضل العيش تحت السرير لا عليه ويتسلق الجدران في غرفته بدلا من التحرك فيها. لقد استيقظ من حلمه وهو صرصار كبير لا ينتمي الي عالم البشر بل الي عالم الحشرات وقد تاقلم تماما مع حياته الجديدة.
ما يجب القيام به في الشارع السياسي السوداني يعرفه كل من يري الواقع كما هو. تعرفه جدا لجان المقاومة وتعرف اهمية ومعني تصحيح مسار الثورة وتعرف وبدقة المطالب التي يجب تنفيذها لتصحيح هذا المسار. ولكن ما نطلق عليه واضحا ومحددا عند الشارع السوداني ولجان المقاومة والثورة هو غير ذلك في نظر السيد حمدوك والمقربين منه من قوي الحرية والتغيير.
انه واقع مواز ومغاير تماما وينتمي الي عالم غريغور سامسا الجديد، عالم المسخ، حيث اختيار الاطعمة الفاسدة والاختباء تحت الكراسي والمناضد والهروب من عالم البشر، عالم الثورة الذي ظننا ولا زلنا نظن ان غريغور سامسا ينتمي اليه ويستمع الي هتافاته ويحقق مطالبه.
انه الواقع الذي يفوق الخيال. والواقع الذي يحتاج الي خيال الثوار وجسارتهم ومقدرتهم علي اعادة تشكيله من جديد.
احمد الفكي
[email protected]