مقالات سياسية

خذوا الدرس من ايران: اعدام كل من يتاجر بالعملات

 بكري الصائغ

١-
اخيرآ جدآ، وبعد ان ظهرت قوة تجار العملات الذين اصبحوا دولة داخل دولة ومصدر خطر حقيقي علي الاقتصاد الوطني، قررت الحكومة (في الوقت الضائع)، ان تشن حربآ شعواء بلا هوادة علي التجار الذين يتعاملون ببيع وشراء العملات، ومن اجل هذا الغرض في القضاء علي سوق العملات، وإنفاذاً للتوجيهات السيادية الصادرة من جهات عليا، تم تشكيل قوات مشتركة من الشرطة والامن العام والاستخبارات العسكرية و”الدعم السريع”، وتم تشكيل لجنة تضم مدير شرطة ولاية الخرطوم ومدير الادارة العامة للمباحث والتحقيقات الجنائية ومدير الادارة العامة للشرطة الامنية، حيث انطلقت تلك اللجنة للعمل، وصدرت التوجيهات ايضآ بالاطلاق يد القوات للقبض على اخطر تجار العملات الاجنبية بالبلاد،  وتمكنت تلك القوة في زمن وجيز من توقيف (١٨) تاجراً من اكبر تجار العملة بالبلاد، وهم تجار معروفون باسواق العملات، والقي القبض على نحو (٢٥) من السماسرة والسريحة.

٢-
جاءت الاخبار الاخيرة المثيرة عن نشاط مافيآ تجارة العملات وافادت، انه فى احد احياء الخرطوم يقع منزل احد تجار العملات، وهو مبنى مكون من (٣) طوابق، وتم تشييده من عائدات تجارة العملات، ورب الاسرة من كبار تجار العملات المعروفين ولا يمارس اى نشاط خلا تجارة العملات، ولم يقف الامر عنده بل تجاوزه الى ابنائه، حيث سار ابناؤه على دربه فى ذلك المنزل، وهنالك اكثر من (٢٠) خزانة موزعة بالطوابق الثلاثة، حيث باتت تلك الاسرة تتنفس وتنام دولاراً، واسفل أسرتها خزانات ممتلئة بالدولار، ولم يقف الامر عند ذلك، بل ان هنالك خزانات مدفونة اسفل اشكال السيراميك الانيقة، وعلى الرغم من كل ذلك الكم الهائل للخزانات الا انه لم يعثر فيها على اموال لا بالعملات المحلية ولا بالاجنبية. واشارت مصادر الى انه يبدو ان التاجر واسرته قد تلقوا انذاراً بحملات مكثفة مما جعله يخفى امواله فى جهة غير معلومة، واضافت المصادر ان مثل تلك الشبكات تتميز بالذكاء والحذر، وان لديهم مصادر موزعة في كافة الاجهزة النظامية لتحذيرهم وايصال المعلومات سريعاً لهم، حتى ان تلك الاسر كانت تعيش بطريقة عادية ولم تتفاجأ بالمداهمات التى تمت، مما يؤكد علمهم المسبق واخفاءهم الاموال فى مواقع اخرى غير منازلهم.

٣-
وفى موقع آخر تم ايقاف تاجر عملات شهير وابنائه الاثنين وهم جميعاً يمارسون تجارة العملات، والقى القبض عليهم واحيلوا للتحقيق، وفى موقع ثالث واثر كمين محكم نفذته قوة الدعم السريع تمكنت القوة من القبض على تاجر شهير يضارب بالعملات الاجنبية، وبتفتيش مقر اقامته وامتعته تم ضبط مبلغ (١٨٠) الف دولار واموال طائلة، واحيل الرجل للجنة للتحقيق معه. وفى ذات السياق اكدت شرطة ولاية الخرطوم استمرار حملاتها تلك، وانها ستطول المكاتب والمنازل ومقرات اقامة تجار العملات وكل مقر يرتاده تجار العملة.

٤-
تجار العملات لا تهمهم كثيرآ تحديات الحكومة ضدهم فقد اعتادوا عليها منذ زمن جعفر النميري، ولا يكترثون لتصريحات المسؤولين وتهديداتهم، انهم فئة تعمل يوميآ في هذه التجارة بكل ثقة واطمئنان وبلا خوف، مستندين في ذلك علي ضعف القوانين الهشة التي سنتها الحكومة في حربها ضدهم، العقوبات الجزائية ضد المخالفين لجرائم المال، لا ترقي اطلاقآ لحجم الجرم الذي يقومون به من   تخريب ودمار للاقتصاد الوطني، كان الواجب علي الحكومة ان تعيد النظر في القوانين السارية اليوم في البلاد، واستفادوا منها كبار تجار العملات، ومن يطالع بقرأة متأنية مجمل هذه القوانين، يجدها ان هدية من الحكومة للمضاربين بالعملات!!

