أنا وقريبتي وقبيلتي والمصرية !!

مناظير – زهير السراج

* شغل موضوع القبليات الساحه الإجتماعية فى الآونة الاخيرة، وطفا على السطح لدرجة انه اصبح سيد الموقف فى كل المحافل، ومن المؤسف أنه صار العامل الأهم فى تقييم الشخص وتحديد موقعه (من الإعراب)، وهل ممكن ان يتم التعامل معه ام لا، وهى مشكلة كبيرة أن يصبح الإنتماء القبلى لا الوطنى، هو الأساس فى التعامل مع المواطن !!

* كان الهوَّس ب(القبلية) محصوراً فى زمان سابق فى الولايات، ولكنه انتقل فى السنوات الاخيرة االى العاصمة وسكانها، فما أن يقابلك شخص لأول مرة حتى يبادرك بالسؤال (إنت قبيلتك شنو؟)، وأحيانا قبل أن يسألك عن اسمك، وإن افصحت له عن قبيلتك، ووجدت هوى فى نفسه او تطابقت مع قبيلته، استمر فى التعارف معك والاندياح فى التفاصيل، اما إذا جعلك قدرك ان تكون من قبيلة غير قبيلته أو من قبيلة غير محببة إليه، يغلق أمامك الطريق، أو يتحاشى الحديث معك، وقد لايرد عليك إن سألته عن شئ، أو يسخر منك، أو يشعرك بانك شخص أقل منه أو غير مرغوب فيه، أو يترك لك المكان!!

* السبب فى ذلك هو التوجه الرسمى بإعطاء الإنتماء القبلى الصفة الرسمية سواء من خلال المستندات الرسمية للدولة، او التحيز الرسمى لقبائل بعينها ونبذ الاخرى، والطريقة التى يتم بها اختيار الاشخاص لتولى الوظائف، بالاضافة الى تشجيع المشاحنات القبلية، او عدم السعي الجاد لوضع حد لها وارساء ثقافة التصالح والعفو والسلام والمحبة بين القبائل !!

* حبا الله السودان بعدد كبير من القبائل ذات موروثات وثقافات وعادات مختلفة، وكان من الممكن توظيف هذا التنوع الفريد لخلق نسيج اجتماعى وطنى مترابط، واضفاء الكثير من الحيوية على المشهد السودانى، ولكن للأسف لم تستغل هذه الإختلافات بالشكل الصحيح، فكانت النتيجة المزيد من التشرذم والإنقسام والتعصب الذى صار أعمق حتى بين أكثر الناس تعليما لدرجة تأثيره على خياراتهم فى الزواج والإرتباط، فصار البعض لا يتزوج إلا من قبيلته، أو يرفض تزويج إبنته إلا من القبيلة التى ينتمى إليها .. وقس على ذلك بقية المعاملات !!

* تحضرنى حادثة، وهى اننى كنت فى مطار الخرطوم ومعى والدتى وقريبتى وذلك لوداع جدتى (رحمها الله) التى كانت تريد السفر الى مدينة الفاشر، واثناء جلوسنا فى صالة الانتظار جاءت سيدة مصرية، وسألتنا إن كانت طائرة بورتسودان قد وصلت، فسألتها قريبتى :”هل انت تسكنين بورتسودان ام تودين زيارتها، فقالت لها: لا انا جوزى ساكن فى بورتسودان، رحت مع بنتى الاجازة لمصر وعايزة اروح بورتسودان، فسألتها قريبتى هل انت متزوجه سودانى؟ فاجابتها بنعم، ثم اردفت مرة اخرى من اى قبيلة هو؟ فقالت لها: والله مش عارفة .. (هو سودانى وخلاص)، فألحت قريبتى فى السؤال عن قبيلته؟ وعندما لاحظت إلحاحها، قالت لها (معرفش والله، بس هو من تولث)، فاجابتها ابنتها ذات الخامسة عشر عاما ( تًلس.. يا ماما بالتاء مش بالثاء)، فقالت لها قريبتى : منطقة تُلس هذه توجد فى جنوب دارفور، يعنى انتى متزوجة واحد من دارفور؟، فردت عليها قائلة : آه ياستى ما تفرقش حضرتك، (هو فى النهاية سودانى، سودانى وبس)”!!

* كنت اتابع حوارهما فى صمت، وقلت فى نفسى ليت كل السودانيين يدركون ذلك ولا يفرقون بين القبائل، ويكون ديدنهم الجنسية السودانية وحسب، وتمنيت عندما يسألهم شخص عن قبيلتهم، ان تكون إجابتهم : (سودانى .. سودانى وبس)!!

أميمة شُقيري

الجريدة