أخبار مختارة

لا زال البنك المركزي بعيدا عن الوضوح والشفافية

الهادي هبَّاني

صرَّح البنك المركزي علي لسان نائب المحافظ خلال مخاطبته ورشة عمل حول فعالية نظام مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب في المصارف والمؤسسات المالية التي نظمها بنك السودان المركزي بالتعاون مع اتحاد المصارف السوداني واتحاد المصارف العربية (بمواجهة المصارف السودانية عقبة الجانب الفني عقب رفع اسم السودان من قائمه الإرهاب وسط توقعات بالانفراج والاندماج مع المصارف العربية والعالمية) وقال: (بعد ثورة ديسمبر توقعنا الاندماج مع المصارف العالمية لكننا وقعنا في فخ آخر وهو الجانب الفني، وأشار إلى أنه عقب تشديد العقوبات على السودان في العام ٢٠١٤م فقدت المصارف ٨٥٪ من المراسلين وخلق إشكالات للمصارف وعدم انسياب للتجارة) وفي صياغ آخر قال (لابد من توفر مطلوبات فنية بالمصارف لانسياب معاملاتها مع البنوك العالمية). 

وللأسف الشديد هذا الكلام يحتوي علي تغبيش يصرف الناس عن الأسباب الحقيقية وراء العزلة التي تعيشها المصارف السودانية بل ويعيشها القطاع المالي والمصرفي كله عن النظام المالي والمصرفي العالمي فلا زال البنك المركزي يتحري الكذب والتضليل بمحاولة تبرير هذه العزلة بأنها نتاج أسباب فنية لم يكلف نفسه حتي تحديدها وشرحها. 

فقد قلنا في مقالات كثيرة سابقة (ولا نمل التكرار) لا يمكن مهما بلغ البنك المركزي من قدرة علي التبرير في ظل الواقع المؤسف الذي يعيشه القطاع المالي والصرفي في السودان حاليا أن يندمج مع القطاع المالي والمصرفي العالمي إلا بعد إعادة هيكلة القطاع المالي والمصرفي هيكلة كاملة رأسا علي عقب. فالبنوك لا تمتلك إحتياطي من النقد الأجنبي وهي بذلك لا تستطيع إبرام أية اتفاقيات مراسلة مع البنوك الأجنبية وعمل شبكات مراسلين واسعة كما كان في السابق قبل نظام الإنقاذ لعدم قدرتها المالية علي ذلك، وأن ورؤوس أموالها كلها مجتمعة لا تساوي رأس مال بنك واحد محترم في دول الجوار القريب، وقد فقدت شبكة مراسليها وهي مدينة لها بأموال طائلة، وفقدت مصداقيتها أمامها فضلا عن ضعف نشاطها التجاري وعدم جاذبيته لأي بنك أجنبي، وفوق ذلك فهي تعج بالفساد غير المحدود وهيمنة الدولة العميقة وتجارة العملة وغسيل الأموال وتمويل الإرهاب وضعف السيولة المحلية وضخامة حجم المخاطر الائتمانية والتشغيلية، وعدم التوافق مع المعايير المالية والمصرفية الدولية إسلامية كانت أم تقليدية. هذا فضلا عن ضعف وعدم استقرار الرقابة عليها، وعدم استقلالية السلطة النقدية العليا ممثلة في البنك المركزي وارتهانها لمصالح الطفيلية الحاكمة (مدنية وعسكرية) وأن كل التعميمات والمناشير الكثيرة المتضاربة التي تصدر عن البنك المركزي تصب في مصلحة هذه الطبقة كما شرحنا ذلك بشكل مفصَّل في سلسلة حلقات متكاملة عن إعادة هيكلة البنك المركزي. 

كيف تندمج هذه البنوك بهذا الوضع المؤسف مع النظام المالي والمصرفي العالمي؟ فإذا كان البنك المركزي قادرا علي خداع الشعب واستغلال عدم معرفة الكثير من الناس بالمصطلحات المصرفية ولغة القطاع المالي فهو لا يستطيع خداع النظام المالي والمصرفي العالمي فهو نظام لا يتعامل بالواسطات أو بالعلاقات الدبلوماسية والتسويات السياسية وإنما بموجب معايير ومتطلبات مالية ومصرفية معلومة تماما للبنك المركزي نفسه ولكنه لا يستطيع إليها سبيلا ويقف عاجزا عن الوفاء بها ففاقد الشئ لا يعطيه. 

