مقالات سياسية

 أزمة ضمير

الصور التي تم تداولها لطلاب ينهبون المحلات التجارية.. وطالبات بالزي المدرسي وهن يحملن ما استطعن حمله من المواد التموينية.. صور محزنة للحد البعيد.. ولها من الدلالات العميقة التي لن يكفينا مقال واحد لمناقشتها.. تأملت الصور لمدة طويلة.. وتخيلت عدة سيناريوهات للأحداث.. أهمها هو ردة فعل الأهل الذين يدخل عليهم ابنهم او ابنتهم الذين يرجون لهم المستقبل الزاهر.. يدخلون عليهم بأشياء مسروقة في وضح النهار.

في لحظات التأمل تلك..  تذكرت فيلم للراحل نور الشريف يؤدي فيه دور سواق اتوبيس.. يشاهد  السائق كل يوم سرقة تحدث داخل البص الذي يقوده.. ثمة نشال متخصص في العبث بجيوب الركاب.. نور الشريف لديه أسباب كثيرة تمنعه من رفع صوته..  انه يسكت ضميره بأن الأمر لا يعنيه.. وانه يتبع المثل القائل (أبعد عن الشر وغنيلو) لكن، نور الشريف يمر بمشاكل كثيرة في حياته جعلته في آخر الفيلم يقرر التصدي للنشال.. وايقاف البص للقبض على اللص.

أهالي التلاميذ المشاركين في النهب.. ربما اختلط الامر عليهم في بادئ الامر.. ربما أصابت الرؤية بعض الضبابية.. فالمعيشة صارت صعبة جدا.. والجشع أصاب أغلب التجار.. وكل يوم يصير أصعب من الذي قبله.. والضغوط الحياتية تضيق الخناق حتى بلغت القلوب الحناجر.. لكن كل هذا هل يبرر للسرقة ؟ هل يعطي الفرصة للنهب ؟.. الصور أظهرت الطلاب  وهم يحملون الكراتين والعبوات الضخمة.. بل ان أحدهم سرق (ديب فريزر).. ربما تفهمنا أولئك الذين كانوا في قلب الاحداث.. حين تعطل الفكر.. وأصيبت العقول بالذهول.. فما بال الذين يبررون للسرقة بأن الجوع كافر؟ وان الفئة الباغية هي من أخرجتهم للقتال ؟

لا مبرر للسرقة.. ولا تفهم لتدني الاخلاق والفوضى

في العراق.. بعد اجتياح الجيوش الامريكية للعاصمة بغداد.. ضربت الفوضى أرجاء المدينة.. واشتد النهب حتى وصل المتاحف والمرافق الأثرية.. لكن بعد أيام قلائل انتظمت الشوارع حملة ضخمة لاعادة الأشياء.. حمل البعض المايكروفونات وجابوا الشوارع يناشدون الضمير العراقي والانساني.. ويطالبون العراقيين باعادة المسروقات.. وقد كان.. فقد عادت أغلب الأشياء.. وليس هذا هو المقصود بقدر ما كان المقصود هو عودة الاخلاق والقيم.

هل عجزنا ان نفعل مثل ذلك ؟ كيف استطاع البعض النظر للصور تلك ولم يفكر ان يشارك في وقف هذه الكارثة ؟ الأمر ليس في مراهقين سرقوا في وضح النهار.. المشكلة في ان المجتمع جلس يتفرج وهو يضحك.. ويتداول الصور مع تبادل الاتهامات بأن السبب هو منهج الكيزان.. او السبب هو الدولة السائبة.. وتركوا الموضوع  المهم  وهو أن جيلاً بأكمله لا يرى عيباً في النهب او السلب.. وأهاليهم اختلط عليهم الامر حتى صاروا لا يرون بأساً في ان يدخل عليهم أطفالهم بمواد تموينية مسروقة.

لا يوجد هناك نقطة لا عودة منها  طالما كنا على قيد الحياة.. لذلك في امكاننا  الاستدراك واصلاح الامر.. يمكننا الآن ان نطلق حملة لعودة الضمير والاخلاق السوادنية.. دعونا نعتبر ان ما حدث نقطة فاصلة لن تتكرر.. وخطأ سنتعلم منه جميعاً..  لأن الازمات ستنتهي.. والضيق الى فرج باذن الله.. ستمر كل هذه المحن.. وستبقى فقط في الذاكرة والتاريخ.. هذه المواقف وتلك الصور.

الجريدة

تعليق واحد

  1. هذه نتيجة اللعب والمتاجره بالدين , حين رأى بعض أبناء الكيزان فعائل ذويهم, بعضهم ألحد. ثم جاءت ثورة الشباب فماذا حصل, شاهدوا كيف أن الفهلواتيه سرقوا منهم ثورتهم ولم يكترثوا لمطالب ثورتهم فى السلام والحريه والعداله بل إبتذلوها وإستغلوها فكان السلام سلام جوبا الذى أفضى إلى المحاصصات والتوزير تاركأ قاطنى المعسكرات لمصيرهم, وكانت العداله مماطلات تهدف لحماية المجرمين واللصوص وكانت الحريه حرية الجنجويد فى الحركه والتهريب وتأسيس بيوت الأشباح الجديده. السرقه التى لم يعاقب من قاموا بها هى سرقة مليارات من أموال هذا الشعب, بعضهم خرج بها عن طريق مطار الخرطوم يحمل معه الذهب والدولار. وهم الآن يعيشون فى تركيا والأمارات ومصر لا ينقصهم إلا عدم رؤيانا.
    الحكومه نفسها إستمرت تطبع العمله مما يخفض من قيمة الجنيه, يعنى بمعنى آخر أن الحكومه تدخل يدها فى جيب المواطن وتأخذ من ماله. هذه كلها حقائق يقف عليها هؤلاء الشباب صباح مساء وهم يعانون مع أهلهم.
    ثم يأتى رئيس الوزراء بحوكومته الجديده ليبشرهم بأن هذه السياسات التى أوصلتهم لهذا الحال ستستمر, أن أبشروا بمزيد من المعاناة.
    فى هذا الجو من تلك الممارسات التى تحبط وتولد الإحساس بالغدر , يجد هؤلاء الشباب أنفسهم فى صدام مع هكذا مجتمع بكل قيمه الكذوبه فيتمرد على هذه القيم ويعتبرها فقط وسائل (كما كانت إبان ال 30 سنه الكيزانيه) لتحقيق مكتسبات.
    ما يفعله هؤلاء الذين سرقوا الثوره وحولوها إلى مكتسبات له نتائج خطيره …..وهذا الحدث أحد تجلياتها.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..