أكتوبر 1964م وجهة نظر بجاوية

في أكتوبر 1958 تكللت جهود شباب وشيوخ البجا بنجاح أول مؤتمر جامع لكل طبقات البجا شيباً وشباباً ، قادة ورعية بالإعلان عن ميلاد مؤتمر البجا السياسي بقيادة الدكتور طه عثمان بليه ورفاقه الذين ناضلوا من أجل ذلك اليوم والذي كان بحق يوماً مشهوداً من أيام البجا .
كان ضمن حضور ذلك اليوم رئيس مجلس الوزراء عبد الله خليل بدعوة من سكرتارية المؤتمر وكثير من رجالات المجتمع السياسي في ذلك الوقت .
عند إعلان مؤتمر البجا كانت حركة التمرد في الجنوب قد أكملها عامها الثالث ولم تتم معالجتها وكانت تمثل هاجساً للحكومة لم تتخلص منه وإذا بمولود جديد يظهر في الحياة السياسية الشئ الذي لم يستوعبه عبد الله خليل ومعه قيادة الختمية التي كانت تعتبر شرق السودان محمية ختمية وبالطبع كان عبد الله خليل رئيساً لحكومة ما كانت تسمي بحكومة السيدين الميرغني والمهدي بعد لقاءهما المعروف لإقتسام السودان . لم يتحمل عبد الله خليل ذلك والذي يشغله عن الترف التي كان يعيشها رجل مثله من من مخلفات الحكم الثنائي فما كان منه إلا وبعد التشاور مع سيديه أن سلم زمام الأمر للعسكر فاراً بجلده من مشاكل السودان وقضاياه المصيرية ثم أنزوي في مزبلة التاريخ . وسلب البجا أبسط حقوقهم ف التعبير عن قضاياهم بعد شهر واحد من تأسيس مؤتمرهم .
وحتي تكتمل المسرحية وتكون قسمة الكحكة عادلة بين الشريكين ، عبود وهو القائد من نصيب الميرغني وأحمد عبد الوهاب من نصيب المهدي ولكن كانت هناك عقبة يجب إجتيازها وهي وجود أحمد أبو بكر والذي ينتمي للبجا والذي لا ينتمي إلي الحزبين ولن تمر اللعبة في وجوده لذا تم إبعاده ليخلو الجو وتستمر المسرحية إلي نهايتها بسلام ويكون السودان ملكاً للسيدين .. شرقه ووسطه وشماله للميرغني وغربه للمهدي ولينسي الشعب السوداني نضالاته وتضحياته ضد الإستعمار لنيل الإستغلال ليعيش إستعماراً طائفياً جديداً نعيش ويلاته حتي اليوم .
وبما أن السلطة وطعمها الخاص ومؤامراتها التي لا تنتهي وكان لابد للميرغني أن يستأثر بها وكان أحمد عبد الوهاب غير محبوباً في الجيش أو كما أشيع فلقد تم إبعاده بإحالته للمعاش ليخلو الجو مرة أخري للميرغني وخليفته عبود .
لكن هذه المرة ظهرت مشكلة جديدة لم يحسب حسابها بظهور حسن بشير ، عروة وغيرهم من قبيلة الشايقية وقبلهم عبود وأحمد خير ، أثارت الحساسية القديمة بين الشايقية والجعليين وعلي رأسهم محي الدين أحمد عبد الله وكانت الإنقلابات المتتالية ضد الحكومة والشعب السوداني يتفرج فهو مستعبد أساساً ولا يحق له التدخل .. ولكن كان الجانب الآخر والذي قُدر به ينتظر الفرصة للإنتقام ومحاولة الوثب للسلطة لذا لم نستغرب وصول الصادق المهدي للجامعة في الثانية صباحاً يوم 22 أكتوبر ليبدي إستعداده للمشاركة ويظهر علي الساحة السياسية .. إنها الإنتهازية الواعية .
21 أكتوبر القومية
ولأبدأ بكلمات الشاعر محمد المكي إبراهيم واصفاً الليلة الكئيبة :
رصوا بروج الموت فوق الجامعة
وتفجر الغاز البذئ علي العيوم مدامعاً
وتوحش البارود لعلع في الجباه وفي الرئات وفي الصدور
كانت الندوة الشهيرة عن قضية جنوب السودان والتي كانت تعامل دائماً بالعنف والقتل ، لم يتحمل العسكر إثارة مثل هذه قضايا وما أكثرها ، وكان لابد من تفريق الجمع وبأي وسيلة ولعلع الرصاص والغاز كما وصفه الشاعر محمد المكي وكانت النتيجة سقوط الشهيد القرشي أول شهداء أكتوبر وحملت الشرطة جثمان الشهيد إلي مشرحة مستشفي الخرطوم .
في صبيحة يوم 22 تجمهر طلاب الجامعة حول المستشفي آملين في نقل جثمان الشهيد غلا أن الشرطة كانت قد ضربت طوقاً محكماً علي المستشفي ومن المؤسف حقاً أن رؤساء صحيفتي الأيام والصحافة كانا داخل المستشفي ولم تشر صحفهما إلي الحادث من قريب أو بعيد فلقد ؟؟ الرقابة علي الصحف علي أشدها ولا يسمح بنشر خبر في غير صالح النظام وكان نائب مدير الشرطة أبارو يسيطر علي المستشفي ويمنع الدخول إليه ولكن موقف الدكتور عبد الحليم محمد مدير المستشفي ولله دره كان موقفاً عظيماً أحرج نائب مدير الشرطة وأرغمه علي الإنسحاب ودخل القادة السياسيين وأساتذة الجامعة لحمل الجثمان من المشرحة إلي خارج المستشفي حيث كان ينتظره الطلاب وبدأت المسيرة .. وبدأت تفوح روائح الإضراب السياسي .
