في التسعينيات كنت ادرس في كلية الزراعة وفي نفس الوقت كنت أدرس (انتساب) بجامعة القاهرة فرع الخرطوم كلية الاداب علم اجتماع تم تغيير اسمها الى جامعة النيلين …منذ السنة الاولى
بما انني كنت (منتسب) للكلية كانت لدي بطاقة تختلف عن بطاقة النظاميين لا يحق لي دخول القاعة ومناقشة استاذ المادة ولا اعرفه ولا هو يعرفني ولا استطيع ان اقترح او احتج أو اعترض او اطالب. آخد المذكرات والكتب وادرس لوحدي وحتى عندما ازور الكلية لمعرفة جدول الامتحانات لو وجدت أي شي في غير موضعه لا استطيع ان اتكلم او ادلي برأي لأنني باختصار لا أحس بالانتماء أطلاقا وفي كل زيارة دائما اكون علي عجل وبآخد جميع المعلومات من الطلاب النظاميين . وكنت مرتاح البال من حيث الاقتراحات والاعتراض
اما في كلية الزراعة لانني كنت (نظامي) لا اخاف من احد وكان لدي اهتمام بالحضور والغياب ولي الحق في الاعتراض ويتملكني احساس الانتماء وحب للكلية وحتى الان شمبات والمرسى في قلبي .. فاذا وجدت اي شي داخل مبنى الكلية احاول اصلاحه او ابلغ عنه وكنت مصدر ازعاج للاساتذة والعمال وكنت احترمهم ويحترموني ايضا .. وكنت اناقش واطالب الدكتور بتأجيل امتحان واعترض علي طريقة البحث وحتى التغذية وهكذا.. وكتير من الأساتذة كانوا يشركونا معهم في اتخاذ القرار
أحد الادباء العرب أوجد شبه بين النظام الديمقراطي والنظام الدكتاتوري وعلاقتهما بالشعب فوجد انه النظام الدكتاتوري يحول الشعب الى (منتسب) فلا يحق لهم الاعتراض او الاقتراح او الاحتجاج ولا احد يستشيرك او يأخد برأيك. (والنظاميين) هم الذين كانوا يستشارون او في الحقيقة من يستمعون للقرارات وعليهم تنفيذها هم فقط الطبالين والزمارين. وكان نجاحك وتفوقك يعتمد على مدى علاقتك بالحزب ..وغالبية الشعب (المنتسب) ياخد جميع المعلومات من هؤلاء النظاميين والشعب يغوص في نوم عميق
فمنذ تأسيس الدولة السودانية الشعب السوداني تقريبا (منتسب) وليس (نظامي) لم يؤخذ رأيه في اي قرار فمثلا هل نظام عبود أخذ رأي الشعب في تهجير مدينة حلفا في اتفاقه مع جمال عبد الناصر ؟
هل الرئيس الاسبق نميري أخذ راي الشعب في تعطيل الدستور وفرض قوانيين سبتمبر ؟
هل الانقاذ او (الجبهة القومية الاسلامية) في خلال 30 سنة اشركت الشعب في أي قرار ؟ هل اخذت رأي الشعب في اتفاقية نفاشا التي فصلت الجنوب ؟ هل اشرك البشير الشعب في حرب اليمن وارسال جنود ؟ هل استشارت حكومة (الكيزان) الشعب في قطع علاقات السودان الدبلوماسية مع ايران ؟ طبعا لا والسبب لأن الشعب في نظر النظام (منتسب) ولا يحق له ان يدلي برأيه
وجاءت ثورة ديسمبر فحول شباب الثورة الشعب من (منتسب) الى (نظامي) وهذه الايام تمر الثورة بإمتحان في قضية كبرى وهي (التطبيع مع اسرائيل) فلماذا لا يؤخد رأي الشعب في هذه القضية او راي البرلمان الذي يمثل الشعب .بالرغم من اني من مؤيدي التطبيع حتى لا نحرم الرأي الاخر حقهم في التعبير وعدم ارجاعهم الى وضع (الانتساب) وتحقيقا لشعارات الثورة وشبابها
ياسر عبد الكريم