٥-
ما الذي يمنع الحكومة في سن تشريعات جديدة وقوانين قوية ضد تجار العملات تصل الي حد الاعدام ؟!!، ما الذي يمنع المشرعين من الغاء حكم السجن علي المضاربين بالعملات واستبدالها بقوانين تعيد الهيبة للدولة التي اصبحت تحت رحمة هذه المافيآ القوية؟!!
٦-
هل يعقل ان تقرر الحكومة شن حملات ضارية وقوية ضد تجار العملات، وتجند لهذا الغرض كل المؤسسات العسكرية- (قوات مشتركة من الشرطة والامن العام والاستخبارات العسكرية والدعم السريع، ولجنة تضم مدير شرطة ولاية الخرطوم ومدير الادارة العامة للمباحث والتحقيقات الجنائية ومدير الادارة العامة للشرطة الامنية)ـ، وتبقي علي القوانين الحالية بدون تعديلات؟!!

٧-
قامت صحيفة “الانتباهة” اليوم السبت ١٣/ سبتمبر الحالي، بنشر خبر تحت عنوان:(ملاحقات تجار العملة .. حرب (الدولار)، جاء فيه:

(وعلى الرغم من انطلاق تلك الحملات منذ مساء الخميس والتى اسهمت فى خفض الدولار من (305) جنيهات الى (220) جنيهاً، الا انه صباح امس عاود الدولار ارتفاعه مجدداً، حيث شهد ارتفاعاً من (220) جنيهاً الى (270) جنيهاً، مما يشير الى ان هنالك ايدي خفية تعبث بالدولار. وشدد خبراء على ضرورة تسريع عمليات التحقيق للتوصل لمن يقف وراء تلك الشبكات. ولم تستبعد المصادر ان تكون هنالك شركات كبرى ومؤسسات ضالعة خلف ارتفاع الدولار وانهيار الجنيه السودانى).

٨-
الخبر المحبط  اعلاه، يؤكد ان كل ما تقوم بها الحكومة من حملات ضد تجار العملات في ظل وجود قوانين ضعيفة ، هي في نهاية المطاف تحصيل حاصل ومجهودات تضيع سدي، ولو كانت الحملات قد نجحت لما شهد الدولار ارتفاعاً من (٢٢٠) جنيهاً الى (٢٧٠) جنيهاً ؟!!

٩-
اما اخطر ماجاء في نفس خبر صحيفة “الانتباهة”، ما قاله الخبير القانونى والاستراتيجي مجاهد عثمان عمر، الى ان الدولة نفسها قد تكون طرفاً فى ذلك الارتفاع، حيث تتجه الشركة الحكومية لشراء العملات من خارج النطاق المصرفي بجانب الشركات الخاصة، نسبة لعدم توفر عملات بالبنوك الحكومية، وبالتالى ترتفع اسعار العملات. ويرى مجاهد انه من الضروري ان تشدد الرقابة على الشركات الحكومية والخاصة، وان تبدأ الدولة بمراقبة نفسها اولاً ثم تتجه لمراقبة السماسرة، بجانب ضرورة الاستفادة من تحويلات المغتربين وتشجيعهم على التحويل عبر البنوك الحكومية وتحفيزهم على ذلك تشجيعاً لهم.

١٠-
ونفهم من كلام الخبير القانونى والاستراتيجي مجاهد، ان الحكومة تحارب بشدة المضاربة بالعملات، وفي نفس الوقت تقوم بشراء العملات من خارج النطاق المصرفي!!

١١-
بالعودة الي عنوان المقال اعلاه- (خذوا الدرس من ايران: اعدام كل من يتاجر بالعملات…)- ، نجد ان الحكومة الايرانية سبق ان مرت بتجارب عديدة في محاربة التجار الايرانيين والاجانب االذين تلاعبوا باسعار العملات داخل ايران، نشط هؤلاء هؤلاء التجار في تجارتهم بصورة واسعة في اعقاب العقوبات الأمريكية الأخيرة على إيران، وتسببوا في فقد الريال نحو (٧٠) في المئة من قيمته مقابل الدولار الأمريكي.

١٢-
عندها لم تسكت الحكومة الايرانية علي خطر هؤلاء التجار وتجارتهم الممنوعة ، فبادرالمرشد الأعلى آية الله علي خامنئي الي مبادرة خلال الصيف لمواجهة “الجرائم المالية”، وبعدها أعلنت الشرطة الإيرانية القبض على شخص جمع طنين من العملات الذهبية، لاستغلالها في التلاعب بالسوق في البلاد، وأطلقت عليه “سلطان العملات الذهبية”، وتم اعدامه بتهمة جمع كميات كبيرة من العملات الذهبية، وسبق ان قامت محاكم ايرانية باصداراحكام اعدامات ، وتم بث بعض جلسات المحاكمة على الهواء مباشرة عبر التلفزيون الرسمي.

١٣-
يا حمدوك..
يا حكومة..
يا مؤسسات عسكرية وجهات حكومية تدعي انها تحارب مافيآ بيع وشراء العملات وفي نفس الوقت ابقت علي قوانين تحاكم تاجر العملة بثلاثة اعوام سجن،…بطلوا “الضحك علي الذقون!!”.