متطلبات إعادة الهيكلة والحلول واضحة ولكن لا البنك المركزي ولا الحكومة يستطيعون الإقدام عليها لأنهما لا يملكان قراراتهما ولا يستطيعان اتخاذ قرارات تتضارب مع مصالح الطفيلية المتحكمة في كل مفاصل الاقتصاد. وفيما يلي نعيد هذه المتطلبات مرة أخري ونتمني أن تجد أذن صاغية وشجاعة من البنك المركزي والحكومة ووضع شعارات الثورة ومصالح الشعب فوق الشعارات وكل المصالح:

أولاً:

إعاد هيكلة البنك المركزي هيكلة كاملة وفقا للورقة التي تقدمنا بها وتم نشرها في الراكوبة وغيرها من المواقع في عدة حلقات مطولة ومفصلة بعنوان (هيكلة البنك المركزي ضرورة لهيكلة القطاع المالي والمصرفي) ويمكن للقارئ الكريم البحث عنها في قوقل بنفس العنوان مع إضافة إسم الكاتب.

ثانياً:

تصفية الدولة العميقة من كل القطاع المالي والمصرفي دون أي تردد أو تأخير بما في ذلك البنك المركزي، المصارف، شركات التأمين، الصرافات، شركات التمويل الأصغر، شركات الإجارة، وسوق الخرطوم للأوراق المالية باعتبار أن القطاع المالي والمصرفي هو أكبر القطاعات التي شملها التمكين في العهد البائد وأصبح مستعمرة وقلعة محكمة للنظام البائد وأنصاره ولا زال علي نفس الوضع وأية رغبة في الإصلاح مهما كانت صادقة لن يكون لها معني وستواجه بمعوقات وحواجز وتآمر الدولة العميقة وسيكون مصيرها الفشل.

ثالثاً:

مطالبة البنوك مطالبة صارمة غير قابلة للإلغاء بزيادة رؤوس أموالها بما لا يقل عن 50 مليون دولار كحد أدني لأي بنك علي حدة أو الإندماج مع بنك أو أكثر. والهدف من زيادة رأس المال لأي بنك هو التوافق مع متطلبات اتفاقية بازل فيما يتعلق بالحد الأدني لكفاية رأس المال، وليكون البنك قادرا علي مواجهة كافة المخاطر الائتمانية والتشغيلية ومخاطر السوق ومخاطر السيولة والمخاطر القانونية ومخاطر السمعة وغيرها من المخاطر، وأيضا لضمان عدم استغلال أصحاب رأس المال لودائع العملاء بنسبة عالية من الرفع المالي حفاظا علي ودائع العملاء.

رابعاً:

أن يتم تغطية الحد الأدني من رأس المال البالغ 50 مليون دولار لكل بنك علي حدة بالعملة الأجنبية ليمثل احتياطي نقدي من النقد الأجنبي يتم من خلاله تمويل كافة التطبيقات الالكترونية المستحدثة المطبقة في الأنظمة المصرفية العالمية والتي تحتاج لمبالغ كبيرة نسبيا كتطبيقات بطاقات الفيزا والموبايل المصرفي والإنترنت المصرفي وغيرها من التطبيقات المستحدثة للشمول المالي. وليكون البنك قادرا علي ابرام اتفاقيات مراسلين مع البنوك الاقليمية والعالمية والتي تتطلب الاحتفاظ بودائع كافية من النقد الأجنبي لدي البنوك المراسلة لا تقل عن مليون دولار علي الأقل حسب شروط الاتفاق وحسب نشاط البنك وقدرته علي التفاوض. فبدون ودائع بالعملة الصعبة لدي البنوك العالمية لا يستطيع أي بنك عمل اتفاقية مراسلة مع أي بنك في العالم علما بأن البنك الأجنبي بنفس المسوي مطالب بإنشاء وديعة مقابلة بالعملة الصعبة لدي البنك المراسل له في داخل السودان وهو ما تفتقر له كل البنوك المحلية بدون استثناء. هذا بجانب ضمان قدرتها علي التوافق مع قرار البنك المركزي باعتماد النظام المصرفي التقليدي والذي يتطلب استثمار جزء من رأس المال لشراء التطبيقات والأنظمة الآلية الالكترونية اللازمة للنظام المصرفي التقليدي والتي لا تقل قيمتها عن قيمة التطبيقات الإسلامية والتي تشتمل علي منتجات النظام المصرفي التقليدي المختلفة تماما عن المنتجات المصرفية الإسلامية مثل الجاري المدين أو ما يعرف بالسحب علي المكشوف، خصم الكمبيالات، القروض النقدية المختلفة، وشراء النقد لأغراض السيولة خاصة فيما يتعلق بالتعامل فيما بين البنوك، وأيضا فيما يتعلق باحتساب تكلفة الأموال علي أساس أسعار الفائدة، أو خصم الديون أو التدفقات النقدية المستقبلية علي أساس سعر الخصم …إلخ.

