أخبار السودان

البرهان لا ينوي التراجع عن انقلابه

عبداللطيف السعدون

حكى الحاكم العسكري للسودان، عبد الفتاح البرهان، في مقابلة له على التلفزيون ذات مرة، أن أبيه كان قد قرأ له حظه وبشّره بأنه سيصبح يوما رئيسا للبلاد. وقد دفعته، على ما يبدو، هذه “البشرى” إلى استعجال وصوله إلى سدّة الرئاسة، منقضّاً على رفاقه في السلطة الذين جاءت بهم قوى إعلان الحرية والتغيير، وملغيا المؤسسات التي أقرّها “الإعلان الدستوري” ومتعهدا لمواطنيه بإكمال “التحوّل الديمقراطي” خلال سنتين، يعرف المجرّبون أنها ستطول إلى ما شاء الله. بذلك يكون قد جمع السلطة من أطرافها ووضعها بين يديه، بعدما استنسخ تجربة سميه رئيس مصر، عبد الفتاح السيسي، وبعدها تجربة رئيس تونس، قيس سعيّد، و”مفيش حد أحسن من حد”!

وقد يكون البرهان، وهو في غمرة استعجاله، نسي أن لبلاده خبرة في الانقلابات العسكرية، إذ شهدت، منذ الاستقلال وعلى امتداد أكثر من ستة عقود، كومة من الانقلابات، بعضها نجح وبعضها فشل، وتكاد كلها تحمل “الروزنامة” نفسها التي جاء بها البرهان. وعلى الرغم من هذه الخبرة العريضة، فإن أحدا من “العساكر” الكبار الذين خطّطوا لتلك الانقلابات أو وقفوا وراءها لم يتورّع عن التنكّر لوعوده والتنمّر على من جاء به إلى السلطة، وبقيت السودان في ظلهم تعاني من مشكلاتها المزمنة، الفقر والجوع والمرض، ولم يوفّق السودانيون في نيل حقوقهم في الحرية والديمقراطية والحكم العادل. ولذلك لم تتحقق عندهم القناعة بحكم العساكر عندهم، وهذا ما دفعهم إلى رفض انقلاب البرهان منذ يومه الأول، ونزلوا إلى الشوارع، معلنين العصيان المدني حتى رحيل الانقلابيين ووضع السلطة بيد قوى الائتلاف المدني.

رفض السودانيون انقلاب البرهان منذ يومه الأول، ونزلوا إلى الشوارع، معلنين العصيان المدني حتى رحيل الانقلابيين

الاستثناء الوحيد على تجربة “العساكر” السودانيين هي الفترة التي قضاها المشير عبد الرحمن سوار الذهب على رأس السلطة بعد “انتفاضة إبريل” منتصف الثمانينيات، ودامت سنة وافق على أن يمدّدها عشرين يوماً فقط بطلب من القادة السياسيين والنقابيين إلى حين إعلان نتائج الانتخابات وتسليم السلطة إلى حكومة منتخبة، وكان أصلا قد تردّد، في البداية، في قبول ترؤس السلطة، إلا أن الضغط الشعبي دفعه للاستجابة، ولم يشأ أن يتشبّث بالكرسي و”يبرمج” طريق البقاء رئيساً أبدياً، كما فعل آخرون في غير عاصمة عربية، ممن لم يكتفوا بما فعلوه، إنما ظلت عيونهم على أبنائهم كي يورّثوهم السلطة!

