الايكومنست : قراءة في فنجان العام 2016

د عبدالرحيم عبدالحليم محمد

1
جاء العدد الأخير من مجلة الاإقتصادية “الإيكونومست” طريفا في عرضه وثريا في مادته وهو يركز على العام 2016 بطريقة إستقرائية تقوم على مفهوم أن المستقبل”لم يعد كما ألفناه” على حد تعبير المحرر العام للمجلة في إفتتاحيتها. ولأن العدد الأخير من المجلة جاء إحتفاء بعامها الثلاثين ، فقد كان عددها الأول عن العالم في عام 1987 بنبرة تفاؤل لانفراج العلاقة يومها بين الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريجان والرئيس السوفيتي ميخائيل قورباتشوف حينما كان الأتحاد السوفيتي بكامل أناقته الإقليمية بخلاف العدد الجديد الذي أتى بعد ثلاثين عاما في ظل روسيا جديدة وعدوانية وصين مرتخية الأعصاب وأشياء لم يسمع بها قبل ثلاثين عاما مثل مثل التجارة والمال عبر التكنولوجيا والأطفال المنتمين إلى ثلاثة .

لقد لخصت المجلة في أفتتاحيتها لهذا العد د العالم عام 2016 في كلمات ثلاثة هي الأعداء، والنساء والانتصارات حيث رأت أن الأعداء هي ما سيسفر عنه العام الجديد في العالم العربي في فيضانات بشرية ضخمة من سوريا وغيرها من المناطق المضطربة وطريقة التعامل الأوربي في عدوانيتها تجاه تلك الفيضانات. في الشأن السوري، تثني المجلة على الموقف الأمريكي الداعم للجماعات الأقل خطرا التي حققت بالفعل بعض التقدم على الأرض ونظرة المجلة للحال في سوريا في العام الجديد أنه سيء على كافة الأصعدة وهنا ترى أن على الناتو أن يكون أكثر حزما فكان يمكن لرئيس أمريكي أكثر جرأة أن يقيم منطقة خالية من القصف بالقنابل وإنشاء ملاذات للنازحين فيها تضم ليس فقط من يحاربون داعش وإنما الراغبين في الدفاع عن مجتمعاتهم ضد الرئيس الأسد . وعندما تتمكن الولايات المتحدة من خلق حقائق جديدة على الأرض فستكون في وضع أفضل للتفاوض لإنهاء الحرب وهذا يعني تواصلها مع من له غرض أو دور أو مصلحة بشأن سوريا بما في ذلك روسيا وايران وتركيا وقطر والسعودية ، ولإحضار روسيا إلى مائدة التفاوض فقد تتخلى أمريكا عن سؤالها …متى سيذهب الأسد؟

في الشأن السوري أيضا تدعو الايكونومست إل ضرورة ?إعطاء فرصة للسلام فالجميع يريدون هزيمة تنظيم الدولة الاسلامية لكن هذا الهدف يظل الثاني من حيث الترتيب فالجميع يعرفون ما حل بالجيش الأأمريكي شمال العراق ولذا فما من أحد يرغب في الدخول لطرد التنظيم وانهاء احتلال الاقليم السني الذي يرتع فيه التنظيم

وفي هذا الإطار يرى كاتب المقال أن أكثر الطرق معقولية للسلام هي قناعة القوى الخارجية أن أى منها لن يفوز بما يرتجيه في ميدان المعركة مع إدراك أن طول أمد الصراع سيشعل المزيد من نيران الأصولية التي يخشونها، وهنا تعود المجلة بالذاكرة إلى الحرب في بوسنييا في التسعينات حينما أجبرالضغط من أمريكا وحلفائها في عاقبة الأمر المتقاتلين على الإتفاق على أمر بينهم سواء لوقف إطلاق النار إذ لن تجدي الحلول الوسطية الدبلوماسية لاستدامة السلام كما لن تكون الحكومة لما بعد مرحلة الأسد في سوريا حكومة لبرالية ولن تتمكن من السيطرة على كامل التراب السوري ولن تأمل سوريا في وضع أحسن من هذا وعندما تخف حدة وضع أن الجميع هم ضد الجميع في الحرب الأهلية فعندئذ فقط يبدأ يبدأ جهد طويل وبطيء لعزل التنظي وتقليل سطوته.

