أوردغان .. الصعود الى الأسفل ..!

على الرغم ما تفعله الدول الغربية بديمقراطياتها من توسع عسكري و تمدد إمبريالي في بلاد الآخرين جرياً وراء سعة خيالها الذي يتبع ظلال وشموس مصالحها كيفما شاءت .. لكن من حسنات تلك الديمقراطيات على مختلف أشكالها الرئاسية والبرلمانية منها أو ذات النظام المزدوج .. أنها على مستوى التطبيق الداخلي يحكمها تظام دستوري صارم وإن لم يكن مكتوباً كالحالة البريطانية التي تختلف قليلاً في عدم تحديد مدة بعينها للحزب الفائز بالأغلبية للبقاء في الحكم منفرداً أو مؤتلفاً كالوضع الراهن هناك ولا غضاضة في أن يستمر رئيس الوزراء تبعاً لذلك التفويض ولعل حكم السيدة الحديدية الراحلة مارغريت تاتشر لبريطانيا مايزيد عن العشرة أعوام متواصلة خيرُ شاهدٍ على ذلك كمثال قريب !
فمن محاسن تلك الديمقراطيات أنها تحكم مدة الحاكم المنتخب بفترات محددة يترجل فيها عن سدة الحكم إما مهزوماً اثناءها إنتخابياً او بعد ذهابه عند إنقضائها وطبعاً في حالة وفاته !
وذلك لإعتبارات لا تخلو من الحكمة في لجم النفس البشرية التي هي أمارة بالسوء إذا ما داخلها الشعور لدى الحاكم .. فيصل به غرور الإستطالة ليقول أنا الدولة وما الدولة إلا أنا!
في عالمنا الثالث الحالة الأخيرة وهي الموت أو الثورة عليه هما الحاكمان فقط لإزاحة من يرتقي سرج الحكم على ظهر الأمة ..!
فهو إذا ما حكم اربعين عاماً او يزيد .. وحينما يقول له مواطنوه .. إسترح يا زعيمنا فقد أبليت بلاءً حسناً وكفيت ووفيت .. فإنه يضرب على الطاولة بقبضته العنيفة مقطباً جبينه ومتسائلاً .. من أنتم !
وحينما ينقضي به ربع قرنه الأول فاشلاً.. فيجد أنه لم يكن متفرغاً خلالها تماماً لتحقيق التنمية عبر تدميره لكل مشروعات الإنتاج فيها ويكتشف أنه كان يقود أناساً لم يحسن الشيوعيون تربيتهم فإنه حتى يعيدهم الى الطريق السوي ليمشوا على العجين المعدوم في عهده دون أن يلخبطوه .. فإنه يستأذنهم بالبقاء ربع قرن آخر يبدأه بخمسة أعوام منتخباً بما يرضي الله والشعب .. !
وإذا ما سأله شاعر شفاف يمثل ضمير الوعي في بلاده المنكوبة مثل أزهري محمد علي .. خمسُ سنوات لماذا ..؟
وهي لن تكفيك لبناء مجرد شارع واحد !
يقوم أمن الرئيس بمنعه من السفر حتى لا يغرد بعيداً فيجلب له هواءً حاراً عبر نافذة زنزانة الوطن الكبيرة !
السيد رجب طيب أوردغان لم نخفِ إعجابنا حينما قفز ببلاده الى مصاف الدول الإقتصادية الكبرى ورفع مستوى المعيشة والخدمات والتنمية الزراعية .. بل ان الغرب قد صفق له باعتباره اسلامياً وطنياً مستنيراً يسلك الديمقراطية للوصول الى الحكم!
هو اليوم يتلقى إنذاراً شديد اللهجة من المجموعة الأوربية لكونه قد حاد عن خطه الأول فبات يعتقل حرية الإعلام ويصادرها بعد أن عدل الدستور واصبح رئيساً للجمهورية بصلاحيات واسعة تتيح له الحكم منفرداً بعد تهميش منصب رئيس الوزراء ..فأبعد حليفه عبد الله غل الذي إنتقد سياسات صديقه الودود أوردغان اليوم جهاراً نهارا وهو الذي دخل في صراع شرس يهدد بشق البلاد مع الشيخ فتح الله غولن وقد كان سبباً في صناعته كسياسي !
الرجل إستمرأ شهوة السلطة وأنقلب على نفسه مائة وثمانين درجة وهو اليوم يهدد بقطع شعرة أتاتورك مع أروبا كلها .. إذ كيف ينتقدوه ..!
ثم قال لبشار الأسد كن حريفاً( وتدكتر) مثلي عبر الصندوق الإنتخابي على الطاولة الناعمة وليس صندوق المتفجرات من الجو الحارق !
وكل الدلائل تشير الى أن الرجل يتصعد الى أسفل بإندفاع شديد .. و يبحث عن بوابة النهاية حقاً، بينما الشعب التركي يعد في أرجله ليسندها على ظهره دفعاً له الى ذلك الخروج إن لم يكن عبرهذه الأزمة .. ففي اول إنتخابات قادمة أو أن الجيش سيقول كلمته الفصل فيه ويضرب له تعظيم سلام السقوط !

محمد عبد الله برقاوي
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. لك التحية و الاحترام استاذ برقاوي سرد مختصر ومعبر و وافي عن الوضع السياس

    في تركيا….الصعود الي الاسفل هو اجمل تعبير للحالة الراهنه..معي زملاء مهندسين

    اتراك في المكتب بيهنوك ويشكروك علي المقالة الجميل….

  2. مع احترامي للكثير من مقالاتك الا ان هذه المقالة تشير بوضوح ان المامك بالشان التركي ضعيف للغاية ان لم يكن ضحلا. مقالك يوحي بان اردوغان سيصير رئيسا لتركيا مدى الحياة على نمط الديكتاتوريات العربية او الممالك العربية المعروفة. لمعلوميتك الدستور التركي يتيح للرئيس دورتين فقط مدة كل منها خمسة سنوات يعني شئ مشابه لاميركا. واردوغان لم يعدل الدستور التركي ليصبح رئيسا منفردا . كل ما في الامر ان هناك سلطات يعطيها الدستور للرئيس لم يستعملها الرؤساء الذين سبقوه لكنه قرر ان يفعل ذلك .واللائحة الداخلية لحزب العدالة والتنمية تحدد ثلاثة دورات برلمانية فقط مدة كل منها اربعة سنوات لكل عضو برلماني ينتمي للحزب. وحاولت عدة جهات في الحزب تغيير هذه اللائحة لجعل الترشيح مفتوحا لكن اردوغان هو الذي رفض ذلك بشدة. ليس كل هذا دغاعا عن اردوغان ولكن عندما يتصدى كاتب عمود راتب لقضايا دولية لا بد له من تحري الدقة المتناهية او ليصمت افضل له وللقراء حتى لا يعطيهم معلومات مضللة.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..