وفي ضوء هذه المعطيات، يستقرئ المرء بحذر ما يمكن أن يدور اليوم في ذهن عبد الفتاح البرهان الذي لا تخطر في باله فكرة الاقتداء بتجربة سوار الذهب، لسبب بسيط، افتقاره حنكة الرجل وحكمته، كما قد لا يفكّر في التراجع عما فعله، بعدما أوقع نفسه في مأزق، الخروج منه صعب والبقاء فيه أكثر صعوبة. لكنه في الحالين سوف يكتشف، ولو بعد حين، أنه يشبه من يضرب حائطاً صخرياً على أمل تحويله إلى باب، إذ إنّ الباب الوحيد الممكن فتحه بأمان هو في إعادة الحياة إلى التشكيلة الدستورية التي أجهز عليها، وتسليم السلطة لقوى الائتلاف، واعتزال “السياسة” التي لن تورّثه، لو أصرّ على خوض غمارها، إلّا الندم!

يدرك البرهان أنه يسير على أرضٍ رمليةٍ تهب عليها الرياح من جهاتها الأربع

وفي أيّ حال، وقع البرهان في وهمٍ ظن أنه سوف يعينه في التقدّم نحو ما يأمله، ويتوافق في هذا مع مساعده محمد حميدتي، قائد مليشيا الجنجويد التي أصبحت تعرف باسم “قوات الدعم السريع” الموازية للجيش النظامي، والذي يحظى بدعم أطراف خليجية لم تشأ أن ترمي بثقلها وراء الانقلاب في الظرف الحاضر على الأقل.

وقد يكون البرهان فكّر في أن بصمات أصابعه على اتفاق التطبيع مع إسرائيل التي ما تزال طرّية ستوفر له إمكانية البقاء في القمة. وربما فكّر أيضا أن الأميركيين سرعان ما سيعيدون النظر في موقفهم الرافض للانقلاب، عندما يطمئنون إلى استقرار سلطته وثباتها، خصوصا أن عوامل جيوبوليتيكية يتمتع بها السودان قد تخفّف من غلوائهم، وتدفعهم إلى الاقتراب من حكومة الخرطوم، وهذا ما فعلوه مع حكومة السيسي في مصر، إلى جانب استعداد البرهان لتلميع صورة انقلابه، والسعي إلى استقطاب عناصر مدنية تعينه على ذلك، وهذا ما نلاحظه في التلويح بإمكانية إعادة رئيس الوزراء، عبدالله حمدوك، إلى منصبه، وكذلك الوعد بإعلان تشكيلة وزارية قريباً

يبقى أن يدرك البرهان أنه يسير على أرضٍ رمليةٍ تهبّ عليها الرياح من جهاتها الأربع، وهذا ما يجعل كلّ الاحتمالات واردةً وفي أيّ وقت.

العربي الجديد

‫3 تعليقات

  1. ما شفنا جيش جاهل وحاقد على شعبه مثل الجيش السوداني الذي ترك مهامها الاساسيه وأصبح يمارس السياسة باختلاق الازمات وقطع المواني والطرق ويصارع في كراسي السلطه على حساب دماء شعبة.. جيش تتحكم فيه مليشيا حميرتي وتمارس القتل أمام الجميع.
    كل ما حدث وما سيحدث مستقبلا ما هو إلا خوف من المحاسبة وهروب من مسؤلية قتلي فض الاعتصام امام بوابات الجيش.
    الشعب السوداني قال كلمته لا لحكم العسكر الشمولي.
    ياتو رصاص ما عقبو خلاص…
    وياتو وطن دام للأنجاس..
    البرهان لا يمثل الا نفسه والكيزان من خططوا مجازر دارفور وجنوب كردفان والنيل الازرق…. أين شرفاء القوات المسلحة…… كل يوم يمر يثبت كذب قوات الشعب المسلحة فهي تمثل النظام الساقط نظام الرقاص وتجار الدين الحراميه.. يجب حلها فورا فهي لا تمثل الشعب السوداني…..

  2. التراجع اكثر صعوبة وليس العكس لو تراجع حيتنفخ مافيها احتمالات اخرى ولو تشبث ربما تظهر مسارات اخرى الناس تجبره بازاحته غضبا عنه برهان لن يتراجع الا بقوة الشارع يوقفوا ليهو البلد لامن يسقط بس

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..