مقالات وآراء

رئيس الوزراء أرضى القوى السياسية .. فهل يرضي الشارع الثوري؟

إبراهيم سليمان

رئيس الوزراء أرضى القوى السياسية .. فهل يرضي الشارع الثوري؟

مما يثير الشفقة، أنّ دولة رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك، يكافح بكل ما أوتى من حيّل سياسية للتوفيق بين مطلوبات إنتقالية شبه متقاطعة، على الأقل على مستوى ترتيب أولويات تنفيذها، فالمعلوم بالضرورة أنّ ثورة 19 ديسمبر إرتكزت بصورة أساسية على أعمدة ثلاثة، حرية، سلام وعدالة، إلاّ أننا نلحظ في الوقت الراهن، أنّ تأمين معاش الناس قد قفز إلى الركيزة الأولى، يليها مرتكز العدالة، المتشابك مع السلام. ولأسباب منهجية تتعلق بكيفية الوصول إلى إتفاق سلام جزئي في جوبا العام الماضي، إرتاب الشارع الثوري من مخرجات هذا السلام المنقوص، وتراجع إهتمامه به كأولوية، لذا يبدوا للمراقب، أن السيد حمدوك بتشكيل حكومته الثانية، قد حظى بتوافق المكونات السياسية، على حد تصريحه، إلاّ أنه قد أثار وجوم الشارع الثوري، الذي فقد نفسه في ألوان التشكيلة التي ولدت من رحم إتفاق جوبا للسلام، سيما وأنّ سمة المحاصصات قد غلّبت الكوادر السياسية على الرموز الثورية.

معاش الناس قبل الحريات

تمحور الإهتمام الثوري في الراهن السياسي، حول معاش الناس المتردي، والذي ظن كثيرون أنّ الوعود الحكومية غير الواقعية خلال ما يقارب العامين من تكليف د. حمدوك لتولي الوزارة، لهي كافية لإيجاد حلول مرضية لإحتواء ناريّ الندرة والغلاء، هذا الإخفاق المحزن على وشك أن يحيل مآل ثورة ديسمبر المجيدة إلى ثورة جياع، إندلعت براكينها في معظم أقاليم البلاد، متزامنة مع ميلاد حكومة الشركاء، التي طال مخاضها، لدرجة أزهد الشارع الثوري في جنينها، وهذا مؤشر سلبي على إحتمال نيل هذه الحكومة رضى الثوار، أصحاب الرصّة والمنصة في مآل البلاد ووجهته المستقبلية.

هل ينام شباب الثورة على خشخشة الدولارات الموعودة؟

إستمرار التوجهات الحكومية إلى القروض بالشروط الدولية المذِّلة، كمنهج أوحد للمعالجات الإقتصادية، لم تقّربها إلى رضى الشارع الثوري زلفا، وبات معلوماً من التجارب العالمية، أنّ البنك وصندوق النقد الدوليين لا خير فيهما، وأبلغ دليل على عدم خيرتهما، فقد أوهما للحكومة السابقة، أنّ لا سبيل لتحقيق الوفرة بالنسبة لسلعتيّ الوقود والدقيق أو القمح، إلاّ برفع الدعم الحكومي عنهما، وتحرير سعريهما، إلاّ أنّ الواقع قد كذب هذه الوصفة. وعليه، لم يسلم واقع معاش الناس من إستمرار التردي، الذي أخرج غالبية الشعب عن دائرة المقدرة الشرائية، وأوصل التضخم إلى أرقام خرافية، دون مبالاة من قبل دهاقنة الحلول الدولية، وربائب المؤسستين.

إلى متى تنتظر حكومة الشركاء الدولارات الدولية؟

وما يزيد الوضع ضغث على إبالة، أنّ السيد رئيس الوزراء يسترق السمع لخشخشة الدولارات الدولية على علات تبعاتها، بسقوفات مفتوحة، دون أن يكون لديه بدائل أخرى، وهو دون غيره يعلم علم اليقين، أنّ المؤسسات الدولية، وحتى الدول العظمي الغنية، لن تقرضه سنتاً واحدا، أو تستثمر دولار أخضرا في البلاد، ما لم يرفع سيادته هيمنة القوات المسلحة والأجهزة الأمنية يديها عما يتقارب ال 80% من إقتصاديات البلاد، وهي معفية من الضرائب ومستثناه من الجمارك، ولا تعرف الشفافية المالية، الأمر الذي لا يدع مجالاً للتنافس التجاري الضروري للمستثمر الأجنبي.

هل ينخس حمدوك عش الدبابير “الإقتصادي”؟

وبكل أسف السيد رئيس الوزراء، يعرف نفسه أنه أضعف من أن يمس هذه الشركات المحمية من المكون العسكري بالمجلس السيادي، سيما وأنّ وزير ماليته في التشكيلة الجديدة، هو الآخر عسكري المزاج، إسلاموي الهوى،  وعودة الوزيرة المكلفة سابقا هبة، المتملقة والمتسترة للمكون العسكري، لذا لا يتوقع الشارع الثوري، حدوث تغير جوهري في هذا الواقع المعيب إقتصادياً وثورياً، والذي يمثل أم المعضلات في واقع البلاد المأزوم، والمحدد الأكبر لمصير الفترة الإنتقالية برمته.

إقالة النائب العام .. بيد حمدوك لا بيد الثوار

أما عن ملف العدالة، كأولوية ثورية بعد معاش الناس، فإن تجرّأ السيد رئيس الوزراء، من إقالة النائب العام الكارثي من تلقاء مسئوليته فبها، وإلاّ فإنّ مليونية ثورية واحدة لهي كافية لوضع حدٍ لإستهتار مولانا تاج السر الحبر بميزان العدالة، وحينها قد لا يتنبأ السيد حمدوك بسقوفات مطالب مثل هذه المليونيات الغاضبة. باتت قناعة راسخة للشارع الثوري، أنّ في ظل ولاية النائب العام تاج السر، ستضيع أرواح شهداء الثورة، وشهداء الإبادة الجماعية هدرا.

لا سلام بلا كاودا، ولا أمان بلا جبل مرّة

ما لم يسحب السيد رئيس الحكومة بساط السلام، من تحت أقدام المجلس السيادي، فلن يستطع الجلوس على بساط أحمدي مع الحلو وعبد الواحد في كاودا وجبل مرّة، ومن غير هذا لا نظن أنّه سينال رضى الشارع الثوري، ولن يلتفت أصحاب الجلد الرأس على منجزاته المنقوصة في هذا الشأن.

خلاصة القول، فرص حكومة الشركاء في نيل إعجاب الشعب، والفوز برضى الشارع الثوري، شبه معدومة، ما تأتي بما لم يأتي به الأوائل.

//إبراهيم سليمان//

أقلام متحدة

15 فبراير 2021م

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..