مقالات وآراء

العلاقات الأوروبية الأفريقية – طليعية ومتعددة الأطراف

د. حامد فضل الله

بقلم مانفرد اُوم ـــ Manfred Öhm وهنريك مايهاك ــــ Henrik Maihack

يتسارع وباء الكورونا في اتجاهات عديدة، ولا يترك منطقة أو بلدًا في العالم دون تغيير. أحد هذه الاتجاهات، الذي بدأ قبل كورونا ويكتسب الآن زخمًا باطراد، هو تراجع العولمة الاقتصادية. يتسارع النقاش في أوروبا أيضًا، حول إعادة إنتاج الإنتاج، خاصة من الصين. تريد العديد من الدول تقليل التبعيات والاختناقات، التي أظهرها كوفيد ــ 19، وهذا لا يغير هياكل الاِنتاج للبلدان منفردة فحسب، بل أن العلاقات التجارية لمناطق بأكملها، سوف تكون مختلفة في المستقبل أيضاً.
تنصح شركة الاستشارات الاِدارية “ماكينزي”، الشركات العالمية، بجعل سلاسل التوريد الخاصة بها أكثر مرونة في المستقبل، ويضيف ماكينزي، بأن تغير المناخ يجعل مثل هذه الاستراتيجية ضرورية.

* فبين 350 شركة عالمية ناشطة، التي شملها الاستطلاع، 57 في المئة حسب تبيانDHL ، من الشركات ترغب في إعادة تقييم سلاسل التوريد الخاصة بها؛ 30 في المئة، يريدون تقليل اعتمادهم على موردي شرق آسيا، بالرغم من ذلك، لم يحدث منذ منتصف 2020، شيء يذكر حتي الآن.
إذا كان هناك بالفعل زيادة في إعادة توطين الانتاج، فإن هذا من شأنه أن يسرع من اتجاه فكفكة العولمة الذي ظهر منذ الأزمة الاقتصادية والمالية في عام 2008 ويمكن، بهذه الطريقة، أن ينتهي نموذج التنمية – مستوحى من قصص نجاح البلدان الآسيوية – الذي اعتمده العديد من البلدان الأفريقية في السابق. هذا التطور يجعل الصعود الاقتصادي للعديد من دول الجنوب المعولم أكثر صعوبة، حتى قبل أزمة كورونا. وأصبح من الواضح الآن، بأن سلاسل التوريد العالمية تتغير بشكل دائم وأن العديد من بلدان الجنوب المعولم، الذي كان يأمل سابقًا في الاندماج في سلاسل التوريد هذه، قد يتخلف عن الركب.

نظرًا للاعتماد القوي للدول الأفريقية، على الاستيراد والتصدير، والمستوى المرتفع للعمالة في الاقتصاد غير الرسمي ونقص الموارد لتمويل أنظمة الضمان الاجتماعي، تجد نفسها في بداية وضع صعب. يخشى مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) من أن الطلب على سلع التصدير الأفريقية واندماج القارة الأفريقية في سلاسل التوريد العالمية والاستثمارات في أفريقيا لصالح التنويع الاقتصادي ستنخفض بشكل كبير على المدى الطويل.
عندما ينتهي الآن نموذج عولمة سلاسل التوريد، سوف تكون هناك حاجة إلى نقاش صادق، حول كيفية تنفيذ التحول الاجتماعي والإيكولوجي الضروري في القارة الأفريقية.

يعمل أكثر من 80 في المائة من جميع العاملين في البلدان الأفريقية، في قطاع غير رسمي. لقد فشل التحول الهيكلي لهذه الاقتصادات في أن يحقق نجاحاً، والذي كان من الممكن أن يوفر مخرجًا إلى حد كبير. بدأت بعض الدول الآسيوية في النمو الاقتصادي في العقود الماضية من خلال، أنها أصبحت جزءاً من سلاسل التوريد المعولمة. كان هذا النجاح ممكناً من خلال حقيقة، أن هذه البلدان قامت في البداية بحماية صناعتها من المنافسة في السوق العالمية، ومن خلال إقامة سياسات صناعية واجتماعية طموحة.

