دارفور القرآن و عقدٌ من الأحزان

فى مثل هذا الوقت قبل عشر سنوات إنطلقت آلة الدمار الشامل لما يسمى ب ( دولة المشروع الحضارى أو دولة الشريعة الإسلامية ) لتعمل عمائلها فى واحدة من أطهر بقاع السودان و تهلك الحرث و النسل و تبيد الزرع و الضرع و تغتصب الأرض و العرض و ( ترق كل الدماء ) , و تهجر الأبرار و تشرد الأخيار لتوطن أرضهم القتلة الأشرار لا لشىء إلاّ لأنهم طالبوا النظام القائم بحقهم العادل فى السلطة و الثروة و نصيبهم المعروف من التنمية و البناء أسوة بالآخرين فى وطنٍ لهم فيها نصيب الأسد فى إستقلاله من يد المستعمر ثم تثبيت دعائمه و المساهمة الفعالة فى دخله القومى و المشاركة بغيرةٍ و إيجابية فى كل الميادين حباً فى وطن نتقاسمه جميعاً و يجب أن يسوده حكم القانون و يحكمه سيادة العدل و المساواة و تعلوه قيم الحق و الخير و الجمال , إلاّ أن الجأر بالحق فى وجه سلطانٍ جائر ( هو خروج عن القانون و تمرد على النظام و ربما ولاءٌ لغير الله ) يستوجب معه أشدّ أنواع العقاب و التنكيل ليس فقط ( للمتمردين المفترضين ) بل لابد أن يكون العقاب جماعياً بلا إستثناء ليشمل المجرم المفترض و جيرانه و يؤخذ فيه الولى بذنب مولاه , و المقيم بذنب الظاعن , و المقبل بذنب المدبر و الصغير بذنب الكبير , حتى يلقى الرجل أخاه فيقول : ( أنجُ سعد فقد هلك سعيد ) . لقد كانت دارفور منذ القدم داراً للقرآن تضيىء نجوعها ( نار التقابة ) و تتردد فى قراها و بواديها و سهولها و جبالها آى الذكر الحكيم بأصوات الشبان و الشيب و تمور فى أرضها الحفظة و حاملى كتاب الله فى صدورهم و إشتهر أهلها بجميل الخصال و فضائل الأعمال حيث الشجاعة و المروءة و الكرم و الوفاء و الصدق و الأمانة و إغاثة الملهوف و إكرام الضيف و عزة النفس , و غيرها من درر الفضيلة و جواهر القيم الإنسانية . فقد كان القرآن و سنة المصطفى ( ص ) دليلهم لتقييم الإنسان و التعامل معه لا يتمايزون على بعض بالقبيلة لأنهم يعرفون بأن القبائل و الشعوب هى فقط للتعارف بين الأنساب و إنما التفاضل يكون بالتقوى و العمل الصالح و يؤمنون بأن الكل من آدم و آدم من تراب , و بأنهم مثل أسنان المشط بغض النظر عن الألوان و الأعراق و الأجناس , و يتسابقون للتضامن كإخوة فى الله و يعملون على نشر الأمن و السلام , حيث تجد الراكب يسير من أقصى شرق دارفور إلى حدود تشاد و من الصحراء الكبرى شمالاً إلى حدود أفريقيا الوسطى جنوبا لا يخاف إلاّ الذئب على غنمه , حتى جائتهم الذئاب البشرية لدولة المشروع الحضارى الذين يركبون ( الجياد ) و مدججون بكل فتّاكٍ من الأسلحة و مجردون من كل ما يمت إلى الإنسانية بأى صلة و إنطلقوا يفسدون فى الأرض كالوحوش الجائعة يسفحون كل الدماء , و يقتلون كل الأنفس و لم يسلم ( حتى الشيوخ الركّع و الأطفال الرضع ) , و يحرقون كل القرى و الدور و يغتصبون الحرائر البريئات و يشرّدون و يهجرون الأصليين من السكان , فأفنوا الوجود و أبادوا الحيوان , تسايرهم النيران فى كل مسلكٍ و لم تكد ( حوافرهم ) تعلو أرضاً حتى ترى ( القوم صرعى و الديار طلول ) , كل هذا يقف وراءه نظام فاسد جبار سخّر موارد الدولة لأعماله القذرة , و يغطى له أفعاله إعلام مأجور يعيش خارج إطار التاريخ و يزين له شعاراته مثقفون أغلقوا عقولهم و ضمائرهم مقابل فتح الجيوب , و يبرر له سوءاته شيوخ وعلماء سلطان ( إشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم و ما كانوا مهتدين ) . حتى غدت دارفور المصحف و اللوح ( الأرض المحروقة ) و حمل أهلها بجدارة لقب (البؤساء أو المعذبون فى الأرض ) , و مع ذلك تجد رئيس النظام الفاسد و زبانيته من قادة الجنجويد و رموز جرائم الإبادة الجماعية فى حق إنسان دارفور يتجولون أحراراً و يواصلون الإنتقام و التشفى بحقدٍ لو وضع ما فى صدر واحدٍ منهم فقط فى كفةٍ و باقى البشرية فى كفة لرجحت كفة الميزان لقد صدق المتنبىء حيث قال : ( و إحتمال الأذى و رؤية جانيه ** غذاء تضوى به الأجسام ) . لقد قال الخليفة