مقالات، وأعمدة، وآراء

 مزرعة الحيوان .. انتصارات صغيرة

فائز الشيخ السليك

فضاءات

 

بعد أن حققت ثورة الحيوانات في رواية جورج أورويل، هدفها بهزيمة استبداد الرجل المستبد وقاسي القلب السيد جونز، تفجرت الصراعات بين رفاق الأمس، وانتهت الثورة بإعادة إنتاج منظومة الاستبداد القديمة داخل قنٍانٍ جديدة، حملت ذات الخمر العتيق، خمر القهر والاستبداد،  حدث ذلك بعد أن تسللت فيروسات كورونا الاختلافات ودبت داخل جسد التحالف الحاكم.

تذكرني رواية مزرعة الحيوان لجورج أويول، بمآلات كثير من الثورات التي لم تحقق أهدافها،

كان اللهث وراء الامتيازات سبباً من أسباب الصراع بين أبرز قادة تحالف الحظيرة في الرواية تحت شعار ” جميع الحيوانات متساوية إلا أن بعضها أكثر مساواة من غيرها”  لقد عبَّر هذا الشعار عن شح نفسٍ وهوى سلطة.

بذات طريقة أبطال رواية مزرعة الحيوان للكاتب جورج أورويل، سعى البعض، ولا يزال يسعى إلى إدخال الثورة السودانية إلى ذات نفاق إعادة إنتاج المنظومة القديمة بشكلٍ مختلف لكن يحمل في جوهره ذات الجينات والسمات والقيم القديمة رغماً عن أنف الشعارات والتضحيات والمشاركة في ثورة الانقضاض على السيد جونز، وسعى بطل الرواية إلى خلق عداءات وتخويف الناس وتقسيم امتيازات.

ثار كل السودان، خلال ثورة ديسمبر المجيدة؛ واشتعلت شوارع البلاد من أقصى الشمال إلى أعلى الجنوب، وسرى تيار قوة التغيير  داخل كل الأسلاك المتشابكة  والرابطة للنضال الوطني من الدمازين الى حلفا، ومن بورتسودان إلى الجنينة، فأصبحت الثورة ثقافة، والتف معظم السودانيين حول شعار (حرية سلام وعدالة)، كان تجمع المهنيين هو القيادة والريادة وهو الذي ارتبط طوال فترة الحراك بكلمة  (يمثلني) التي مثلت مفتاح سر الحشود وافتخارها بالانتماء إلى ذلك الجسم، ومن ثم إسقاط البشير وقيادته لكن بقيت لجنته الأمنية بعد إعلانها الانحياز إلى الشارع والتفاوض مع ممثليه في قوى الحرية والتغيير.

جاءت معادلة ميزان القوى، أو معادلة الضعف والقبول بالأمر الواقع على أمل أن يفتح الاتفاق نوافذ مشرعة لدخول رياح التغيير باعتبار أن الثورة فعل مستمر، وما اتفاق الوثيقة الدستورية سوى فعل في هذا الحدث الزمني.

رفضت قوى سياسية قليلة الاتفاق مع العسكر، لكن رأت الأغلبية ضرورة التعامل بواقعية، وقبلت أن يكون العسكر جزءاً من التغيير،  ومع ذلك ما انفك بعض قادة وعناصر المكون العسكري يعملون آناء الليل والنهار من أجل تعطيل عجلة التحرك نحو المدنية بوضع العقبات في الطريق، والتخطيط لصناعة فوضى وتوسيع دوائر الانفلات الأمني حتى يجد المواطن نفسه محصوراً بين خيارين لا ثالث لهما.

يجد المواطن نفسه بين خياري الحرية بلا أمان، أو الأمن مقابل القمع وفق نظرية صناعة الفوضى،  فلو اختار المواطن الحرية عليه دفع فاتورة أمنه وسلامه، وإذا اختار حريته فسيكون مقابل اختياره موافقته على كل سياسات وإجراءات القمع.