هذا الطريق اصبح حتى الآن مغلقاً، إلى حد كبير أمام أفريقيا جنوب الصحراء. ازدهرت في السنوات الأخيرة، في دول مختلفة، إنشاء مناطق اقتصادية خاصة، من أجل استقرار الصناعة. من الأمثلة البارزة، لذلك هي إثيوبيا، التي تطورت لتصبح مركزًا لصناعة النسيج. ونظراً لوجود منافسة حادة لضغط تكاليف الأجور، ظلت بذلك الإنتاجية منخفضة نسبياً، وفي الوقت نفسه لم تظهر أي آفاق لتنمية مستدامة حتى الآن.

في ظل هذه الخلفية، ومع تأسيس منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية في عام 2018، تم مؤخرا وضع تكامل سوق إقليمي بديل بشكل متزايد في القارة الأفريقية ويهدف إلى تقليل اعتماد القارة، والمساعدة في بناء سلاسل انتاجية قيمة داخل إفريقيا. ويتم الآن متابعته بشكل ملموس ومحدد.

عندما ينتهي الآن نموذج عولمة سلاسل التوريد، هناك حاجة ماسة، إلى نقاش صادق حول كيفية تنفيذ التحول الاجتماعي والإيكولوجي الضروري في القارة الأفريقية. وسوف يتعين على ذلك، خلق الوظائف التي هي في أمس الحاجة إليها والتغلب على آثار تغير المناخ. ولكن من أين تأتي الدوافع المحفزات والموارد اللازمة؟

تقع إفريقيا، بالنسبة للاتحاد الأوروبي في الجوار المباشر – على عكس الولايات المتحدة أو الصين. في هذا الصدد، تعتمد كلا المنطقتين إلى حد كبير على استقرار المنطقة الأخرى.

يمكن أن تشكل أنواع التعاون الإقليمي والشراكات بين الأقاليم “طليعة جديدة متعددة الأطراف” – والهدف سيكون التعددية القائمة على التضامن، الذي يدعم التحول الاجتماعي والإيكولوجي العادل في الجنوب العالمي. مثل هذه التعددية يجب أن تتعامل مع عواقب فكفكة العولمة. لذا فالأمر يتعلق بإعادة التفاوض بشأن عقد اجتماعي ما بعد كورونا، لتعاون دولي أقوى وأكثر استدامة وإنصافًا.

توجد حالياً، في ضوء أزمة التعددية، نقاط انطلاق سياسية ملموسة ومحددة لمثل هذا العقد الاجتماعي، لا سيما على المستوى الإقليمي. سوف تكون للعلاقة بين أفريقيا وأوروبا، فرص عديدة في المستقبل القريب لتعزيز الثقة بين الأطراف وتوسيع المشاركة في العمليات المتعددة الجوانب. لذا يتم إعادة تعديل الشراكة الأفريقية الأوروبية كجزء من مفاوضات ما بعد كوتونو، التي تغطي التجارة بين البلدان النامية الأفريقية والكاريبية والمحيط الهادئ. كما ستكون القمة بين الاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي المزمع عقدها في عام 2021 منصة مثالية.

يقوم الاتحاد الأوروبي حاليا بصياغة استراتيجية جديدة لأفريقيا. والهدف من ذلك هو إعادة تصميم الشراكة الأفريقية ــ الأوروبية، التي تستجوب مراعاة “اللجنة الجيوسياسية” التي أعلنتها رئيسة المفوضية السيدة فون دير لاين. هناك فرصة ملموسة للجمع بين المصالح الاستراتيجية المشتركة والمسألة المركزية المتعلقة بمنظور التنمية لأفريقيا في عالم ما بعد كورونا. حتى الآن، مازال جدول أعمال التعاون والتوجه الاستراتيجي للسياسة الأوروبية الأفريقية، عالقًا في فكر “المانح ــ والمتلقي”. وغالبًا ما يتم التضحية بالأهداف طويلة المدى من أجل تحقيق، أهداف اقتصادية وحمائية قصيرة المدى. بالإضافة إلى ذلك، تُثقل العلاقات مرارًا وتكرارًا بردود الفعل القديمة. أثيرت في أوروبا مع بداية وباء كورونا، موقف يعكس مخاطر الهجرة المتزايد. لكن مثل هذه النظرة الضيقة تضر بالتعاون الاستراتيجي.

التزام كل من الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي بالديمقراطية وحقوق الإنسان، على سبيل المثال مع الميثاق الأفريقي للديمقراطية والانتخابات وحقوق الإنسان، حتى لو لم يكن الامتثال والترويج، أولوية في كثير من الأحيان. و لكن يمكن أن تصبح الديمقراطية وحقوق الإنسان أساساً للتعاون. وكلاهما استفاد من ذلك، لأن الديمقراطيات أكثر استقرارًا على المدى الطويل.

