مقالات وآراء

لن يُلحق الحلو بالسلام وإنَّما سيصنعه

الشكر أولاً لدولة جنوب السِّودان حكومةً وشعباً لاستضافة المفاوضات التي جرت بجوبا والتي ستتواصل من أجل احلال السلام الشامل العادل والدائم في السُّودان لأنَّه هدف استراتيجي للشعبين الجنوب سوداني والسُّوداني. فالسلام في حد ذاته هو عملية (Process) شاقة وطويلة تحتاج لصبر ورؤية واضحة وصراحة وتركيز، وهي بذلك كالبحث العلمي. فالباحث المفكِّر عن الحقيقة يلاحظ ويقارن ويبلوِّر ملاحظاته لصياغة الافتراضات والنظريات بعد تنقيب ما توصَّلت إليه البحوث السابقة ذات الصلة بالموضوع ليتجنَّب التكرار. هذا النهج والأسلوب العلمي تداركته وانتهجته وطبَّقته الحركة الشعبيَّة لتحرير السُّودان – شمال بقيادة القائد عبد العزيز آدم الحلو في تشخيص المشكلة السَّودانيَّة تشخيصاً صحيحاً فخرجت برؤيتها الواضحة للحل. فلذا ترى أنَّ الطريقة التي تمت بها التفاوض لحلحلة الأزمة السُّودانيَّة غير جادة ولا منطقية لذا انتجت حلولاً لا تعالج المشكلة وإنَّما تزيدها تعقيداً. لهذا كله رأت الحركة أنَّ الاتفاق الذي تم التوقيع عليه في جوبا في ٣١ أغسطس ٢٠٢٠م لا يعنيها في شيء لأسباب كثيرة نذكر منها على سبيل المثال، لا الحصر.

أولاً: تم تقسيم منصة البحث عن السلام والتفاوض حوله إلى مسارات عديدة بدلاً عن مناقشة القضية الكلية للسُّودان في طاولة واحدة مهما أخذت من وقتٍ طويلٍ. فما دمَّرته ٣٠ سنة لا يمكن علاجه في سنة واحدة، فضلاً عن أنَّ من بين المفاوضين من شارك في ذلك الدمار بل كانوا قادة اللجنة الأمنيَّة لذاك النظام “البائد”، وأنَّ من بينهم أصحاب تجربة ثرة. إذن، كان الهدف من هذا التقسيم هو إضعاف موقف فريق وتذويب القضية من أساسها. هذا النهج مارسته حكومة الإنقاذ من قبل مع كل الفرقاء السُّودانيين. ففي نيروبي انفردت بالحركة الشعبيَّة فجاءت من منتجع نيافشا اتفاقية سلام غير شامل ولا عادل عام ٢٠٠٥م. فبعفويتنا السُّودانيَّة فرحنا بها معلَّلين أنَّها أوقفت نزيف الدم ولكن إلى حين ف”حدث ما حدث” للوطن بانفصال جنوب السُّودان، عودة الحرب إلى جبال النُّوبة والنيل الأزرق. أيضاً كان لقد تم توقيع سلام الشرق في أسمرا وليست القاهرة لحل مشكلة شرق السُّودان التي لم تنفَّذ حتى سقوط النظام “البائد”؛ وكان ثالث الأثافي منبري أبوجا والدوحة وما تبعهما من اتفاقيتين موءودتين لتسوية الصراع في دارفور. فمن التجارب الفاشلة والمريرة التي سردناها سيفشل “اتفاق” جوبا أيضاً.
ثانياً: اعتبار القضية السُّودانيَّة مسألة أمنيَّة بحتة ينبغي أن تحل أمنيَّاً. فبهذه الرؤية القاصرة ترأس المفاوضات وفد عسكري بخلفية أمنيَّة فبدأ التفاوض بالترتيبات الأمنيَّة مع حركة عقار كحل لقضية جبال النُّوبة والنيل الأزرق مع العلم أنَّه لا يملك جيشاً أو أرضاً يناقش حولهما.