تتسع يومياً دائرة العنف، وتنتشر كل أنواع الجريمة بطريقة منظمة  تؤكد وجود قوى أمنية تخطط وتحرك الجماعات المهددة للأمن.

المؤكد أن أداء الحكومة التنفيذية لا يزال دون سقف طموح الثوار العالي، بل إن المؤشرات تشير أكثر إلى تآكل شعبية الحكومة الانتقالية، بالطبع لا توجد إحصائية دقيقة، لكن تظل الملاحظة واحدة من وسائل رصد الظواهر ومعرفة اتجاهات الرأي العام، وينعكس العجز أكثر في أداء الخدمة المدنية، ويكفي نظرة إلى صالات مطار الخرطوم لتعرف نوع الأداء، أو معانات المواطنين في مكاتب استخراج الأوراق الثبوتية وجوازات السفر، وفي تراجع إمداد التيار الكهربائي وانقطاعه لساعاتٍ، وفي جموح أسعار السوق.

يقف على الضفة الأخرى من النهر، أي نهر الفعل السياسي، مئات من ” الناشطين” و ” المثقفين”  في موقف عداء بائن جداً  للمكون المدني  في الحكومة، ويبثون خطاب الكراهية ضد الأشخاص المشاركين في الحكم،  ويتعاملون في الحوار باستخفاف مع المحسوبين من الحكومة، يوزعون عليهم بطاقات التخوين والعمالة، يصطادون الأخطاء، ويفرحون لحدوث أي إخفاق من أجل إقامة حفلات الشواء والتنمر عبر وسائط التواصل الاجتماعي.

يسمى علم النفس الاجتماعي عدم القدرة على التفكير خارج الصندوق  بطرائق تفكير العقل المعياري، وهو عقل مسطح، لا يسبر أغوار القضايا بسبب قصور التفكير الجدلي، ويتجلَّى هذا القصور في تعامل الفرد مع الحقائق بالإطلاق، الحقيقة المطلقة هي التي يمتلكها هو، ولا مكان لشيء اسمه  النسبية، وبذلك يقع ضحيةً للتضليل ، مثلما يسعى هو إلى تضليل الآخرين  من خلال التعميمات المُضرَّة، والتبسيطات المُخِلَّة للقضايا، أو تلك التي تأخذ الأمور مُعممةً تعميماً بلا منطق، أو  إعمال الذهن للتفكير بمنطق للبحث في تناقضات الأشياء، وصراعاتها وديناميتها.

 

أما المكون العسكري فقد ظل معظم الوقت بعيداً عن إنجاز مهامه خلال الفترة الانتقاليةـ وقليل الحساسية إزاء دوره في حفظ الأمن، ووقف الانفلات الأمني، وفي تحقيق السلام حسبما نصت الوثيقة الدستورية واقتضت الشراكة، فلا تزال الدماء تسفك على مرأى من القوات النظامية بكل مكوناتها.

طبيعي أن يمارس الإسلاميون هوايتهم في الرقص على أنغام العسكر، بل لن يكون مدهشاً لأي مراقب حصيف وجود مخطط يهدف إلى نسف الاستقرار، وهزيمة فكر الحكم المدني، ويشهد على ذلك تحركات كبيرة لفلول الإسلاميين.

يحرك الإسلاميون خلاياهم، أو كتائب ظلهم داخل الخدمة العسكرية، وفي الشوارع، وعناصرهم داخل القوات النظامية، ويدفعون نحو الفتنة القبلية، مستغلين التنوع الثقافي في كل أطراف البلاد، مثلما يحركون بيادقهم الإعلامية في خوض حرب رأي عام شرسة تهدف إلى توسيع الهوة بين الشركاء من جهة، وبينهم وبين الشعب من جهة أخرى.

