مقالات سياسية

تصريحات الفريق العطا.. تصعيد محسوب أم مغامرة

محمد الهادي

التصريحات الأخيرة للفريق أول ياسر العطا، مساعد قائد الجيش، التي تتهم دولاً بعينها بالضلوع في الصراع السوداني، بل وتذهب إلى حد التهديد بالقصاص منها وبضربات عسكرية ضدها، تكشف عن نهجاً سياسياً تصعيدي، قائماً على دفع الطرف الآخر على اتخاذ مواقف لا يرغب فيها، وهذا النوع من التفكير والسلوك السياسي يُعرف بـ “الإجبار الاستراتيجي” (Strategic Compellence) أو “الإكراه السياسي” (Political Coercion) وهو نهج يستخدم الضغط المباشر أو غير المباشر لدفع الخصم إلى اتخاذ قرارات تصب في مصلحة الطرف الذي يمارس الاستراتيجية، حتى لو كان ذلك على حساب رغباته أو مصالحه.
تقوم هذه الاستراتيجية على استدراج الخصم إلى مواقف يصعب عليه التراجع منها، أو دفعه لاتخاذ خطوات تتماشى مع أجندة الطرف الآخر، دون أن يبدو ذلك كتنازل صريح منه، ويمكن تحقيق ذلك من خلال التضييق التدريجي، والتصعيد المتدرج، أو خلق أوضاع لا تحتمل إلا خياراً واحداً تقريباً، كما حدث مع دولة تشاد مؤخراً، مما يجعل الخصم يظن أنه يتصرف وفق إرادته ومصالحه، بينما هو في الواقع يخضع لتخطيط محكم من قبل الخصم.
وفي السياق السياسي والعسكري، يتم استخدام هذه الاستراتيجية عبر فرض وقائع على الأرض تجعل الخيارات أمام الخصم محدودة، وخلق أزمات مدروسة تدفعه لاتخاذ قرارات متسرعة، ليتم استغلالها من خلال التناقضات الداخلية لجره إلى مسارات معينة، وأحد التطبيقات البارزة لهذه الاستراتيجية كان في الحرب الباردة، حيث كانت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي يمارسان سياسات تضييق وإكراه استراتيجي على بعضهما البعض لدفع الطرف الآخر إلى اتخاذ خطوات غير مرغوبة له ولكنها ضرورية وفقاً للمعطيات المفروضة عليه.
على هذا الأساس، لا يصح النظر لما يقوم به العطا من تصريحات من وقت لآخر، على أنه خطاب سياسي متشنج، وذلك لكونه أمر مدروس ومحسوب وجزء من استراتيجية تهدف إلى دفع الأطراف المستهدفة لاتخاذ مواقف معينة، سواء بالتصعيد أو التراجع، بحيث تصب في مصلحة السلطة العسكرية في السودان، من خلال التصريحات العدائية والتهديدات المباشرة.
وهنا يبرز السؤال المنطقي: إلى ماذا يسعى العطا وأعوانه من استعداء بعض الدول وإجبارها لإظهار العداء تجاه الجيش وهو أحد أطراف الصراع في السودان؟.
للإجابة على السؤال أعلاه يجب الرجوع إلى السردية الأساسية للجيش، والتي تقوم على فرضية التآمر الدولي والاقليمي على السودان، ومن خلال إبراز الخلاف مع بعض الدول المحيطة يتم تأكيد تلك السردية، من ثم إجبار الدول المستهدفة على تغيير مواقفها أو تعديل سياساتها تجاه الأزمة السودانية، إما عبر التراجع عن دعمها لأطراف معينة أو عبر الانخراط في تفاهمات تخدم السلطة العسكرية، بالإضافة لأن أي إتجاه لخلق بيئة تصعيدية من شأنه أن يُوسع دائرة الصراع ليصبح إقليمي، وهذا قد يُجبر المجتمع الدولي على التدخل، مما يمنح تحالف الجيش العسكري فرصة لإعادة ضبط ميزان القوى في الصراع الداخلي، ومن جانب آخر يسعى العطا من وراء تلك التصريحات لإعادة توجيه الرأي العام السوداني، من خلال تحويل الأنظار عن الأوضاع الداخلية المأزومة إلى خطر خارجي مُتخيَّل أو مُضخَّم، يُستخدم كذريعة لتبرير قرارات سياسية وعسكرية قادمة، وذلك بعد جر الدول المستهدفة إلى ردود فعل متسرعة، يمكن توظيفها لاحقًا لتبرير تحركات عسكرية أو دبلوماسية تخدم مصالح السلطة.
