مقالات وآراء

لعلهم يستبصرون

حامد فضل الله

الأخ البروفيسور مهدي امين التوم

السلام والتحية

قرأت بكثير من السرور والاهتمام، مقالك “مواقف يُرجى تصحيحها”، في الراكوبة. بتاريخ 01 فبراير 2021

ما أحوجنا في هذا المنعطف الخطير، الذي يمر به الوطن، إلى مثل هذه المقالات التنويرية المحكمة والهادفة، والبعيدة عن الترهل والثرثرة السياسية. حزب الأمة، سوف يصحح مساره، فتاريخه الوطني، لن يسمح له الا بذلك.

أنني اعيش منذ فترة طويلة في برلين، والتقيت أكثر من مرة مع الأمام الراحل الصادق المهدي، مهما اختلفنا في تقلباته وتحليلاته السياسية، فهو زعيم وقائد وطني غيور، بجانب عفة اليد واللسان واشتركت معه في عدة ندوات داخل وخارج ألمانيا (القاهرة). واتذكر رجال ورواد الحركة الاستقلالية الأفذاذ، السيد الاِمام عبد الرحمن المهدي، والصديق، الذي اختطفه الموت مبكراً، والشخصيات القيادية البارزة في حزب الأمة، والدكم العزيز أمين التوم ساتي وعبد الرحمن على طه ومحمد أحمد محجوب والأمير نقد الله، تمثيلاً لا حصراً، لهم جميعا الرحمة والثواب. ولا أزال احتفظ منذ سنوات في برلين بكتاب والدكم “ذكريات ومواقف في طريق الحركة الوطنية السودانية 1914 ــ 1969.

إن قرار الحزب الشيوعي، بعدم المشاركة في الحكم، قراراً مستعجلاً، ويأتي من فصيل أصيل ضمن الفصائل التي قادة المعارضة والثورة، ولهذا لن يفهمه غالبية المواطنين، وخاصة الشباب الذين، صنعوا الثورة. الحزب الشيوعي يرفض مشاركة العسكر في السلطة. إن تكوين السلطة الانتقالية، بشقيها المدني والعسكري، فرضته تطور ومسار الثورة وضمان نجاحها بأقل خسائر في الأرواح والممتلكات، ومهما اختلفنا في تقدير دور القوات المسلحة في تأمين نجاح الثورة، تعظيماً أو تقزيماً. لا يريد الحزب الشيوعي في عدم المشاركة في الحكم فحسب، بل سوف يعمل على اسقاط الحكومة حسب تصريحاته العديدة. لقد ورثت الحكومة تبعة ثقيلة: وطن توقفت فيه عجلة الانتاج وشحت المصادر، وانهارت الخدمة المدنية، التي كنا نفتخر بها بحق، مع فساد مستشري في جميع دواوين الحكومة. أن العمل على إثارة المشاعر والدعوة للتظاهر، يضاعف من مصاعب الحكومة الانتقالية ولا يخدم الا أعداء الثورة وفلول النظام البائد. لا بد للحزب الشيوعي من تصحيح مساره، والخيار الأفضل هو المشاركة في الحكم، والعمل من داخلها لتحقيق أهداف الثورة. صحيح أننا نعيش وضعاً اقتصادياً حرجاً، وضائقةً في المعيشة، يدفع ثمنها المواطن البسيط والفقير. لن نستطيع اصلاح الاقتصاد الا عن طريق الخطط والبرامج، والتي لن تأتي ثمارها عاجلا، ولكن يمكن للحكومة أن تخفف من الضائقة المعيشية، ببرامج وقتية، وهذا لن يتم من دون التكاتف والتعاضد والثقة المتبادلة وصلاح النوايا. لا خلاف حول تعدد الرؤى وتباين وجهات النظر، على أن يتم ذلك بموضوعية. إذا استطاعت الحكومة الانتقالية، وهي تعمل الآن تحت ظروف حرجة وأوضاع اقليمية ودولية مضطربة، في تحقيق الوحدة والسلام الدائم والعادل وتطوي تهمة الارهاب وعودة الوطن الى الأسرة الدولية وصيانة الديمقراطية وحرية الرأي وحرية الاِعلام، المكفولة الآن، وتسليم السلطة (الحكم) لممثلي الشعب، الذين سيتم انتخابهم عبر انتخابات حرة ونزيهة، تكون قد حققت ما لم تحققه الحكومات السابقة منذ فجر الاستقلال.
لقد استجاب حزب الأمة لتصحيح موقفه، هل يستجيب الحزب الشيوعي؟