إن سيناريو صناعة الفوضى يذكرنا بما حدث خلال ثورات الربيع العربي، فشهدت مصر فراغاً أمنياً كبيراً بعد أن اختفت الشرطة من الشوارع بما في ذلك شرطة المرور ليسيطر البلطجية على كل الطرقات ويقتحمون المساكن في غياب تام للدولة.

لم تخلُ تونس كذلك من مظاهر اضطرابات وصلت حد تفجيرات وعمليات انتحارية وحالات اغتيالات سياسية خلال فترة الانتقال الديمقراطي، لقد اقتحم مسلحون متطرفون متحف باردو في العاصمة وقتلوا( 21) شخصا أغلبهم من السياح، كما قتل أحد المسلحين في  سوسة 38 شخصا كلهم تقريبا من السياح الأجانب.

ويستخدم الإسلاميون في حربهم العابثة بأمن واستقرار الحكم المدني كل الوسائل غير المشروعة من أجل إضعاف هيبة الحكم، وإظهاره بمظهر الضعيف العاجز عن حماية المواطنين، ويستغل الفلول الضائقة الاقتصادية التي ولدت سخطاً بائناً في نفوس المؤيدين.

إن أولى خطوات الطريق من الدوامة الحالية وتفادي سيناريو الفوضى يكون بارتفاع قوى الحرية والتغيير إلى مستوى المسؤولية التاريخية بتوسيع قاعدة المشاركة، أن تقر بصعوبة الانتقال وأن تتأكد أن النخبة الصغيرة ستكون معزولة من الشارع، وأن تكوين المجلس التسريعي بمشاركة آخرين وأخريات خارج القوى السياسية.

تقع المسؤولية كذلك على من يريدون الفوضى من بعض عناصر المكون العسكري بإدراك وإشهار ورقة الفوضى لعبة خطرة،  وأنها متى ما تم القذف بها إلى أرض المعركة سوف تتدحرج كرة نار، وسوف تتسع دوائر لهيبها في كل الاتجاهات.

يتطلب الأمر كذلك من الناشطين والمعارضين من الثوار التفكير الإيجابي، بترك الخطاب السلبي، والعمل على إشعال شموع بدلاً من لعن الظلام، أن يوقفوا خطاب الكراهية بكبح جماح الغضب،. علينا جميعاً التخلي عن شح النفس ولو لحظة للوقوف مع الذات والتأكيد أن انتصارك في سجالٍ حواري لن تحقق تغييراً جذرياً وحقيقياً.

[email protected]

 

‫2 تعليقات

  1. دعنا من ترديد لغة الجمعيات الأدبية في المراحل المتوسطة سابقا (أوقد وألعن ونهاية النفق ….)
    أنت تتحدث حول الصراع على المصالح وأنت قبل أقل من سنة كنت أحد مستشاري حمدوك وصمت كحمل مسلوخ … لم ينعم الله عليك ب “بغم” حينها … واليوم فقدت المنصب ودولاراته فعدت تبكي أسفا على الثورة والثوار وأنت لا تبكي إلا على المنصب ودولاراته … من مؤشرات فشل حكومة حمدوك وشلته هو تعيين أشباهك مستشارين ووزراء وكل مؤهلاتك هي القرب من فيصل محمد صالح (الذي أصبح مستشارا صامتا اليوم وغدا نائحا باكيا بعد أن تتوقف الدولارات) لعن الله صبية السياسة وشللهم.

  2. الحاجات كلها بتتصلح لو فقط بطلتوا انتو العمالة لدويلات الخليج التي لا تتعدي تجربتها السياسية الروضة بالنسبة للسودان ،،،، الرجاء لا تبيعو الثورة بحفنة ريالات لا تشبع و لا تغني من جوع ،،،، انتو بالاخص في الحركة الشعبية بطلوا هبوط ناعم لصالح هطلات المشروخ الدماري ،،، باله ما تقول لينا تخوين و بطيخ و انتو العمالة راكبة فيكهم لصوف رأسكم ،،،،،

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..