١٤-
جاء في السيرة الذاتية الخاصة بالدكتورعبد الله حمدوك:
بكالوريوس مع مرتبة الشرف من جامعة الخرطوم، ماجستير و دكتوراه في الاقتصاد من كلية الدراسات الاقتصادية، بجامعة مانشستر، المملكة المتحدة، عمل في وزارة المالية في السودان حتى عام 1987 ، وبعدها عمل في شركة مستشارين خاصة في زيمبابوي حتى عام 1995 ، وفي منظمة العمل الدولية في زيمبابوي حتى عام 1997 ، وفي بنك التنمية الافريقي في ساحل العاج حتى عام 2001 ، وبعدها انضم للجنة الاقتصادية لافريقيا التابعة للامم المتحدة في اديس ابابا في عدة مواقع سامية حتى صار نائب الامين التنفيذي، في يوم الثلاثاء اول نوفمبر 2016 ، أصبح الامين التنفيذي للجنة الاقتصادية لافريقيا التابعة للامم المتحدة. عبد الله حمدوك حاصل على بكالوريوس مع مرتبة الشرف من جامعة الخرطوم، السودان، وعلى ماجستير و دكتوراه في الاقتصاد من كلية الدراسات الاقتصادية، بجامعة مانشستر، المملكة المتحدة. لديه 30 عاما من الخبرة في مجالات إصلاح القطاع العام، والحوكمة، والاندماج الإقليمي وإدارة الموارد. شغل السيد حمدوك منصب كبير الاقتصاديين ونائب الأمين التنفيذي للجنة الاقتصادية لإفريقيا منذ عام 2011. من 2008— 2003 ، عمل في المعهد الدولي للديمقراطية والمساعدة الانتخابية )IDEA  بصفته مديرا اقليميا لأفريقيا والشرق الأوسط.

١٥-
يفهموها كيف؟!!، شخص بكل هذه المؤهلات العالية ولا يستطيع كبح جماح ارتفاع سعر الدولار علي حساب الجنيه الراقد في غرفة الانعاش؟!!

بكري الصائغ
[email protected]

‫4 تعليقات

  1. لو كانت مؤهلاته كلها سودانية ومن عهد البشير لقلنا إنها لا تساوي ثمن الحبر الذي تكتب به فقد صارت الشهادات الجامعية السودانية في عهد البشير عبارة عن أكاذيب…. ولكن الرجل أما أنه أكاديمي ناجح ولكن عمليا فاشل فليس كل من يتفوق في الدراسة ينجح في العمل، وإما أنه خائف من أن يتخذ قرارات تضب العسكر فينقلبون عليه وعلى حاضنته السياسية فيجدون أنفسهم خارج السلطة… نعم إنهم الأن في السلطة وإن كانت منقوصة وإسمية… ويبدو أنهم حريصون على نصيبهم منها أكثر من حرصهم على إصلاح حال السودان

  2. تجارة العملة تضر كثيرا بالاقتصاد ولا نجدها مستفحلة في أي بلاد أخرى كما الحال في السودان وذلك للتهاون الكبير في محاربتها واستئصالها. يجب إعدام تجار العملة ومن يتعاون معهم من الأجهزة الأمن ومصادرة أموالهم وممتلكاتهم وتجفيف البلاد من شرهم.

  3. تكررون نفس افكار الإنقاذيين
    لماذا اذا تثيرون قضية اعدام الشاب مجدي وتعتبروها جريمة وانتم الآن تطالبون بارتكاب نفس الجريمة؟؟
    لا اعدام مجدي منع الدولار من القفز ولا اعداماتكم ستمنع الدولار من القفز.
    لأن المسألة ببساطة مسألة اقتصاد…واحد من قوانين الاقتصاد الذي يدرس لطلاب السنة الاولى في كلية الاقتصاد هو قانون العرض والطلب. اذا زاد العرض قل السعر، واذا قل الطلب قل السعر، وإذا قل العرض زاد السعر، واذا زاد الطلب زاد السعر. وهو قانون يعرفه راعي الماشية في بوادي السودان. وتعرفه ست الشاي تحت النيم.
    لو اعدمت كل السودان فلن تتجاوز هذا القانون.
    قلل الطلب على الدولار واقتصد في صرفك، وقم بزيادة انتاجك لتزيد دخلك من العملات الصعبة، وستجد ان الدولار اصبح اطوع من عروس لعريسها في ليلة الدخلة.
    السطر الأخير هذا ينفع للحالمين.

  4. سلام عزيزي بكري هناك اجراء اهون من الاعدام الذي قد يجر لنا السخط الدولي، لكنه نافذ ولا يضر بباقي اسرة التاجر التي قد تكون بريئة. الاعدام عقوبة لأسرة المعدوم وليس للمعدوم نفسه لأنه لا يشعر به بعد انزاله من حبل المشنقة.
    الحل ان تنشط القوى المذكورة في ضبط العملة التي توجد خارج البنوك ومصادرتها بالكامل، فهذا اشد عليه من الاعدام، مع تحفيز القوة التي تتولى الضبط بنسبة من النقود المصادرة بدءا بالمخبر وليس انتهاء بقائد فرقة الضبط

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..