في عصر نفس اليوم تحركت مسيرة هادرة من جامعة الخرطوم وكانت هناك بعض الأعمال التخريبية نتيجة للإنفعال منها صالة غردون وجريدة الرأي العام وكان ذلك إيذاناً بإستمرار المسيرات ضد النظام وكانت في البدء طلابية محضة ولكن سرعان ما إنتظم فيها كل الشعب .
وفي هذه الأثناء كانت مدينة كسلا أول من تجاوب مع الحدث وبدأت المسيرات من المدرسة الثانوية كما وسرت العدوي إلي منطقة القاش كلها وكونت قيادات لتنظيم العمل في كل من كسلا ومدينة أروما .
في الخرطوم كان المعهد الفني تؤاماً لجامعة الخرطوم من اللحظات الأولي فلقد كان طلابه يصنفون بأنهم شيوعيون من قبل أجهزة الأمن ولكنها الروح الوطنية في الشباب والتي تحتم علي الجميع وكل من فيه حس وطني أن يتجاوب مع الحرية والإنعتاق ومناهضة الظلم أياً كان . هذا وقد إرتبطت ليلة المتاريس الشهيرة فيما بعد بهم .
وفي مناورة لم تنطلي علي أحد وفي محاولة يائسة من النظام أعلن الفريق عبود ليلة 26 أكتوبر حل المجلس الأعلي للقوات المسلحة في محاولة لتهدئة الغليان الذي عم أجزاء كبيرة ومؤثرة من السودان، لم يفلح ذلك في تهدئة الشارع الذي دخل في إضراب سياسي شل الحكومة إشتركت فيه كل قطاعات الشعب السوداني وتواصلت المسيرات المناهة للنظام ليل نهار .
في يوم 28 أكتوبر رفع شعار إلي القصر حتي النصر فتدافعت الجماهير إلي شارع القصر بأعداد رهيبة لم تتخلف المرأة في ذلك اليوم وكأنهم يريدون رأس غردون الآخر وكانت المجزرة حيث أستشهد في شارع القصر 26 مواطناً أحدهم (حران) من كسلا وكانت هذه قاصمة الظهر بالنسبة للنظام فقد ألهبت مشاعر السودان قاطبة وكان أكثرهم تطرفاً مواطنو كسلا .
في مساء ذلك اليوم بلغ الخبر المشئوم إلي قيادة جبهة الهيئات في كسلا عن طريق أبناء كسلا المقيمين في الخرطوم وكانت كسلا تغلي كعادتها خاصة وأن الشرطة قد حيدت تماماً بعد قيادة القاضي فؤاد الأمين للتظاهرات فما كان من القيادة ألا أن أعلنت التحرك الخرطوم للمشاركة وكانت الوسيلة المتاحة هي الشاحنات لحمل الجماهير وكان الوقت نهاية خريف فإقترحت نقابة السكة الحديد المشاركة في الجبهة تسيير قطارات بدلاً من الشاحنات فهي أكثر ضماناً وإتساعاً وبالفعل تم تجهيز قطارين في نفس الليلة كانت كانت كاملة الإعداد في الصباح .
في صبيحة يوم 29 أكتوبر تحركت المسيرة الهادرة من الجماهير إلي محطة السكة الحديد حيث كانت القطارات مجهزة بكل ما يلزم . تحرك القطار الأول الساعة التاسعة صباحاً بالقاطرة 1011 ثم تلاه القطار الثاني بالقاطرة 1005 يسبقهم أتومبيل سكة حديد عليه مهندسون لفتر الطريق للقاطرتين. وكان ذلك بقيادة الزعيم محمد جبارة العوض وآخرون ذكرت بعضهم في مقال سابق عن مسيرة القطارات حتي الخرطوم .
في يوم 30 أكتوبر وقطارات كسلا علي مشارف الخرطوم كانت جبهة الهيئات وعبود وزمرته يتفاوضون حتي الساعات الأولي من الصباح وكانت قطارات كسلا بمثابة ورقة ضغط في يد الجبهة وكان متوقعاً دخولها للعاصمة مع شروق الشمس إضطر إبراهيم عبود للإستسلام تحاشياً لمجزرة أخري قد تقع وكان بعض رفاقه يرون معالجة أمر القطارات قبل الدخول في تسوية وما أظن إلا نسفها بمن فيها وليكن ما يكون ولكن إبراهيم عبود رضح للأوامر ووقع ممثلوا الجبهة القومية الموحدة ونظام عبود علي الميثاق الوطني والذي تضمن المبادئ الآتية :
1- تصفية الحكم العسكري
2- إطلاق الحريات العامة
3- رفع حالة الطوارئ وإلغاء جميع القوانين المقيدة للحريات في المناطق التي لا يخشي فيها إضطراب الأمن
4- تأمين إستغلال القضاء
5- إطلاق سراح المعتقلين الساسيين والمسجونين المذنبين في قضايا سياسية
6- أن ترتبط الحكومة بإنتهاج سياسة خارجية ضد الإستعمار والأحلاف
7- تكوين محكمة إستئناف مدنية من عدد من القضاة لا يقل عن خمسة تئول إليها سلطات رئيس القضاء القضائية منها والإدارية
8- تكوين لجنة قوانين جديدة تتمشي مع تقاليدنا