لعلني أختم رسالتي القصيرة لشخصكم الكريم، ببيتين من الشعر لحازم القرطاجي، يمثلاني أجمل وأبلغ تعبير عن مضمون مقالك:

من لم يكن بعقله مستبصراً فإنما إبصاره مثل العمى
ما أصل فعل المرء إلا رأيه وليس أصل رأيه إلا الحجا

متعك الله بالصحة والعافية.
حامد فضل الله
برلين 04 فبراير 2021

E-mail: [email protected]

‫3 تعليقات

  1. “….أن العمل على إثارة المشاعر والدعوة للتظاهر، يضاعف من مصاعب الحكومة الانتقالية ولا يخدم الا أعداء الثورة وفلول النظام البائد….”
    بالله دا رأي واحد قاعد في برلين ؟ وعامل نفسو ضد المانيا الشرقية السابقة اللي اسقطت حكومتها بقوة المظاهرات …
    احنا في مشكلة مع السودانية اللي قاعدين في الخارج وما زالوا يشربوا في البنسون ويتسوكوا بالسيقنال ولسع تعشعش في روسينم حكايات الزمن القديم بتاع الحرب الباردة ….
    القلم ما برفع ولا بزيد بلم …
    مهدي امين التوم انت بعيد من معرفة وتتبع مقاصده ….
    هو راجل حاره وقابض على جمر الحقيقة … مش زيك قاعد يطبل للمرحوم الصادق في الفارغة والمقدودة …

  2. في الحقيقة ليست المواقف هي التي يجب تصحيحها بل المسارات هي التي يجب تصحيحها والبنيان هو الذي يجب هدمه لأنه بُنِيَ على شفا جرفٍ هارٍ، ها نحن نراه ينهار في نار جهنم .. الذين أسسوا للفترة الانتقالية مجموعة من سماسرة السياسة لم يذهب همهم وطموحهم الى أبعد من الهرولة الطفولية نحو مناصب يتقلدونها أو مصالح شخصية يحصلون عليها، فنظام الإنقاذ الذي كان (يحندكهم) ويمنِّيهم ويتحكم في رسن أطماعهم وشهواتهم قد انهار بتضحيات الثوار بأرواحهم ودمائهم وخر صريعاً – حسب تقديراتهم التي أملتها عليهم عقولهم الغبية- فتسابقوا في الانقضاض عليه لينال كل منهم ما كان يمنِّي به نفسه لعشرات السنين. فقبلوا بفض الاعتصام الدموي البشع وقبلوا بالوثيقة الدستورية التي ما هي إلّا وثيقة خيانة وخذلان بين أعداء الشعب.
    توصيف بروفسور مهدي أمين التوم للحرية والتغيير بأنها “منصة تأسيس الثورة و حاضنتها” أرى فيه بعض التجاوز للواقع، الأحزاب التي أنضمت لتكوِّن ما سُميَ ب”الحرية والتغيير” أتت بسماسرة السياسة ليعتلوا المنصة التي أسسها الثوار في أكثر من ستة شهور ولم تكن وظيفتهم احتضان الثورة وانما احتواءها والتلاعب على الثوار الى أن حدث ما حدث ووصلنا الى ما وصلنا اليه الآن.
    الحزب الشيوعي لن يكون بانضمامه الى الحكومة أو قوى الحرية والتغيير العطّار الذي يصلح ما أفسده الدهر أو ساحراً ينزع يد السماسرة بيضاء من غير سوء. فإمَّا موقف ثابت يمكث في الأرض، يذكر لكم يا شيوعيون وإمّا انجراف مع سيلٍ يحملُ زبداً يَذْهَبُ جُفاءاً

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..