إستراتيجية الإكراه السياسي ليست جديدة في السياسة السودانية، ولكن في ظل الظروف الراهنة تبدو كمحاولة خطيرة لإعادة رسم قواعد اللعبة السياسية والعسكرية عبر التصعيد اللفظي والميداني، في الوقت الذي يواجه فيه السودان أزمات داخلية حادة تتطلب حلولاً أكثر حكمة وواقعية، وعلى ما يبدو أن الحكومة التشادية قد وقعت بالفخ وأجبرت بالفعل على التصعيد بعد أن قررت بالفعل طرد طاقم السفارة السودانية من أراضيها، بعد أن اعتبرت تصريحات مساعد القائد العام للجيش السوداني، ياسر العطا، بمثابة “إعلان حرب”، وهذا التصعيد من قبل الجانبين يعكس بشكل واضح حجم التوتر المتزايد بين الخرطوم وانجمينا، لكنه في الوقت ذاته يكشف عن صراعات داخلية في معسكر السلطة ببورتسودان، حيث تتباين الرؤى حول كيفية إدارة العلاقات الخارجية وتحديد التوجهات السياسية.
لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يطلق فيها ياسر العطا تصريحات تثير الجدل، ففي عدة مناسبات، بدا وكأنه يمارس سياسة فرض الأمر الواقع، سواء في الداخل السوداني أو تجاه الأطراف الإقليمية، ففي ديسمبر الماضي، هاجم العطا ما أسماه “بالدولة العميقة” واتهم جهات داخلية وخارجية بمحاولة عرقلة مسار الجيش، وفي وقت سابق أدلى بتصريحات قوية ضد كينيا، وإثيوبيا، والإيقاد، مستخدماً لغة حادة تعكس توجهاً تصعيدياً مستمراً، واليوم، تضع تصريحاته بشأن تشاد السودان في موقف دبلوماسي حرج، في وقت تعاني فيه البلاد من عزلة دولية متزايدة.
يرى المتابعون أن تصريحات العطا ليست زلات لسان أو تخبط سياسي كما حاول البعض أن يصفها ، بل استراتيجية تهدف إلى إعادة رسم خريطة التحالفات في المنطقة، أو على الأقل جس نبض الفاعلين الإقليميين، وفي المقابل، يرى البعض أن هذه السياسة تكشف غياب الانسجام داخل معسكر السلطة في بورتسودان، حيث تتباين المواقف بين من يسعى إلى نهج تصالحي مع الجوار الإقليمي، ومن يدفع باتجاه مواقف أكثر حدة، وربما في محاولة لاستقطاب دعم داخلي أو تأكيد السيطرة على المشهد السياسي.
تعتبر تشاد لاعب محوري في معادلة الصراع السوداني، حيث ترتبط بأطراف متعددة داخله، من قوات الدعم السريع إلى جماعات المعارضة المسلحة، لذا، فإن رد فعلها الحاد على تصريحات العطا قد يكون رسالة مزدوجة لرفض أي تصعيد من جانب الخرطوم، وتحذير ضمني من أن نجامينا لن تقف مكتوفة الأيدي إذا استشعرت تهديداً لمصالحها.
ومن هنا تبرز عدة احتمالات كسيناريوهات متوقعة، فمن المحتمل أن ترد الخرطوم بالمثل وتقوم بطرد الدبلوماسيين التشاديين، مما قد يزيد من تعقيد العلاقات بين البلدين، وقد تلجأ إنجمينا إلى البحث عن دعم من أطراف إقليمية أخرى، مثل فرنسا أو الاتحاد الإفريقي لزيادة الضغط على السودان، وقد تؤدي هذه الأزمة إلى مزيد من الانقسامات داخل معسكر بورتسودان، خصوصاً إذا ما قررت اطراف أخرى داخل معسكر السلطة ببورتسودان لتبني مواقف مغايرة لموقف العطا.
قرار تشاد بطرد الدبلوماسيين السودانيين جاء كرد فعل على تصريحات ياسر العطا، وهو بالتأكيد مؤشر واضح على هشاشة العلاقات السودانية-التشادية، بالاضافة لأنه مؤشر على حالة عدم التوافق داخل معسكر السلطة في بورتسودان.
ويبقى السؤال: هل ستمضي القيادة السودانية في هذا النهج التصعيدي، أم ستسعى إلى تصحيح المسار قبل أن تنعكس هذه التوترات على الأوضاع الداخلية؟
الأيام القادمة ستكشف الكثير.