حسن شكيلاي
كسلا 2017
ت : 0916165681
حاشية :
1/ كان أقذر عمل لعبود وزمرته إلغاء صندوق البجا للتعليم رغم أنه شئ أهلي بحت تعلم من ورائه الكثيرون بجا وغير بجا ممن يعيشون في الإقليم الشرقي .
2/ وأسوأ عمل قام به نائب أم كدادة عبد الله خليل هو حرق العملة وطبع عملة جديدة من إحتياطي مشروع القاش الزراعي ( عشرة ملايين جنيه استرليني ) .

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. مقال في منتهي الموضوعية وهو يؤرخ لفترة هامة حافلة بالاحداث لتاريخ شعبنا. ليتك تواصل الكتابة وتلقي الضوء علي مشاكل الشرق.

  2. ادروب احسن لك روح سوي جبنة في دل الدهاوية وشربها يبدو ان راسك بيوجعك من قلة الكييف وبعد الجبنة خذ لك سفة من ود عماري كسلا .. ولما ينظبط مزاجك تغطعى بتوبك – النظيف ذاك – وغط في نومك في ظل الضحى الين تصحيك شمس الظهر .. اذا صحيت انقل لظل الظهر واضبط فنجانك وقرب حقة تمباكك اعدل مزاجك وواصل نومك …ذا حيصلة ادروب .. لا تنس نادي معاك اوشيك واوهاج وابو زينب عشاان يشيل معاك الغنى سوي جبنة يا بنية في دل الدهاااوياااا .. فنجان جبنة بشماله يساوي الدنيا بي هالووووو

  3. 1958 يعنى 55 سنة من عمر هذا المؤتمر البجاوى والنتيجة ؟؟ يعتبر شرق السودان من أفقر أماكن السودان حيث الفقر الجهل التخلف الجوع ،، لو كان لهذا المؤتمر حسنة واحدة أذكرها حتى نسجلها له ،، احتفظ بوجهة نظرك لنفسك ،،،

  4. Beja congress-1958 كان صولة وجولة ومؤتمر البجه/الكفاح المسلح(1992-2005)كان جولة وصولة وحان الزمان لصولة وجولة ثالثة والثالثة يا في الجمل او في الجمال لينتهي هذا المسلسل
    واحييك يا شكيلاي

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..