يمكن أن تكون الشراكة المتجددة بين الاتحاد الأوروبي وأفريقيا لحظة أولية، لتعزيز التعددية القائمة على التضامن ولإبرام عقد اجتماعي عالمي بعد كورونا.
بالإضافة إلى ذلك ، تريد الحكومات والشركات الأوروبية والأفريقية إضفاء الطابع الإقليمي على الانتاج بقوة أكبر. وهذا من شأنه أن يجعل الاتحاد الأوروبي أقل اعتمادًا على الأسواق الآسيوية. ويهدف الاتحاد الأفريقي بدوره إلى تحسين الوصول إلى الأسواق الأوروبية. بذلك تتطابق هنا مصالح المنطقتين.

هذا التعديل المخطط، سوف يؤثر على المنافسة بين الاتحاد الأوروبي والصين أيضاً. ظلت الجمهورية الشعبية تدعم تطوير البنية التحتية في القارة الأفريقية منذ عقدين. إذا ما كانت الدول الأفريقية في عالم مقسم إلى تكتلات تجارية، تختار اندماجاً أكبر في المناطق الاقتصادية الأوروبية أو الصينية أو الآسيوية، هو سؤال استراتيجي للسياسة الخارجية وله عواقب، خاصة على الاتحاد الأوروبي. وعلى الرغم من المصالح العديدة المشتركة، لم تناقش المنطقتان توسيع تعاونهما الاستراتيجي حتى الآن.

تحتاج الشراكة بين القارتين في الواقع، إلى منعطف برنامجي. بملامح رئيسية ملموسة. يوجد بالفعل عمل مشترك في إطار خطة عام 2030. ومع ذلك، لا توجد حتى الآن مشاريع لبناء المزيد من سلاسل التوريد الإقليمية. لا تزال هناك طرق مختلفة للتعاون والبناء، مثل مجال صناعة السيارات أو تطوير الصناعات الدوائية. سوف تكون الخطوة المهمة، هي التعاون الملموس في أنتاج لقاح كوفيد ــ 19 وتوزيعه. تتوقع الحكومات الأفريقية وبدعم من أوروبا، بأن يتم توفير اللقاح للقارة كمنفعة عامة، ومتاح عالمياً.

حماية المناخ هي طموح ومصلحة مشتركة أيضاً. لقد أعطت كلتا القارتين التزاماً واضحاً باتفاقية باريس للمناخ. تتأثر العديد من البلدان الأفريقية بشدة بتغير المناخ، كما أن حماية المناخ تحتل مكانة عالية في جدول الأعمال السياسي في أوروبا. سيكون التبادل المكثف مع الاتحاد الأوروبي حول نقل التقنيات والتوسع في الطاقات المتجددة أكثر فائدة. ويمكن لمثل هذا المنهج أن يمتد إلى أوروبا.

لقيت الصفقة الخضراء الجديدة التي أعلنها الاتحاد الأوروبي اهتمامًا خاصًا في أفريقيا، خاصة إذا تم استكمالها بعروض محددة للدول الأفريقية. ومع ذلك، يجب ألا تشمل هذه العروض نقل التقنيات النظيفة والاستثمارات ذات الصلة فحسب، بل يجب أيضًا ربطها بالإنتاج القيمي المحلي، وتعزيز العمالة العادلة ومشاركة النقابات. ستكون المبادرة السياسية الحالية لقانون سلسلة التوريد الألماني والأوروبي بمثابة خطوة على الطريق نحو شراكة جديدة. كما يجب أن يأخذ أصحاب الشركات مسؤولية أكثر عن سلاسل التوريد الخاصة بهم.

يمكن أن تمثل الشراكة المتجددة بين الاتحاد الأوروبي وأفريقيا، لحظة أولية لتعزيز التعددية القائمة على التضامن وإبرام عقد اجتماعي عالمي بعد كورونا. ويجب أن تكون الشراكة المستقبلية بين الاتحاد الأوروبي وأفريقيا موجهة بشكل صريح نحو أهداف خطة عام 2030، وجعلها على سبيل المثال معيارًا، للاتفاقيات التجارية. سيكون من المهم إحياء خطة عام 2030 واتفاقية باريس للمناخ.