‫5 تعليقات

  1. الإجبار الأستراتيجى والإكراه السياسى تكتيكات يمارسها قادة لديهم عقول وفكر لا يقدر عليها امثال العنقالى ياسر العطا .. ما حدث من دمار فى بنية الدولة انسانا وعمرانا لا اظن من تسبب فيه يملك عقلا يتيح له التفكير بهذه الستراتيجيات المتقدمة .. كل التصريحات والعنتريات التى يقوم بها العطا اظنها تاتى بعد تناوله جرعة معتبرة من عرقى ست النفر !!!!

  2. استاذ. محمّد
    االاجبار الاستراتيجي. الاكراه السياسي. ده كلام كبير خلاص بالنسبة لعنتريات العطا وتهديداته الجوفاء. وكأن العطا ودولته الفاشلة في مقام وقوة أمريكا او روسيا او اي دوله اخري قوية يحسب لها او يحسب لما تقوله .
    سيدي كل ما في الأمر ان العطا مجرد مرسال مجرد صدي للكيزان. هذا النهج من الخطابات هو خطاب كيزاني بامتياز منذ زمن أمريكا روسيا قد دني عذابها ومنذ خطابات المهرج يونس محمود في الاذاعة والتي كان يشتم ويهدد فيها دول الخليج ومصر وغيرها من الدول.
    الكيزان حماقاتهم وعنفهم واخطائهم تسببت في كوارث كبيرة للسودان وحتي لانفسهم ورغم ذلك لا زالوا كما كانوا ولم يتعلموا شيئا.
    العطا مجرد ناقل لرسائل الكيزان. وهم نفس الكيزان ونفس نهجهم ونفس تهديداتهم ونفس اخطائهم ونفس حماقاتهم التي تسببت في فصل الجنوب. العقوبات وقائمة الارهاب. دول الضد عقب غزو صدام للكويت. ضياع حلايب وشلاتين وابو رماد عقب حماقتهم في محاولة قتل مبارك في العام 89. استضافة بن لادن ومتطرفي الإسلام السياسي وكارلوس.تفجيرات سفارات أمريكا في نيروبي ودار السلام. تفجير المدمرة كول في عدن. قتل الثوار المتظاهرين. مجزرة فض اعتصام القيادة. اغلاق ميناء بورتسودان لمحاربة حكومة الثورة. انقلاب البرهان العسكري ضد حكومة الثورة الفشل الكبير بعد الانقلاب. عودة العقوبات والمقاطعة الدولية مرة اخري.وغيرها من الكوارث التي ما زالوا مستمرين فيها وها هي الحرب الدائرة الان والتي اشعلوها وفق نفس عقليتهم الخربة وحماقاتهم المستمرة وجرائمهم الكثيرة في حق السودان وفي حق الشعب السوداني

