«صِفر مَعاك الواحِدْ»..!

بالرغم من كهربة العديد من المشاريع الزراعية، إلا أن هناك أزمة محروقات تضرب الولاية الشمالية، في وقتٍ يتهاوى فيه سعر البترول في السوق العالمي.. محطات الوقود التي تتواجد في ?المدن? الرئيسة، تتغذى عن طريق الموردين، الذين يدفعون، نحو 33 بالمائة من مدخول الولاية.. بعد إجازة ميزانية العام الحالي 2016، أحس أصحاب الطلمبات، بكُساح الشغلانة كعمل استثماري، فطالبوا بزيادة الفائدة.. وبما أن الحكاية كلام في كلام، فإن مكاتب المسؤولين وعدت خيراً، حتى وصل مُنحدر الاقتصاد إلى رحاب الزيادات الأخيرة، فتأكد عملياً، إنّو الحكاية، بالطريقة دي، ما بتمشي!
الحكاية كِدا ما بتمشي، لأنو الحِساب ولد، ولا يمكن أن يتجندر أبداً.. متعهِّد المحطة، الذي كان يدفع مائة مليون لتوريد الكوتة، يحتاج بعد تعويم الجنيه / بعد رفع الدعم / بعد تحرير سعر الصرف- سمّه ما شئت- يحتاج بعد هذا الاجراء الذي جرى في الناس هذا الشهر، يحتاج إلى مضاعفة المبلغ الذي يُدفع كاش داون، لشحن المحطة بالوقود.. ثم عليه أن ينتظر الفائدة بالفئة القديمة، التي تأتيه لاحقاً مع نسبة أرباح لم تعد تساوي شيئاً، مع تهالُك الجنيه السوداني أمام العملات الحُرّة.. ما أن تطل أزمة الوقود برأسها، في الولايات، حتى يرتفع سعر جالون البنزين والجاوزلين في الأطراف فوق ما عليه من زيادات لا تُحتمل، يُضاف إليها تلك الزيادات الحتمية التي ستقع على كاهل الناس، عندما تُجاز، بعد شهر وأيام، موازنة العام المُقبل.
الحساب ولد، ولن يكون غير ذلك، أي بمعنى، أن القطاع الخاص، الذي يتكفّل بتوريد المحروقات، يتحتّم عليه أن يُوفِر حصص الولاية من الجاز والبنزين والغاز بأي طريقة، أو هكذا تفترض الحكومة، التي رفعت يدها عن هذا القطاع، إيماناً منها بسياسة اقتصاد السوق.. فهل سياسة اقتصاد السوق- يا خبراء اقتصاد النظام- تتضمّن أدبياتها، أن يقطع المورِّد من جيبه، ويُبدِد رأسماله كي يوفِّر الخدمة، من جاز وبنزين، للمستهلكين..؟الحكاية حساب، لا علاقة له بالصراع السياسي، ولاهو كلام معارضة، ولا فتاوى جوامِع.. الحكاية دراسات جدوى، وجرد بالقلم الكرّاس.. المسألة دخل ومنصرِف.. هذه المعادلة الاقتصادية مُختلّة تماماً..هذا الهيكل المالي ?مكوِّع?، وهذا ما يجعل الحال (واقف والسوق ناشِف).. في بلادنا يزرع الزارع، ويرعى الراعي، ويُنقِّب المُنقِّب عن الدّهب، ليأتي إلى طرف السوق ليستبدل عرقه بقواريط القوت الضروري، فوق المطلوب منه لتوفير ماء وكهرباء المسكن، ورسوم مدارس العيال وفواتير علاجهم.. ميزانية لِجام الدِّلِق هذه، قد تجبر أصحاب رؤوس الأموال للاستدانة من النظام المصرفي، ليكونوا أسارى ديونهم، بعد ذلك قد يدخلون دوامة الإعسار، وأمشي وتعال، البيع بالكسِر أو الرهن، أو ?البقاء لحين السداد?.. القصة بالطريقة دي ما بتمشي.. الحكومة أهملت قطاعات الإنتاج في الأرياف، فأصبح الهامش فراغاً، وليس في الدنيا فراغ إلا تسلل إليه من يملأه.. إن لم تكن نواياها إفقار الهامش هو تسكين آخرين في الريف البعيد، شمالاً وغرباً وشرقاً، فهل يغيب مردود هذه السياسة، أنّها بالفعل تتعمّد تكثيف هجرة الأرياف إلى الخرطوم، محل الطيارة بتقوم..!
هذه السياسة تذكرنا بحكاية ?صِفر معاك الواحِد?..! يُحكى أن شراكة جمعت بين اثنين، أحدهم شكّاك، وما عِندو ثِقة في رفيقو، كما أنه لا يفهم في الحساب.. كل يومين يجي ناطي لشريكه، ويقول عاوِز يجرُد المحل.. يمسك شريكه بالقلم والكراس، ويبدأ الجرد.. يحصى ما تبقى من بضاعة، وما تم بيعه.. يطرح ويضرب ويجمع… بينما يتابع الرفيق الشكّاك صاحبه يقول أثناء الجّرد: ستة نطلع بالتلاتة.. تسعة معاك الاتنين.. صِفر معاك الواحِد..! والزّول ما فاهِم حاجة سجم خشمو، لكنّه وقف مُحتجاً ضد شريكة، قائلاً له: وليه يكون الواحد معاي أنا، وما يكون معاك إنت..؟
ألا ترى يا مُواطِن، أن واضع هذه الميزانية، يعاملنا بنفس هذه المفهومية..؟
اخر لحظة