(موية الشراب)..!.

خط الاستواء
* الأزمة المعيشية تمسك بخناق الناس.. كيلو اللحم حتى كتابة هذه السطور تعدى حاجِز المائتي جنيه، عندما تعود مساءً يرتفع الحاجِز وسيكون هناك سعر جديد لكل سلعة.. أصعب ما في أزمة المعيشة أن الكماسرة والسماسرة يتحكمون في مجمل الأوضاع بالخرطوم، إلى الدرجة التي تجعلك تعتقد، أنهم أحد فصائل (فرسان الكمين).
الكمساري والسمسار، وسيد الخدار، لهم في زماننا هذا بهرجة عجيبة، لو قدرت تسأل سيد العربية: وين التعريفة الرسمية للمواصلات، ممكن ينزلك في قارعة الطريق.. لو عاوز تأكل عيش لازِم تتذكر وزير البيئة.. لو عاوز تستأجِر درداقة أو تشتري حاجة، تصُم خشمك وتدفع البقولوهو ليك.. لو اختلفت مع الوسيط، فأنت لن تبيع ولن تشتري.. لو قلت الحقيقة، ح تلحق غندور، أو يطلع ليك واحد من الجماعة يشهيك موية الله.. الشكايات تصل إلى مقاصدها في ولاية الخرطوم.. ولدى كافة المؤسسات الرسمية، وإلى كل ناحية من نواحي دولة الإسلام الفتية، لكن منافذ الخِدمة، تنصح المواطنين الكرام بالصبر الجميل، تحدثهم عن ثواب وعذاب الآخرة، وتقارن بين استتباب أمنهم، وعذابات شعوب سوريا واليمن والصومال وليبيا، وهكذا..
مايكرفونات هيئة علماء السودان تفتي بطاعة ولاة الأمر، ولا تدري نفسٌ، أي ذنب يمكن أن يحرِّك سكون هذه الهيئة المُشرَّفة، ولا تدري نفسٌ، متى تدخل جماعة الأمر بالمعروف معتركاً يلامس أقوات الناس.. في سودان القرن التاسع عشر تنبأ المتنبئون السودانيون بمجيئ المهدي الذي سيملأ الأرض عدلاً، شريطة أن تكون الارض قد امتلأت جوراً.. هذا هو شرط الظهور.. وهل هناك يوم أسود مِن سواد هذا الليل؟.
وبالمناسبة، بمناسبة الطلب إلى المواطنين التذرع بالصبر، نذكر الهواة بحكاية فكي المويَة، حتى لا يضيقوا ذرعاً وتضيع عليهم فرصة العمر.. قيل أن الفكي كان من أهل الاشتياق لرؤية نبي الله الخدر، فأوصاه شيخه أن لقيا نبي الله الخِدر، سبيلها هو الاشتغال بسقاية الماء للناس.. ومن يومها انشغل الفكي بتأبُط كوز كبير، يملأ به الخُرُج من البحر، ويطلع إلى الحلة ليملأ الأسبِلة.
ذات يوم قائظ، خاض الفكي بحماره في الماء الضحل ووقف عند مجرى التيار، حتى يعبي الخُرُج من ماء النيل الصافي.. وبينما كان منهمكاً في ملء الخُرُج بالكوز الكبير، وقف بمحاذاته رجل أدعج أزج الحاجبين، فوق صدغيه لحية عليها رذاذ مشيب..
طلب الغريب من الفكي أن يعطيه شربة ماء، والحّ في الطلب: أنا عطشان.. داير أشرب.. أديني شوية موية.. أرويني من مويتك دي.. ولما كان الفكي مشغولاً بالكوز الكبير، ضاق ذرعاً بالغريب اللّحوح، الذي لم يكن سوى نبي الله الخدر، والله أعلم.. قال له متبرماً: الموية ياها دي تحتك، دنقِر أشرب أكان دايِر تشرب..!.
وفجأة اختفى الغريب وضاعت فرصة العمر، لكنها لن تضيع مع سعادة والي الخرطوم، الذي بامكانه أن يرى سلفه عياناً بياناً، إن أوفى وعده بتوفير موية الشراب لأهالي الخرطوم، فقط موية الشراب يا سعادتَك، والباقي كلّو هين!.