العظيم عمر بن الخطاب وهو فى ( المدينة ) عن عظم المسئولية الملقاة على الحاكم عبارة ستظل تتردد عبر السنين و تصك مسامع الزمن و تجلجلُ فى أفق التاريخ : ( لو عثرت بغلة بالعراق خشيتُ أن يسألنى الله لِم لا أسوّى لها الطريق ) , لكن فى دارفور لم تعثر بغلة أو يكبو جواد , بل قتلت نفسٌ و يُتّم طفلٌ و رمّلت زوجة و ثُكلت أمٌ و إغتُصبت بريئة و أحرقت كل شىء , جرائم و أفعال لا عين رأت و لا أذن سمعت و لا خطر على قلب بشر ( لمثل هذا يذيب القلب من كمدٍ ** إن كان فى القلب إسلام و إيمان ) , إلاّ أن ولى الأمر ما زال ( يرقص ) كأنّه أمِن الموت و المساءلة أمام الواحد الديّان . منذ عشر سنوات و القتل الممنهج لا يزال مستمراً بوتيرة متصاعدة , عشر سنوات من إستمرار الإبادة الجماعية و التطهير العرقى , عشر سنوات من التهجير القسرى و التشريد للسكان الأصليين , عشر سنوات و اللاجئين فى المخيمات يفترشون الأرض و يلتحفون السماء فى لهيب الصيف أو زمهرير الشتاء , عشر سنوات من المفاوضات العبثية و بيع الأرزقية لتصفية القضية , عشر سنوات … حتى أشجار الجميز و الحراز تشكوا إلى الخالق ظلم ( الحاكم بأمر الله و عسف السنين الإنقاذية ) ,عشر سنوات و إنسان دارفور يبحث عن ضمير العالم بين الأطلال و الركام . من أجل هذا نظم السودانيون فى المملكة المتحدة و إيرلندا بالإشتراك مع بعض أصحاب الضمائر الحية و المنظمات الإنسانية مظاهرة كبرى فى لندن يوم أمس الأحد الثامن و العشرون من أبريل نيسان الجارى إنطلقت من أمام السفارة السودانية إلى مكتب رئيس الوزراء ب ( 10 دوننغ ستريت ) حيث تم تسليم خطاب لمكتبه , ثم إستمر الموكب إلى البرلمان البريطانى و تم تسليم خطاب لممثل البرلمان و كذلك سلمت خطابات لكل من الأمم المتحدة و الإتحاد الأوربى فى محاولة للفت نظر العالم و المجتمع الدولى لهذه القضية المنسية و الضغط على نظام المؤتمر الوطنى من أجل إيجاد حل جذرى للمأساة . مهما يكن سوف تظل مأساة دارفور وصمة عار فى جبين حكومة الإنقاذ إلى أبد الآبدين لأنها سطرت أسماءهم فى كتاب الخالدين بأحرف من ( زفت ) , و سوف تظل دعوات المظلومين تؤرق مضاجع الظالمين إلى أن يقفوا أمام العدالة أو يهلكوا من الأرض لأن هذه سنة الله ( و لن تجد لسنة الله تبديلا ) , و غداً ستدول دولة المتجبرينا و تشرق شمس الحرية و العدل فى القرى و البوادى و الحضر و تمسح الإبتسامات الألم و الدموع و تخرج الشرفاء فى كل الربوع مترددين مع أبو اللمين : ( وداعا يا ظلام الهم على أبوابنا ما تعتب و مرحب يا صباح الحب قرّب تعال ما تبتعد ) هم يرونه بعيداً و نحن نراه قريباً إن لم يكن اليوم فغدٍ , و أن غدا لناظره قريب و ستظل القناعة الراسخة لدينا بأنه
لكل شىء إذا ما تمّ نقصان ** فلا يغر بطيب العيش ?إنسانُ
هى الأمور كما شاهدتها دولٌ ** من سرّه زمنٌ ساءته أزمانُ
و هذه الدار لا تبقى على أحدٍ ** و لا يدوم على حالٍ له شانُ
محمد الربيع _ المملكة المتحدة

محمد الربيع – المملكة المتحدة
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. مقال جميل و رائع يا أستاذ الربيع و الله دارفور كانت جنة لكن هؤلاء الدجاليين تامروا عليه لكن لهم يوم و هو قريب و الله يمهل و لا يهمل … تسلم أيدك كفيت و وفيت

  2. أي قرآن يا هؤلاء العنصريين والقتلة والمارقين والخونة ، كانت دارفور القرآن قبل ظهور هؤلاء المرتزقة الذين تخلوا عن القرآن وباعو انفسهم للارتزاق ولاسيادهم الامريكان واليهود فضاعت دارفور وماتت نار القرآن في دارفور بسبب ابناء دارفور العلمانيين وباحثي الثروة والسلطة بأي ثمن حتى ولو كانت نار القرآن الكريم التي اطفأها ابناء دارفور انفسهم فشردهم الله وسلط عليهم انفسهم فاصبحوا عشرات الحركات المسلحة المتمردة والتي تقتل بعضها وتقتل اهلها ونساءها وبناتها واطفالها سمعا وطاعة للامريكان واليهود والعياذ بالله من حالهم وعليهم من الله ما يستحقون عاجلا غير آجل

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..