  3. نظل نعيد التكرار ان علاقة السودان وتشاد هى الاعقد ضمن علاقات السودان مع دول جواره لاكثر من سبب اولا طول الحدود كم (872 ميل) اى 1403 كيلومترا وهى تمتد من المثلث الشمالى للحدود المشتركة لكل من السودان وليبيا وتشاد الى المثلث الجنوبى للحدود المشتركة مه تشاد وافريقيا الوسطى وهى المنطقة المسماة اختصارا_( T S C) تيسى وهى ترمز اختصارا للدول الثلاث ولم يتم ترسيم هذه الحدود بالكامل حتى اليوم وهناك حركة بشرية كثيفة عابره لهذه الحدود فعل القبائل المشتركة والنشاط العابر للحدود فى اشكال الرعى والتجارة والعلاقات الاجتماعية الاخرى كالزواج وظهرت مؤخرا الجبهات المسلحة التى تعبر خدود البلدين وبالنظر الى تقاطع المصالح الاقليمية والدولية فى المنطقة تحولت المنطقة الى بؤرة لاعمال التجسس والمراقبة اللصيقة ليس من قبل البلدين المتجاورين فحسب بل الدول صاحبة المصلحة الحقيقية كفرنسا والولايات المتحدة كما ان نيجيريا لم تعد بعيدة فهى تعتقد ان الاسلام العنيف يفد اليها من جارتها تشاد المجاورة للسودان.. الفريق العطا بتصريحاته اشعل ليس المنطقة وانما ما وراءها كذلك و يعلم الكل انها لاتعدو ان تكون نفخا على الطريقة السودانية تسبقها عبارة على الطلاق او حرم..تشاد اضحت فى قلب الاحداث السودانية منذ عهد النميرى فاحداث يوليو 1876م التى قادتها الجبهة الوطنية وكانت تحالفا بين احزاب الامة والاتحادى الديموقراطى والجبهة الميثاق الاسلامى ( الجبهة الاسلامية) وهروب عناصر من قيادات هذه الحركة الى تشاد بعد فشل العملية كالقاضى عبد الرحمن ادريس والذى صك له صلة دم باحدى القبائل المشتركة وهى الداجو التى تقطن فى منطقتى قوز بيضة على الحدود مع السودان ومحافظة قيرا فى وسط تشاد .. ولعله من المفارقات ما صرح به احد المسؤولين فى انجمينا مؤخرا بان مسؤولين حكوميين سودانيين اتصلوا به لتجديد جوازات سغرهم التشادية بعد قرار ترمب بحظر دخول السودانيين الى الاراضى الامريكية.. تصريحات الفريق العطا مسيئة ومستقزة خاصة لدول الجوار وقد سبقتها من قبل تصريحات وزير الحربية اقصد وزير الخارجية على يوسف والذى اعلن لحظة تسميته وزيرا للخارجية وهو فى العاصمة المصرية معلنا ان السودان سيقف الى جانب مصر اذا ما اعلنت الاخيرة حربا على اثيوبيا بسبب سد النهضة.. هل رايتم عدوانية اكثر من هذه؟؟؟ المشكلة فى السودان اننا نستهين بالافارقة حتى باتت لدينا قناعة لا اساس لها فى مقولتنا باننا ارتضينا ان نكون اسوا العرب بدلا من ان نكون احسن الافارقة عبارة بها قدر من خداع النفس واستعلاء غير مبرر ولا تخرج كلمات العطا عن هذا النسق.. اننا فى حاجة لضبط ما نقول وما يصدر عن مسؤولينا فى لحظات الانتشاء ففى احايين كثيرة تكون وبلادنا ضحية لما نقول وما قصة تحت جزمتى ببعيدة عن اذهاننا

  4. هذه تصريحات رجل يسعي للسلطة
    ولذلك ستشهد الأيام القادمة ضرب شديد تحت الحزام

  5. قدم رولان قوميز الصحفى فى راديو فرانس انترناسيونال حلقة كاملة يوم 28 مارس 2025م فى تمام الساعة التاسعة صباحا بتوقيت باريس حلقة كاملة عن تصريحات الفريق ياسر العطا حول مشروعية استهداف مطارات ام جرس ومطار حسن جاموس بانجمينا باعتبارهما محطات لمناولة الامدادت للدعم السريع. استضافت الاذاعة عددا من المختصين والمسؤولين العسكريين التشاديين والفرنسيين الى جانب استنطاق بعض المواطنين التشاديين خلاصة الحلقة هى ان التشتاديين يرفضون تلك الاتهامات من قبل ياسر العطا وان تشاد رفعت مذكرات الى الاتحاد الافريقى والامم المتحدة لاحاطتهما علما بالتهديدات السودانية غير المبررة كما ان انجمينا اتخذت اجراءات عديدة منها اعتبار طاقم السفارة (persona non grata) وطلبت منهم معادرة الاراضى التشادية فى غضون اثنتين وسبعبين ساعة والمعروق ان رئيس البعثة الديبلوماسية على راسها احد الديبلوماسيين من اثنية الزعاوة المشتركة بين البلدين ,,وذكر ضيوف الحلقة ان تشاد قادرة على الدفاع عن نفسها وصد اى اعتداء عليها… قيل هذا الكلام دون الاشارة من قريب او بعيد الى اتفاقيات الدفاع المشترك مع فرنسا او دول الساحل الاخرى وربما كلن امرا متعمدا عدم الاشارة لذلك وربما قصد توجيه رسالة الى السودان عبر بث حلقه كهذه عبر اذاعة فرنسا الدولية وهى التىى تمولها الحكومة وتتمتع بدرجة عالية من المتابعة فى افريقيا المتحدثة باللغة الفرنسية ولا شاك ان الخارجية السودانية تستفيد من خدمة الاخبار العاجلة التى تقدمها وكالة السودان للانباء للخارجية وانها ستخضع هذه المقابلة لتحليل اعمق وترصد ابعادها الكاملة.. نخلص الى ان منح كروت لعب مجانية لمن نعتبره عدوا ليس سلوكا يتسم بالحصافة والحكمة لنؤكد مرة اخرى اضبطوا تصريحات الفريق ياسر العطا ورددوا فى اذنيه لسانك حصانك لو صنته صانك

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..