خامساً:

تعديل كل التعاميم والمناشير الصادرة عن البنك المركزي فيما يتعلق بنظم الدفع المتبعة في البنوك بحيث يعتمد فقط نظام الاعتمادات المستندية والكفالات البنكية فيما يتعلق بالدفع الوارد أو الصادر وذلك لضمان تحريك النشاط التجاري للبنوك عبر الاعتمادات المستندية وخطابات الضمان ووقف كل أنظمة الدفع الأخري خاصة التي تسمح بالصادرات من أجل ترويج بعض المنتجات دون أن تكون هنالك اعتمادات مستندية فهذا هو أحد الشروط والميزات التي تساعد البنوك المحلية لإبرام اتفاقيات مراسلين قوية عندما يكون نشاطها التجاري كثيف وجاذب للبنوك الأجنبية التي تحقق أرباح وإيرادات ضخمة من عمولات تداول وقبول الإعتمادات المستندية أو الإخطار بها أو تعزيزها. وأن يتم ذلك بوجود نظام رقابي يعتمد علي تعليمات ثابتة ومستقرة لمدة لا تقل عن خمسة سنوات حتي تعمل البنوك بشكل مستقر حتي تستطيع وضع سياساتها وإجراءاتها وخططها وموازناتها بشكل متوافق مع هذه التعليمات ولا تكون مضطرة للتعديلات المستمرة لملاحقة واقع التعاميم والمناشير الحالية المتضاربة التي تصدر عن البنك المركزي والتي تلغي أو تتناقض مع بعضها البعض مما يجعل البنوك التجارية في ظروف ارتباك وعدم استقرار في التعليمات الرقابية. وأن تشتمل هذه التعليمات علي تعليمات خاصة بالنظام المصرفي التقليدي والتي تختلف في كثير من جوانبها عن التعليمات الخاصة بالنظام المصرفي الإسلامي.

سادساً:

إلزام البنوك بتطبيق أنظمة مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب بالشكل الذي تم تفصيله في الورقة المقدمة من الكاتب والمنشورة بتاريخ 6 مارس 2019م بعنوان (آلية استعادة الأموال المنهوبة لخزينة الدولة بعد إنتصار الثورة) والتي اشتملت علي إجراءات دقيقة ومفصلة لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب استنادا إلي المعايير المعتمدة عالميا من قبل مجموعة العمل المالي (FATF) والمضمنة في توصياتها وقراراتها والمطبقة في المصارف والمؤسسات المالية العالمية والتي لا يسع المجال في هذا المقال لذكرها تفصيلا ويمكن للقارئ الكريم البحث عنها بالعنوان المذكور وإسم الكاتب في قوقل. علي أن يشتمل ذلك فرض البنك المركزي علي البنوك تأسيس إدارات مستقلة قوية ومؤهلة لإدارة الألتزام، وشراء أنظمة محكمة ومتطورة من الأنظمة الآلية المعتمدة لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.

سابعاً:

إلزام البنوك برصد موازنات كافية للبرامج التدريبية في كافة البنوك والمؤسسات المالية في مجال الصيرفة الإسلامية والتقليدية وفي مجالات الالتزام وإدارات المخاطر والأنظمة الآلية المطبقة والتطبيقات التي لها علاقة بالشمول المالي وأنظمة الأمن الألكتروني وبالتعامل مع النظام المصرفي العالمي وتطبيقاته المختلفة وأن يشتمل التدريب علي برامج تدريب محلية وأيضا خارجية لتبادل الخبرات وتطوير معارف وخبرات العاملين وأن تكون عملية التطوير عملية مستمرة ومكثفة. وأن يتم ربط الجامعات والمعاهد العليا باحتياجات القطاع المالي والمصرفي بحيث يتم الترشيح للوظائف التي يحتاجها منذ السنة النهائية للدراسة الجامعية بحيث يتم التوظيف كمتدرب بأجر ويتحول إلي موظف رسمي في المؤسسة المالية التي تدرب فيها بمجرد التخرج كما كان مطبقا في الماضي في عدد من القطاعات. والعمل في المستقبل علي تضمين مادة مبادئ الاقتصاد ومبادئ المحاسبة ومبادي النقود والبنوك في مناهج التعليم العام قبل الجامعي كما يحدث في كثير من بلدان العالم.

[email protected]

‫8 تعليقات

  1. من اين تاتي الشفافية والوضوح وانت لم تغير او تعين كوادر الثورة البنوك تعمل في اخطر من الشفافية بالعلن هي من تتحكم بتحويلات المغتربين لصالح تجار وفسدة الكيزان والمخالطين

  2. # تحليل ممتاز…..ولكنه غير واقعي في ظل الظرف الحالي للبلد. وذلك ببساطة أن الذين يملكون سلطة القرار…هم المستفيدون من الوضع الحالي!!! وكما يقال (الذي بيده القلم لا يكتب نفسه شقي)!!!
    # فوضع الدولة كله يحتاج اعادة صياغة وترتيب!!! فلا يمكن ان يكون الص شريفا!!!
    # فالبلد تحكمه المليشيات والعصابات والحركات المسلحة!! فماذا تتوقع بعد ذلك!!! فالدولة مختطفة!!!
    # بصحيح العبارة لا توجد دولة حقيقية!!! وما تراه الان هو مسرح العبث!!! والدليل علي ذلك تداخل وتعدد السلطات!!! فالكل يفعل ما يشاء!!!! فالبرهان يطبع بمزاجه!!! وحمدوك يقرر لوحده مع الحلو!!! وحميدتي يبرطع علي هواه!!! فيعين نفسه نائبا لرئيس مجلس السيادة!!! وعندما لا يعترض احد…ويشعر بأن البلد هلا ساكت!!! يصبح النائب الأول!!! رغم انف الوثيقة الدستورية!!!!
    # اصحي يا اخي هباني!!! فلنوجد الدولة أولا!!!

  3. مقال شافى ووافى شخص المشكله ووضع الحلول والتى إذا لم تطبق سنظل فى هذه الحلقه المفرغه.

  4. نورك الله الاستاذ هباني ،، زادت مخاوفنا اكثر الان ،، اللهم انتقم ممن كانوا السبب في تدمير حاضر السودان ومستقبله

  5. تذكرت للاسف قصة بعد ارسلت التعليق الاول مرة عمي وهذه قصة حقيقية كل تفاصيلها قال لي ياولدي ما تستهين وتحتقر باي زول واي زول في القبيلة او المجتمع له يوم وضرب مثل قال لي الصعلوك في اليوم الذي يحتاجه المجتمع قال لي مرة عمك فلان دا وهو من تجار الجملة الكبار بالمنطقة زمن الزمن زين قبل الفسدة الكيزان وكتار ضحايا الكيزان في البزنس ياتبيع اخلاقك يا تفلس بالحرب عليك ما علينا ندخل في القصة عمنا فاتح محله هجم عليهم سكران والسكران زول مانع قوي عشرة رجال ما يختوهوا في الواطه طلب يشيل حاجات من المحل بالقوة وبلا قروش حاولوا يراضوهوا بحاجات اقل من طلبه المبالغ فيه اثناء النقاش والنقار جاء مار عمنا تاني برضوا بتاع شربه وضحك وكان بستهزا به يعني ما ماخذ احترامه كامل حسب زول شربه اليوم دا احترموهوا نادوهوا انقذ ليك عمامي من موقف محرج قال عشان كدا ياولدي الصعلوك ليه يوم نحن ثوار اعطونا يومنا وحقنا ما كل مناحي الحياة افندية الحياة تكامل الاهم الاخلاص والصدق للوطن بعيدا من الانا

  6. كم انت رومانسي يا هباني
    انها لم تسقط بعد….
    رجال الانقاذ ما زالو في السلطه ومفاصل الدوله
    من المدير للغفير…

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..