بالطبع لقد أنتجت تلك المفاوضات كلاماً إنشائيَّاً طويلاً مبتوراً ومتداخلاً. بيد أنَّ هذا الكلام غير منطقي ولا موضوعي في الصياغة والمضمون، حيث يحدث نوعاً من الربكة. وفوق كل ذلك غير قابل للتنفيذ على أرض الواقع. إنَّ ما تم التوقيع عليه ليس بسلام بكل المقاييس والمعايير وأياً كانت تسميته، سواء أكان اتفاق سلام بالأحرف الأولى أو الأخيرة أو بكل الأحرف. ومهما يكن، موقف الحركة لحل القضية السُّودانيَّة ثابت وهو مناقشة جذور المشكلة بحسبانها قضية سياسيَّة في المقام الأول. فنهاية أية تسوية لصراع سياسي تتبعها الترتيبات الأمنيَّة لضمان تنفيذ ما سيتم الاتفاق عليه. فالمبادرة التي قام بها رئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك والقائد عبد العزيز آدم الحلو خطوة صحيحة وفي الاتجاه الصحيح. ولكن يستغرب المرء مما تناقلته وسائل الإعلام المختلفة أنّ مجلس الوزراء وصف هذه المبادرة ب”مبدئية”، وأنَها ستعُرض للجهات المعنية من الجانبين، دون التوضيح لماذا؟ الأمل معقود في ألا يكون موقف الدكتور حمدوك تكتيكياً وجساً لنبض الحركة والشعب السُّوداني مثلما فعل أثناء زيارته الشهيرة إلى “كاودا” إذ لم يلب طلب رئيس الحركة الشعبيَّة بإعلان السُّودان دولة علمانيَة وإلغاء قوانين سبتمبر ١٩٨٣م.

على أية حال، ما نعرفه عن الحركة أنَّ مثل هذه المبادرات المصيريَّة لا يقوم بها رئيسها بمفرده قبل عرضها للقيادة والقيادات أولاً، ولا بد لجماهير الحركة معرفة المقاصد منها. هذا ديدن قادة الحركة مع قاعدتها الجماهيريَّة خاصة بعد عزل رئيسها وأمينها العام السابقين اللذين تميَّزت فترتهما بالغموض والخداع، إن لم تكن الخيانة للمبادئ الأساسيَّة للحركة. فقد رأينا كيف طافت الحركة مناطق سيطرتها تبشِّر بقدوم السلام إذا كانت للحكومة الانتقاليَّة إرادة سياسيَّة لاتخاذ القرار الصائب، كما أحاطت الحركة قاعدتها بما تفاوضت حوله واستشارتها وتوجيهها لما يجب القيام به، فضلاً عن عقد المؤتمرات وورش التوعية والتعبئة السياسيَّة استعداداً لأية مرحلة من مراحل التفاوض. على العكس من الحركة لم تقم الأطراف الأخرى بتنوير جماهير الشعب السُّودان بما كان يدور بجوبا غير المقابلات الفردية والتصريحات التي كان يصدح بها المسؤولون. بيد أنَّ وسائل الإعلاميَّة المحليَّة خاصة الرسميَّة مثل قناة تلفزيون السُّودان لم تهتم ببث ثقافة السلام في برامجها.
فللذين يتوَّهمون بأنَّ الحلو سيأتي إلى السلام، نؤكِّد لهم بآنَّها ستبدأ التفاوض من حيث انتهت في أولى جلساتها مع وفد الحكومة وليس من حيث انتهت حركة عقار/”الجبهة الثوريَّة”، وحركات الكفاح المسَّلح، وقادة مسارات الوسط، والشرق والشمال. وليكن واضحاً أنَّ القائد عبد العزيز الحلو لن يأتي إلى سلامٍ أو سيلحق بسلامٍ هشٍ لا يلبي طموحات الشعب السُّوداني، وإنَّما سيصنع السلام مع الجادين والحريصين على مصلحة الوطن.

قندول إبراهيم قندول
[email protected]

‫4 تعليقات

  1. لا فرق بين الحلو و محمد نور و باقي أمراء الحركات المسلحة. .كلهم مجرمون و قتلة و ساهموا بشكل كبير في تدمير مناطقهم و تحويلها لساحة حرب و تشريدهم أهلهم المساكين الذين كانوا يعيشون في سلام ..أعجب ممن يحاول تلميعهم و الباسهم ثياب البطولات الزائفة. .هؤلاء لن يأتوا بالسلام فهم أمراء حرب و بسترزقون من قضايا المنطقة بدلا من المساهمة في الحل ..

    1. ياHassan Musa انت اما كوز او جنجويد او مرتزق..كلكم في سلة واحدة يجب ان تعلموا بان زمن تغبيش الوعي قد ولي بدون رجعة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..