وفي الجانب الاقتصادي في ظل هذا المنحى العدائي هناك القليل المفرح فالأداء المالي في بلدان الأقتصادات الناشئة يعتوره إبطاء ملحوظ في بلد الصين ترى المجلة أن التراخي الإقتصادي فيها سيضعف من وتيرة الانماء العالمي بشكل عام مع انخفاض متوقع في ارباح المؤسسات.أما في المسار النسائي فستكون المرأة في قلب صنع القرارات الضخمة في عام 2016 حيث تتصاعد معدلات السيدة جانيت يلين في الاختياطي الفيدرالي وبزوغ نجم هيلاري كلينتون كمرشح رئاسي أمريكي قوي على الإنهزام مع التماع نجم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في صنع القرار في الإتحاد الأوربي والاستجابة الأوروبية بشكل عام لدراما الهجرة ومطالب بريطانيا في البقاء كعضو في الإتحاد الأوربي من عدمه. وفي البرازيل ستستعر معركة الرئيس ديلما روسيف في مقاومته للعزل الذي سيواجهه مستغلا حالة الإلهاء العالمي التي ستكون سائدة عندئذ خاطفة للأبصار عن محنته حيث تستضيف عاصمته ريو دي جانيرو ألأعاب الأولمبياد في الصيف مع تنظيم السيوبر باول الأمريكي واستضافة فرنسا لبطولة كرة القدم الأوربية وانتصار الهند دوليا في لعبتها المفضلة الكركت في مارس من ذات العام. إن الايكونومست ترى في العالم ظلالا سميكة يشهدها العالم مسرحها المحيطات و جرائم الانترنتcybercrime إلى قضايا الأديان الشائكة وهنا سيظل المستقبل كما عهدناه أرضا خصبة لوليمة لا تنتهي من التنبؤات على حد تعبير المجلة.

من الكتاب الذين استكتبتهم مجلة الايكونومست في ربيعها الثلاثيني الذي خصصته لمآلات العام الجديد 2016 م في مجالات الاقتصاد والسياسة الرئيس النيجيري محمد بوهاري مؤكدا على أن الإصلاح الإقتصادي في بلاده لن يأت أكله إلا بالضرب بيد من حديد على مراتع الفساد وأوكاره وأوطاره. وقد قدم الرئيس بوهاري في مقاله رؤية واضحة يسندها منظور واضح وقوي لحالة بلاده الإقتصادية . أشار بوهاري أنه وفي العام 2014 قبيل الانتخابات التي شهدت أول تغيير للسلطة في نيجيريا عبر وسائل ديمقراطية سلمية، فقد قامت الحكومة التي كانت قائمة يومتها باعادة قاعدة الناتج المحلي الإجمالي وإلى ذلك فقد أصبح الإقتصاد النيجيري وبمعايير دولية من أكبر الأقتصادات في أفريقيا الأمر الذي اعتبره الرئيس بوهاري مفخرة للنيجيريين وأن رآه غير كاف لمعالجة التحديات الهيكيلية التي يواجهها الاقتصاد في بلاده و يضع في جيوب وموائد ملايين النيجيريين المزيد من الطعام والنقود الأمر الذي يفتقرون إليه كل يوم.

لقد استوقفتني عبارات الرئيس النيجيري عندما أشار إلى أن الإصلاح الإقتصادي الجاد في بلاده بما يحقق نموا حيويا ومستداما في الإقتصاد، لهو مسئولية الأمة برمتها لاإجراء اصلاحات قاسية ومؤلمة ولكنها لازمة. وهنا يشير الرئيس انه إذا كان هناك ثمة تحد وحيد يواجه حكومته هو أن تقف لتحطم وبشكل كامل الفساد الذي استشرى في مفاصل الدولة والمؤسسات. بعين آسفة ينظر الرئيس بوهاري إلى بلايين الدولارات التي أخرجتها الادارات السابقة الفاسدة خارج نيجيريا مجددا عزم حكومته على ارجاع المال المنهوب واعادة استثماره في البلاد وتقديم المفسدين للمثول أمام العدالة. وقد أشار الرئيس إلى تلقيه تأكيدات من حكومات العديد من الدول التي زارها مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا التي أكدت دعمها له وعزمها على السعي لضبط المنهوب من الأموال المنهوبة واعادتها الى بلاده.

عودة المال المسروق، كما يقول الرئيس محمد بوهاري في مقاله للاكونومست سيشكل عنصرا مساندا لتنويع الاقتصاد لا سيما في مجال الصناعة التي أصابها الذبول في السنوات على حد تعبيره .قطاع النفط النيجيري الذي هو الأكبر على مستوى القارة كما ورد في المقال لم يبلغ غايته المرجوة لفشل الحكومات السابقة في الحفاظ على الطاقة المرجوة لمعالجة المادة الخام وتصنيعها ، وهذا هو بالضبط ما حاق بالقطاعات الاستخراجية الاخرى، ولأن هذا القطاع في غاية الحيوية لمعايش الناس في البلد الأفريقي-نيجيريا، فقد جدد الرئيس عزم حكومته على ايلاء الأمر ما يستحقه من إهتمام عاجل مع التركيز بطريقة استراتيجية موازية على مسائل لها دخل في استتباب الأمن الأقتصادي فالحرب على تنظيم بوكو حرام وهزيمتها يفسح المجال لإنشاء قاعدة صناعات عسكرية محلية قامت نيجيريا بشأنها بالتنسيق مع شركائها الاقتصاديين لتعزيز قدراتها في تقليل الاعتماد على المعدات العسكرية المستوردة الامر الذي سيكون له انعكاس مباشر على ميزان مدفوعاتها.

