كارثة الحرب وأهوال الجوع تلتهم الأطفال في السودان

اسماعيل هجانه*
لن يخفي عليكم، الوضع الكارثي في السودان يشغل بال الكثيرين منكم وبشكل كبير هذه الأيام. نحن هنا نتحدث عن واقع ليس بالهيّن. تخيلوا معي لحظة بس: برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة يرسل نداء استغاثة عاجل إلى أطراف النزاع في السودان. يطلبون فيه أمر بسيط، لكن بصورة صارمة وصريحة ضمانات لتوصيل المساعدات الغذائية بأمان للمناطق المتأثرة بالصراع، خصوصًا لأولئك المحاصرين خلف خطوط النزاع، منقطعين عن العالم ويصارعون أقدار مع الجوع. في الخرطوم، دارفور، كردفان والجزيرة.
خلونا ندخل في لب الموضوع. السودان الآن يعيش في وضع مأساوي بمعنى الكلمة، بل صار من البديهيات انمذج للدولة الفاشلة. على الرغم من جهود برنامج الأغذية العالمي المستمرة لايصال المساعدات الانسانية للمحتاجين، إلا أنها في كثير من الاحيان تقابل بالعقبات الممنهجة لعرقلة وصول المعونات الغذائية للملايين عبر البلاد منذ اندلاع الحرب، إذ يواجه حوالي 18 مليون شخص خطر الجوع الحاد، وياله من إنذار ويالها من كارثة أخرى.
تخيلوا، العدد المحتاج للغذاء قد تضاعف بشكل صادم مقارنة بالعام الماضي، وهناك حوالي خمسة ملايين شخص يعانون من مستويات خطرة من الجوع بسبب النزاعات، معزولين عن العالم يموتون ببطء وفي صمت مرعب. وقال برنامج الأغذية العالمي “ومن المثير للصدمة أن عدد الجياع قد ارتفع بما يزيد عن الضعف من العام الماضي، ويعاني ما يقدر بنحو خمسة ملايين شخص من مستويات طارئة من الجوع الحاد (المرحلة 4 من التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي) بسبب الصراع في مناطق مثل الخرطوم ودارفور وكردفان”. الذي ظل يعمل في قلب هذه الأزمة، كالعمود الفقري للاستجابة الإنسانية، مساعدًا أكثر من 6.5 مليون شخص حتى الآن. لكن الحقيقة المرة هي أنه لا يستطيع حاليًا توصيل المساعدات لواحد فقط من كل عشرة أشخاص في حوجة ماسة للغذاء ويواجه خطر الموت بالجوع.
في جلسة نظمها معهد السلام الأمريكي، بالعاصمة الأمريكية واشنطن، وصفت مديرة المعونة الأمريكية، ومندوبة الولايات المتحدة السابقة في الأمم المتحدة، سامنثا باور، الصراع في السودان بأنه كارثي، وقالت: إن الملايين من السودانيين يعيشون في رعب خوفا على أرواحهم وأرواح أحبائهم فيما يحتاج أكثر من 25 مليون شخص إلى مساعدات أساسية. وقالت أميمة عمر منسقة لجان طوارئ جبل أولياء إن هناك صعوبات عديدة تواجه عمل الشباب المتطوعين في مقدمة ذلك انعدام الأمن وقلة الموارد وتوقف شبكات المواصلات ما يجعلهم يقطعون مسافات بأرجلهم لتوزيع الأغذية بجانب مساعدة الأطفال خلال إغلاق المدارس بسبب الحرب.
صحيفة مداميك 2 فبراير، 24.
“الوضع في السودان اليوم كارثي بكل ما تحمله الكلمة من معنى”، كما يقول إيدي رو، ممثل برنامج الأغذية العالمي ومديره في السودان.
العقبات تتراكم، من تهديدات أمنية إلى حواجز وطلبات رسوم وضرائب، كلها تعيق وصول المساعدات”. تخيل؛ معي حجم الدرك السحيق الذي وصلت اليه الامور في بلادي المنكوبة بفعل الحرب العبثية. إذ ينطبق علينا المثل الشعبي المشهور في كل أنحاء السودان ” جاءوا يساعدوا في قبر ابوه دس المحافير”. او كما قال أحد النازحين بحسرة في احدى مخيمات النزوح التي تم تفكيكها في القضارف، ووجع لا يخفى، وكان يداري الدموع عن أطفاله : ديل لا يرحموا ولا يخلوا رحمة الله تنزل، حسبي الله ونعم الوكيل فيكم”.
وقال متحدث باسم اليونيسيف في رسالة إلى وكالة فرانس برس إن “أكثر من 20,3 مليون شخص، أو أكثر من 42 في المئة من سكّان البلاد، يواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد”، وهذا ينطبق بشكل خاص على المناطق التي تحتدم فيها الاشتباكات، خصوصاً في دارفور والخرطوم وجنوب كردفان وغرب كردفان.
والأمر الأكثر ماساة، ان مركزا إنسانيا حيويا فيه مخزون الاعانات الانسانية، في ولاية الجزيرة تم التهامه بنيران القتال، ومستودع رئيسي لبرنامج الأغذية العالمي تعرض للنهب. والآن، مع استمرار تدفق المساعدات في بعض المناطق، الا ان الحاجة ماسة لإيجاد طرق وآليات خلاقة والتزام مبدئي وأخلاقي صارم لتجاوز هذه التحديات.
لذا، ما الذي أريد قوله هنا؟ يعني داير اقول شنو بالبلدي كدة! هذا ليس مجرد نداء للعمل، بل هو صرخة للإنسانية. يجب على أطراف النزاع أن توقف القتال، أو تسمح لمنظمات الإغاثة بأداء عملها بحرية دون تضييق او تهديد ووقف الابتزاز. نحن بحاجة إلى تحرك فوري لضمان وصول المساعدات لمن يحتاجها الآن، بغض النظر عن مكان تواجدهم في النهاية هم بشر يستحقون الحياة. ومن أجل الوصول إلى الأسر في دارفور، أنشأ برنامج الأغذية العالمي طريقا عبر الحدود من تشاد، حصل من خلاله أكثر من مليون شخص على المساعدات الغذائية. كما استخدمت وكالات أخرى هذا الطريق لتقديم الدعم الذي تمس الحاجة إليه. قالت في وقت سابق محذرا منظمة الصحة العالمية ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) إن “عدد الأسر التي تعاني من الجوع (في السودان) تضاعف تقريبا”. كل هذا يؤكد بما لا يدع مجالا للشك الحالة المزرية التي يعيشها الأطفال باعتبارهم يشكلون النسبة الأكبر من الذين يلتهمهم الجوع ويعانون من أهواله، بعد أن فروا من الحرب سجنوا في مصيبة الجوع. انها كارثة تلد الأخرى.
في النهاية، لنمد يد العون، و عدم ترك أحد وراء الركب منسيا يصارع الجوع الذي لا يقهر، لأي شخص كان، بغض النظر عن لونه، جنسه، قبيلته، جهته، دينه ثقافته ونوعه او رائه السياسي، امرأة كانت او رجل، طفلة او طفل مكتوف الأيدي ومربط الأرجل ومعصب العينين بفعل أهوال ومصائب الحرب. دعونا نتحد، ونرفع أصواتنا، إلى أن يسمع العالم ويتحرك. لأنه، في النهاية، كلنا في شركاء في رحلة الحياة معًا، يجب ان نعزز كرامة الإنسانية.
*المستشار الاستراتيجي للشؤن الانسانية والتنموية
[email protected]