ملاحظات ختامية قصيرة:

ــ تولى الصديق د. مانفرد اُوم منصب مدير مؤسسة فريدرش أبرت في الخرطوم، خلفا للدكتور عبد الرحيم بلال، وبلال أول سوداني يتولى هذا المنصب حتى سن التقاعد. بقى اُوم 5 سنوات في الخرطوم، ويكتب عن هذه الفترة “لقد ارتبطتُ أنا وعائلتي ارتباطًا وثيقًا بالسودان منذ ذلك الحين – ونحن نقدر البلد وصداقة الناس وطبيعتهم، لقد أظهرت لي المحادثات العديدة مع المنظمات الشريكة لمؤسستنا، أن البلاد تواجه تحديات كبيرة، ولكنها أيضًا مليئة بالأفكار والإرادة للقيام بالأشياء، وبسلام. كما علينا الاستفادة من العلاقات الألمانية السودانية الطويلة”. لينتقل بعد ذلك الى موزمبيق، وهو الآن رئيس قسم أفريقيا جنوب الصحراء في مركز المؤسسة (برلين).

ــ هنريك مايهاك، باحث في العلوم السياسية، وهو الآن مدير مكتب المؤسسة في كينيا وسابقا في بنغلاديش وجنوب السودان.

ــ يتكئ الكاتبان على تأهيلهما في العلوم السياسية وخبرة عملية، بحكم عملهما لفترة طويلة في العديد من البلدان الأفريقية ومعايشة الأوضاع على الطبيعة.
ــ يقول الكاتبان فيما يتعلق ببناء المزيد من سلاسل التوريد الإقليمية. “لا تزال هناك طرق مختلفة للتعاون والبناء، مثل مجال صناعة السيارات أو تطوير الصناعات الدوائية”. لا أدري ما قيمة مثل هذا التعاون بالنسبة لأفريقيا حاليا. إذا أخذنا السودان كمثال، فالسودان في أمس الحاجة حاليا إلى تطوير البنى التحتية والقطاع الزراعي والتعليم، ومجتمع مدني نشط.

ــ تعزيز الاتجاه نحو الانتاج الاقليمي بين الاتحاد الأوروبي وأفريقيا، لا يعني بالضرورة عدم التعاون أو الاعتماد على آسيا والصين. ويشيران بأنفسهما، إلى أن الصين، “تدعم تطوير البنية التحتية في القارة الأفريقية منذ عقدين”. كما قامت الصين باستخراج النفط والغاز في السودان، بعد أن رفضت الشركات الامريكية القيام بذلك. وألمانيا نفسها، كدولة مصدرة، تعتمد على سوق الصين الضخم.

ــ “التزام كل من الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي بالديمقراطية وحقوق الإنسان. ويمكن أن تصبح الديمقراطية وحقوق الإنسان أساساً للتعاون”، حسب قولهما. هل يلتزم الاتحاد الأوروبي بالفعل، بعدم التعاون مع الحكام الديكتاتوريين في أفريقيا وما أكثرهم؟ ولا يتم التعاون الا من خلال حكومات منتخبة ديمقراطية وتداول سلمي وديمقراطي للسلطة وبناء مجتمع مدني فاعل، ونقابات عمالية نشطة. التجارب السابقة، تقول العكس، فالمصاح الذاتية هي الغالبة.
ــ توجد نسخة موسعة لهذا البحث، لم أطلع عليها بعد.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 –Manfred Öhm, Henrik Maihack, De-Globalisiert, Europäisch-afrikanische Beziehungen – die multilaterale Avantgarde, internationale Politik und Gesellschaft,(IPG) 21. 10. 2020

تقديم وترجمة د. حامد فضل الله برلين ــ أوراق ألمانية.
E-mail: [email protected]

تعليق واحد

  1. الأخ دكتور حامد هناك كتاب من تأليف السنغالي Sarr, Felwine بعنوان: Afrotopia وهو كتاب نال الكثير من الإعتبار في الأوساط العلمية المهتمة بالتنمية ونظام الحكم في أفريقيا، يدعو فيه بالعودة الى التراث والذاكرة الجمعية الأفريقية وعدم محاكاة نظم الحكم في الدول المتقدمة بحذافيرها .. كتاب تًرجم الى الألمانية (من الفرنسية) وسعره عشرين يورو .. أًرسلت اليّ نسخة مترجم من ألمانيا ولكن وصلت متأخرة عن ميعاد مغادرتي فرنسا، لم أقرأ الكتاب ولكن قرأت عنه الكثير المفيد المشوِّق لقراءته

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..