رجال الأمن بين القسوة .. والخوف

السؤال هنا: لماذا يخاف رجل الأمن الذى مارس التعذيب من انتقام الضحايا بينما القاضى الذى حكم بالإعدام لا يتطرق إلى ذهنه أبدا أن أهل المتهم سينتقمون منه..رجل الأمن الذي يتورط فى تعذيب المعتقلين يعيش فى خوف دائم، يستعمل بعضهم أسماء مستعارة ويتنقل بعضهم بين أكثر من مسكن وفى كل الأحوال يحيطون أنفسهم بحراسة مكثفة وكثير منهم هذه الأيام يلبس قناع لكي يخفي وجهه وأصبح هاجس رجال الأمن الأول والأخير التلفون (فوبيا الجوال) ويمكن أن يتغاضى عنك لو وجد بحوزتك منشور يدعو للتظاهر ولكنه لا يتغاضى عنك لو وجد بيدك تلفون وكما قالت إحدى (الكنداكات المعتقلات) بمجرد القبض على الشخص يبدأ البحث عن الهاتف ثم الصور ثم بعد ذلك الإجراءات الأخرى… لماذا كل هذا الخوف؟ لأنهم يدركون أنه فى أية لحظة قد يبرز أحد ضحاياهم لينتقم لشرفه وكرامته.. أما العدل الذى يحققه القاضى هو الذى يوفر له الحماية أفضل من فرقة كاملة من الحراس.
السؤال المهم هو : لماذا يقسوا رجال الأمن الى هذا الحد على الناس حتى وصل ضحايا القمع والتعذيب بواسطة جهاز الأمن الى أعداد كبيرة جدا وهذا بإعتراف الدولة .
ولماذا يفعل مواطنون سودانيون بسودانيين مثلهم أسوأ مما يمكن أن يفعله الإحتلال البريطاني لو عاد الى السودان مرة أخرى؟ . قبل الإجابة على الأسئلة إليك واقعة تستحق التأمل : تداول نشطاء فلم لشباب ثوار قبضوا على رجل يقولون أنه من الأمن وكان يرسل إحداثيات بجواله الى جهة ما هذا ما إعتقدوه ولم يضربوه حتى إنتهى الفلم وتأكدت أنا شخصيا بعد ذلك , معظم التعليقات كانت عبارة عن سباب بذئ والغريب غضب هؤلاء (الذباب إلكتروني) دفاعاً عن هذا الرجل وطبعا لا أحد عاقل يشجع على العنف والقتل لكن كان غضبهم أكثر بكثير من غضبهم على آلاف المعتقلين من النساء والرجال وقتل الأطفال المتظاهرين السلميين وحتى المرضى وهم على سرير المرض لم يسلموا من قمعهم وقبضتهم وهم الآن في السجون وصورة تلك الشابة المنتشرة على الوسائط ولوي ذراعها وهي تصرخ من الألم على (سيارة الأمن) وجبال من الأمثلة والنماذج لم نسمع كلمة غضب واحدة من هؤلاء في كل ذلك لماذا؟
الإجابة : هي في جملة واحدة إنه (الإستبداد) يا سادة عندما يتم الإستيلاء على الحكم بالقوة يحافظ عليها بالقوة أيضا وبالتالي لا يحترم المواطنيين يقمعهم ويعتبرهم كائنات مزعجة وغير جديرة بالإحترام ولا تستحق أن تعيش وتستحق الموت وأن حقوقهم أقل من الآخرين وإن قمعهم واجب وإذلالهم هو الطريقة المثلى للسيطرة عليهم أما احترام إرادتهم وإنسانيتهم سيفسدهم وسيتمردون على السلطة لذلك يجب عليهم أن يصمتوا ولا يطالبوا بحقوقهم حينما يتم تعذيبهم وإذلالهم . والكارثة عندما يكون المستبد هو تنظيم بأكمله هنا تتجلى الفاشية بكل معانيها ستجعل فئة من المجتمع تقمع وتضطهد فئة أخرى وتستبد عليها وتحرمها من حقوقها الإنسانية وهذه لها إنعكاسات خطيرة جدا .
لكن ما الذي يجعل شاب سوداني من أسرة محترمة ومتعلم وبالمناسبة ليس كل من يعمل في جهاز أمن الدولة فاقد تربوي كما يظن البعض , فلماذا يعذب أبناء بلده حتى الموت وكيف تحول إلى كائن غريب يعذب ويقتل فعلا تعتبر حالة فريدة .. تؤكد دراسات علم النفس أن الجلاد ليس بالضرورة شريرا أو عدوانيا بطبعه وقد يكون خارج عمله شخص عادي جدا ولكنه يحتاج إلى خطوات نفسية حتى يصير مؤهلاً لممارسة التعذيب . هناك خطوات كثيرة موجوده ومن السهل الإطلاع عليها في كثير من الكتب وعلى الشبكة العنكبوتية ولكن أهم هذه الخطوات في إعتقادي وسأختصرها هي :يتمكن من إقناع نفسه بأنه يمارس التعذيب انصياعا لأوامر الرؤساء التى ليس بمقدوره أن يخالفها هذه أول حجة واهية يستخدموها جميعاً . وثانيا ولابد أن يبرر لنفسه هذه الجريمة البشعة في إنسان ضعيف أمامه ولا حولة له ولا قوة وأنه يفعل ذلك من أجل حماية الوطن أو الدين أو المجتمع وحرصا على أمن المواطنين وسلامتهم. يجب أن يصور ضحاياه باعتبارهم أعداء أو عملاء مأجورين أو مجرمين وأنهم مدسوسين من دول معادية حتى يتحمل ضميره ارتكابه لجريمة التعذيب فى حقهم.اليوم كل المتظاهرين في عيون رجال الأمن مجندين من الموساد ..
لماذا لا تسأل نفسك هذا السؤال :هل الطفل البرئ شوقي الذي قتل في (الجزيرة أبا) قام بتدريبه الموساد ؟
عموماً المسئول سياسيًا عن قتل وتعذيب المعتقلين حتى الموت هو رئيس الدولة نفسه الذى لو أراد أن يمنع التعذيب عن الناس لفعل ذلك بكلمة واحدة بل بإشارة واحدة من يده لذلك الإستبداد إنعكاساته النفسية والإجتماعية على المجتمع أسوأ بكثير من مساوئيه السياسية على الدولة
[email protected]