مقالات سياسية

هل كان مؤتمر البجا انفصالياً (2)

د. السموءل محمد عثمان

ظل  ميثاق مؤتمر البجا  على مر العهود يتمثل  في الإيمان بوحدة البلاد ، وضد أي دعوة للانفصال ، وهذا ماأشرنا إليه فيما سبق  بقول دكتور جرتلي( لسنا دعاة انفصال ولم نطالب  بالعداوة ) ، والمناداة بحكم لامركزي للبلاد ، ومحاربة الفقر والمرض ، وبحكم أن مؤتمر البجا  كان قد سبق كل الحركات المطلبية في كل أرجاء السودان  ،  يعتبر أول من نادي بالحكم الامركزي من بين الأقاليم الأُخرى .

الثابت هو كما أسلفنا أن  نشاط المؤتمر ارتبط  بالحكومات الديمقراطية ، وعانى من الكبت والنزول إلى باطن الأرض خلال فترات الحكومات العسكرية ، فتأسس مؤتمر البجا العام في 13 اكتوبر 1958م بمدينة بورتسودان ، وتلت مطالبه أمام رئيس الوزراء عبد الله خليل التي كان من أهمها المناداة بحكم لامركزي ومحاربة الفقر والمرض ، ولكن  توقف نشاطه بقيام نظام عبود في 17 نوفمبر 1958م وحل الأحزاب السياسية ، ثم عاد للحياة بعد ثورة اكتوبر عام 1964م.
شهدت الفترة بعد انتفاضة أبريل نشاطاً ملموساً لمؤتمر البجا بعد فترة توقف وركود خلال حكم مايو ، ليواجه المؤتمر بأكبر تعنت من حكومة المؤتمر الوطني ،ويتحول إلى حركة مسلحة وهذا ديدن حكومة  عمر البشير  التي حولت معظم مناطق السودان إلى مناطق حرب ، ليتم تهجير الالاف من السكان من قراهم، وزراعة الألغام والمتفجرات بين القرى والمدن لتحصد كل غالي ونفيس من الأرواح والثروات

الحقيقة أن منطقة شرق السودان قد عانت من غياب التنمية على مر الحكومات وتدهور خدمات التعليم والصحة ، وانتشار مرض الدرن الذي هو نتيجة حتمية للفقر وسوء التغذية ، والنسبة الكبيرة للعطالة بين الشباب الذين يعتبرون ركيزة التنمية الريفية الأولى ،  كما تعاني معظم ولايات الشرق من مشكلة المياه .

كانت فرصة صندوق الشرق طيبة لتنمية الإقليم ، وأعمار المناطق التي تأثرت بالحرب  لو استغلت بالصورة المناسبة ، ولكن لم يؤدي الصندوق دوره المناط به نسبة لفساد صاحب أداء  الصندوق ، واشتركت بعض القيادات  بالمنطقة في هذا الفشل ، ربما كان من الأجدى محاسبتها اليوم قبل الغد .
قام صندوق الشرق بعد مؤتمر المانحين والمستثمرين بدولة الكويت في ديسمبر 2010م ، وقد تم تكوين الصندوق ليكون هو الجهة المنفذة لمشروعات التنمية في منطقة شرق السودان .
منطقة شرق السودان تعتبر منطقة ذات طبيعة خاصة لاتحتمل الصراعات ، حيث احتلت  مصر ( حلايب وشلاتين ) وتمددت أثيوبيا في منطقة الفشقة ، وتأثرت المنطقة بعدة عوامل من الجارتين أثيوبيا وارتريا ، أولى هذه العوامل هي الحرب فبرزت مشكلة اللاجئين ، فالأعداد الضخمة لهم دفعت منطقة شرق السودان نحو التدهور البيئي ، وتأثر المنطقة بالجفاف الذي ضرب الإقليم ، والتداخل الحدودي بين القبائل في هذه المنطقة ووجود المسلحين الأثيوبين في منطقة الفشقة ( ظاهرة الشفتة الأثيوبين ) الذين يقومون بنهب الرعاة والمزارعين السودانيين ،
إن مشكلة شرق السودان هي مشكلة تنمية ، ويتضح هذا من دعوة  مؤسسي المؤتمر دكتور بليا ودكتور جرتلي ومن خلفهم مثقفي الشرق ، لمحاربة الفقر والجوع والمرض ولكن فيمابعد دخلت بعض الشخصيات المؤتمر بدافع المطامع الحزبية والشخصية  وأرادت أن تقود المؤتمر تحت راية القبيلة والعصبية ،ولم تعرف المنطقة  من قبل النزاعات القبلية ، خاصة أن البجا أنفسهم من عدة قبائل بالإضافة إلى المكونات السكانية الأُخرى بالمنطقة ، وخطورة القبلية أنها ستمثل واحدة من تحديات التنمية في المنطقة ، لذا من الأسلم للمنطقة أن تكون مطالب الناس متعلقة بالتنمية  لتخفيف المعاناة من إنسان الشرق .

د. السموءل محمد عثمان

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..