إن نظرة الرئيس النيجيري الحصيفة والواضحة في الشأن الاقتصادي لبلاده يؤكدها ادراكه بأن التحول الصناعي العميق والشامل هو أمر ممكن وضروري لكنه لن يزدهر بدون استثمارات ضخمة في قطاع الامداد الكهربائي حيث سيكون مبتدأ هذا التحدي هو تعزيز القدرة المحلية لا سيما في مجال المياه والغاز ومصادر الرياح وليس ذلك بعزيز على شعب يقبل التحدي كما أشار الرئيس فسنغافورة كمثال ضربه بلغت شأوا بعيدا في النمو الاقتصادي رغم محدودية مصادرها الطبيعية فعبرت الى أهدافها المرجوة باستراتيجيات محكمة وشعب بارع خلاق.

حزمة من الاجراءات أراها مهمة لاى إصلاح اقتصادي لخصها مقال الرئيس النيجيري كمعابر نحو النمو الاقتصادي السريع وهي معالجة الحوكمة وازالة الشحوم والترهل من جهاز الدولة عبر اصلاح اداري محكم وضرب أوكار الفساد مع إثبات الدولة لشعبها وللعالم أنها ملاذ آمن للاستثمار.

مقال آخر في قطار الاصلاح الإقتصادي كتبه للمجلة لي كيقيجانج رئيس الوزراء الصيني مبينا أن عام 2016 بالنسبة للصين هو عام الانفتاح والاصلاح والتعاون الدولي كمقومات حرصت الصين على تطبيقها منذ عقود وتنوي الآن المضي بها قدما. وهنا يشيررئيس الوزراء إلى أن المبالغة في الإعتماد على الإستثمارات والصادرات في بلد كتلته الاقتصادية تصل الى 10 تريليون دولار ، قد لا يحقق الهدف المرجو ما لم يتم اجراء اصلاحات هيكيلية بدلا من الاصلاحات المؤقتة . وهنا وكما يشير رئيس الوزراء فقد قاومت الحكومة الميل نحو التيسير الكمي والتخفيض التنافسي لقيمة العملة والسعي الى خلق قاطرة اقتصادية ترتكز على الاصلاح الهيكلي القائم على الابتكار والاستهلاك مع التركيز على فرص التوظيف ومستويات الدخل والاصلاح الببيئ.. ورئيس الوزراء هنا كالرئيس بوهاري النيجيري في ايمانه بأن الجهاز الحكومي الرشيق هو القادر على ضبط ايقاع جهاز الدولة برمته بعين ساهرة على جودة انتاج السلع والخدمات ورفع مستوى الطلب عليها كونها شرايين اقتصادية لا بدج لها من أن تضخ العافية في جسد الاقتصاد . يؤكد رئيس الوزراء ان الاقتصاد الصيني يسير وفق الخطة المرسومة واضعا في الاعتبار ان الاصلاح الهيكلي لا يعني فقط البحث عن مصادر جديدة للنمو وانما الالتفات لجعل الصناعات التقليدية أكثر تنافسية مركزين على تطوير شعار”صنع في الصين” ليصبح “الصين تصنَّع لعام 2025” تعميقا للتكامل مع الاقتصاد الدولي وتخفيفا لغلواء العديد من الضوابط التي كانت تعيق دخول المستثمرين لا سيما في قطاع الخدمات ، وهما أيضا تتطابق النظرتان النيجيرية والصينية ..تجربتان جديرتان بالتأمل لمن يود أن يقتدي بالتجارب الناجحة ?مرة اخرى في عالم يذهب فيه الزبد الاقتصادي جفاء ويمكث فيه ما ينفع الناس.

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. تلخيص جميل لموضوع مهم أرجو واتمني ان نتعلم منهم بدل ان نضيع بلادنا في الحروب والاقتتال وايضاً وقتنا في مواضيع السياسة والقبلية والجهوية التي أفرغت بلادنا من مايفيد قبل لحظات كنت في معرض لشركة القطار الكوري السريع مع برنامج وثائقي عن التطور في كوريا والله نحن خلف دول اسيا جميعا بمئات السنين مثل مواضيع الدكتور اكثروا من نقلها بدل الوضوعات التي لا تفيد احدا

  2. الدكتور العزيز
    هذا التلخيص أوجز وأوفى. والتحليل الذى تداخلت به متقن وعظيم الفائدة. لذا وجب الشكر علينا..

  3. تطابق النظرتان النيجيرية والصينية ..تجربتان جديرتان بالتأمل لمن يود أن يقتدي بالتجارب الناجحة ?مرة اخرى في عالم يذهب فيه الزبد الاقتصادي جفاء ويمكث فيه ما ينفع الناس>>>>
    THAT IS ALL ABOUT OUR BLINT LEARS>

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..